|
العلم والدين تحت مظلة المصلحة البشرية
محمد شرينة
الحوار المتمدن-العدد: 2887 - 2010 / 1 / 13 - 09:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الكثير من الناس شديدي الاعتداد بآرائهم وهم كثيرا ما يفشلون لأنه في النهاية رأينا الشخصي ليس هو المهم بل الواقع هو المهم، إن رأي المجموع أكثر أهمية من رأي الفرد ولكنه هو الآخر ليس الفصل فكثيرا ما كان رأي المجموع هو الأخر خاطئا، وان كان رأي المجموع عادة يصيب أكثر من رأي الفرد. لنفرض أننا نريد أن نصل إلى قرار بخصوص: هل نزرع محصولا في أرض ذات هطول مطري متغير من سنة إلى سنة؟ في الواقع لن يتبين القرار الصائب من عدمه إلا بعد مرور الموسم فإذا هطل المطر كان القرار الصائب هو الزراعة، والعكس صحيح. الحتمية العلمية توحي بان ذلك الموسم الذي كنا نتحدث عنه كان مقررا سلفا هل سيكون مطيرا أم لا. بينما يوحي الشعور البشري بالحرية؛ مدعوما ببعض نظريات الفيزياء الحديثة بان الأمر ليس كذلك. وفي كلا الحالتين سواء كانت تركيبة العالم البدئية تقود حتما إلى كون السنة مطيرة أو مجدبة أو لم تكن، فانه يتضح أن المهم ليس رأي هذا أو ذاك من الأفراد أو الجماعات بل المهم هو إرادة الكون إذا كانت مقررة سلفا أو قرار الكون إذا كانت تقرر الآن. وعلى هذا المبدأ أعني المبدأ الثاني الذي يقول إن قرار الكون يقرر الآن تقوم فكرة الله، ولكن بشكل شديد الالتباس يرمي إلى جمع الفكرتين السابقتين المتناقضتين جمعا تعسفيا، هذا الجمع كان المسبب الرئيسي لالتباس كبير في الفكر البشري وما زال. فكرة الله تقوم على انه يعلم كل شيء في المكان والزمان وهو ما يتفق مع النظرة الحتمية للعالم، ولكن فكرة الله تقوم بنفس الوقت على الحرية المطلقة لله زمانا ومكانا بأن يفعل ما يشاء وهو ما يتفق مع فكرة الحرية البشرية. وهذا يقود إلى أن الله يعلم مالا يُعلم ويريد ما لا يُراد.بتعبير أدق أنه إما أن علم الله خاطئ أو إرادته غير نافذة. فإذا كان الله يعلم أن الموسم خصيب لم يكن لله الحرية في أن يجعله مجدب وبالتالي فإرادته قاصرة، بينما إذا كان لله الحرية في أن يصير الموسم مجدبا أو خصيبا، لم يكن ليعلم أنه خصيب أو مجدب وإلا لكان إحدى علميه غير صحيح. في الواقع القضية هي بشرية قبل أن تكون إلهية وإنما عكسها الإنسان على الله ليتخلص من مشكلتها، فالإنسان يريد أن يعتبر نفسه وبشكل مطلق حرا وعالما بنفس الآن، ولما كان من المستحيل اجتماعهما، نقل المعضلة إلى الله الذي يعتبره الإنسان محلا تقبل فيه المتناقضات التعايش، وإلا كيف يكون الله لا محدود زمانا ومكانا وكيف يكون موجود ولكن ليس موصوف إلى آخر ذلك من اللا معقولات والمتناقضات التي يصف بها الفكر البشري الله. القضية بمنتهى الوضوح كقضية البداية والنهاية والمسبب فلما كان الإنسان يرفض أن يكون هناك شيء لا بداية ولا نهاية له وليس له مسبب، قال إن العالم ذو بداية ونهاية وله صانع هو الله ولكن الله ليس له بداية ولا نهاية ولا مسبب، فإذا كنا نقبل بهذه الظروف فلماذا لم نقبلها بدءاً فيما يخص العالم وإذا كنا نرفضها فكيف نقبلها فيما يخص الله؟ الواقع أن القضية غير قابلة للحل ولكن المؤمن يقول في جوابه عنها: إن الله ليس مثل العالم ولا يمكن فهمه كما أنه لا تنطبق عليه قوانين الكون. ولكن نفس الكلام ينطبق تماما على الكون فمن هو الذي قال أننا نعرف قوانين الكون وأن الكون يمكن فهمه؟ وببساطة فان القضية بالنسبة لي ترجح رجحانا كبيرا للجانب الثاني، فحتى يصح ويستقيم الطرح الأول لا بد من أن نعرف تماما قوانين الكون وأن يكون الكون مفهوما تماما لنا ومادام ليس كذلك والذي هو الواقع فهو(الكون) يتمتع بصفات الله، بمعنى أنه إذا كان الله يختلف عن العالم بكونه لا يمكن للفكر البشري فهمه بشكل كامل ذلك أننا متفقون أن الله مفهوم جزئيا للفكر البشري وإلا لما عبده الناس وتعاملوا معه، فلا مبرر لتمييزه – الكون - عن الله إذ هما في هذه الحالة يشتركان في أهم صفاتهما بالنسبة للإنسان وهي ماهية المعرفة البشرية الناقصة لهما. بشكل أسهل هذا يعني أننا لم نستفد شيئا من افتراضنا وجود الله، وبالتالي هو فرض عديم القيمة علميا. نعم يظل فرض وجود الله ذو قيمة بل قيمة كبيرة عاطفيا، مع أهمية معرفة أنه في المجال العلمي يتفق الناس كلهم بينما في المجال العاطفي يختلفون بشدة فمنهم الذي يعاشر زوجا واحدا كل حياته ويشعر بالجزع لبعده عنه ولو لوقت شديد القصر، كما أن منهم الملول الذي يعاشر ويفارق ويعيش بشكل طبيعي بدون رفيق أو رفيقة. في الواقع كان ولا يزال الدين هو وجهة نظر النساء والرجال العاطفيين من النوع الأول الذي يعيشون كل حياتهم ضمن نمط واحد وهذا حقهم ولكن ليس حقهم أن يفرضوه على الآخرين ويعتبرونهم ضالين إذا رفضوه. بتقدير كثير من الناس أنه من الأفضل للإنسان أن يكون حرا من أن يكون عالما بمعنى متيقنا، وهذه بالضبط النقطة الحرجة في المسألة فحتى يكون الإنسان حرا يجب أن يتعايش ويعتاد عدم اليقين، ليس المقصود أن يرضى بالجهل ويتخلى عن العلم بل المقصود أن عليه أن يتخلى عن فكرة امتلاك العلم الكلي، سواءً بشكل مباشر أو عن طريق الله. حرية الإنسان تأتي وتظهر وتتضح عندما يقبل الإنسان هذا العالم المجهول الغامض موطنا نفسه على السعي للمعرفة ضمن العالم بشكل مستمر لا نهاية له، وليس السعي لمعرفة العالم. الأول هو العلم والثاني هو الأيديولوجيا. نعم هذا العالم لديه قرار في كل ما يخصنا سواء كان هذا القرار قد اتخذ منذ بداية العالم أم انه يُتخذ الآن ولا سبيل لمعرفة ماهية هذا القرار ولا الزمن الذي يتخذ فيه، وكل ادعاءاتنا وقواعدنا عديمة القيمة، فمهما قلنا أن هذا حق وهذا باطل فلا قيمة لهذا الكلام بغض النظر عن كوننا نقول أن هذا هو رأينا أو رأي الله، ذلك أننا نحن من نقول ذلك وليس الكون، أما قرار الكون الذي لا سبيل لمعرفته بشكل حتمي فهو موجود بشكل مستقل عنا، مع أن نجاحنا