رسميه محمد
الحوار المتمدن-العدد: 877 - 2004 / 6 / 27 - 09:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أصبحت ظاهرة الاسلام السياسي من أولويات مشاكل بلادنا في الظروف الراهنة للاسباب التالية:-
1 : - مشكلة أنية كونها مطروحة وبسخونة ومتزايدة.
2: - تتميز بالشمولية حيث انها لاتصيب قطاعا" معينا" أوجانبا" من جوانب الحياة السياسية , الاقتصادية أو الاجتماعية بل تشمل ذلك كله لانها دعوة واضحة لاستلام السلطة السياسية أما بالعنف في مذهب بعض التيارات الاسلامية أو بالسلم في مذهب بعضها الاخر.
3: - أنها ليست مشكلة أو قضية محلية خالصة, بل هي قضية شرق أوسطيه بتكرار ظواهرها في بلدان الشرق الاوسط كلها,وتوكد الوقائع تدخل جهات اقليمية وعالمية في اثارتها أو محاولة استغلالها أو الاستفادة من نتائجها(1) و ماحصل ويحصل على ساحة العراق حاليا يؤكد صحة ذلك, وطبعا لكل جهة من هذه الجهات أسبابها في دعم وتعزيز حضور الاصولية ولكنها تلتقي حول هدف واحد هو عرقلة مسيرة البلد نحو اعادة البناء على أسس ديمقراطية وكبح عملية التقدم الاجتماعي .
ولعل تعريف المشكلة وتوضيح جذورها التاريخية والاجتماعية يشكل نقطة البدء في حلها ومعالجتها يشير المفكر الطيب تيزيني أن الحديث عن الاصولية الاسلامية يعني الحديث عن الاسلام السياسي فالاصولية ظاهرة مركبة ومعقدة تعني تلك الحركة الاسلامية التي أعلنت العودة الى النشوء انطلاقا من شعارها الكبير الاسلامي السلف لم يتركوا شيئا للخلاف.وعلى هذا الاساس الاصولية تهشم التاريخ وتضع الحدث مقابل التاريخ, البنية مقابل التاريخ. هذه الاصولية لم تنشأ بوصفها ظاهرة دينية اسلامية اكتسبت دلالاتها من نمو ذاتي فيها فحسب, وانما هي أولا نتيجة من نتائج الاخفاق العربي الذي تمثل في تفكك المشاريع العربية الاربع القومي والاشتراكي واليبرالي والاسلامي( المقصود بالاسلامي , اسلام أولئك المثقفين المسلمين الذين سعوا الى التنوير الديني) , لذلك نرى أن الاصولية تأتي كفعل ورد فعل, فعل أراد أن يلتقط الحدث ورد فعل أراد أن يجيب على ماأخفق فيه الاخرين ولهذا يمكن التعبير عن الاصولية بوصفها مشروعا أزمويا . هي مشروع أزمة وليس مشروع للنمو وكلاهما مختلف عن الاخر(2).
لقد اختلفت أراء الباحثين في تحديد الجذور التاريخية والاجتماعية للاصولية الاسلامية. فهناك دراسات تحيل انتصار التيار الاصولي الاسلامي الى القرن الثالث عشر ابان فترة الحكم السلجوقي, حيث حل الانحطاط الحضاري وسادت الاحادية المذهبية وانعدمت التعددية واقفل باب الاجتهاد فلم يتسنى للاصوليون معرفة كل نصوص الفكر الاسلامي بالطبع وانما الاتجاه الذي انتصر عبر التاريخ اى المذاهب السنية والشيعية وكلا المذهبين تعرضا لجمود فكري بدأ منذ ذلك التاريخ واستمر حتى الان(3). وهناك اراء اعتبرت ظهور الاصولية كرد فعل على الهجمة الغربية التي بانت ابعادها مع انهيار الدولة العثمانية وتغلغل الراسمال والسيطرة الاوربية. حيث بدء النظام الاقطاعي العربي المجزء في الانهيار التدريجي البطيء,ولكن الانهيار الكلي على مستوى الملكية وعلى مستوى البنى الاجتماعية والسياسية لم يتم حسمه حتى الان. لقد حدث تباين وتداخل بنيتين متصارعتين مختلفتين بنية تقليدية أفلة لها مفرداتها الاقتصادية والاجتماعية والايدلوجية والتي لم تخترق الا في جوانب معينة وخاصة في الاقتصاد وقد عبر عن هذه البنية الاصوليات الدينية المختلفة وثمة بنية رأسمالية حديثة تنامت عبر جوانب عدة ولكنها لم تحسم انتصارها الكلي على البنية القديمة (4).
