كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 877 - 2004 / 6 / 27 - 09:05
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من أجل إقامة علاقات جديدة ونزيهة مع دول الجوار والعالم
4-5
لم تكن علاقات العراق مع دول الجوار العربية وغير العربية باستمرار طيبة. إذ كانت المشاكل الحدودية والتدخل في الشئون الداخلية بصورة متبادلة شديدة التأثير على تلك العلاقات, سواء أكان ذلك في العهد الملكي أم في العهد الجمهوري, وأن اختلفت الأهداف والنوايا والعوامل. ولكنها لم تبلغ من السوء والتدهور بقدر ما بلغته في فترة حكم النخبة الصدامية في العراق. وفي فترة قصيرة أقيمت علاقات طبيعية مع السعودية وبعض إمارات الخليج وبعض الدول العربية البعيدة عن الحدود العراقية, ولكنها سرعان ما بدأت تتراجع وتتدهور وتتحول إلى مهاترات وعداء مستحكم. ولا شك في أن كل خلاف بين دولتين أو أكثر فيه طرفان, وربما يتحمل كل منهما جزء من مسؤولية هذا الصراع. وتختلف هذه الحالة بين العراق وبين كل بلد من تلك البلدان التي كان الخلاف والعداء معها بلغ حد شن الحروب. ويفترض في أي نزاع أن يجري التحري عن حلول عملية مباشرة أو عبر وسطاء مقبولين لدى الطرفين أو عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أو حتى عبر محكمة العدل الدولية في لاهاي.
ولكن النظام العراقي كان يختلف في كل ذلك عن جميع الدول الأخرى, رغم أن جميع دول منطقة الشرق الأوسط لا تسود فيها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية الديمقراطية, إذ أن الذهنية أو العقلية الصدّامية في العراق كانت قد أقامت حكما فاشياً إرهابياً غادراً من الناحية السياسية نحو الداخل والخارج. ولهذا لم تفكر الصدامية في معالجة المشكلات القائمة, سواء الداخلية منها أم الخارجية, بطرق التفاوض السلمي والحلول العملية عبر المنظمات الدولية, بل كانت تسعى للوصول إلى ما تريد عبر التآمر والتحايل والغدر مع طرف أو أطراف أخرى ضد طرف ثالث. وهكذا كان يتصور بأن الوصول إلى ما يريد لا يتم إلا عبر التآمر والتحايل والعنف أو شن الحروب. فعندما حاول معالجة القضية الكردية لتفريغ الحكم الذاتي من محتواه ومنع الشعب الكردي من التمتع بالحكم الذاتي الديمقراطي ومارس أساليب القسر والتعريب في كركوك وفي عدد من المدن الكردية الأخرى, تآمر مع شاه إيران في عام 1975 لضرب الحركة الكردية من خلال التنازل عن حقوق العراق في شط العرب وفي مناطق حدودية أخرى مع إيران ليتسنى له عزل الحركة الكردية المسلحة وقيادتها وضربها, كما حصل فعلاً في تلك السنة وتسبب في هجرة أعداد غفيرة من العوائل الكردية إلى إيران هروباً من بشاعة سياساته القمعية. وكانت إعلاناً بشن حملات جديدة ضد كل القوى السياسية في العراق.
وزاد في هذا التوجه العنفي لدى النخبة الصدامية عندما ارتفعت عوائد النفط الخام بفعل التأميم وتعديل أسعار النفط الخام وارتفاع حجم الكميات المستخرجة والمصدرة سنوياً, وعندما تسنى للبعث أن ينفرد كلية بالسلطة والهيمنة الفعلية على الدولة والاقتصاد والمجتمع.
وبدأت سياسة التحرش شن الحرب للتخلص من الاتفاقيات التي عقدها مع شاه إيران بعد سقوط نظام الشاه وقيام حكم النخبة الدينية الجديدة فيها, إذ وجد الدعم والتأييد والمساعدات المختلفة من عدد غير قليل من الدول العربية, ولكن بشكل خاص من الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من الدول الأوربية. ثم جاء الغزو للكويت وبقية المسرحية المأساوية القاتلة معروفة للجميع.
سقط النظام عبر الحرب وجرى إعلان احتلال العراق رسمياً عبر قرار من مجلس الأمن الدولي رقم 1183 سنة 2003, الذي يفترض أن صحح رسمياً ونسبياً بقرار آخر من مجلس الأمن الدولي صدر برقم 1546 لسنة 2004, حيث تقرر نقل السلطة السياسية إلى حكومة عراقية مؤقتة تنجز مهمات المرحلة الانتقالية.
