نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 878 - 2004 / 6 / 28 - 04:31
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
في عامي 1957-1958 كان المرحوم المربي الكبير الأستاذ (حمدي الروماني) مديراً لثانوية جودت الهاشمي في دمشق. وقد كان واحداً من المديرين الذين ذاع صيتهم في مدينتنا في تلك الفترة مثل (هاشم الفصيح، الدكتور جميل سلطان، حكمت هاشم، سعد الدين القواص، وصلاح الدين الزعبلاوي......)، وكان ينظر آنذاك لمدير (جودت الهاشمي= التجهيز الأولى) كما ينظر لوزير من وزراء تلك الأيام من الناحية المعنوية، ومن يستلم إدارة هذه المدرسة كان في معظم الأحيان يصار إلى تعيينه مديراً لتربية دمشق. فإدارة جودت الهاشمي كانت محطة التأهيل لمدير التربية.
اشتهر الأستاذ حمدي الروماني بكفاءته الإدارية العالية مذ كان مديراً لثانوية (أسعد عبد الله= التجهيز الثانية) في حي الحلبوني، ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى ثانويتنا سمعنا عن ميوله السياسية الليبرالية وقيل عنه أنه من أنصار حزب الشعب.
في يوم من أيام العام الدراسي 1957/1958 استدعى الأستاذ حمدي مجموعة من طلاب الثانوية إلى الإدارة وكنت واحداً منهم. استقبلنا بقامته الفارعة وطلعته المهيبة بأبوية رائعة، وكان في غرفته أستاذ اللغة العربية شاعر فلسطين عبد الكريم الكرمي(أبو سلمى). لم يكن لدينا أية فكرة عن سبب استدعائنا، ولكن سرعان ما فاتحنا بالموضوع، فقال : ارتأيت أن نصدرَ مجلة ناطقة باسم التجهيز الأولى في دمشق، وبعد أن تدارسنا مع الأستاذ عبد الكريم في الموضوع، ارتأينا أن نمثل كل الاتجاهات السياسية في المدرسة في هيئة التحرير. وبالفعل فقد كان من بيننا واحد يمثل الشيوعيين وواحد يمثل البعثيين وواحد يمثل الاتجاه الإسلامي وواحد من المستقلين(الليبراليين). وبالفعل فقد تشكلت هيئة تحرير المجلة من هؤلاء وبإشراف الشاعر الفلسطيني اليساري أبو سلمى، وصدر العدد الأول من المجلة عبر تعددية سياسية رائعة...........
بقيت أرى الأستاذ حمدي الروماني في شوارع مركز المدينة حتى الثمانين من القرن الماضي ببذلته البيضاء السكرية وهو يمشي منتصب القامة بخطاه الوئيدة الهادئة، وكنت دائماً أقف لأحييه وأسأله عن صحته وأيامه. وبعد الرابعة والتسعين لم أقابله أبداً؛ سألت عنه فقيل لي أنه توفي، ويبدو أن هذا الأستاذ الكبير العزيز النفس قد اضطر في أواخر أيامه لبيع كتب مكتبته الخاصة لدعم معاشه التقاعدي الضئيل الذي لا يكفي للأدوية وأمور الحياة الأخرى.....
دمشق في 22/6/2004
#نقولا_الزهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