أن ارتباط النمو الرأسمالي بسيطرة الدولة الشمولية سواء كانت وطنية أو تابعة, قد أوقف التطور وعرقله, لان الطبقات المسيطرة في الدولة كانت ذات مصلحة بان لاتكتمل العلمنة, لانها مرتبطة بالديمقراطية, وهو مايتنافى مع تكوينها كما أنها لجأت الى استخدام الفكر الديني كقوة مسيطرة على الشعب وقوة رفض لتعبيرات الطبقات الاخرى_الاشتراكية تحديدا_ (5) .
لقد وجدت الجماعات الاصولية في هذا المناخ المأزوم رأسماليا وحداثيا العاجز عن خلق الرأسمالية مع ادعائه الانتساب اليها, القدرة على الادعاء بأنها مؤهلة لانقاذ الامة. ومن هنا أتت الاطروحات المعادية للرأسمالية التي قدمتها الحركة الاصولية في الاربعينات(كتاب السيد قطب العدالة الاجتماعية). أما الاصولية الحديثة بطابعها العنفي الارهابي التدميري فقد أتت على خلفية هزيمة حزيران 1967 التي عبرت عن فشل الحركة القومية في مسألتي فلسطين والحفاظ على ارض الوطن, وهي تنتمي الى البرجوازية الصغيرة المهمشة والمخلوعة التي تبحث من خلال الايديولوجية الدينية عن موضع لها في المجتمع ومستندة على الاستياء الشعبي الذي تلقى بمسؤوليته على الانظمة الحاكمة سواء تلك التي يسود فيها الكومبرادور والملاكون العقاريون الكبار أو تلك التي تسود فيها البرجوازية الطفيلية وحتى تلك التي تقوم على رأسمالية الدولة التبعية. وفي العراق الذي أقيمت بنيته الاقتصادية الاجتماعية على أساس رأسمالية الدولة كان هناك تحديد أخر أنضاف الى ( الاقتصادي الاجتماعي) ساهم في نمو الحركات الاصولية تمثل في القاعدة الطائفية الضيقة للنظام الدكتاتوري بعد عام 1968, الذي استبعد الاكثرية الشيعية من المشاركة في صنع القرارالسياسي وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي مما أدى الى اتجاهها الكثيف الى التنظيمات الشيعية الاصولية منذ أوائل السبعينات(تقوى ذلك بعد انتصار الثورة الايرانية شباط 79 (6). اضافة الى أن التغييب القسري للقوى الديمقراطية وفي مقدمتهم الشيوعيين عن ساحة العمل من قبل النظام البائد ترك قوى الشعب المضطهدة بدون وسائل منظمة للاحتجاج وولد فراغا في مجال العمل السياسي سارعت الاحزاب الشيعية الاصولية (الدعوة والمجاهدين) الى ملئه.
أخيرا أشير أن الاصولية الاسلامية هي محصلة لظروف عديدة يصعب حصرها ويصعب الاتفاق عليها بعضها تاريخي وبعضها يتعلق بمظاهر أزمة حالية لها أوجه متعددة ومتشابكة ولكني توخيت نقد الحالة العامة التي أنتجت احتمالات وجود هذه الاصولية والتي تتلخص كما يشير تيزيني في أمرين أولا: - تفكك البنية الداخلية للمجتمع.
ثانيا: - الاخفاق العربي ( تفكك المشاريع العربية الاربع) وبروز فئات من المهمشين والجياع الذين لم يعد لهم خلاصا سوى في مابعد الحياة.
سمات الخطاب الفكري للاسلام السياسي الاصولي
رغم التباين داخل الحركة الاصولية بحكم الوضع الذي تعيشه وطبيعة الفئات التي تمثلها فان هناك نقاط مشتركة في الخطاب الفكري للاسلام السياسي الاصولي يمكن اجمالها في—
1- اللغة الدينية المتعالية
يستخدم الخطاب الاصولي في مواجهة الاخرين لغة دينية متعالية فوقية شمولية مقارنة بالاديان الاخرى. حعلت الحركات الاصولية تعيش أزمة حوارمع الاخر مع الاستعداد النفسي للتصادم الفكري ومايؤدي اليه من ممارسات ارهابية ,وبسبب صيغة التعالي الكامنة في الخطاب الاسلامي كان من الطبيعي أن تنتشر لغة غيبية مبنية على المجهول الماورائي من خلال شعار الاسلام هو الحل ( أي اقامة حكم اسلامي وتطبيق الشريعة الاسلامية)والذي أتخذ كأداة دينية لتحقيق مأرب سياسية ليس لها صلة بالدين كواقع معاش(7).
