أحمد الناجي
الحوار المتمدن-العدد: 878 - 2004 / 6 / 28 - 04:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أولا : الصحافة تحت رعاية الحكومة التركية
*******************************
عقب إعلان الحرب بين تركيا وبريطانيا، عطلت السلطات العثمانية الصحف القليلة التي كانت تصدر في بغداد، ولم يبق منها سوى الزوراء الجريدة الرسمية للحكومة، وقد خصصت لنشر البلاغات والنظم والتعليمات، إضافة الى شيء من أخبار السلطنة، ذات طابع الإداري (الإجرائي)، ولم تكن تصدر منتظمة الصدور بشكل يومي.
ويبدو إن ولاية بغداد كانت تعتمد على نشرة تذيع فيها الأخبار، والبيانات التي تشاء نشرها باللغة العربية، وبعد مدة على نشوب الحرب بين تركيا بريطانيا، تزيد على تسعة أشهر، اضطرت الى إصدار جريدة (صدى الإسلام) في 10 تموز /يوليو 1915 بأربع صفحات ذات قسمين باللغة العربية، والآخر بالتركية، والغرض من إصدارها، الدعوة للعثمانيين، والحض على تدعيم مواقفهم، وتأييد سياستهم ضد بريطانيا والحلفاء، وبذلك، يكون إصدار الجريدة قد جاء متأخراً، لم تستطع أن تحافظ على مستواها الذي ظهرت عليه في بدايتها، حيث بدأت بالتدهور أواخر شباط (فبراير) 1916، فبعد أن كانت تصدر بأربع صفحات، بدأت تصدر في بعض الأحيان بصفحتين، لكلتا اللغتين العربية والتركية معا، وقد تزايد صدورها بهذه الصورة مع مرور الأيام، كما أن الكثير من أعدادها أقتصر على أخبار فقط أو أخبار وبيانات، أو إعلانات حكومية، دون أن يكون فيها حتى مقال قصير، وعلاوة على هذا فان بعض من أعدادها، طبع على ورق مسطر وكذلك بعضها على ورق مصفر من القطع الطويل بهيئة نشرة جدارية ولكن بصفحتين، كما تكرر الغلط في تواريخ أعدادها، ومع هذا التدهور المستمر الذي اقتصر على أخبار وإعلانات حكومية، وعلى الأكثر أوقفت عند تاريخ 29/7/1916، ويلاحظ على تحريرها إجمالا طابع الحدة الذي ينم عن سلوك في تصريف الأمور بالعنف، كما يلحظ استخدام ألفاظ وكلمات نابية، فضلا عن استخدام أسلوب التعنيف والتقريع الصريح في بعض غير قليل من الأحيان، وقد عجزت خلال فترة صدورها عن مواجهة النشاطات الدعائية البريطانية.
إن سمة المبالغة والتضخيم وقلب الحقائق، نجدها تستفحل وتتكرر دائماً، وبهذه الطريقة نفسها كانت تصدر البلاغات عن المعارك الحربية، وعلى هذا المنوال من التفكير، كان الخداع والمبالغة سمة ملحوظة في جريدة صدى الإسلام، فحين جعلت تصف إعلان السلطان للجهاد، تجاوزت كل حدود التصور المعقول، لتلج في اللامعقول من الأوهام، فقد قالت بالنص (دوت كلمة أمير المؤمنين بإعلان الجهاد، فدوت لها أرجاء الكون، واهتزت منها التيجان والعروش، لباها المسلمون في أقطار الكرة الأرضية شيوخا وشبانا ورجالا ونساءا ولبتها الأطفال في مهودها والأجنة في أصلابها، كما لبها الرابضون في أجداثهم)، وهكذا الشأن عند وصف هجمات المقاتلين العرب والأتراك، فمع التسليم بصحة بعض جوانبه ووقائعه، فهو الأخر مبالغ فيه على نحو لايمكن أن يعقل.
ثانيا :الصحافة تحت رعاية قوات الاحتلال البريطاني
****************************
كانت جميع الصحف في العراق خلال مدة الاحتلال من 1914 الى 1918 مرورا باحتلال بغداد تمتلكها وتسيطر عليها سلطات الاحتلال البريطانية، في خطوة تحاول بها السيطرة على وسائط التأثير في الرأي العام.
أولا: جريدة الأوقات البصرية
******************
عندما دخلت الجيش البريطاني مدينة البصرة في الحادي والعشرين من ت2 / نوفمبر/ 1914، تم مصادرة مطبعة الولاية الحكومية، وفرضت سيطرة قوات الاحتلال على المطبعتين الأهليتين مدة وجيزة، ثم رأت أن تبتاعهما نظراً لتزايد حاجتها الى المطابع.
