|
هل تفلت ليفني من يد العدالة؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2888 - 2010 / 1 / 14 - 18:44
المحور:
حقوق الانسان
لم تكن قد هدأت الضجة التي أثيرت حول تقرير غولدستون الذي أدان جرائم “إسرائيل” في قطاع غزة إبان حربها المفتوحة عليها والتي دامت 22 يوماً، وقبله الضجة التي أثارها تقرير الصحافي السويدي بوستروم بشأن متاجرة “إسرائيل” بالأعضاء البشرية لشباب فلسطينيين تُسرق أعضاؤهم بعد اغتيالهم، حتى بدأت ضجة كبرى تكاد تكون هي الأعظم خلال العقد الماضي كلّه تقريباً وذلك بصدور مذكرة قضائية من المحاكم البريطانية تقضي باعتقال تسيبي ليفني وزيرة الخارجية “الإسرائيلية” السابقة على خلفية مشاركتها في ارتكاب جرائم حرب في عملية “الرصاص المسكوب” التي استهدفت قطاع غزة بعد تجويعه لأكثر من عامين .
المذكرة البريطانية هي المذكرة الثالثة من نوعها أوروبياً، حيث كانت المذكرة الأولى قد أصدرها القضاء البلجيكي بملاحقة آرييل شارون رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق وعدد من المسؤولين على خلفية مجازر صبرا وشاتيلا إثر اجتياح لبنان ومحاصرة العاصمة بيروت العام ،1982 وكان القضاء البلجيكي قد أصدر مذكرة بعد إعلان شارون عن زيارة بروكسل، الأمر الذي اضطرّه إلى إلغاء الزيارة في العام ،2001 وجاء هذا التحرك من جانب بعض مؤسسات المجتمع المدني وبعض الناشطين والناجين من المجزرة وفي مقدمتهم سعاد سرور، حيث وافق القضاء البلجيكي على النظر في الدعوى الخاصة بشارون .
والمذكرة الثانية عندما باشر القضاء الإسباني بالتحقيق في شكاوى مرفوعة ضد وزير الدفاع “الإسرائيلي” الأسبق بن اليعازر وستة من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين وذلك في 29 كانون الثاني (يناير) 2009 أي بُعيد الحرب على غزة بأيام بتهمة ارتكاب جرائم حرب من خلال قصف عشوائي على غزة في تموز(يوليو) 2002 .
المذكرة الثالثة ونعني بها ملاحقة تسيبي ليفني تكتسب أهمية خاصة لأنها تأتي على خلفية انكشاف جرائم الإبادة “الإسرائيلية” أمام الرأي العام على نحو لم يسبق له مثيل، خصوصاً إدانة منظمات دولية مرموقة لها، أقل ما يقال عنها إنها ليست موالية للعرب أو للفلسطينيين بقدر حياديتها ومهنيتها، إلاّ أنها في نهاية المطاف أصدرت تقارير تدين “إسرائيل” برغم الضغوط التي تعرّضت وتتعرض لها من داخلها ومن خارجها .
وكان العالم كلّه يشاهد من خلال شاشات التلفاز حجم الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، في غزة، أواخر العام 2008 وأوائل العام ،2009 وقبله خلال الحرب على لبنان التي دامت 33 يوماً العام ،2006 وهو الذي دفع القضاء البريطاني للقيام بإجراءات الملاحقة، بعد تلقّيه شكوى لملاحقة تسيبي ليفني .
وقد تفاوتت الروايات بشأن ملاحقة تسيبي ليفني، فالرواية “الإسرائيلية” تقول أن ليفني ألغت زيارتها المقررة إلى لندن حيث كان من المؤمل أن تلقي كلمة أمام مؤتمر الصندوق القومي اليهودي، لكن رواية أخرى أقرب إلى الجانب العربي مع شهود عيان قالوا إنها شوهدت في قاعة المؤتمر وعندما علم القاضي البريطاني بوجودها، أصدر مذكرة اعتقال بحقها، لكنها فرّت من وجه العدالة بجواز سفر مزوّر وبتنسيق خاص بين المخابرات البريطانية و”الإسرائيلية” .
وبغض النظر عن ملابسات الحضور أو الاختفاء فإن قرار المحكمة البريطانية سيظل قائماً في حال عادت ليفني إلى بريطانيا حيث تقضي الإجراءات باعتقالها تمهيداً للتحقيق معها ومحاكمتها، الأمر الذي يعني فيما يعنيه أنها لن تعود إلى بريطانيا مرة أخرى، ولعل ذلك واحدة من فوائد الشروع بملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خصوصاً تحريك الملفات بشأنهم عبر المحاكم الوطنية ذات الولاية القضائية العالمية، كما هي في بريطانيا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا وكندا وسويسرا وفرنسا ونحو 47 دولة .
ومنذ أن جرى مثل هذا التحرك من جانب هيئات عربية ودولية لملاحقة المرتكبين فإن الحكومة “الإسرائيلية” درست بعناية المخاطر التي قد تلحق بها جراء ملاحقة المرتكبين وسبل التملص منها، بل إنها حددت بعض الخطوات بشأن السماح لمسؤولين سياسيين وعسكريين “إسرائيليين” متورطين بجرائم حرب للتنقل بجوازات سفر مزورة، وقد يصحّ هذا الأمر على ليفني التي كشفت سيرتها صحيفة التايمز البريطانية التي قالت إنها كانت تعمل مع الموساد، لاسيما فترة ما بين 1980 و،1984 حيث انخرطت في صفوفه عن طريق صديقة طفولتها ميرا غال التي عملت فيه لمدة 20 عاماً ثم أصبحت مديرة لمكتب ليفني .