ومنذ سقوط النظام بدأت عمليات التدخل في الشئون الداخلية للعراق من قبل غالبية نظم الحكم في دول الجوار والدول العربية وإعلامها الرسمي وغير الرسمي, إضافة على دول أخرى غير مجاورة للعراق, سواء أكانت عربية أم غير عربية إسلامية. وتجلى هذا التدخل في عدد من الصيغ التي لا تعبر في كل الأحوال عن حسن نية إزاء الشعب العراقي وقضيته العادلة, بل تبدو وكأن أغلب النظم قد أصيبت بخيبة أمل بسبب سقوط نظام صدام حسين, رغم ما عرفته عنه واطلعت على الجرائم التي ارتكبها النظام العراقي الصدّامي طيلة حكمه إزاء الشعب العراقي وقوى المعارضة العراقية والعنصرية البغيضة التي مارسها ضد الشعب الكردي والكرد الفيلية من عمليات التطهير العرقي والتعريب القسري, وكذلك ضد عرب الوسط والجنوب ومنطقة الأهوار والمقابر الجماعية التي انتشرت في أنحاء كثيرة من العراق. ولم يكن الموقف الحكومي على هذه الشاكلة, بل كان الموقف الشعبي أيضاً لأسباب ترتبط بالتخلف الفكري والوعي المحدود بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات.
إن ما يجري في العراق منذ شهور كثيرة في أعقاب سقوط النظام يحمل كل خصائص أو سمات الإرهاب الدموي والتعصب والاستبداد والعدوان وموجه ضد الشعب العراقي رغم الإدعاء بأنه موجه ضد الاحتلال. وكلنا يدرك بأن القوات الأجنبية لن تخرج من العراق إذا استمر الإرهاب بهذه الطريقة الوحشية.
إن عودة العراق إلى الجامعة العربية وإلى أخذ مكانه الطبيعي في الأمم المتحدة والترحيب بقرار إنهاء الاحتلال لم ينه حتى الآن ثلاث مسائل أساسية لا بد من معالجتها عبر العلاقات العراقية الدولية, وخاصة مع دول الجوار, وهي:
أولاً: استمرار التدخل في الشئون الداخلية للعراق ومحاولات فرض الوجهة السياسية للعراق, وبشكل خاص في ثلاثة موضوعات, وهي:
أ. الموقف السلبي من الديمقراطية في العراق والتعددية وقانون إدارة الدولة المؤقت.
ب. الموقف المعارض من النظام لفيدرالي في العراق, وكأن الفيدرالية شوكة في عيون الآخرين, في حين أنها صمام الأمن والسلام والأخوة في العراق. وهذا الموقف الشوفيني السلبي نابع من موقف سلبي أساساً إزاء القضية الكردية عموماً وحق الشعب الكردي في تقرير مصيره, رغم أنه قرر ذلك واختار الفيدرالية منذ عام 1992. ويشترك في هذا الموقف الكثير من الدول العربية والقوى القومية والدولتين التركية والإيرانية من منطلقات شوفينية ولا إنسانية.
ت. الموقف المنطلق من مواقع مذهبية طائفية تتصور بأن المسلمين الشيعة سيسيطرون على الحكم بدلاً من المسلمين السنة, وهو أمر ترفضه الديمقراطية, سواء أكانت السيطرة للسنة أو الشيعة. فالسلطة تتقرر عبر الانتخابات التي يفترض أن تكون حرة وديمقراطية ونزيهة. وهي المسألة التي يروج لها القوميون باتجاه قومي وطائفي في آن واحد, رغم علمهم بأن الحكومات العربية كلها تقوم على أساس طائفي تقريباً, إذ أن ربط الدين بالدولة هو الأساس في الوجود الطائفي في السلطة.
ثانياً: إبقاء حدود الدول العربية المجاورة والدول الأخرى, إيران وتركيا, مفتوحة تماماً أمام القوى الإرهابية التي ما تزال تتسرب إلى العراق وبأساليب مختلفة. وهذه الحالة يمكن ضبطها إن أرادت تلك الحكومات. وسيبقى هذا العامل هاجساً يمنع تطور العلاقات الإيجابية بين العراق والدول العربية, رغم رغبة الشعب العراقي والحكومة المؤقتة في إقامة علاقات ودية وطبيعية ومتكافئة.
ثالثاً: الإعلام الرسمي وغير الرسمي, الفضائيات العربية, التي اتخذت قبل سقوط النظام موقفاً مسانداً للنظام وضد المعارضة العراقية ولم تشجب حقيقة وطبيعة النظام الذي ساد العراق طيلة ثلاثة عقود ونصف العقد, مع فارق أساسي بين بعض الدول العربية حيث احتضنت سوريا بشكل خاص المعارضة العراقية بود وتقدير ودعم ملموس. إن بعض الإذاعات ومحطات التلفزة والفضائيات العربية أو غير العربية الناطقة بالعربية تلعب دوراً منشطاً للإرهاب وسفك الدماء من خلال طريقة نقل الخبر والتسميات التي تطلقها على الإرهابيين. فالتفجيرات الانتحارية الجارية في السعودية تعتبر إرهاباً وجرائم بشعة لا تغتفر لدى الفضائيات العربية, وهو صحيح تماماً, ولكنها أعمالاً شعبيةً ومقاومة للمحتلين في العراق, علماً بأن الضحايا في الحالتين بنات وأبناء وأطفال شعوب هذين البلدين. إن هؤلاء يعرفون تماماً بأن المجرمين الذين يقومون بهذه العمليات هم من أتباع النظام السابق وأتباع القاعدة وأنصار الإسلام وغيرهم من التنظيمات الدينية المتطرفة والإرهابية. إن دم العراقيين في رقبة جميع من يشجع بشكل مباشر أو غير مباشر على ممارسة مثل هذه العمليات الإجرامية ويتحملون مسؤوليتهم التاريخية, ويحق للشعب العراقي أن يرفع دعوى قضائية على النطاق الدولي ضد هذه المؤسسات والأشخاص لمحاسبتهم على طريقة بث الأخبار والتعليقات والحوارات, لأنها ليست حيادية مطلقاً, بل تتخذ موقفاً مناهضاً للشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية وتقف إلى جانب القوى الإرهابية والتخريبية.