2- البعد الديني للحل الإسلامي
أن البعد الديني هو جزء لايتجزء من الحل الاسلامي, بل هو المبرر الحقيقي للدعوة للحل الاسلامي ومنه يستمد هذا الحل مشروعيته. أن اقحام الدين في المشاريع السياسية يجرد المشروع السياسي من العقلانية والواقعية التي ينبغي أن يتحصن بها. فالحل الاسلامي لايملك دليلا واقعيا وعقليا على كفائته وافضليته عن الحلول المطروحة والمنافسة اذ أن المبرر الوحيد لوجود الحل الاسلامي وافضليته على غيره هو المصدر الالهي له لاغير(8). يشير سمير أمين ثمة اسلوبان اثنان يحتلان المسرح وكلاهما يزعم أن لديهما الحل المطلوب أولهما: يتلخص في مقولة بسيطة مفادها الاعتراف بالعولمة كما هي في شكلها السائد راهنا, وثانيهما: يتجلى في مقولة الاسلام هو الحل ويؤكد أمين أن هذان الطرحان يمثلان وجها وظهرا للعملة عينها ذلك انهما ينبثقان من مصدر واحد الا وهو المشروع الكومبرادوري في المناطق المهمشة للمنظومة العالمية الراهنة(9). من جانب أخر أن اقحام الدين بالسياسة يفرز مشكلة أخرى لانه عبر التاريخ كان الرابح الاكبر من هذه العلاقة السلطة السياسية المفتقرة للشرعية وليس هناك ماهو أهم وأضمن من استخدام الشعارات الدينية في التعويض عن المفتقد بما يؤمن سلطتها ويلبي مصالحها.أن التمييز بين مفاهيم الدين,الدوله والمجتمع مسألة ضرورية فالمجتمع ليس الدولة ولايستطيع أحد بأي قرار أن يفصل الدين عن المجتمع ولكن يجب أن نناضل جميعا لفصل الدين عن الدولة. لان الدولة ستحكمنا جميعا, واذا كان للدولة دين, فانها تملك تفسيرا أحاديا للدين وسيكون هناك اضطهاد ليس لابناء الاديان الاخرى فحسب بل لابناء الدين نفسه(10) . 3-غياب البرنامج
غياب البرنامج مشكلة خطيرة تنبع من الاغراق في التنظير, اذ لايملك التيار الاسلامي برنامجا واضحا ومفصلا لمشكلات مجتمعنا. أن ماتجدر ملاحظته أن الحركة الاصولية تمانع من طرح برنامج اجتماعي ملموس لانها ما أن تطرحه وتخرج من العموميات واللبوس الدينية الزائفة والروحانية والاستعلاء الى المستوى الارضي الواقعي ,الى مستوى الاقتصادي, حتى تظهرالطبيعة الرأسمالية الاستغلالية للمجتمع الاصولي المنشود أما على المستوى السياسي فتظهرالطبيعة التيوقراطية الاستبدادية في أبشع الصورالتي عرفها التاريخ العربي الاسلامي(11)
4- غياب البعد الطبقي الاجتماعي
تسعى الاصولية للتمويه على التمايز الطبقي الاجتماعي وبالتالي عرقلة الصراع الطبقي ( الذي يعتبر المحرك الاساسي لعملية التطور الاجتماعي) من خلال التركيز على الايمان البسيط وعلى الشعائر بهدف خلق انقسام في المجتمع بين مؤمنين وكفار, لابين ظالمين ومظلومين مستغلين ومستغلين ,قاهرين ومقهورين. ويحاول الفكر الاصولي تقديم عصر الخلفاء الراشدين كأنه العصر النقي وكأن ذلك العهد لم تمزقه التناقضات الاجتماعية المبنية على أساس التمايز الطبقي والصراع على توزيع الثروة والسلطة, اضافة الى ماعرفه ذلك العهد من التيارات المذهبية المعروفة الى يومنا هذا والتي لم تكن الا التعبير عن الصراعات الاجتماعية والتأطير السياسي والايديولجي لها. والاصوليون اذ يقومون بذلك انما يطمسون الحقائق ويخلطون المفاهيم لتحرير خطابهم الايدلوجي والسياسي بطريقة ديماغوجية(12).
5- عزلة الفكر الاصولي ورفض التعايش مع الثقافات الاخرى
الخطاب الاصولي يقوم على الرفض لكل مايمت بصلة للحضارة الانسانية وبما أصبح مشتركا وملكا للبشرية جمعاء, فالقومية شعوذه والاشتراكية هي زحف للشيوعية الهادف الى القضاء على المقومات الباقية لاستمرار المسلمين, وشعارات الحداثة والديمقراطية والعلمانية وحقوق الانسان وقضية المرأة شعارات مستوردة الهدف منها ضرب المسلمين في دينهم وثقافتهم الموروثة وهويتهم وتاريخهم.
