أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سالم النجار - قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الخامس والأخير















المزيد.....

قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الخامس والأخير


سالم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 18:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أما جدي فقد طوى صفحة الأحداث الأخيرة, ولم يشعر بالحنق أو الخوف إنما بفرح عظيم وكلما أنجز عملاً ما كان دائم الابتسام من اجل ديمو والأطفال ومن اجله هو شخصيا ببهجة فوق ذاك الخراب العظيم. طلب من ديمو تسمية الأطفال فدعت البكر جيجان أما الثاني أطلقت عليه اسم سيدان.
عاد إلى الأرض ليحرثها من جديد وكم كان فرحه عظيماً حين عاهدته جميع الحيوانات الوقوف إلى جانبه لإعادة زراعة الأرض, فهاهو عافر يعود ثانية متعالي على كل شهواته ونزواته متفرغاً بالكامل للعمل بكل جد ونشاط يحمل على ظهره ما تسنى له من أدوات وأمتعه وكل ما يحتاج جدي. ورغم عتب الثور لتفضيل البقرة عليه فقد تجاوز غيظه ولم يألوا جهداً في حرث الأرض. كما تبرع الهدهد بمراقبة المجال الجوي للحقل تحسباً لأي اختراق امني لسماء الحقل, وتعهدت الكلاب بحراسة البيت والحقل من أية هجمات غادرة حتى الحشرات والآفات احترمت رغبة الحيوانات وانسحبت من الحقل تقصد رزقها في مكان أخر فعادت إلى الأرض روحها وأزهرت أشجارها وعاد إليها جمالها وبريقها.
اهتم جدي بصغاره منذ نعومة أظفارهما, فعلمهما القراءة والكتابة وفنون الزراعة وتربية الحيوانات كما علمهما علوم الفلك. كانت ميول جيجان نحو الزراعة بينما سيدان اهتم بتربية الحيوانات والرعي, وكانا شديدا الحرص على إطاعة والديهما وتنفيذ جميع رغباتهما دون تلكؤ أو تذمر وخصوصاً حين ظهرت على جدي علامات الشيخوخة بعد أن استنزفت الأيام شبابه وقواه, فما عاد يقوى الخروج إلى الحقل بعد إصابته بألم حادة في المفاصل ناتجة عن تآكل الغضاريف المفصلية وارتفاع التوتر الشرياني وسكري الدم الذي أدى إلى فشل كلوي, فجلست ديمو في البيت لجانبه تُمرض عليه وتداوم على تسجيل قراءات الضغط والسكر وتزيد أو تخفف من جرعة الدواء حسب الحاجة, ومساعدته في غسل الكلى التي حددت مرتين أسبوعيا.
وفي إحدى الأيام بينما كان جدي جالساً على باب الكهف يرتشف قهوة الصباح مع ديمو على الحان الأخوين رحباني وغناء السيدة فيروز وطاولة النرد قد وضعت أمامه على المنضدة, ابلغه الهدهد عن قدوم قوم باتجاه الحقل من الجهة الشرقية وعرض عليه بعض الصور الجوية التي التقطها. هرع جدي وديمو نحو الشرق ثم تبعه أبناءه , فشاهدوا مجموعة من البشر تتقدم نحوهم رافعةً الأعلام البيضاء. وقف جدي حائراً لا يعلم ماذا يفعل والأفكار تتقلب وتتصارع في رأسه! من عساهم أن يكونوا؟ هرعت كلاب الحراسة وطوقت المجموعة بالكامل منتظرة أوامر جدي بالانقضاض. تريث جدي قليلاً قبل اتخاذ قراره ثم تقدم مع ديمو وأبنائه مجتازين الطوق الأمني حتى وصل المجموعة, تأمل حالهم المزري وملابسهم الرثى وسألهم من يكونوا؟ تقدم احد أفراد المجموعة وعلى ما يبدوا كان كبيرهم وتمتم بكلام غريب مستعيناً بحركات يديه لشرح الموقف ولم يفهم احد شيئاً منه. نظر جدي إلى ديمو وسألها عن القاموس؟ فأخبرته انه حرق يوم الحريق العظيم وطلبت إليه إكرام الضيوف فقد بدت عليهم علامات التعب والجوع والعطش. فكر جدي قليلاً ثم طلب من ديمو اصطحاب النساء والأطفال إلى الكهف وترك الرجال لبعض الوقت للتأكد من هويتهم وما أن غابت ديمو والنساء عن الأنظار حتى طلب جدي من الرجال نزع ملابسهم بالكامل وسط استهجان واستغراب أبنائه والرجال لكن جدي أصر على طلبه وقال لأبنائه: إني اعلم ما لا تعلمون. انصاع الرجال إلى طلبه وخلعوا ملابسهم فأخذ يتأملهم ويتفقدهم واحدا تلو الآخر ثم طلب إليهم ارتداء ملابسهم بعد أن تأكد خلو الجميع من ماركة المركز وان عمليات الختان لم تطالهم.