يتوقف على أن يكون قرارنا ورأينا مطابقا أو قريبا ما أمكن لرأي وقرار الكون. فلو قالت كل الكتب المقدسة أن العسل يعالج مرض ارتفاع سكر الدم فان هذا لا يكون ذو قيمة مادام واقع الكون يقول غير ذلك ولكن هذه قضية بسيطة يمكن معرفة الواقع الذي هو قرار الكون فيها وهناك قضايا أعقد بكثير ولكن من الواضح انه في جميع القضايا فان القول الفصل هو للكون وما يقرره أي للواقع، والعلم هو الفرع الأقدر من فروع المعرفة البشرية على مقاربة الواقع الذي هو قرار الكون. عندما افترض الفكر أن 1+1=2 وهذا صحيح ف( تفاحة + تفاحة = تفاحتين) كان هناك خطأ أو سوء فهم هو افتراض أن كل التفاح متشابه ولذلك مع تقدم المعارف باتجاه الكمال مجتازين عدة مجالات تبين أن هذا غير سليم لذلك اخترع الوزن وأصبح( 1كغ تفاح+1كغ تفاح = 2كغ تفاح)، ومع استمرار الحركة تبين أن هذا أيضا غير سليم ف(1كغ ثقلي في دمشق يختلف عن 1كغ ثقلي في باريس) وهذا مهم في القياسات الدقيقة طبعا ليس في التفاح وهكذا اخترعت الكتلة ومع استمرار التقدم وحسب النظرية النسبية فان كتلة 1 كغ ثابتة ليست نفس كتلة 1 كغ متحركة بسرعة معينة ونحن الآن نقف هنا ولكن هذا لا يعني أن هذه النهاية، إن من أهم أخطاء الفكر البشري والتي وقع فيها العلم ذاته افتراض أن العالم يقف حيث تقف معارفنا. نتيجة لما سبق وللتقدم العلمي الكبير الذي حصل منذ النسبية مطلع القرن الماضي إلى نظريات الفوضى نهاية القرن العشرين فان العلم في الوقت الحاضر فقد وظيفته كمقرر للحقيقة بمعنى أن هدف العلم لم يعد الوصول إلى الحقيقة المطلقة ولا حتى شبه المطلقة لأن مثل هذه الحقيقة غير موجودة وان وجدت فمن غير الممكن الوصول إليها، بالأحرى أنه من غير الممكن معرفتها مما يجعل من غير الممكن الحكم هل هي موجودة أم لا، تماما كقضية وجود الله. حاليا يستمد العلم قيمته من المنفعة التي يقدمها للإنسان. هذا الوضع نفسه هو الوضع الذي صار إليه الدين منذ عدة قرون فهو عاجز تماما فيما يخص الحقيقة ولكنه ليس كذلك فيما يخص المنفعة، مما يعني أنه ما دام الدين يقدم منفعة للناس فهو مبرر وجيد على أن لا ننسى أن جودته تماما كجودة العلم لا تتأتى من ذاته بل من مقدار المنفعة التي يقدمها للبشر.
#محمد_شرينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول تقرير التنمية البشرية العربي الخامس
-
يا بُني
-
الحاجة إلى تحديث العلمانية والإسلام العربيين
-
هل البيض أم السود هم أهل النار؟
-
الإيمان والوهم
-
العوامل الحاسمة في تقدم الغرب والثورة الصناعية
-
العرب والطيران
-
تحرير جسد المرأة بل أجساد النساء والرجال
-
حيرني البوذي
-
أنا والله
-
الضمير والشبق؟
-
المسلمون والغنائم
-
تقييد حرية المرأة الجنسية
-
أهدى الشرائع
-
حية في الشتاء
-
في المحطة الأخيرة
-
حتى لا يموت الإسلام
-
الله امرأة
-
المرأة الناقصة
-
نحن الخالدون
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|