عادل بشير الصاري
الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 23:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الوهابية مصطلح حديث أخذ ينتشر مؤخرا في كتابات المفكرين الإسلاميين وغيرهم، ويعني مجموع الفتاوى والأفكار التي صاغها الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703م ـ1791م) في عدد من كتبه ورسائله وخطبه من بينها ( كشف الشبهات ـ الكبائر ـ تعليم الصبيان التوحيد ) ، ويُصنف الشيخ في أدبيات الفكر الديني السلفي بأنه أحد رموز الإصلاح الديني والاجتماعي في الجزيرة العربية إبان القرن الثامن عشر .
وقد دعا الشيخ في أول أمره إلى تصحيح العقيدة ، إذ رأى أن ما يقوم به العوام في زمنه من زيارة الأضرحة والتمسح بالمقامات والأشجار إنما هو انحراف عن دعوة التوحيد ، وعدَّ هذه الأفعال مظهرا من مظاهر الشرك وبعدا عن جوهر الدين ، كما دعا إلى التمسك بسنة النبي والاقتداء بحياة الصحابة.
وقد لقيت دعوته قبولا ورفضا في نفس الوقت ، وكان خصومه يرمونه بالزيغ والتنطع ، وسوء فهم مقاصد الشريعة المتمثلة في القرآن والسنة ، ولعل أبرز معارضيه هو شقيقه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب صاحب كتاب ( كتاب الصواعق الالهيه في الرد علي الوهابيه ) ، وكتاب (فصل الخطاب في الردّ على محمد بن عبد الوهـاب ) .
وعلى كلٍ فإن الفكر الذي أرساه الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعد الآن من أبرز التيارات الإسلامية المعاصرة التي تعتمد على استنساخ الموروث دون تمحيص ودون مراعاة لمتغيرات العصر ، فالفكر الوهابي إجمالا يحث في كثير من أدبياته المكتوبة والمسموعة المسلمين على اتباع السلف من خلال ما تبرزه أحاديث أخبار الآحاد التي تصور حياة النبي وصحابته ، فالمسلم في منظور هذا الفكر عليه أن يتبع السلف في كل شيء ، ومن خرج عن ذلك فهو مبتدع ، والمبتدع مصيره جهنم .
ومن هنا ووفق هذا المنظور فالمسلم لا يمكنه بأية حال من الأحوال إلا أن يكون متبعا لا مبتدعا ، فالابتداع في أمور الدين مخرج من الملة .
ولا شك أن الفكر الذي يؤمن به أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذا العصر يتعارض في منهجيته وأهدافه مع أبرز التيارات السلفية المعاصرة ، فبينما تحاول بعض هذه التيارات قراءة الأحاديث النبوية قراءةً تتوافق مع الواقع المعيش ، نرى الوهابيين المعاصرين يأخذون بمعظم الأحاديث المبثوثة في كتب الصِحاح بلا تحفظ ، لأنهم يرونها لا تزال صالحة للتطبيق في هذا الزمن .
وبينما ينظر بعض السلفيين إلى الحياة المعاصرة ومستجدات العلم نظرة واقعية معتدلة، نرى كثيرا من الوهابيين المعاصرين ناقمين على هذه الحياة بما اشتملت عليه من أفكار وآداب وفنون ومخترعات ، محرضين أتباعهم على الحذر منها وعدم الافتتان بها والتعامل معها إلا عند الضرورة ، بحجة أنها حياة كفار لا يمكن الاقتداء بها ، وبحجة أن حياة الرسول والصحابة أفضل منها ، فالحياة المعاصرة في رأي كثير منهم مفسدة للدين والدنيا معا ، وهكذا يكون التدين الصحيح في نظر وهابيي هذا العصر هو الاستنساخ عن الأصل .
ومنطق الاستنساخ الذي يعتمده الوهابيون يقوم على مبدأ ( هذا ما وجدنا عليه آباءنا ) ، وهو نفس المبدأ الذي تذرع به بعض أهل مكة في رفضهم للإسلام ، فالوهابيون يحتجون بأن الإسلام الصحيح هو ما كان عليه السلف الصالح زمن النبوة والصحابة ، كذلك من رفض الدعوة المحمدية زمن النبوة احتج بأن آباءه وأسلافه كانوا يقدسون الأصنام ، فلا حاجة لاتباع محمد ، فالمشترك الفكري إذاً بين السلفيين الوهابيين والسلفيين الوثنيين هو محاكاة السلف ورفض ما عداه ، وهم في إصرارهم على الدعوة إلى محاكاة السلف يريدون من المسلمين استنساخ أفكار ومشاعر وأفعال بشر عاشوا في القرن السابع الميلادي .
