عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2893 - 2010 / 1 / 19 - 22:03
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من يتمعن في مجريات الحياة السياسية العامة بعد سقوط الدكتاتورية في العراق، و يتمحص بدقة فائقة في مواقف الجهات و المكونات الاساسية للشعب العراقي و يلاحظ مدى تفاوت و تذبذب المواقف و تغييرها بين فترة و اخرة من قبل هؤلاء في المراحل المتعاقبة، و كيفية تعامل البعض مع المستجدات و تاثيرات القوى الخارجية و الداخلية على الاحداث و العملية السياسية برمتها، تُكتشف لديه نية كل جهة و مقدار استقلاليتها و ارتباطاتها و خططها و برامجها و حقيقة نظرتها الى الوضع الجديد و ايمانها بالتغيير، و ما يخفي و يعمل مع او ضد انجاح العملية و مدى مساعدتها في الانتقال من المراحل و العبور و تجاوز الاحداث و الازمات ، او خلقها هي بذاتها للعوائق و عرقلتها للمسيرة لاغراض و اهداف مصلحية ذاتية او بنيٌات مدفونة لديه لاعادة التاريخ و ارجاع ما فقدته من الملذات بعد التغيير.
ان الديموقراطية المتبعة في هذا البلد المعلوم الصفات و التركيب و الناريخ و المجتمع من حيث الروابط الاجتماعية و مستوى الوعي و الثقافة العامة، و مدى توفر الاسس و العوامل المطلوبة لنجاح هذه العملية بما فيها من تذليل الصعوبات. و بعد القاء نظرة على كيفية تطبيق الديموقراطية الحقيقية و ما تواجهها من المعوقات و نسبة نجاحها، و البحث عن نقاط الضعف و عوامل القوة المساعدة لنجاحها، يتوضح لدينا جليا ان العامل الحاسم في هذه الفترة القصيرة من عمر الديموقراطية التي تحتاج لعقود من اجل ترسيخها هو تعامل الجهات و الشخصيات و مدى ايمانهم و تواصلهم معها او ما تفرضه مصالحهم و ارتباطاتهم في الوقوف بوجه ما يسير عليه العراق الجديد.
منذ تاسيس الدولة العراقية كيفما كان، مرورا بانواع الانظمة و ما كانت سماتها و تعاملها مع الشعب و تغييرها بانقلابات و احداث دموية، و بعد ان وصلت الحال الى شدتها من القمع و الظلم طيلة خمسة و ثلاثين عاما، لم يتم التغيير و لاول مرة بانقلاب عسكري و سيطرة ثلة و اعادة تنظيم البلد و السيطرة عليه وفق هوى و عقيدة و فكر و ثقافة الانقلابيين، و انما التغيير جاء بشكل و طريقة مختلفة و جذرية بحيث اصبح الواقع مغايرا تماما لما كان من قبل و لم تبق المؤسسات الضرورية للدولة على حالها و بدات اسس انبثاقها او تاسيسها وفق ما يتطلبه النظام العالمي الجديد، و و اجهت صعوبات و حدثت تراجعات في مواقع هنا و هناك، الا ان الاستراتيجية الرئيسية العامة بقيت على حالها و هي الاعتماد على الديموقراطية و الاستناد على الدستور و الخصوصية التي يتمتع بها العراق و ما يلاقيه من تدخلات الاقليم و المصالح العالمية للدول الكبرى ، و اعتبرت هذه المرحلة من اهم المراحل لوضع الاسس الصحيحة لنجاح النظام العراقي الجديد، و بناء دولةحديثة، و وصفت على انها نقلة نوعية في تاريخ العراق، و تصبح التجربة طليعة لتعتمد عليها دول المنطقة و تؤثر عليهم مهما حاولوا من بناء السدود المنيعة امام تاثيراتها. و هذا ما يؤثر بدوره على فكرو نظرة دول المنطقة ، لذا عندما احسوا بما ياتي سخروا كل ما لديهم من الامكانيات المختلفة من اجل عرقلة هذا النظام و وأده من الاساس، و عندما ادركوا انهم لم يتمكنوا من ذلك حاولوا عدم انجاحه او تشويهه و التقليل من اهميته، و استغلوا افضل السبل و اقصرها لديهم وهو الدخول من الثغرات المفتوحة اصلا من حداثة العملية و فتيتها، و وجود ارضية لتدخلهم من توفير العناصر التي تضررت مصالحهم داخليا لاستغلالهم من اجل الوقوف ضد التيار، و صرفوا كل ما لديهم من الامكانيات و الطاقات للوصول الى غيهم و نحجوا في مواقع و حالات و مراحل معينة و اخفقوا في اخرى، الا ان التغيير اصبح واقعا و تتقدم المسيرة ببطء الا انها لم تتوقف لحد اليوم.
