عبد العزيز محمد المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 2894 - 2010 / 1 / 20 - 07:31
المحور:
سيرة ذاتية
قبل الرحيل .. او من احاديث الشيخوخة
ــــــــــــــــــــــ
من يعلم من ؟
الكاتب والمعلم المتقاعد عبد العزيز محمد المعموري -ناحية العبارة - بعقوبة -محافظة ديالى
الشيوخ يتصورون انهم يملكون كل الحكمة والمعرفة , اما الشباب فليس عندهم سوى الطيش والجهالة , اما انا فلست من اؤلئك الشيوخ المتغطرسين ولا ادعي بأن اولادي هم ثمرة تربيتي وتوجيهي , فبعضهم رغم حداثة اعمارهم يملكون من الحكمة اضعاف ما املك ويفهمون الحياة افضل من فهمي رغم اني اشرفت على الثمانين والتي ذكرها الشاعر :
ان الثمانين وبلغتها قد احوجت سمعي الى ترجمان
غير اني والحمد لله لم احتج الى ترجمان لسمعي ولكن الى اكثر من ترجمان لقدرات اخرى عجز عنها كل الاطباء والعطارين ( وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟ )
على كل حال اعود الى موضوع الشيخوخة وقد يسأل احد القراء : كم عمرك الان ؟ اجيبه كما مثبت ببطاقة النفوس : 77 عاماً وربما اكبر من ذلك , فما الذي حصدته من هذا العمر الطويل ؟
في مراهقتي الاولى كنت احلم بأن البس العمامة وارتقي منابر الوعظ لأقود الأمة الاسلامية والعربية من ضمنها الى نعيم الخلافة الراشدة واجعل من العرب والمسلمين قادة الدنيا ونبراس الخير والعدل والسعادة , ولكني اكتشفت بأن الاف الوعاظ والمعممين قد طرقوا الدرب دون ان يحصدوا شيئاً .. اما لماذا فلا ادري ؟
بعد ذلك فكرت بالشيوعية التي تزرع العدل والمساواة بين البشر وتحقق ما عجزت عنه الاديان السماوية والارضية لكن الشيوعيين لم يتقبلوني وظنوا باني لا اصلح لمسيرتهم ! وحاولت ان اطرق ابواباً اخرى ولكني لا ازال افتش عن الحقيقة دون الوصول اليها !!
كنت في مراهقتي وشبابي مولعاً بالادب , ونهمي للقراء لا ينتهي ومنذ سنة 1944 بدات اطالع مجلتي الرسالة والثقافة المصريتين وتعرفت على الزيات وطه حسين والعقاد , وقرأت لجبران خليل جبران وغيره من ادباء المهجر وكنت احلم بأن اكون مؤلفاً كبيراً وشاعراً لا يشق له غبار لكني ودعت الشعر لمناسبة طريفة حين كنت في الصف الثاني من دار المعلمين الريفية في بعقوبة سنة 1946 حيث جاءنا طالب غريب الطباع من الخالص كان اسمه ( عبد الحسين جليل ) , بعد ذلك سمى نفسه ( حسين جليل ) لأنه لا يقبل العبودية ! كان هذا الطالب شخصية غريبة , فهو المتفوق الاول على زملائه في كل المواد , وكان لاعب كرة ورساماً ويفهم في الموسيقى والسياسة وكان خطيباً ارتجالياً عجيباً لا يخطئ في النحو ولا يردد عبارة مرتين وكأنما يغرف من بحر . كنت قد نظمت قصيدة شعرية علقتها على لوحة النشرات وجاء هذا الطالب غريب الاطوار , نظر الى قصيدتي ثم اخرج قلمه من جيبه وكتب على ورقة القصيدة : ( هذا شعير وليس شعراً ) سالته مستنكراً : وهل تستطيــع ان تنظم افضل منه ؟ اجابني : سترى , واخرج من جيبه قصيدة لا تقل عن شعر ( ايليا ابي ماضي ) او غيره من شعراء المهجر! وهنا قررت ان انصرف عن الشعر الى النهاية !
كان عبد الحسين او حسين جليل كما عرفت اخيراً شيوعياً اندفع الى طريق السياسة مبكراً جداً فحصد السجن والمراقبة وترك الدراسة نهائياً , ولو لم يكن كذلك لكان اليوم ابرز شاعر عربي وعلمت انه هو واضع النشيد الشيوعي لشيوعيي العراق , ولكنه بعد مغادرة السجن قرر ترك السياسة الى الابد , فهل لا يزال حياً وماذا عن مسيرة حياته ؟ ارجو ممن يعرف عنه شيئاً ان يخبرني عن طريق جريدة ( البرلمان الجديد ) .