وقد عملت ليفني في أخطر المواقع الخارجية حيث كانت تنشط بعض القيادات الفلسطينية والعربية في باريس التي شهدت في العام 1980 مقتل عالم الذرة مصري الجنسية يحيى المشد الذي كان يعمل في البرنامج النووي العراقي ووجد مقتولاً في غرفته، فحامت الشكوك حول الموساد المستفيد من تلك الجريمة، وعندما أدلت إحدى فتيات الليل بشهادتها بأنها سمعت أصواتاً في الغرفة المجاورة، وجدت مقتولة هي الأخرى بعد شهر في ظروف مريبة .
بعد نحو عام من هذه الجريمة تم قصف المفاعل النووي العراقي في 7 حزيران (يونيو) 1981 خلال انشغال العراق بالحرب غير المبررة مع إيران، وقد كشف تقرير فرنسي أن ليفني كانت ضمن الوحدة الخاصة المشرفة على العمليات في باريس في الفترة المذكورة التي شهدت مقتل عالم عراقي آخر .
وبغض النظر عن هذه المعلومات فإن صدور مذكرة قضائية باعتقال ليفني كان قد أثار ردود فعل “إسرائيلية” جدّية حيث ندد رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو بتلك الخطوة التي اعتبرها شديدة الخطورة بحق زعيمة المعارضة وحزب كاديما ووزيرة خارجية “إسرائيل” سابقاً وقال: إن “إسرائيل” لن توافق على استدعاء ليفني أو باراك وزير الدفاع “الإسرائيلي” أو أولمرت رئيس الوزراء السابق إلى المحاكم البريطانية، لأنهم كانوا يدافعون عن دولة “إسرائيل” ببسالة ضد عدوٍ مجرم وقاس ومجرمي حرب .
وهكذا شنّت “إسرائيل” هجوماً على الضحايا مبررة الأعمال الإجرامية التي اتهمت بها ليفني، كما تضمّنت تصريحات قادتها إشارات مبطّنة إلى الحكومة البريطانية، لاسيما ممارسة ضغوط عليها لتغيير الوضع القانوني الذي يسمح بملاحقة مرتكبي الحرب، كما حصل الأمر للقضاء البلجيكي عندما شرع بملاحقة شارون، لكن هذا التصرف يعكس القلق الذي وصل إلى حد الهلع للمسؤولين “الإسرائيليين”، فقد كانت “إسرائيل” قد كلفت أحد أشهر مكاتب المحاماة ودفعت له مبلغاً أكثر من ثلاثة ملايين دولار لإيجاد “سبل ودفوع قانونية” تحول دون ملاحقة المرتكبين “الإسرائيليين” .
إن الاتهام بارتكاب مثل هذه الجرائم وبالتالي السعي لملاحقة المتهمين فضلاً عن التقارير الدولية وفي مقدمتها تقرير غولدستون يضع لأول مرّة بصورة جدية مشروعية “إسرائيل” أمام الرأي العام الدولي، لاسيما في جانبها القانوني، وهو الأمر الذي تستشاط غضبا منه مثلما فعلت بخصوص القرار 3379 الخاص بمساواة الصهيونية بالعنصرية الصادر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني ،1975 حيث طوت الليل بالنهار حتى تمكنت من الإطاحة به في العام 1991 عندما تغيّرت موازين القوى لصالحها .
فهل ستفلت ليفني ورفاقها من يد العدالة إذا كانت “إسرائيل” ككيان معرضة للمساءلة ليس بسبب اغتصابها أرض فلسطين فحسب، بل أيضاً بسبب استمرارها في ارتكاب جرائم عدوان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية؟
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! - 11 - شعاع الثورة ومتطلبات الدو
...
-
بيئة التسامح
-
خالد عيسى طه الحالم المستديم!*
-
كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (10) التغريد خارج السرب: رومانسيا
...
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (9) جيفارا والمهدي بن بركة.. غياب
...
-
جدل هادئ للفيدرالية الساخنة في العراق
-
النجف... والفرصة الواعدة!! سعد صالح (3)
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (8)- جيفارا وعبدالناصر: قلق وهواجس
...
-
النجف... والفرصة الواعدة!! سعد صالح (2)
-
المجتمع المدني بين القانونين الوطني والدولي
-
جيفارا وعبدالناصر: أحلام الكبار!كوبا (7)
-
محاكمة اسرائيل بين القانون والسياسة
-
سعد صالح الضوء والظل -الوسطية- والفرصة الضائعة(ح1)
-
الحرب الثقافية في العراق
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (6).. جيفارا وأحمد بن بيلا: العنفو
...
-
الاتحاد الأوروبي: هل من وقفة جديدة إزاء -إسرائيل-؟
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (5).. جيفارا والمباراة المصرية- ال
...
-
الحزن الذهبي لرحيل المفكر محمد السيد سعيد!!
-
إسرائيل- ومفارقات العنصرية -الإنسانية-
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (4)
المزيد.....
-
أزمة الجوع والتجويع الإسرائيلي الممنهج تتفاقم في غزة وبرنامج
...
-
بين لهيب الحرب وصقيع الشتاء.. الجزيرة نت ترصد مآسي خيام النا
...
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|