|
الارهاب
الراقي عبد الكريم
الحوار المتمدن-العدد: 2892 - 2010 / 1 / 18 - 23:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مصطلح الإرهاب اليوم أصبح مصطلحا عالمياً شائعاً متكرراً يستخدم لأغراض كثيرة، وليست المشكلة في استخدام المصطلح بحد ذاته، فالعلماء يقولون: (لا مشاحة في الاصطلاح)، لكن المشكلة في تعمد التلبيس من خلال ضخ مفاهيم خاطئة في بعض المصطلحات، وأعتقد أن هذا الغموض مقصود من الدوائر العالمية للخلط بين الإرهاب الفعلي المذموم: كالعنف والعدوان والفساد في الأرض، وبين ما يوصف بأنه إرهاب، وهو في حقيقته نوع من المقاومة المشروعة ورد العدوان، ويبقى هذا الغموض لتبرير أفعال الدول الإرهابية: كإسرائيل وأمريكا، وليبقى المصطلح لملاحقة كل الخصوم، سواءً كانوا شرفاء أم فاسدين.
وهناك من المسلمين من يخلط بين المفاهيم التي يحتوي عليها مصطلح الإرهاب، وبين لفظة: (تُرْهِبُونَ) في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ} [الأنفال: من الآية60]، فهذه لفظة ليست مصطلحاً، ثم إنها تختلف عن اللغة الجارية اليوم، فالآية تتحدث عن رد العدوان؛ لأن الإرهاب المذكور في القرآن يشبه ما يسمى اليوم بتوازن القوى، أي أن تكون لدى هذه الجهة قوة تمنع من الاعتداء عليها، بينما يستخدم الإرهاب اليوم بصيغة مختلفة، فهو اليوم لا يتحدث عن التخويف، إنما عن القتل وزعزعة الأمن.
أما ما يكون إفساداً في الأرض مما يوصف أيضاً في اللغة المعاصرة فلا شك في إدانته والوقوف ضده، ولا ينبغي أن نتلكأ أو نتردد أو نهمس بإدانته والسعي لإزالته. وهذا العنف الذي يقع في العالم الإسلامي من بعض المسلمين يعتبر من الأسباب التي تربك حركة المجتمعات الإسلامية، فهو لا يصنع إصلاحاً، ولا أحد يعتقد ذلك، بل إنه سيجعل المجتمعات الإسلامية تغرق في مزيد من المآسي والصراعات والمشاكل الداخلية، ولو تخيلنا أن دولة كالكيان الصهيوني تريد أن تؤذي المجتمعات الإسلامية فلن تجد أفضل من وضع إصبع ديناميت داخل المجتمعات الإسلامية حتى تنفجر، وتنشغل فيما بينها، بحيث ينشغل كل مجتمع بنفسه، ويكون عاجزاً عن الاستعداد للتنمية وتقوية بنيته التحتية لمواجهة التحديات ونصرة إخوانه في البلاد الأخرى، كما أن أساليب العنف دائما تأتي بنتائج عكسية.
إن هذا العنف الداخلي مرفوض وبشدة، إذ إنه نوع من الانفراد بالتفكير وضيق النظر وعدم إدراك الإنسان للخارطة التي يعيش فيها، وللمجتمع الذي يحيا فيه، وكيفية الإصلاح الصحيح. فضلاً عما فيه من الإخلال بالأمن وتدمير للحياة.
إن الإنسان بدون أمن لن يصلي بهدوء، ولن يعمل ويبني ويصنع حضارة لأمته ودينه، فالاستقرار في المجتمعات الإسلامية ضرورة، والدعوة إنما تنمو وتنتج في مجتمعات آمنة مستقرة، ولذا كان الأمن نعمة يمتن الله بها على عباده المؤمنين، {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:4]. وإن البحث عن أسباب هذا العنف الداخلي في البلاد الإسلامية بمعزل عن تسويغ الفعل أو تبريره إنما هو نوع من مكافحته ومدافعته، ومعرفة الأسباب تحتاج لبحث صادق موضوعي جاد لا يستثني أحداً من المسؤولية، فالأطراف الفكرية من إسلاميين وليبراليين، والحكومات والشعوب كلٌّ يجب أن يعترف بنصيبه في ذلك. فاجتمع من ذلك قشّ كثير أوقدت به نار الإرهاب، فعلينا مكافحة ذلك بتقصي العدل في الأحكام والآراء، والقضايا والابتعاد عن ذلك اللون المعنوي من الإرهاب، أقصد الإرهاب الفكري في التنابز والاحتراب الفكري والتحزب، وعلينا أن نفتح جانب الحوار مع الجميع، حتى لمن يطرح أفكاراً غير مقبولة، أو تسيء للبلاد والعباد. وكيف نستطيع أن نصحح هذه الأفكار ما لم نستمع إليها ونفندها، ونتيح لهم فرصة التعبير عن أفكارهم في جوٍّ آمن، ما دامت مجرد أفكار، ليتم نقضها وتوضيح الخلل فيها. ولا بد من وجود نوع من النقاش العلمي والموضوعي الذي يغير هذه الأفكار ويعالجها، وعلينا أن لا نستخدم آليات هؤلاء من التكفير والعنف اللفظي ليتم النقاش الهادئ الموصل للحقيقة بإذن الله.
وهناك ضرورة ملحة إلى المسارعة في عملية الإصلاح السياسي بإدماج الناس في مشاركات سياسية، وبتدرج ملائم وسريع أيضاً، وبعيداً عن الوعود والكلام الجميل فقط، ومنح الناس حقوقهم بقدر معتدل.. كل ذلك لمحاربة الجو الذي يتذرع به أصحاب العنف للإفساد في الأرض.
وعلينا الاعتراف بمسؤولية الخطاب الديني، فيجب أن يكون الخطاب الديني شجاعاً في مواجهة الواقع، عارفاً بأحواله، جريئاً في تشخيصه وإصلاحه، شجاعاً في النقد، سواءً في نقد هؤلاء الشباب وهذه الظاهرة، أو نقد الأطراف الأخرى بشكل معتدل. والأهم: نقد نفسه، بحيث يؤدي هذا الخطاب دوره بشكل صحي، ولا يكون صدى لما تريده السياسة، أو لما تريده فئة من الشباب، أو فئة من الناس، أو صدى لما يريده الغرب، أو غير ذلك، بل يجب أن يكون خطاباً مستقلاً.
ومطلوب من الخطاب الديني أن يتحدث عن المصلحة، وعلاقتها بالنص الشرعي، والخطاب الديني بحاجة إلى أن يمنح فرصة لتجديد ذاته، ويكوّن مهمته بشكل صحي وصحيح. وعلينا الاعتراف أيضاً بمسؤولية الخطاب الثقافي العام بكل أطيافه وتياراته: في أسلوبه، وطريقة طرحه. في بعد بعضه عن الخطاب الديني. وفي بعد بعضه الآخر عن الناس. وفي بعد آخر عن الواقع وعن اهتمام الناس، وفي بعد رابع عن الموضوعية والاعتدال والمصداقية. فعلينا مراجعة كل ذلك وتحميله نصيبه من المسؤولية
#الراقي_عبد_الكريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|