رغم هذه المواقف وتلك السياسات, فأن العراق الجديد الذي لم يبدأ بناءه بعد, يتطلع إلى إقامة نظام مدني ديمقراطي فيدرالي لا مركزي, نظام قائم على الحياة الدستورية الديمقراطية والفصل بين السلطات وفصل الدين عن الدولة والتعددية السياسية والتداول الديمقراطي للسلطة عبر صناديق الاقتراع, نظام يعمل وفق مبادئ العلاقات الديمقراطية مع دول الجوار ودول العالم كلها وحسن الجوار والتعاون المتبادل والابتعاد عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى, كما يرفض التدخل في شئونه الداخلية.
إن العراق بحاجة ماسة في الوقت الحاضر, رغم المصاعب المالية إلى:
1. الاستمرار في إرسال وفود سياسية إلى الدول العربية وغير العربية من أجل تبيان سياسة العراق ومواقفه وحاجاته في المرحلة الراهنة لإبعاد الشبهات الخاطئة عن العراق والشعب العراقي, ورغبة الشعب الصادقة وكل القوى السياسية في التخلص بأسرع وقت ممكن من وجود قوات الاحتلال في البلاد.
2. خلق تعاون متين بين التنظيمات الديمقراطية العراقية في الخارج وبين الحكومة العراقية والتنظيمات الديمقراطية غير الحكومية في الداخل للتنسيق في المهمات, خاصة وأن هناك محاولات جادة لتشويه سمعة العراق والشعب العراقي في الخارج. ويمكن أن نلاحظ ذلك في أكثر من بلد واحد في أوروبا, على سبيل المثال لا الحصر, فرنسا وألمانيا وبريطانيا والنمسا ... الخ.
3. تشخيص عناصر جيدة لتعيينها في السفارات العراقية في الدول الأوروبية ذات الأهمية الفائقة في العلاقات الدولية وعدم تركها فارغة, كما عليه الوضع في الوقت الحاضر.
4. دعوة شخصيات ووجوه عربية وأجنبية ديمقراطية ونزيهة لزيارة العراق حالما تتوفر الأوضاع الأمنية المناسبة.
5. إيقاف التصريحات التي تطلق من هذا الوزير أو ذاك التي لا تعطي انطباعاً مناسباً في الخارج, وخاصة تلك التي لا تختلف في جوهرها عن التهديدات كان يطلقها صدام حسين وأتباعه. إن مقاومة الإرهاب ضرورية والتصدي للإرهابيين أيضاً ولكن ليست القوة العسكرية وحدها يمكن إنهاء هذه الأعمال الإرهابية, بل عبر العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي النشيط وكسب رضا الشعب أولاً وقبل كل شيء, وعبر الموضوعية والهدوء بعيداً عن التصريحات الرنانة التي لا تثمر شيئاً بل تلحق ضرراً بالقضية العراقية ذاتها والتي تجلت في تصريحات وزيري الدفاع والداخلية في الآونة الأخيرة, وتنظيم حملة إعلامية مدروسة ومنظمة وفاعلة للوصول إلى رفع مستوى التعاون بين المسئولين وقوى الشعب عموماً وقوى الأحزاب الوطنية خصوصاً لمواجهة القوى المضادة ثالثاً.
6. إن اعتقال أعضاء في الجماعات الإرهابية والمشتبه بتورطهم في أعمال من هذا النوع يفترض أن يخضع لمساءلة قانونية ومحاكمة عادلة والابتعاد عن الأساليب المتبعة في معتقل غوانتانامو أو في سجن أبو غريب عند التحقيق أو بعد صدور أحكام بحقهم. إن الفارق بين سلوكية نظام صدام حسين وقوى الإرهاب من كل الأصناف من جهة والقوى الديمقراطية من جهة أخرى يفترض أن يبرز في طريقة التعامل مع الإنسان, أياً كان هذا الإنسان وأياً كانت الجريمة التي ارتكبها, فالقانون هو الحكم في هذه الأمور.
25/06/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