و كما هو المعلوم ان الديموقراطية تحتاج الى ارضية خصبة و عقلية و امكانية و ممارسات متتالية،و كان اكبر العوائق وجود من يقف ضد العملية منذ البداية، و ما شاهدنا من المقاطعة الجذرية للدخول في العملية السياسية من قبل البعض بداية، و الوقوف ضد التغيير بكافة الوسائل و منها الارهاب ، و من ثم المشاركة الخجولة، و الاهداف التي حملوها كانت في اكثريتها معوقة و ليست مساعدة، و من ثم التركيز على المشاركة الفعلية و اتباع سلاح الديموقراطية ذاتها من اجل الاهداف القديمة الجديدة ، و من اجل وأد العملية ايضا و بالاعيب و طرق مضللة باسم الديموقراطية و وقفوا منذ البداية امام امرار الدستورونفذوا ما لديهم من اجل الاهداف المستورة، و اساسها ضرب العملية السياسية كاملة و اعادة الاوضاع الى ما كانت عليه ان تمكنوا من ذلك، و هنا بدا تنفيذ الخطط المتعددة الجوانب المهيئة داخليا و خارجيا من التنسيق و التعامل مع الارهاب و استخدامها لاهدافهم ومن ثم تخفيفه في احيان اخرى، و هنا استغلوا النقص و التلكؤ في الخدمات العامة و حاولوا كسب عدد كبير من المواطنين من اجل الاعتراض السلمي و تهيج الشارع العراقي، و حاولوا خلق الفتنة الطائفية و كما يحاولون لحد اليوم خلق الفتنة العرقية لمنع الاستقرار ، و الهدف هو عدم اكتمال البرامج و الاستراتيجيات العامة و استغلوا مواقف و نظرات الدول الكبرى من تغيير الاستراتيجيات و محاولاتهم في توازن القوى من اجل تقوية دفتهم و ازدياد ثقلهم و تعاونوا مع الشيطان لتحقيق اهدافهم، و هنا حدثت اختراقات، فدخلت مجموعات و افراد الى العملية الساسية من كانوا حتى الامس القريب مع القوى المانعة و المعترضة و الارهابية من اجل استغلالهم مراكز السلطة، و اصبحوا في مقدمة من يعملون بازدواجية مع الجانبين اي مع الارهاب و السلطة معا، الى ان قوٌوا انفسهم لحد ما وبشكل ما من مرتكزاتهم و اعمدتهم و استندوا على ما كانوا يتمتعون به في العهد السابق من الامكانيات و الخبرات و القدرة على التشويش و التضليل، مع ما امتدت اليهم من يد المنتفعين من تصرفاتهم و المتعاونين معهم من دول الاقليم . و اليوم يحاولوا ان يعاودوا الكرٌة، و لكن ما هو الايجابي و الفارق بين المرحلتين انهم تاكدوا تقريبا من عدم نجاح وسيلة الارهاب بشكل تام فالتجئوا الى السلم بعض الشيء و يحاولون بشتى السبل القانونية و غيرها لعرقلة بناء الدولة على الاسس الجديدة و يعتمدوا على نفس الاسس و الطرق و الاساليب التي اعتمدتها الدكتاتورية داخليا ، و كما هي اعتقادهم و نظرتهم، لم يؤمنوا يوما و في قرارة انفسهم بالديموقراطية و حقوق الاخر و المواطنة للجميع و المساواة، و كانوا يتعاملون دوما باستعلاء ، و هذا ما غرز في انفسهم التكبر لكونهم بقوا عقودا طويلة مسيطرين على دفة الحكم و قوت الشعب مهمشين للاخرين بقوة الخارج و بكل الطرق و انتفع منهم الدول الاقليمية فقط ، و من ثم انعكست الاية و اضروا بانفسهم و من معهم جميعا.
اليوم و على الرغم من عدم ايمانهم بمفهوم الديموقراطية قولا و فعلا، و ينتمون فكرا و عقيدة للعهود السابقة، يلعبون بنفس الالة و على النغم ذاتها و يحاولون العرقلة بشتى الوسائل و ليس التكامل و التعاون و المشاركة في الحكم و المساعدة لانجاحه في العراق الجديد، فان كانت الانقلابات العديدة التي حدثت في الماضي و المحاكم الصورية التي عقدت بعدها لانهاء السلطات التي سبقتها، فاليوم و استنادا على الاساس الصلب و هو الديموقراطية التي تعتمد على اعمدة و ركائز مختلفة و التي من الواجب توفرها و منها الطاقات البشرية المؤمنة بها فكرا و عقلية و تطبيقا لمنع تكرار الماضي، و يفترض على المهتمين بمستقبل العراق ان ينظفوا الطريق الطويل اللازم لترسيخ الديموقراطية ، و هذا ما يُتمم بتهميش اللاديموقراطيين و منعهم سلميا و ديموقراطيا من منع نجاح العملية السياسية، الى ان تنمواو تنضج اجيال جديدة ديموقراطية المنشا و التعليم و الفكر و العقل و الصفات و الاخلاق، و هنا يجب الاعتماد على الطبقة الكادحة و المغدورين و المظلومين و المستضعفين و المتضررين من النظام السابق قبل غيرهم في هذه المرحلة ، و في طليعتهم النخبة المثقفة الواعية صاحبة المواقف و الابداعات بعيدا عن المنتفعين و الانتهازيين منهم، و افساح المجال و توفير الفرص للدم الجديد و النظيف لادارة العملية السياسية و قيادتها في المستقبل القريب، و لا يمكن ان تتغير الشخصيات التي عاشرت المرحلة السابقة و استاثرت بها و انتفعت منها بشكل كبير ان تعيد النظر في طبيعتها و افكارها كاملة ، و هذه هي طبيعة البشرية فانها تمتلك النرجسية و حب الذات و يمكن التقليل من تاثيراتهم و هذا ما يحتاج لوقت، و هنا يمكن ان نقول ا تهميش اللاديموقراطيين و تامين حياة حرة لهم بعيدا عن امكانية ادخالهم في العملية السياسية من ضروريات هذا العهد لمنعهم من وضع العصي في عجلة النظام الجديد.
#عماد_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