جورج فارس
الحوار المتمدن-العدد: 2894 - 2010 / 1 / 20 - 12:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أيها الإله، تساءلت كثيراً أين أنت من زلزال هايتي؟ فقد مات وجُرح وتشرّد الكثير الكثير من الرجال والأطفال والنساء ورغم ذلك لم يصدر عنك أيّ تصريحٍ أو إعلانٍ لا بالتعاطف مع المنكوبين ولا لتبرير ما حدث.
لست هنا لأحدّد المسؤول عما حصل لكنني أبحث عنك في وسط هذه الفوضى العارمة وهذا الركام الهائل. وسواءً كنت شخصاً حقيقياً كما يؤمن البعض أو كنت مجرد فكرةٍ في مخيلة البعض الآخر، فما زلتُ أبحث عليّ أراك هناك.
للوهلة الأولى لم أكن أستطيع رؤيتك بسبب حجم المأساة الهائل، ولكني الآن يمكنني أن أقول أني أراك وليس فقط في هايتي.
نعم أراك في كل طائرةٍ تحمل المساعدات لأولائك المنكوبين.
أراك في كل مبلغٍ قد تم التبرع به لدعم المساعدات.
أراك في دموع المتعاطفين الذين لا يستطيعون تقديم أي نوع من المساعدة.
أراك في قلوب من ارتفعت صلواتهم لأجل أولائك المفجوعين.
أراك في يد كل منقذٍ يحاول العثور على ناجين بين الأنقاض.
أراك في كل لعبةٍ أرسلها طفلٌ ما في العالم كي يخفف من أحزان طفلٍ آخر هناك.
أراك في عمق كل من ترك عائلته مسافراً إلى هناك لتقديم يد العون.
أراك في العائلات التي تقدمت لتتبنى طفلاً مات أبواه تحت الأنقاض.
أراك في كل جنديٍّ يحمل بيده الطعام بدلاً من البندقية ليوزعه على الجائعين.
أراك في كل ضمادٍ يغطي جرحاً ودواءٍ يشفي الآلام.
نعم أراك في كل انسانٍ أدمى قلبه لما حدث فهرع يقدم ما يستطيع من المحبة لأولائك البشر.
نعم أيها الإله، أنا أراك رغم حجم المأساة الهائل، لكن عتبي عليك يأتي من أولائك المتشدقين الشامتين الذين أصمّوا آذاننا بالتسامح والمحبة وبأنك مُلكَهم وحدهم دون باقي الأمم في الوقت الذي يشير فيه واقعهم إلى غير ذلك، فهم قد صمتوا لا بل شمتوا لا بل منهم من رقص وهلّل باسمك فرحاً برائحة الموت وصوت الألم، ولا أعلم كيف يمكن لهم أن يروا سوادهم وخزيهم ويدركوا أن رائحتهم قد أصبحت عفنةً على مدار كرتنا الأرضية، ولا أعلم أيضاً كيف يمكن أن يدركوا أن إلههم الذي يعبدونه لا يملك أي ذرةٍ من الإنسانية وهذا ما أفقدهم انسانيتهم.
أيها الإله، قد لا يراك الكثيرون كما أراك لكني متأكدٌ من أنهم يؤمنون بوجود الخير ويؤمنون أن الإنسانية لن تكتمل إلاّ عندما يحب البشر بعضهم بعضاً سواءً كانوا يؤمنون بوجودك أم لا.
#جورج_فارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