إن أدبيات الفكر الوهابي الذي يستقي من فكرالشيخ محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية وتلميذه ابن القيم يريد من مليار ومائتي مسلم أن يكونوا جميعا نسخة واحدة في التفكير والشعور والتصرف للمسلمين الأوائل ، فإذا ثبت أن صحابيا في زمن النبوة كان ـ مثلا ـ يصلي قابضا على يديه ، فعلى الجميع اتباعه ، وإذا ثبت أن أعرابيا كان يبول جالسا ، فعلى المسلمين جميعهم وفق هذا التصور أن يبولوا جالسين ، ومن خالف وبال وهو واقف ، فهو مبتدع مستحق لغضب الله .
وتتوسع دائرة البدعة والابتداع في الفكر الوهابي لتشمل جميع مناحي الحياة تقريبا من أكل وشرب ولباس وزينة ونوم وجماع وسفر وإقامة وكل ما يخطر في البال ، ولا حيلة للمسلم سوى الاتباع ، فاستنساخ مسلمي القرن السابع الميلادي هو المنجي من غضب الله .
وبتوسع دائرة البدعة عند الفكر الوهابي تتوسع بذلك دائرة التكفير ، والوهابيون في هذا تفوقوا على غيرهم من التيارات السلفية في هذه المسألة ، ويمكن القول إن كثيرا من الحركات الأصولية المتشددة التي ابتلي بها العالم الإسلامي تدين للوهابية ، ففكر سيد قطب وجماعة الإخوان المسلمين في طورها الأول ، وكذلك حزب الدعوة ومنظمة الجهاد ، ومنظمة التكفير والهجرة ، وتنظيم القاعدة ، وحركة طالبان كلها تعد من منتجات الفكر الوهابي، فهي تشترك جميعها في رفض الآخر وتكفيره .
والآخر لا يعني عند الوهابيين وأشباههم فقط الغرب ، إنما يعني كل ما هو غير إسلامي سلفي ، فالفكر الإسلامي الذي لا يحرص على استنساخ السلف استنساخا كاملا هو فكر مبتدع لا سبيل إلى قبوله ، ففكر الشيخ محمد الغزالي والشيخ القرضاوي والزنداني والبوطي وغيرهم هم دائما في دائرة الاتهام ، ولم ينجُ هؤلاء المشايخ من فتاوى التكفير التي صدرت ضدهم من قبل غلاة الوهابيين .
التكفير هو سلاح الوهابي يشهره في وجه خصمه حتى يرضخ له ، فالمسلم البسيط المحدود التفكير والعقل إذا تمسح بشجرة أو قبر هو مشرك ، وأي مسلم لا يكفِّر هذا المشرك فهو كافر ، لذا يمكن القول إن الإنسان في منظور الخطاب الوهابي إما كافر ، وإما مسلم يكفِّر غيره ، وهنا يكمن خطر هذا الفكر وتهافت مرتكزاته .
إن الفكر الوهابي في عمومه لا يمكن له الذيوع والانتشار وسط عالم منفتح على بعضه ، وسيظل الداعية الوهابي برفضه للآخر وتكفيره إياه أستاذا فاشلا لا يعرف من أساليب التربية سوى الطرد ، وهو وإن استطاع أن يصدِّر أدبياته إلى خارج جزيرة العرب في لحظات اليأس والهزائم ، فإن السلطات السياسية الحاكمة في مصر والشام وبلاد المغرب العربي تولت محاصرته والتضييق عليه .
بل إن الأسرة الحاكمة في السعودية راعية هذا الفكر أخذت تضيق ذرعا به وتحد من سيطرته على عقول العامة موقنة أن سمة التشدد والتنطع باتت الغالبة عليه ، ولم تُبقِِ لدعاة هذا الفكر سوى عدد من الفضائيات والمنتديات يروجون فيها لأفكارهم ، لكنها لا تلقى في الغالب صدى طيبا في نفوس كثير من متتبعيها ، نظرا لأن هذا الفكر وإن بدا ملائما لحياة بعض سكان الجزيرة فإنه يعدا غريبا وشاذا خارجها.
وقديما قال أحد شيوخ السلفية المستنيرة في مصر بما معناه أنه لو تمكن هذا الفكر من الانتشار وتغلغل في عقول المسلمين لما شيدت مدارس ولا جامعات ولا مستشفيات ، ولا شقت طرق ، ولظلت حياة العرب كما كان حالها أيام الخيام والبوادي وبعر الآرام .
#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