هكذا أصبح لجدي قبيلة وعشيرة, فعلمهم لغته وتعلم لغتهم وعرفهم بأصول الزراعة, ونظم العلاقات داخل المجتمع فصاغ القوانين والأحكام وتم التصويت عليها بكل ديمقراطية وشفافية قبل إقرارها, تم الموافقة على بعضها وتم تعديل الباقي وانتخاب جدي رئيساً للقبيلة بالإجماع لما يتمتع به من حنكة وأخلاق رفيعة وعلم واسع وحكمة.
لم يرق لمدير المركز ما آلت إليه الأمور وخصوصا هذه الثقة العمياء التي منحها الشعب لجدي, فكان يرسل جنده المجنحين لجر السحب بعيداً عن الحقل وحبس المطر عنهم, فتتصدى لهم مجموعة الدفاع الجوي من النسور والصقور بكل شجاعة بينما كان الحمام يقدم الدعم اللوجستي لمجموعة الدفاع وغالباً ما كانت تنتهي المعارك بانتصار النسور والصقور فتعود بالغيوم كاملة أو جزءاً منها إلى سماء الحقل لتجود بما تحمل من بشائر.
استغل مدير المركز الأزمة النفسية والعاطفية التي يمر بها سيدان بعد أن رفضت إحدى فتيات القبيلة الارتباط به كونه راعيا كثير التنقل عداك عن نظرة المجتمع الدونية للراعي لغلاظة طباعه وتخلفه الاجتماعي, كان لهذا الرفض اثر كبير في نفسيته وأصيب بالاكتئاب فأصبح يخرج صباحاً يهيم وحيداً شارد الذهن بين الجبال والوديان ولا يعود إلى الكهف إلا بعد غروب الشمس.
وفي إحدى الأيام وبينما هو معتكف في مغارته جاءه احد جنود المدير وكان الظلام دامساً داخل المغارة فأشعل مصباحه الضوئي وصاح: سيدان ... سيدان أين أنت؟ ارتعد سيدان وانتفض جسده وتصبب عرقاً والتصق بزاوية المغارة وهو يقول: من أنت؟ ماذا تريد مني؟ رد عليه: لا تخف لقد أرسلني مدير المركز إليك وقد شعر بحالك ويريد أن يساعدك ... ثم انه أرسل لك بعض الهدايا علها تعجبك. أجاب سيدان أنا اكره المدير ... لقد حذرني والدي منه كثيراً ... أنا لا أريده ولا أريد هداياه فماذا يريد مني؟, أجابه الجندي: هو لا يريد شيئاً منك, هو فقط يسأل ماذا تريد؟ أجاب سيدان: قل له شكراً لا أريد منه شيئاً. الجندي: يا سيدان لقد رفضتك الفتاة التي أحببتها وقبلت بأخيك جيجان وأبوك اشتد عليه المرض فهو قاب قوسين وأدنى من قبره وستؤول الشيخة ورئاسة القبيلة من بعده إلى ابنه البكر.. وبعد زمن قصير ستجد نفسك متروكاً وحيداُ لا احد يذكرك.... صمت الجندي قليلاُ ليسمع الجواب فطال انتظاره فأيقن بعدها أن الفكرة بدأت تسيطر على سيدان فتابع قوله: في هذا الصندوق جهاز خلوي يمكنك الاتصال بالمدير وقت تشاء وهنا أيضا جهاز حاسوب بإمكانك الاستمتاع ببرامجه, واستطرد قائلاً لكن إياك أن تخبر أحداً حالياً كي لا يغضب منك المدير. وبعد أن أنهى كلامه وهم بالخروج ألقى بالمصباح إلى سيدان وقال: قد تحتاج إلى هذا في عتمة مغارتك, وما أن خرج حتى دخل سيدان بصراع عنيف مع نفسه, ماذا يفعل؟ أيقبل هذا العرض المغري ويدوس على كل المبادئ والقيم التي نشأ عليها؟ أم يخبر أباه بما حصل عله يجد طريقة للتخفيف عنه! وماذا لو علم مدير المركز!
