|
ابن سينا ورسالة في التربية والاخلاق
محمد نبيل الشيمي
الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 18:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هو ابن الحسن بن عبدا لله بن الحسن بن على ابن سينا ( 980 – 1027م ) ولد فى افشنة وهى إحدى مناطق جمهورية أوزباكستان حاليا ... يذكر الباحثون انه امتلك الموهبة والذكاء وتميز بذاكرة قوية واشتهر بالنبوغ فى سن مبكرة – بدأ حياته الفكرية بحفظ القران الكريم قبل ان يبلغ العاشرة من العمر – كانت حياته صاخبة حافلة بالعمل والتأليف ... كما كان يهوى الاستمتاع واللهو – انكب على الدراسة فى علوم الرياضيات والطبيعيات والمنطق وعلوم ما يعد الطبيعة وقد استهوته الفلسفة ونظم الشعر وتفسير القران ...وكان فضلا عن ذلك بارعا فى الموسيقى ... متميزا فى علم الطب نظريا وعلميا ..... كتب ابن سينا عن فضائل الأخلاق ونقيضها ومؤكدا على ان السعادة القصوى لا تأتى الا عن طريق العلم وكان يعطى العمل اهميه كبيرة ويرى ان خير العمل ما صدر عن نيه خالصة مصدرها الحكمة .... على الرغم من انه نجح مرات عديدة فى مساعده المرضى على الشفاء الا انه مات بداء فشل وهو الطبيب الحاذق من التداوى منه . اسهامه الفكرية / كتب فى العديد من فروع العلم والفلسفة واهم مؤلفاته : - كتاب الشفاء كتاب النجاه الاشارات والتنبيهات الحكمة المشرقية القانون فى الطب ( كان مرجعا لعدد من الجامعات الاوربية حتى اواخر القرن 19 وكان اشهر كتبه على الاطلاق قصائد ورسائل مختلفة فى الحكمة والاخلاق والمنطق وعلم النفس مختصر إقليدس لسان العرب فى اللغة رسالة فى الفضاء كتاب الادوية الطبية كتاب فى سياسة البدن وفضائل الشراب ...... فضلا عن العديد من الرسائل والمقالات . كان ابن سينا من المعجبين لافكار الفارابي وممن عملوا على اقتفاء آثاره الفكرية ... وكانت كتاباته عن السعادة والشقاء والسياسة وكل ما يجب ان يتحلى به الإنسان فى المجتمع من صفات طيبة قوامها الأخلاق هى أساس العيش السعيد وقد كتب رسالة ضمنها رؤيته عن تفاوت الناس فى الصفات والرتب وكلام في سياسة الرجل لنفسه لدخله وخرجه وسياسته لاهله واولاده وخدمه اثر ابن سيناء ان يبتدىء بسياسة المرء لنفسه اعتقاد منه ان اصلاح الغير لا يقوم الا على اصلاح الذات وان اصلاح الذات اقرب الى الانسان من اصلاح الغير ولما كان لابد ان يبدأ المرأباصلاح نفسه وتقديم الافضل وتغليب العقل على جميع النزعات الاخرى . لانه متى سيطر العقل علي باق الحواس استقام الامر وصلحت الاعمال وكان يري ان.النفس ، غارقة فى المادة ومن ثم فهى كثيرة العيوب و تقف حجر عثرة فى طريق السعادة ومن ثم وجب على العاقل ان يتتبع عيوب نفسه ويعرفها كلها ثم يعمل على استئصالها وكان اين سينا في هذا الصدد متأثرا بفكر عبدا لله بن المقفع الذى يجعل تقويم النفس فى اصل تقويم الغير وهو بذلك يحث على تتبع عيوب النفس بذات الطريقة التى سار عليها ابن سيناء فيما بعد وتوسع فيما يتعلق بمحاسبة النفس وطلب ان يجعل الإنسان لنفسه ثوابا وعقابا فاذا أحسنت كافأها ببعض مسراتها وان أساءت عاقبها وانبها وقال ابن سينا انه من اراد اصلاح نفسه فعليه ان يتصفح اخلاق الناس فيختار منها ما كان حسنا ويقتدى به وينبذ به ما كان سيئا ويبتعد عنه بل ويأخذ من الاخلاق الطيبة ما استطاع منه ودفعا للغرور والضلال يؤكد لمن يعمل على اصلاح نفسه الاستعانه بالاخ اللبيب الودود الذى يكون منه بمنزلة المرآة ويرى