في مقدمة ما قامت به قيادة الاحتلال في هذا الخصوص، إنها طبعت نشرة باللغتين العربية والإنكليزية حملت اسم (بصرة تايمس)، تبث فيها القرارات والإجراءات ذات الصلة بالاحتلال، ثم صارت تصدر منها طبعة فارسية أيضا في سنة 1916 وبصورة أسبوعية، بقى توزيعها محدود، وكانت تأخذ أخبار الحرب منتقاة من رويتر، وظلت هذه النشرة الصغيرة ذات الصفحتين حتى نهاية آب / أغسطس 1917 بعدما أستقل قسمها العربي، وصارت تنشر تحت أسم (الأوقات البصرية)، وقد صدر العدد الأول منها يوم 24/11/ 1914، كما يبدو إن التدابير قد اتخذت أيضا لتوزيع الأوقات البصرية خارج حدود مدينة البصرة.
لبثت الجريدة طوال السنة والنصف الأولى من عمرها، ملحقة من الناحية الإدارية بالقيادة العسكرية لقوات الاحتلال، وتخضع لرقابتها، ولكنها ألحقت بعد ذلك بالإدارة المدنية التي تشرف عليها الدائرة السياسية في الحملة، وتعاقب على تحريرها عدد من المحررين البريطانيين الذين كانت لهم صلة مباشرة بالدائرة السياسية للاحتلال، ومن أبرزهم لوريمر وجون فليبي الذي عرف في الجزيرة العربية باسم الحاج عبدالله فيلبي.
ولابد من الإشارة الى إن قوات الاحتلال كانت تسعى توسيع دائرة التأثير وتعميقه، فاتخذت تدابير لنشر أحدى الجرائد المصرية المعرفة، وكانت توزع مجانا في الأعم الأغلب، وقد أكد عبد الرزاق الحسني إن هذه الجريدة هي المقطم، وأضاف اليها المقتطف، وأحيانا مجلة الهلال، كلها كانت توزع بالمجان حتى عقدت الهدنة مع تركيا في الثلاثين من تشرين الأول 1918.
بعد شراء المطبعتين الأهليتين في البصرة، صارت المطابع كلها أي الثلاثة ملك قوات الاحتلال، فقامت بطبع مطبوعات مختلفة، مثل (كراسات باللغة المحلية، ونشرات كبيرة، ووثائق محلية مهمة ومن جملتها العريضة التي رفعها سكان من النجف وكربلاء الى إيران ضد الأتراك.
ثانيا: جريدة العرب
************
أصدرت هذه الجريدة بعد احتلال بغداد، وأخرجت المطبعة أول عدد منها بتاريخ 4/7/1917، أي بعد ما يقرب أربعة اشهر على احتلال بغداد تقريباً، وكان ظهورها بصفحتين، وبصورة غير منتظمة في الشهرين الأولين، وقد كتب تحت عنوانها إنها (جريدة سياسية إخبارية تاريخية أدبية عمرانية عربية المبدأ والغرض ينشئها في بغداد عرب للعرب)، ويبدو من رسالة المس بيل المؤرخة في 27 حزيران/ يونيو 1917، إن فقدان الورق يومذاك، كان قد تسبب في تأخير صدور الجريدة.
تعد هذه الصحيفة أولى الجرائد التي أصدرها الاحتلال، لما تشمل عليه من خصائص الصحيفة، وخاصة بعد أن أصبحت يومية منتظمة الصدور في 1/9/1917 أي بعد قرابة الشهرين على ظهورها، وقد طبعت في مطبعة الزهور العائدة الى فرع حزب الاتحاد والترقي التي صادرها الجيش البريطاني عند احتلاله بغداد، وقد اضطلعت المس بيل بمهام رئاسة التحرير ، في حين كان محررها الثاني الأب انستاس ماري الكرملي، وهو لولب الجريدة ايضاً، وقد عين جون فيلبي محررا رسميا فيها، وقد ذكر ايضا أنه كان يراقب مواضيعها ومقالاتها، قبل تسلم مس بيل تحريرها، وكان يشارك في تحريرها نفر من أدباء العراق وشعرائه كجميل صدقي الزهاوي وكاظم الدجيلي وعبد الحسين الازري ومحمد مهدي البصير وشكري الفضلي وعطا أمين، وكانوا هؤلاء ما عدا الزهاوي ينشرون نتاج أقلامهم بأسماء مستعارة الى يوم انتهاء الحرب، بعدئذ بدأوا يعلنونها.
