|
التجربة التونسية رائدة في مكافحة الفقر
أشرف عبد القادر
الحوار المتمدن-العدد: 876 - 2004 / 6 / 26 - 08:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
أشعر بالذنب كلما ورد على خاطري اسم تونس هذا البلد الحبيب. فعندما كنت من أنصار الإخوان المسلمين في مراهقتي كنت أكره هذا البلد كما يكرهه الإخوان المسلمون وصدقت كل أكاذيبهم فيه بما في ذلك أن الحديث باللغة العربية في تونس أمر غير مرغوب فيه وفي بعض الإدارات محرم. لكن منذ جئت إلى باريس تعرفت على أصدقاء تونسيين كثيرين بينهم أستاذي العفيف الأخضر _ شفاه الله _ ومنهم شخصياً ومن الكتابات التي زودوني بها عرفت تونس على حقيقتها: البلد الذي يمثل نموذج الحداثة العربية الإسلامية في وطننا العربي. ومنذ ذلك التاريخ وأنا لا أذكر في كتاباتي تونس إلا بخير ومن أجل ذلك ناصبني متأسلموها العداء وهددوني تليفونياً بالقتل كما شرحت ذلك مراراً في "إيلاف" بل إن زعيم هؤلاء المتأسلمين لم يتوقف عن إرسال شتائمه البذيئة بالبريد الإلكتروني … ذات مرة أرسل لي رسالة مكررة مائة وعشرين مرة فيها كلمة من ثلاثة أحرف … اكتشفت تونس كتجربة رائدة في مجالات عدة جديرة بأن يحتذيها وطني مصر، من حداثة التعليم والتعليم الديني إلى النجاح الباهر في السياحة. أذكر ذات مرة سنة 2001 عندما عدت إلى وطني مصر لقضاء أجازتي أن أحد المختصين في السياحة المصرية والذي زار تونس ليتعلم من تجربتها الناجحة في هذا المجال قال لي: يزور تونس 5 ملايين سائح ويزور مصر نفس الرقم أيضاً ، لكن تونس ليس فيها الأهرامات ولا وادي الملوك … وإنما فيها الأدمغة التي تعرف كيف تستثمر الإمكانيات المتاحة بالدرجة القصوى وهذا للأسف لا نملك نحن منه في مصر شيئاً. توجد عشرة بلدان نامية مرشحة لدخول نادي الدول المتطورة لا يوجد فيها بلد عربي واحد سوى تونس رغم أنها لا تملك لا نفطاً ولا غازاً ولا قناة سويس، لكنها تملك الأدمغة غير الانفعالية التي تفكر في كل شيء بعقلانية. كانت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في تونس سنة 1985 13% %فأصبحت سنة 2003 3% وكانت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في سوريا سنة 1985 30% فأصبحت نسبتهم سنة 2000 أكثر من 50 % . كيف قضت تونس على ما تحت الفقر؟ بمبادرة عبقرية وإنسانية بادر إليها رئيس تونس بن علي ، فقد أسس سنة 1993 (صندوق التضامن الوطني) وقد نجحت هذه التجربة الإنسانية الرائدة إلى درجة أن الأمم المتحدة تبنت اقتراح الرئيس التونسي بإحداث صندوق تضامن عالمي ، مماثلاً لصندوق التضامن التونسي لمكافحة الفقر في العالم، فكأنما تونس قد تبنت شعار الفاروق عمر"لو كان الفقر رجلاً لقتلته" لا في تونس وحدها بل في العالم كله. شاركت جامعة تونس للتضامن الاجتماعي مؤخراً في مؤتمر دولي تحت اسم "أبرز الممارسات لمقاومة الفقر في العالم" نظمها في شنغهاي البنك الدولي وقد شاركت في المؤتمر بلدان كثيرة بينها الصين ممثلة برئيس وزرائها، لكن لم يشارك فيها من الدول العربية إلا تونس.تم خلال المؤتمر تقديم عدد هام من المداخلات حول أفضل السياسات لمقاومة الفقر كما تقول الأسبوعية التونسية "العقد" وتقديم تجارب ناجحة من هذه المقاومة وبالخصوص التجربة الصينية حيث تم تقليص نسبة الفقر من 40 % % إلى 20 % خلال خمس سنوات، وقد أدرج المؤتمر تونس من بين ثلاثة عشر دولة في العالم التي تمكنت بنجاح تقليص نسبة الفقر بمعدلات جيدةن وهذه الدول هي بعد تونس، الشيلي، والصين، وكوستريكا، والسلفادور، والهند، وأندونسيا، وجمهورية كوريا، وبولندا، وروسيا، وتنزانيا، وأوغندا، با إن المؤتمر اعتبر أن تونس قد تجاوزت مشكلة الفقر منذ سنوات حتى إن الكونجرس الأمريكي قطع عنها