ابن سيناء ان احوج الناس الى الاصلاح هم الرؤساء وانهم ابعدهم عن ذلك لغفلتهم عن نفسهم وتزلف الناس لهم ، وضعف ميلهم الى قبول النصيحة وامتناع الناس عن اظهار مساوئهم وتنبيهم على عيوبهم ينتقل ابن سيناء الى سياسة المرء دخله وخرجه (يقصد بذلك دخله المالي واوجه الانفاق) فيبين ضرورة القوت للإنسان وكيف يجب عليه ان يحصله بالكسب الشريف ان لم يأته عن طريق الوراثة – ويكون ذلك بالتجارة او الصناعة ويري ان الصناعة افضل لانها اوثق وابقى ولان التجارة تكون بالمال والمال سريع إقباله اذا اقبل وشيك ادباره اذا ادبر ، وعلى الانسان اذا كثر ماله ، ان ينفق قسما منه على ذوى الحاجات ويحتفظ بالباقى ليوم الشدة وعليه ، اذا انفق على الغير ، ان يضع معروفه فى محله ، وصدقته فى موضعها وبعد هذا يعالج ابن سيناء سياسة المرء لاهله ، وهو يعرض لقضيه المرأة بشكل حذر ومع تقديره لها فهو لا ينظر اليها كعنصر جوهري من عناصر المجتمع فهي عنده خادمة للرجل ومدبرة لشئون منزله وزواج الرجل منهايعود لهذه الغايه وما عداذلك عند ه ثانوى . ولما كان الامر كذلك كان لابد للمرأة من ان تتحلى بعدة صفات لتقوم بواجيها على احسن وجه ، ومن تلك الصفات ان تكون عاقلة متدينة حبيبة ، فطينة ، ودودا ولودا ، قصيرة اللسان ، مطواعا لزوجها ، لازمة جانب التصون , وعلى المرأة ان يكون لرجلها عندها هيبة واحترام . وعلى الرجل ان يتعهد امر زوجته فيحافظ على كرامته ويصدق فى كلامه حتى لا تذهب هيبته من قلبها ، وعليه ان يخلص لها ويقدرها حق قدرها حتى تزداد به تعلقا وله إخلاصا وعليه ان يضيق نطاق علاقاتها مع الناس ويشغلها بتدبير شئون بيتها واولادها حتى لا تنفاد لحيلها ومكايدها وتذهب مع كل هوى،وتصرف همها كله الى التبرج والتصدى للرجال بزينتها ثم ينتقل الى سياسة الاولاد ويضع قانونا تربويا يتناول الولد منذ ولادته الى ان يصير رجلا يعمل ، فيطلب ان يحسن الاهل احتيار الاسماء لابنائهم ( وابن سينا يرى ان الاسم الحسن يكون باعثا للانسان على العمل بموجب اسمه كما يؤكد علي اهمية اختيار المرضعات ذلك ان اللبن الذى يرضعه الطفل اثرا فى مزاجه وصحته ويطلب ان يبدأ الاهل بالعمل التربوى منذ الفطام اذ يكون عود الطفل لينا وطبيعته شديدة القابلية للتقويم وان يكون بعيدا عن تأثيرات الاخلاق الذميمة – وتكون التربية باسلوب يجمع الشدة و اللين ، ويمزج الترغيب بالترهيب ، ولا يخلو من ضرب اذا اقتضى الامر ودعت الحاجة ثم يعنى الاهل بشأن تعليم الاولاد فيختارون المؤدب المتدين العاقل المتمتع بالصفات العقلية والاخلاقية ( المؤدب المتحلى بالبشاشة والرصانه والنظافة والوقار) . ولتكن المرحلة الاولى من التعليم قائمة على تعاليم الدين وحفظ الشعر الذي يحث على مكارم الاخلاق ، وليحرص الاهل على ان يكون ابناؤهم فى مكتب ضم ابناء سراة القوم وذوى الاخلاق العالية وليعمل الاهل بعد الدراسة على تلقين صناعة لابنائهم ولتكن وفق ميولهم واستعداداتهم الطبيعية وعلى الاهل بعد ذلك ان يزوجوا ابنائهم وبدعوهم وشأنهم والا كان الابناء وبالا على الاباء . واخيرا يعالج ابن سينا سياسة الخدم فيوصى هم خيرا لانهم اعوان يحملون عن المرء اعباء كثيرة ، ولكن يجب على المرء ان يحسن اختيارهم ، وان لا يجعلهم فى خدمته الا بعد الاختيار او بعد التدقيق فى حالهم ، فان كانوا من ذوى العاهات او الكيس الكثير او الدهاء فلتجنبهم ولينج من مكرهم . ومن اهم الامور فى الخدمة ان لا ينقل عامل من عمل