مرت الأيام والأسابيع وهو داخل تلك الدوامة يصارع نفسه دون قرار. لكنه كان يزاد شراسةُ وكراهيةً كلما اقترب موعد زفاف أخيه وساء وضع والده الصحي وتداول الناس بأحقية البكر بخلافة والده فبلغ الحقد والكره منه ما بلغ واتخذ قراره فأرسل (مس كوول) لمدير المركز للتأكد إذا مازال على عهده, وعلى الفور عاود المدير الاتصال وطلب منه تشغيل جهاز الحاسوب لعمل (فيديو شات) كون رصيده الآن يشارف على الانتهاء. لم يعلم سيدان كيفية الولوج إلى (الفيديو شات) رغم محاولاته العديدة فأعاد الاتصال بمدير المركز يطلب المساعدة فحوله بدوره لرئيس قسم التكنولوجيا والمعلومات الذي حاول أكثر من مرة إفهام سيدان كيفية الولوج لكن دون جدوى فقرر إرسال فريق صيانة لتدريبه مستغرباً كيف اتكل مدير المركز على هذا الغبي في تنفيذ مؤامرته!!! وما هي إلا دقائق معدودة حتى وصل فريق الصيانة إلى الكهف وباشر عمله, وكم كان موقف سيدان محرجاً حين اكتشفوا تردده على إحدى مواقع الدعارة. لاحظ احد العمال علامات الخجل على محياه فقال له: لا عليك عندنا في المركز أسوأ من ذلك بكثير. وبعد أن أنهى العمال عملهم وتم تدريب سيدان بدأت المحادثات مباشرة واستمرت لعدة أيام تبرع خلالها المدير بتزويده بكل ما يلزم من أسلحة ودعم مادي, كما استطاع سيدان من إقناع مجموعة من شباب القبيلة ضعفاء النفوس المشاركة في ثورته ووعدهم بالمال ومناصب كبيرة إذا نجح ووصل إلى سدة الحكم, كما تم الاتفاق بين الجميع أن تكون ساعة الصفر يوم زفاف جيجان.
اكتشف الهدهد المؤامرة وابلغ جدي النبأ على الفور ولكن بعد فوات الأوان فقد وصل سيدان ومجموعته تحميهم كوكبة من الجنود المجنحين إلى ساحة العرس التي تزينت بالألوان الزاهية وجميع أنواع الورود وكانت أصوات الطبول وأهازيج الفرح والغناء تملأ كل مكان, وفي لحظة تحولت إلى ساحة بكاء ونواح والتحمت السيوف ورمى الجنود المجنحين بأثقالهم فوق رؤوس الناس غير آبهين بسيدان ومجموعته. دافع جيجان بكل شجاعة عن قومه وأهله وما زال يقاوم حتى التقى بأخيه ووقف كلا منهم مكانه ونظر إلى الأخر ينتظر القرار؟ كسر جيجان حاجز الصمت وشرّع صدره قائلاً: إذا كان قتلي يريحك فهاأنذا, تقدم سيدان نحوه ودون أن يرف له جفن أو يخفق له قلب زرع سيفه في صدره وما برحه حتى سقط أرضا وتأكد موته, وما أن هم بمغادرة الساحة سمع والده ينادي: سيدان....سيدان أين أخاك جيجان؟ لم يكترث سيدان لصوت جدي فأمتطى صهوة حصانه وغادر الساحة مع فرسانه. انهارت أعصاب جدي واخضلت عيناه وبللت الدموع لحيته البيضاء وديمو تحاول تهدأته فتناول بعضاً من الحجارة وقذف بها باتجاه المركز وهو يبكي ويصرخ قائلاً: أيها النذل ماذا فعلت؟ ماذا فعلت؟... ومازال يكررها حتى شعر بألم وضيق في نفسه ووضع يده على صدره من شدة الألٍم, فأزاح رأسه نحو الشمس ليشهد لحظات غروبها ومال بجسده نحو الأشجار ليسمع غناء البلابل سقط على الأرض ليهمس في أذنها قد انتصرت. ذرفت ديمو الدموع بحرقة على وداع جدي أسمعت جميع طيور السماء فهبت إليها لتحمل جسد جدي المسجي وديمو فوق أجنحتها وتحلق بهما بعيدا...بعيد



#سالم_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اجداد سالم النجار......الجزء الرابع
- معاً للدفاع عن حقوق حور العين.........
- قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الثالث
- قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الثاني


المزيد.....




- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سالم النجار - قصص اجداد سالم النجار .....الجزء الخامس والأخير