وقد احتجبت عن الصدور في 31/5/1920 بعد أن نشرت في عددها الأخير خبر توقف صدورها والإعلان بداية صدور العدد الأول من جريدة الشرق في يوم الغد، وكما جاء فيه هي جريدة يومية تبحث في السياسة والأدب والاقتصاد.
ثالثا: جريدة العراق
*************
حلت محل جريدة العرب وعلى شاكلتها، لم تختلف عنها في شيء، خاصة من حيث الإخراج، واختلافها كان التسمية، وكذلك اسم مالكها الذي هو رزوق داود غنام، وهو صاحبها وفي الوقت نفسه مديرها المسؤول، وهو الذي كان يعمل قي قسم الترجمة بجريدة العرب، وقد تولت هذه الجريدة نشر المواد المتبقية من الجريدة السابقة وطبعت في نفس المطبعة التي طبعت فيها جريدة العرب،
كان إصدارها في وقت دعت فيه حاجة السياسة البريطانية الى فرض الوصاية أو الانتداب على العراق، فاستدعى هذا المطلب بث الدعاية للسياسة البريطانية من خلال صحيفة جديدة، غير معروفة بارتباطها بالبريطانيين على النحو الذي كانت عليه جريدة العرب، وقد كان المشرف على تحريرها أيضاً الأب انستاس الكرملي
رابعا: جريدة الشرق
*************
صدرت في الثلاثين من آب /أغسطس 1920، صاحبها حسين أفنان، لتعضد فيما يبدو السياسة البريطانية ولكن عل نحو مكشوف خلافا لما حرصت عليه جريدة العراق، من تستر وخفاء، وذلك مالا تستطيعه جريدة العراق لوحدها، وهي على النهج الذي حدد لها، بخاصة أن الظروف التي أعقبت صدورها كانت قد شهدت بدء اشتعال، ثورة العشرين، الثورة المسلحة في العراق، ولذلك كان الهدف من إصدار (الشرق)، طبقا لما ذكرته في افتتاحية عددها الأول هو (بث روح المسالمة) بين العراقيين تجاه سلطات الاحتلال، وقد طبعت (الشرق) في مطبعة دنكور اليهودية في بغداد، وكانت تحتجب عن الصدور في المناسبات الدينية لطائفة اليهود وأعيادهم، وقد توقفت عن الصدور في السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة نفسها، بعدما قامت سلطات الاحتلال البريطانية على تعيين صاحبها حسين أفنان سكرتيراً لمجلس الوزراء.
انتهى الجزء العاشر والأخير، وكل ما ورد في الأجزاء العشرة كان بالأصل عبارة عن ملاحظات كنت قد دونتها قبل سنوات خلال مطالعاتي للعديد من الكتب، عن موضوعة الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914، وقد تجمعت لدي مادة غزيرة شعرت في لحظة ما من ظرف الاحتلال الأمريكي الذي يمر فيه العراق حالياً، ضرورة ترتيبها بالشكل الذي يجعلها موضوعاً متواصلاً مع بعض الرؤى والآراء التي تمثل رأياً شخصياً، ولا أدعي لهذا الجهد المتواضع الكمال على الإطلاق، ولا حتى لما جاء فيه من أراء، ولم يكِ ليخرج بهذا الشكل لولا المصادر التي اعتمدتها، ومعظمها قد أشرت لها في متون البحث، وأجد لزاماً عليّ من باب العرفان بالجميل التذكير بها.
المصادر
******
لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الدكتور علي الوردي الجزء الرابع
حرب العراق شكري محمود نديم
الاحتلال البريطاني والصحافة العراقية هادي طعمة
حكم الشيخ خزعل في الاحواز أنعام مهدي علي السلمان
الخليج العربي جان جاك بيريبي
فصول من تاريخ العراق القريب المس بيل ترجمة جعفر الخياط
حصار الكوت رسل برادون ترجمة سليم طه التكريتي وعبد المجيد التكريتي
الشيعة في العراق حسن العلوي
العراقيون المنفيون الى جزيرة هنجام الدكتور محمد حسين الزبيدي
من أوراق كامل الجادرجي
سيرة وذكريات ناجي شوكت
ديوان الكرخي الجزء الثاني
الثورة العراقية الكبرى عبد الرزاق الحسني
تاريخ الديوانية الحاج وداي العطية
#أحمد_الناجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