اتقنه الى عمل اخر ، لان النقل من اسباب الدمار وليستعمل المرء مع خادمه التأنيب اذا خالف ، ولا يصرفه الا لمعصية شنعاء . وكاستاذه الفارابى ان السعادة لا تتم للانسان الا بالاجتماع لانه اجتماعى بالطبع والسعادة قائمة فى اللذه التى تقوم بدورها بالعقل ، واللذه اربعة انواع عقلية وحسية وسامية وخسيسة ، اما اللذه العقلية فهى كمال العقل بحصوله على المعقولات اى هى ان تصير النفس الناطقة عالما عقليا بالفعل ، واما اللذة الحسية فهى كمال الحس بالمحسوسات الملائمة – واما اللذه السامية فهى التى تلائم النفس المدركة للكمال ذلك الكمال الاتم والاوفى والاثبت واما اللذة الحسية فهى افعال البدن السافلة – ومن المعلوم ان اللذه عامة تقوم فى الشعور بالكمال وان لم يكن شعوربالكمال لم تكن لذة – وكما انه يوجد لذتان عقلية وحسية – فكذلك يوجد سعادتان : دائمة ووقتية – وما السعادة الوقتية الا تلك اللذه الحسية الخسيسة ، وما السعادة الدائمة الا اللذه السامية والناس بالنسبة الى السعادة فئتان: فئة تطلب السعادة الخسيسة كما تطلبها البهائم ، وفئة تطلب السعادة العقلية التى تفوق الاخرى بقدر ما تفوق النفس ، الجسد ، وما السعادة السامية الا مشاركة للملاء الاعلى فى ملذتهم العقلية الابدية والانسان يستطيع فى هذه الحياة ان يبلغ السعادة السامية اذا حصل من العلوم النظرية والعملية قدرا كبيرا واذا تحلى بالفضائل المختلفة ,وسعادة النفوس بعد الموت هي السعادة السامية النامية للنفوس التى اصبح عندها الكمال ملكة فكانت مكملة بالمقولات متحلية بالفضائل – وكذلك تفوز النفوس الجاهلى بشىء من تلك السعادة السامية اذا لم تكن مقيدة بملذات الجسد الحسية لان النفوس فى عالمها الاخر تنتقل الى ما كانت متعلقة به والى ما كانت تصبو اليه . فاذا انغمست النفوس فى ملذات الجسد ولم تصب الى الخير المطلق سواء اكانت عالمة او جاهلة انتقلت فى العالم الاخر الى الشقاوة الابدية وتكون السعادة والشقاوة فى العالم الاخر على مقياس المعرفة ، والشقاوة الابدية فى نظر ابن سينا قائمة فى ان تتذكر النفوس اجسادها وملذاتها الحسية التى انغمست فيها فى حياتها الارضية والتى حرمتها فى الحياة الاخرى مع سدة تعلقها بها وتألم من جراء ذلك اشد الالم . المصادر/ حنا الفاخوري/دخليل الجر تاريخ الفلسفة العربية/دار الجيل بيروت الطبعة الثانية
#محمد_نبيل_الشيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في المسألة اليمنية
-
الفارابى ... ومدينته الفاضلة ورؤيته فيمن يستحق ان يحكم
-
الترخيص الإجباري ... ومتى يكون جائزاً ؟
-
صراع الطبقات .. والارتهان الاقتصادي
-
قراءة في الواقع العربي ..
-
تجلى العذراء .... وأزمة العقل الجمعي المصري
-
سبينوزا وفولتير هل كانا ملحدين ؟
-
العلامة التجارية الماهية والأهمية
-
جولدستون واوكامبو... هناك فرق
-
حرب البسوس الجديدة
-
استنساخ المعتزلة
-
حبال مقطوعة وحوار لاجدوي منه
-
المؤسسات الدينية فى العالم العربى ما لها وما عليها
-
اليمن فى مفترق الطرق
-
المثقفون والسلطة في العالم العربي
-
ملوك الطوائف يبعثون من جديد في السودان
-
اسرائيل تتغلغل وتتمدد فى افريقيا – مصر ودول حوض النيل ودور ا
...
-
وقفة مع تصاعد التواجد الإسرائيلي في أفريقيا - إسرائيل تتغلغل
...
-
نظام آليات السوق في حاجة إلى تقويمه
-
أسباب عظمة العرب وانحطاطهم قراءة في كتاب قديم
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|