|
أمرسن..الوهم وحقيقة فردوس العقل..
صادق البصري
الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 20:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ماأحوجنا إلى الفكر الفذ ،نستلهم تلك المعاني ألخلاقه من سفر الزمن الخالد، ننهل من ينابيع حقيقية اذهي تسقينا نمريها الصافي ،تنتشلنا من واقع جامد يزداد يوما بعد يوم صلادة ،وبتراتبيه مملة كمعزوفة نشاز طال مكوثها فينا حتى صمت الأذان ، ما أحوجنا للكلمة الصادقة الهادفة التي تسبر أغوار نفوسنا كالنسيم العليل، تفتح أمامنا أفاق حجبت بالعنت والمكابرة والإصرار على كل ماهو ليس حقيقة، مفتعل، ضبابي ،كرس بالإكراه لغاية قديمه تسعى جاهده للحط من قيمة الإنسان وتحقيره إلى ابعد حدود ،إما آن الأوان لنفتح تلك الشرفات التي صداة درفتاها وهي تئن من وطأة الانغلاق، إذ لا بصيص شعاع أمل ينفذ ليضيء عتمة العقول، ولا نسمة هواء نقي مسموح لها بالنفاذ في ظل التحجر والانغلاق الذي يسود مجتمعاتنا تشبثا بالقديم المستهلك؛ وبرعاية مصلحيه واضحة ،يعاونه جهل مقيم، وأميه متفشية وبأزدهار .. تلك هي مأساتنا ..
رالف ولدوأمرسن {1803 - 1882 }
لقد ولد هذا الرجل من قوم سباقين للمعرفة، كانوا على فقرهم يعتمدون على أنفسهم، بالقليل من الطعام يتناولونه من صحاف خشبية..لكنهم ينعمون بالحرية والسلام.وأن النور ليتعثر حتى يتخلل نوافذ غطيت بالورق المشمع ،ولكنهم كانوا في هذا الضوء الخافت يقرأون ..(لم يحضون بالغنى بل كتب لهم العلم) كان والد أمرسن قسيسا فاق في حرية رأيه واختلافه عن من سواه كل من رأت بوستن فمات فقيرا،شأن الغلبيه من إل أمرسن، وترك ورائه خمسة أطفال ..كلهم ذكور،وكان (والدو)ثانيهم ، وكان في الثانية عشرة من حين توفي والده عام 1811.ولعسر الحال ألمعاشيه افتتحت أمه نزلا تستعين به على نفقات الاسره ،فتعلم والدو منذ نعومة إظفاره كيف يعرف الناس وكيف يحبهم ، وتعلم كذلك كيف يهش الفقر ويبتسم للملمات ،فلم يكن له ولأخيه الأكبر وليم غير معطف واحد في الشتاء يتناوبان لبسه ، فكان احدهما أن يلبث في المنزل إذا خرج أخوه ، وحرم والدو من اللعب كباقي اقرأنه لمساعدته والدته في إدارة النزل ،لكنه كان يفيد اكبر فائدة من أمسياته الشفوية فهو ينصت إلى حديث النزلاء ، ويلتهم مكتبة أمه كا المنهوم ، وكان وهو في فراشه وقد غطته الاغطيه الصوفية حتى ذقنه ، يتتبع أفلاطون في محاوراته وما فيها من مغامرة تأخذ الأنفاس ، وكان وهو يستمع لموعظة الأحد يغوص في أفكار (باسكال )وكان جيبه يحتوي دائما نسخه من هذا الكتاب، وهكذا اقتات عقله في نموه بالإدراك السليم وفلسفة ما بعد الطبيعة ،وكان ذلك في نظره مزيجا لاباس به لأسقف سيُعلم الإنجيل في المستقبل فهذه مهنة أسرته ،التي تحاول أن تهيئه له . إذ أرسلته عام 1817الى هارفر ،فأضاف إلى من أحب من أساتذته شكسبير ،وأسبنوزا،ومونتاني .على إن حياته في الكلية لم تكن بالحياة الممتازة ،فلم يعين شاعرا لفرقته الدراسية إلا بعد إن رفض هذا الشرف سبعه قبله ، بيد إن سنه حين تخرج لم تكد تبلغ الثامنة عشره ، وكان وقتئذ شابا طويلا نحيلا أشبه بأعمدة المصابيح ، يتلالا في عينيه الواسعتين الواعدتين ، وهج كوهج المصباح ، أصيب بمرض الدرن ووقع في براثن ذلك الداء الذي منيت به أسرته ، وكان سبب وفاة والده ، وكا ن يوشك أن يعصف باثنين من إخوته ، فلبث بمنزل الألم اثني عشر عاما ، يصارع الموت مستميتا ،ويسعى جهده أن يجد في دنيا المال أو دنيا المادة موطئا لقدمه في الحياة ، فحاول التدريس بين تلال ركسبري((حيث