|
المصارف بؤرة الفساد الكبرى
علي محمد البهادلي
الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 01:13
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الفساد الإداري والمالي أبرز ما هو موجود من ظواهر سلبية طفحت على الساحة العراقية بعد احتلال العراق 2003 ، وتفاوتت مؤسسات الدولة في تفشي وانتشار هذه الآفة تبعاً للأسباب والمنافذ المؤدية إليها ، فبعض وزارات الدولة ومؤسساتها تحتوي على منافذ واسعة للفساد تمكِّن الموظف فيها من استغلال منصبه في ( لغف ) ما يمكنه من أموال ، فالمؤسسات الأمنية مثلاً ميزانياتها عالية جداً ونفقات هذه الميزانية متعددة ، وهذا ما يسهل للوزير أو وكلاء الوزير ومن لهم حق التعاقد مع الشركات الأجنبية استثمار مثل هذه الفرص للإثراء السريع من خلال تلقي الرشوة والتعاقد مع الشركات الرديئة الإنتاج ، والاختلاس والتلاعب في الوثائق والمستندات التي يمكنها ضبط عملية الإنفاق ، وقضية وزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان ووزير الكهرباء أيهم السامرائي أشهر من أن تخفى ، وما قضية القبض على وكيل وزارة النقل متلبساً بالرشوة عنا ببعيد ، وهناك دوائر تكثر فيها الإجراءات الروتينية كمديرية الجوازات ودائرة الضريبة والعقاري ، لذا يُجبَر المواطن على اللجوء إلى دفع الرشوة للإسراع بإنجاز معاملته والتخلص من تلك الإجراءات . إن مصارف الرافدين والرشيد التابعين لوزارة المالية من دوائر الدولة التي يكثر فيها الفساد بشكل مرعب ولافت للنظر ، والفساد فيها متنوع ولا يقتصر على جانب واحد ، فالرشوة قائمة على قدم وساق ابتداءً من عملية دخول المواطن للمصرف وانتهاءً باستلامه الراتب ، فعملية دخول المواطن للمصرف يتحكم فيها أشخاص كثير منهم بعيد عن الرحمة والإنسانية ولا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً ، فيلجأ بعض المسنين من المتقاعدين إلى النزول عند رغبة هؤلاء المرتشين فيعطونهم ما يمكنهم من الوصول إلى داخل المصرف لقبض حفنة من الدنانير لا تساوي ذرة في فضاء رواتب المسؤولين الكبار ، وكذلك موظفات وموظفو هذه المصارف لا يقلون قسوة وجشعاً منهم ، فالمتقاعد مثلاً إذا كان كبيراً في السن ولا يستطيع المجيء لقبض الراتب التقاعدي فعلى ذويه إما أن يحملوه ولو على أقتاب الإبل !! ويوصلوه إلى المصرف ؛ كي يراه الموظف المخول بصرف الراتب ، وإذا كان هناك من يرحم ، فيكتفي برؤية هذا المتقاعد مرة واحدة في رأس كل سنة ؛ ليتحقق من أنه حي ، فيصرف الراتب التقاعدي لمن يوكله ذلك المتقاعد لتسلمه ، بيد أن هناك من يضع إجراءات وحواجزتشبه الحواجز الكونكريتة ، ويسد الأبواب كافة في وجه هؤلاء المساكين ، ولا يفتحها إلا بعد أن يحرك يده لـ( التوريق ) هذا مثال واحد يكشف إحدى الأسباب التي تؤدي إلى الرشوة في المصارف ، أما التلاعب بـ( بودرات الرواتب ) واختلاس رواتب المتقاعدين الذين لا يتمكَّنون من الوصول إلى المصرف في يوم الاستلام فحدث ولا حرج ، فكم من المتقاعدين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المصرف لقبض رواتبهم في الموعد المحدد ، فتمضي أيام وهم لم يستلموا الراتب وهذا ما يمكِّن الموظفين من اختلاس هذه الرواتب ، والقيام بالتوقيع بدل المتقاعدين ، وعندما يأتي المتقاعد لقبض راتبه يُفاجأ بأنه قد تسلّمه ، وأن توقيعه موجود في البودرة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنهم يقومون باقتطاع جزء من رواتب المتقاعدين ووضعها في جيوبهم العفنة ؛ بسبب عدم معرفة الكثير من المتقاعدين القراءة والكتابة ، وعدم قدرتهم على حساب المبالغ التي يتقاضونها ، فكم مرة رأيت بأم عيني أُناساً كباراً في السن ، وهم يفاجئونني بسؤالهم إياي احتساب راتبهم أو التأكد من مطابقته لما هو موجود في "البودرة " والمسكين هو من لم يستطع السؤال أو من لم يجلب معه من يقرأ ويكتب ؛ لأن صفات الأمانة والنزاهة والصدق قد قلَّ المتصفون بها ، وحلَّت محلها أخلاق ( الشطارة والاحتيال والنصب ). أما إذا مات المتقاعد ولم يبلغ ذووه الجهات المختصة كدائرة التقاعد العامة ، فإن بعض الموظفين يقوم بتسلم الراتب نيابة عن " المرحوم " ؛ لأن اسمه لم يُشطَب من قائمة الرواتب ، فلم يكتفِ مثل هؤلاء بأكلهم أموال