أن قبول بعض الحركات الاصولية بمسألة الديمقراطية والمشاركة في الحياة السياسية ليس الا تكتيكا .وقد كرس محمد قطب القطيعة الجذرية مع العالم بأسره في كتابه الشهير (جاهلية القرن العشرين) الذي أكد فيه أن العالم بأسره بنظمه وافكاره وقيمه جاهلي لاينسجم مع روح الاسلام ثم تمتزج هذه القطيعة الفكرية مع الاعتقاد الديني ليصبح رفض الافكار والثقافة الانسانية تعبيرا عن الانتماء للاسلام. وبذلك يقطع الطريق على تمازج الحضارات وتلاقح الثقافات وينعزل الاسلاميون داخل شرنقتهم الفكرية(13).
الخاتمة
أن تطورات الوضع الراهن في العراق جعلت قوى التغيير الديمقراطي تعيش لحظة تاريخية لابد من الامساك بها, الامر الذي يستوجب تكريس كل الجهود للتوصل الى أوسع ائتلاف سياسي على أساس مشروع وطني ديمقراطي لانهاء الاحتلال واعادة البناء يضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار.
ان هذا المشروع لايزعم مجابهة المشروع العولمي الامبريالي ولكنه يسعى الى تأسيس عراق جديد له آلياته وخصوصياته التي تسمح له أن يكون على الاقل شريكا وليس غريما. ومن شروط هذا المشروع: -
أولا/ تطوير مفهوم الحداثة واخراجها من الحدود التي وضعتها الرأسمالية عليها, علما أن هذا الطرح لن يكون فعالا الا اذا قام على أساس تحديد معالم التحدي الرأسمالي أي بالنسبة الى مرحلتنا الراهنة اكتشاف ماهو الجديد بالفعل الذي له طابع موضوعي فيما يسمى بالعولمة والتمييز بينه وبين ظواهر أخرى للمرحلة لها طابع ظرفي فقط وتتجلى من خلالها ستراتيجيات قوى رأس المال المهيمن(14) . ثانيا/ ان يعلن قطيعته مع ظاهرة الاصولية أي أن يتخذ موقفا نقديا ضد هذه الظاهرة كما الظواهر الاخرى, ويسعى ( المشروع ) الىاتخاذ التدابير السياسية لفك الارتباط الاشكالي مع التيار الاسلامي برؤية نقدية.فقد بات واضحا أن قوى الاسلام السياسي المتطرفة لا تملك بدائلا سياسية أاقتصادية للنظام الدكتاتوري البائد وأن ممارستها العنف وابراز العضلات لا لطرد المحتلين من البلاد بل تهدف من حيث المبدأ قطع الطريق على القوى الديمقراطية وتنفيذ مشروعها الظلامي ومن هذا المنطلق تساهلت معها قوى الاحتلال وفسحت لها المجال لتنظيم نفسها وتعزيز مكانتها لاستخدامها كفزاعة في وجه القوى الوطنية بهدف استمرار الاحتلال والتحكم في شؤون بلدنا.
وفي هذا الاتجاه لابد من صياغة استراتيجية مناهضة ووقائية من شأنها تفكيك واحتواء خطاب هذه الاصوليات والادوار التي تريد ممارستها في العراق بمعنى عدم الاكتفاء بالتدابير العسكرية .
إن مهمة تفكيك الخطاب الإسلامي واحتواءه تقع في اعتقادي على عاتق قوى التغيير بجميع اتجاهاتها وفي مقدمتهم المثقفين.
أخيرا أشير أن هذه المساهمة المتواضعة هي خلاصة بحث لمجموعة من أراء بعض المفكرين والباحثين تظل الافكار الواردة فيها تحتفظ بنسبيتها فليس هناك من معيار حقيقي لصحة الافكار سوى وقائع الحياة.
هوامش البحث
1- د فرج فوده,حوار حول العلمانيةص33-34
2-المفكر طيب تيزيني,صحيفة الاضواء,لقاء حواري
3- محمد أركون,نقد الفكر الديني ص327
4- عبد الله خليفه,النهج عدد52 ص164
5- سلامه كيله,النهج عدد66 ص94
6- محمد رصاص النهج عدد 59 ص24-25
7- دأحمد بغدادي النهجعدد65 ص8
8- شهاب الدمشقي- موقع نادينا على الانترنيت
9- سمير أمين-مجلة الطريق اللبنانية عدد5 ص12 10 -د نصر حامد ابو زيد- الثقافة الجديدة-عدد295 ملف الاسلام السياس 11-براهمه مصطفى-النهج عدد 35-36 ص131
12-مصدر سابق ص130
13-مصدرر سابق ص124
14-مجلة الطريق ص11
#رسميه_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