يحتمل أن يتم اللقاء بين رجل العشب وبين الله))كتب شعرا كان بديلا من النثر ،ونثرا هو روح الشعر الصميم ،وفشل أن يصيب من أيهما ما يعيش به ،ودعي في كنائس كثيرة ليعمل واعظا تحت التجربة ،فأخفق أن يصيب عملا ، ولكنه افلح أن يبذر للمرح بذورا جمة ،فهذه سيده في مدينه أخرى تكتب لأختها بعد سماع إحدى مواعظه التجريبية (حسبنا الوافد تقيا ذا مسغبة ،فإذا نحن على غرة إمام ملاك ) على أن نفرا من أهل (نيو انجلند)شعروا أخيرا بالملاك القاطن بينهم حينها عين أمرسن قسا لكنيسة بوستن الثانية الموحدة ..كان صوته بالغ الروعة ،أشبه بقيثارة حنون ،فأذاب نيو اجلند كما يذوب الصقع في شمس ابريل ،بيد انه كان يدعو إلى عقيدة لا يستسيغها العقل الرجعي آنذاك ،فهو يدعو إلى تطبيق الموعظة على جبل تطبيقا عمليا ،بدلا من التشبث بمراسيم الكنيسة ، بل انه اعرض عن بعض هذه المراسيم إعراضا لإخفاء منه، وعلى هذا النحو البسيط حرر نفسه من أباطيل القديم التي يرى إن الزمن لايقبلها وكان رأي الكثيرين انه من أهل الجحيم لامحال ولكن احد أصحابه قاطعهم (انه يبدو كذلك ولكن أثق بشيء واحد ،فأمرسن إن ثوى في الجحيم ،لطفت جوا فهوى إليها كل من في الفردوس.. بعد كل هذه الاتهامات والمضايقة والتضييق ،هجر أمرسن منبر الوعظ ومضى يبحث عن معنى الحياة فأخذ يمشي في الريف طويلا ،يحاول أن يستمع موسيقى الطبيعة بأذنه وقلبه ،ولم يمض وقت طويل حتى اهتدى إلى كشف عجيب :فعلم إن قلبه وقلب الطبيعة يدقان متناغمين، وأنه جزء من عالم حي عزيز عليه وأن عقله خليه هامه من عقل العالم ،أو كما يدعوه روح العالم أو الروح الشامل ،وأد بهذا الكشف المجرد إلى ملاحظه عمليه ((لكل منا رأس مال روحي يفي بإقامة عمل ضخم فهو امتلاك الجمال والسرور والحرية والصداقة والسلم)) .. ((فكن بنفسك واثقا، اسلم زمامك لما تنطوي عليه من قوه..لاقوه استعباد بل قوة التحرر ولتكن فيك الجرأة على تنصيب نفسك سيدا لمصيرك وعلم الناس على اختلافهم هذه الجرأة )) كذلك غدا أمرسن التلميذ الخالد أستاذا في علم السرور على إن حياته الشخصية لم تكن سرورا خالصا، فقد أحب وتزوج وفقد زوجته..كل ذلك في ثمانية عشر شهرا وضل عامين بعد فقد زوجته يزور قبرها كل يوم، فأن سعاله الأليم لينشد في صدره أنشودة الموت، لكن أمرسن فيلسوف الحياة رفض أن يموت. - كل الناس جزء حيوي من كائن حي واحد هو البشر.قانون وحدة بني البشر فلسفته تقوم على العمل (الأفكار الطيبة لأتفضل الأحلام الجميلة حتى توضع موضع التنفيذ) .. - لقد بليت تقاليد الاستبداد الماضية ولم تعد تصلح لنا ((فثمة ارض جديدة ،وأناس جدد، وأفكار جديدة ))فلنقصر عن محاكاة القديم :وهل كانت المحاكاة إلا ارتحال العقل إلى الوراء ؟ - ابنوا عالمكم الخاص ، ابنوا حياتكم الخاصة ..إن الحياة الخاصة لفرد واحد ليمكن أن تفوق في روعتها وسموها أية مملكه مترفة عرفها التاريخ . - فليبدأ كل منا في موطنه، شعارنا الاعتراف بأهمية كل فرد في المجموع الكلي. -لاأهميه لعظم الحجم ،أو بريق الابهه أو عجيج الشهرة ..فلينصرف كل إنسان إلى عمله ، وليحترم كل إنسان عمل زملائه. -ليعلم الجميع أن في كل إنسان بلا استثناء ملاك متنكر يتصنع البلاهة..تخففوا من ثيابكم الخارجية الحمقاء ،ثياب الذل والخنوع والمهانة والتعصب والكراهية ،تحرروا من دين العبودية واليأس ،اعتنقوا دين الأمل.. -ليفرض كل إنسان نفسه على الحياة ،لانفسه المنعزلة المنفصلة بل نفسه المندمجة الشاملة المنتجة -حرر عقلك من أغلاله (إمكانيات الإنسان لا حد لها )