الأحياء حتى سطوا على أموال الأموات وهم في عالم البرزخ !! وفي الفترة الأخيرة قامت الحكومة بإعطاء سلفاً للمتقاعدين وغيرهم ، لكن موظفي المصارف يأبون إلا أن يستغلوا هذه الفرصة ، إما بالتعتيم على هذه السلف وحصرها في البداية بمعارفهم ، وأما إذا شاع خبرها وانتشر بين الناس فإنهم يسعون بكل ما أُتوا من قوة لاستغلال المواطن ، فالسلفة التي يتقاضاها المتقاعدون مقدارها مليونا دينار ، لذا يقومون بوضع عراقيل كثيرة ؛ لكي يسأم المواطن ويدفع الرشوة " وهوة الممنون" وقد وصل سعر السلفة "ربع مليون" أي ان من يريد أن يحصل على سلفة المليونين ، فعليه أن يدفع ثمن السلفة تقريباً . وهناك جرائم الفساد الكبرى التي تهدد اقتصاد البلد لا أقدر تشخيصها بشكل دقيق ، وأتركها لأصحاب التخصص والخبراء في هذا المجال كالاقتصاديين والمشتغلين في ميدان مكافحة الفساد والهيئات الرقابية كديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومكتب المفتش العام في كلٍّ من وزارة المالية والبنك المركزي العراقي ؛ لأن جرائم غسل الأموال وتبييضها وعمليات تهريب العملات تتسم بالتعقيد والدقة ، وتدخل في دائرة الجريمة الاقتصادية المنظمة، والجهات المذكورة آنفاً هي أقدر على تشخيصها وتوضيح حيثياتها وسبل مكافحتها وتبيان مخاطرها المدمرة . ونحن نناشد هيئة النزاهة أن تكثف عمليات الاستبيان في المصارف الحكومية ؛ لأن أثر هذه الاستبيانات قد بدا واضحاً لكل من يراجع دائرة الأحوال المدنية والجنسية ودائرة الجوازات ودائرة الضريبة ، فقد كانت هذه الدوائر مرتعاً للفاسدين تدر عليهم الأموال الطائلة ، لكن عندما قامت هيئة النزاهة بتكثيف عليات الاستبيان فيها فقد تقلصت عمليات الرشوة بشكل لافت لكل من يراجع هذه الدواائر . هذه بعض ظواهر الفساد المتفشية في المصارف ، نضعها بين أيدي المسؤولين ليجدوا السبل الكفيلة لمواجهتها وليخففوا عن كاهل المواطن بعض الأعباء والمشاكل التي تعترضه، فالمواطن يستحق من المسؤولين أن ينظروا إليه بعين الرحمة والشفقة ، ويوفروا له كل ما يحتاجه من خدمات ووسائل راحة أسوة بمواطني بقية الدول ، وهذا هو واجبهم ، فهو انتخبهم ليس ليصبحوا ملوكاً وأباطرة ، وإنما ليكونوا وسائل لقضاء حاجاته وليخدموه على أكمل وجه ، فإلى متى يبقى يكابد صعوبات العيش وعراقيل الدوائرالرسمية والمفخخات والعبوات الناسفة ، أما آن أوان الراحة .
#علي_محمد_البهادلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هجوم العريفي على السيستاني
-
إخلاف الوعود الانتخابية ....فساد صارخ
-
يسوع والحسين المصلحون في مواجهة المفسدين
-
هل يسبقنا الأفغان إلى مطاردة الحيتان؟!!
-
من وحي ذكرى يوم الغديرالنزاهة والكفاية معيارا اختيار الحاكم
-
عمليات الاستجواب والاصطفافات السياسية
-
الانتخابات اللبنانية أغلى أم الانتخابات العراقية
-
ماذا بعد إقرار قانون الانتخابات ؟
-
الرقابة الشعبية تجبر الرعاية على الغاء تعيينات
-
الفساد السياسي كوة الفساد الاداري والمالي
-
لعنة السماء تنزل على المسؤولين غير المسؤولين
-
وزارة العمل أم وزارة العاطلين؟!
-
الانتخابات البرلمانية الانطلاقة الاولى نحو الفساد السياسي وا
...
-
ترميم نفسية الفرد العراقي
-
الرشوة والمحسوبية
-
نزاهة القوات الأمنية على المحك
-
الحصانة مطية الفاسدين
-
من المسؤول عن تفشي الرشوة في دائرة الرعاية الاجتماعية
-
البرلمانيون وشرعية هيئة النزاهة
-
مفهوم السيادة
المزيد.....
-
لمنافسة -يوروفيجن-.. بوتين يطلق مسابقة غنائية دولية في روسيا
...
-
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية كبيرة على الصادرات الصينية
-
ترامب يفتح الباب أمام بريطانيا لتجنب الرسوم الجمركية
-
ترامب: سيكون لدينا صندوق ثروة سيادي
-
المغرب يحقق إيرادات سياحية قياسية في 2024
-
غفلة إسرائيلية عن التمديد لنائب محافظ البنك المركزي
-
مزارعو غزة يتحدون دمار الحرب لإحياء سلة غذاء فلسطين
-
جوزيف عون: الإصلاحات الاقتصادية أساس بناء الدولة.. وحماية ال
...
-
مصر تسجل رقمًا قياسيًا في صادرات الصناعات الغذائية خلال 2024
...
-
تقرير: انخفاض أسعار السلع في مدينة حلب السورية بعد انتهاء -س
...
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|