بعد قضائي ثلاث سنوات في دار المعلمين الريفية في بعقوبة , اديت امتحان المتوسطة خارجياً وانتقلت الى دار المعلمين الابتدائية في الاعظمية وفيها تعرفت على اول طالب غريب الاطوار ايضاً كان هو ( عبد الله سلوم السامرائي ) اعتقد انه غادر الحياة , كان هذا الطالب قد تعرف علي من مراسلات مستمرة مع المرحوم الشيخ ( ايوب الخطيب ) امام جامع سامراء الذي كان يعوه عبدالله ( خالي ) .
لقد كان ( عبدالله ) يقدس شخصية ( هتلر ) ويكره الشيوعيين والشيعة واليهود , اما انا فأختلف معه في كل ذلك , وكان يتصدى للمظاهرات التي يقودها الشيوعيون آنذاك فيمزق شعاراتهم , فينهالون عليه ضرباً مبرحاً يلجأ بعده لأخذ استراحة في حديقة دار المعلمين , ثم ينهض مرة اخرى لمواصلة العراك !
انتقل ( عبد الله ) الى دار المعلمين العالية وفي اخر سنة من دراستي في الدار جاء الى المقهى الذي نقصده لغرض مراجعة دروسنا قبل الامتحان النهائي , كان ذلك سنة 1950 كما اظن ، واخذ ( عبدالله ) يلقي علينا محاضرة عن الاستعمار والرأسمالية والاستغلال .. وهنا سألته : هل اصبحت شيوعياً ؟ اجابني : كلا .. لقد اصبحت بعثياً . ولم نكن نسمع بهذا الاسم الغريب ، قلت : ماذا تعني بالبعثي ؟ اجابني : هذا حزب قومي اشتراكي ، فأجبته : ( نعيماً لك) ولم يدخل كلامه في عقل احد من الطلاب .
وفي دار المعلمين الابتدائية تعرفت على المرحوم ( فيصل سامر ) مؤلف كتاب ( حركة الزنج ) كان ينصحني بان اواصل الدراسة ولا أكتفي بان اكون معلماً ، فقد كان يتوسم بي القابلية والادبية وقد كتبت تعريفاً بروايته المترجمة ( الاسلحة والرجل ورجل الاقدار) ففرح بذلك وشكرني كثيراً .
وحين فصلت من الوظيفة سنة 1955 وأخذت الى دورة الضباط الاحتياط في الكلية العسكرية سنة 1956 كان معي كل من الدكتور ( فيصل السامر ) والمرحوم ( ابراهيم كبة ) المفكر الكبير ، وقد اصبح كلاهما وزيرين بعد ثورة 1958 ، كما تعرفت على ( عبدالوهاب البياتي ) و ( عبد الرزاق عبد الواحد ) وكانا زميلي في دورة الضباط الاحتياط .
كان ( عبد الوهاب البياتي ) شخصية معتمة كما تصورته ، اما ( عبد الرزاق عبد الواحد) فكان منفتحاً وقد اصبح فيما بعد صديقي وكنت ازوره في محل الصياغة العائد له ، وبعد انقلاب 1968 شاهدته بجانب سيارته ( السوبر) في شارع الرشيد وكنت قد فارقته طويلاً فانفتح له قلبي وكدت احتضنه بشوق لكني فوجئت بتجاهله لي وكأنه لايعرف من انا ! فوا عجباً لمغير الاحوال .
وفي دورة الضباط الاحتياط كان من اصدقائي صديق المرحوم ( عبد الكريم قاسم ) والذي اصبح رئيس تحرير جريدة ( الثورة ) التي كانت تصدرها وزارة الدفاع او الاستخبارات العسكرية وهو ( يونس الطائي ) وقد توجهت لزيارته في مقر الجريدة فوجدته واقفاً وبحزامه مسدسان ، وبعد السلام تجاهلني تماماً ولم يطلب الى الجلوس ! فلماذا هذا التغيير ؟
اعود الى احاديث الشيخوخة والشباب .. اشعر هذه الايام بميل شديد للكتابة فطلب الى ولدي الدكتور ( عصام ) ان اتجنب الكتابة في مجموع حرف كلمة ( دبس) قلت : ماذا تعني هذه الحروف ؟ قال : قال : الدال يعني الدين ، والباء يعني البنات ، ويقصد النساء ، والسين يعني السياسة !
يا الله .. ماذا بقي لي من مواضيع اذا لم اكتب في السياسة فهي تفاصيل الحياة كلها ، اما المرأة فقد قال عنها رسولنا الكريم : اموت وفي نفسي من دنياكم ثلاث : المرأة والطيب وقرة عيني الصلاة ، فما قيمة الحياة بلا امرأة ، ومن منا شبع من الحب ولايتمنى الجنة الا لكثرة الحواري والجميلات فيها ؟
وأما الدين فهو كل هذه الهموم التي نهاني منها ، انه السياسة والمرأة والخبز الذي نأكله والدموع التي نسفحها والدماء التي تسيل شوارعنا عنا وهو ملاذ الجميع نحو الخير والسعادة وراحة البال ، فعن ماذا أكتب يا ولدي ؟
#عبد_العزيز_محمد_المعموري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