كان صوت أمرسن –هو الصوت الذي تبحث عنه بين أصوات الفلاسفة فتجده ذلك الصوت العميق الذي يمكن أن يستجيب له القلب ،فيهيج المتوجس المتهيب ويشجعه ويدفع بالشباب إلى العمل ، ويقدم العزاء إلى المنهزم ، انه الأمل المشيد على أخطاء الماضي، فلا يحجمن احد عن المحاولة والتعثر والفشل ثم معاودة المحاولة.. - أخَرجت من الحلبة ؟هل زلت بك القدم ؟لا يقعدنك هزئ الناس ولا تحفل بالهزيمة ، استو على قدميك ثانية ستكسب الجولة آخر الأمر ..فلتكن فيك الجرأة على الاعتداد بنفسك بوصفك مواطنا في جمهورية البشر إن ميلادك في هذه الدنيا لم يكن خطأ..فأنت ضيف مدعوالى مأدبة الحياة .. وأننا لانعدو الصواب إذا قلنا إن أمرسن قد كتب الفصل الأخير من إعلان حقوق الإنسان العالمي، لقد برئت طبيعته من البغض والغل والازدراء وكانت صفحا وحبا لا حد لهما.. انتهى مرة من محاضره ألقاها في كليه مدلبري فقام القس الذي كان يرأس الاجتماع يتلو ضراعة إلى الله ليبرأ فيها مما سمع:(نسألك اللهم أن تنجينا من سماع مثل هذا الهراء المجرد الذي استمعنا إليه من خلف هذه المنصة ألمقدسه )وطلب إلى أمرسن أن يعلق على هذه الاهانه العلنية فقال: يبدو إن القس ذو ضمير حي صريح إلى ابعد غاية)لم تكن حماقة الناس تثيره كان لايخاف أن يتحدى أراء غيره ولا يخاف كذلك أن يغير أرائه كلما وجد نفسه على خطا،، لكن صوته قادر أن يحتد أذا دعت المناسبة،لاسيما إذا صرخ في وجه الظلم ،حدث ذلك حين كانت معارضة الرق جريمة لاتغتفر عند مفكري بوسطن ومترفيها ،إذ صرح في محاضره عامه بإعجابه بالمناضلين ضد العبودية والرق من السود،لكنه على تقدمه في السن ،واعتلال صحته اعتلالا دائما كان لايكل عن نصرة الرجل الأسود(إننا نشيد الحرية والقوه ،فلنرحب بكل أمه وكل جنس وكل بشره ،بالرجل الأبيض والأسود والأحمر والأصفر فلنسو بينهم في سخائنا وأرضنا وعدلنا ) أن الحياة –كما وصفها أمرسن في إحدى محاضراته –أطول مما ينبغي أن تكون- وكان يرجو أن لا يعيش إذا انهار عقله، ولكن هذا الرجاء لم يستجب كل الاستجابة ، فمنزله قد أكلته النار ،وهو يقول (أحسست غداة الحريق بشيء ينبجس في مخي )ومنذ ذلك اليوم جعلت ذاكرته تزوغ منه ، إلا في نوبات قليله ، وهذه ابنته تقرأ عليه ذات مساء فقره من محاضراته عن الطبيعة فيقول لها ):لست ادري من الكاتب ، لكنه رجل عظيم لامراء )ولكن عظمته كانت في بعض اللحظات تنطلق وتنبلج ،كما يومض البرق في ظلام الغسق ،إذ يعطى الشاب فاكهه ويقول)خذها ،فهي إن بلغت مداها كانت فاكهة الفردوس)وأن هذه الكلمات لترمز إلى موقف أمرسن من ابسط الفاكهة وأبسط رجل في الناس على سواء (فهوان بلغ مداه كان حقا ابن الفردوس). هكذا تبقى ألكلمه الحرة ؛ شعله وهاجة أزليه تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل ، وأن بعدت المسافات،أوتباعد الزمن، ولها سحرها الآسر وهو يحاكي كل ذي عقل حر في الماضي و الحاضر وفي كل زمان، جعلتني تلك الكلمات مأخوذا بها لأعيد صداها الرائع ذلك الصدى الذي يزداد قوه ليثقب الإسماع بالحقيقة من عام1882 الى2010 وكأنه قيل للتو ..لمن استعصى عليه فهم معنى الخلود هوذا الخلود.هذا هو الحلم الفلسفي الذي كان يداعب مخيال أمرسن، عالم يغشاه السلام، يقطنه أصدقاء شجعان أحرار متحابون .
#صادق_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بكائيه ..الى مالانهايه!!؟
-
رساله الى بان كيمون
-
العلمانيه ورقاع الرده !؟
-
من كهوف تورا بورا الى غرف سوق العوره ،الكواتم هي الحل!!؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|