المساعدات الغذائية التي كان يقدمها لها. وقد قال سفير أمريكا في تونس:"إن تونس قد عوقبت لنجاحها" في التنمية. قاومت تونس ما تحت الفقر بالقضاء على المساكن البائسة وتحويلها إلى مساكن لائقة بالبشر ، كما يقول المفكر العفيف الأخضر في مقال بعنوان "استئصال الفقر يساعد على استئصال التطرف الديني" الذي نشرته إيلاف والحوار المتمدن، والزمان اللندنية،والمدي العراقية، ووطني المصرية "لقد نجحت خطة صندوق التضامن (…) في القضاء على "مناطق الظل" أي المساكن التي لا تليق بالكرامة البشرية والتي كانت تغطي 1950 "منطقة ظل" يعيش فيها 181 ألف عائلة معدمة. تلقت الخطة 500 مليون دينار تبرع بها المواطنون بمن فيهم أكثرهم فقراً حتى كان الواحد منهم يدفع ديناراً واحداً تعبيراً رمزياً عن تضامنه مع مشروع القضاء على الفقر". كما قاومتها بالقروض الصغيرة التي تقدم بنسبة فائدة رمزية للشباب المهمش والعاطل عن العمل لإنشاء مشاريع صغيرة تنتشلهم من اليأس ويبنون بها مستقبلهم في عمل وسكن وأسرة.ويختتم المفكر العفيف الأخضر مقاله قائلاً:"تاريخياً مر القضاء على الفقر المدقع في أوربا بطورين متكاملين: الطور الأول تصدت له جمعيات المجتمع المدني الإنسانية باسم التضامن الأخلاقي مع الفقراء، وهكذا أنشئت جمعيات الإحسان للفقراء منذ القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الثانية آخذة على عاتقها تخفيف وطأة الفقر المدقع وإعطاء الفقراء اليائسين بصيصاً من الأمل بتحسين شروط حياتهم، وبدأ الطور الثاني في الحرب على الفقر غداة الحرب العالمية الثانية عندما انتقلت هذه المهمة إلى دولة الرفاة التي أصبحت قوية اقتصادياً بما فيه الكفاية لتقديم مساعدات مقننة للفقراء وهكذا تحولت مساعدة المحتاجين من واجب أخلاقي إلى واجب قانوني أي إلى حق من حقوق الإنسان". فليت جميع الدول العربية تحتذي بالمثل التونسي الفريد وتحارب الفقر الذي يهدد شبابنا، ويجعلهم لقمة سائغة في يد المتأسلمين قادة وفقهاء الإرهاب، بإعطائهم أملاً في غد باسم، يجدون فيه عملاً وأسرة وسكناً.لتجفيف ينابيع تنظيمات المتأسلمين من "النهضة" التونسية، إلى الإخوان المسلمين الذين يمثلون "نداهة "اليأس التي تجتذب اليائسين من المستقبل إليها كما يجتذب المغناطيس الحديد.
[email protected]
#أشرف_عبد_القادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعليق علي : -الحملة اللاأخلاقية الظالمة- ضد رمز -الاعتدال وا
...
-
المأزق العربي العرب في مواجهة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة
-
مؤتمر -الحداثة والحداثة العربية- خطوة على طريق الحداثة
-
زعيم ثورة الفاتح والفتح الجديد
-
شافعي مصر المستشار محمد سعيد العشماوي مرشح للاغتيال
-
نداء عاجل للرئيس مبارك لحماية المستشار محمد سعيد العشماوي ال
...
-
أسباب عدم قيام حوار عربي – عربي ناجح
-
المرأة لعبة المتأسلمين
-
الحجاب وحجب العقل
-
الحجاب والإسترينج
-
هل تكره فرنسا الإسلام والمسلمين؟!
-
مشكلة المتأسلمين مع شيخ الأزهر ليست في الحجاب بل في تصفية ال
...
-
رداً على واصف منصور: الأمية ليست فضيلة بل رذيلة وأمة اقرأ لا
...
-
د. سيد القمني في حديث غني - إصلاح الإسلام فرض وواجب حتى لا ن
...
-
نداء إلى نساء العراق لا قهر ولا وصاية للمرأة بعد اليوم
-
د. سعد الدين إبراهيم مثال لمثقف القرن الحادي والعشرين يجب أن
...
-
حمداً لله أن الحقد الإسلاموي الأعمى لم ينفجر في -الأحداث الم
...
-
حديث صريح جداً مع الرئيس السابق صدام حسين
-
صدق أو لا تصدق الشيخ يوسف القرضاوي يتزوج بطفلة تصغره بستين ع
...
-
حوار مع الدكتور محمد عاطف أحمد السيد طنطاوى
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|