زهير قوطرش
الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 17:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقتل أبناء مصر الأقباط في ليلة عيد الميلاد .
قد لا يحق لي أن أتدخل فيما حدث في مصر العزيزة على قلب كل مسيحي ومسلم , حتى لا يقال لي أنني أتدخل بالشأن الداخلي للشعب المصري مثيراً الحقد والغضب .لكن الحدث بغض النظر عن مكان حدوثه ,فهو حدث فظيع ومروع ,سقط ضحيته الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا في المكان والزمن ,الذي أراده أصحاب القلوب الحاقدة والظلامية مسرحاً لجريمتهم النكراء بعد خروجهم من بيت الله الذي يذكر فيه أسم الله. يقول الله عز وجل في القرآن الكريم.
وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
.أليس هذا اعتراف من الخالق بأن كل أماكن العبادة المذكورة في الآية يُذكر فيها اسم الله. هل عميت قلوب الحاقدين لهذه الدرجة.
ماذا سيقول العالم أنظروا وأسمعوا ماذا يفعل الإرهاب الإسلامي في مصر .أبناء مصر يقتلون أخوتهم في الوطن .أخوتهم الأقباط المسالمين الذين هم أبناء مصر منذ العصور القديمة ,إنهم هم الأقباط الذين وصى بهم نبي الإسلام وتزوج منهم .
كيف يمكن تفسير ما حدث , هل يمكن تفسيره بضيق أفق أكثر منه تعصباً لدين..أم أن للأمر تفسيراً أخر؟.
المسيحيون العرب
هم أهل المنطقة .أي هم سكان المنطقة قديماً , وكانوا يعتبرون أغلبية السكان في بلاد الشام وفي مصر خاصة وأيضاً في هضبة نجد شمال الجزيرة العربية.أثناء الفتوحات الإسلامية ,تعاون المسيحيون مع المسلمين ضد الظلم الروماني . وكانت العلاقات آنذاك بين المسلمين والمسيحيين علاقات ود ومحبة .وفي مصر ساعد الأقباط عمر بن العاص وفتحوا مصر بدون قتال.وكان للمسيحيين العرب دوراً هاماً وأساسياً في حدوث النهضة العربية الإسلامية.حيث اندمجوا في مؤسسات الدولة وتميزوا في العديد من المجالات العلمية والطبية والشعرية وغيرها.ولا يمكننا أن ننسى دور الأخوة المسيحيين أثناء حروب الغرب الفرنجي الذين رفعوا الصليب كشعار في حربهم ضد سكان المنطقة,ومع ذلك لم يؤثر شعار الصليب على موقف المسيحيين لينحازوا الى جانب العدوان. وأيضاً لم يؤثر هذا الشعار على المسلمين ليفقدوا الاتجاه الصحيح بين أخوانهم في الوطن والأرض.وبين من يحاربوهم في دينهم لإخراجهم من ديارهم.
المسلمون الأوائل.
المسلمون في ذروة الحضارة والتقدم العلمي والأدبي أدركوا أن رسالة الإسلام هي رسالة إنسانية سمحة ,بغض النظر عن بعض الممارسات التي حدثت أثناء الفتوحات الإسلامية. كانت حضارة منفتحة متنوعة ,يومها أدرك الجميع أن عنصر القوة الحضاري الذي ميز تلك المرحلة هو السبب في ذلك الانفتاح على الجميع ,حاوروا من كان يختلف عنهم في الدين والفكر ولم يسعوا إلى القضاء عليه أو إجباره ليكون من دينهم ولونهم. بل كانوا يحترمون ديانات الآخرين ,ويحافظون على أماكن عبادتهم ,وتركوا لهم حتى قوانين الأحوال الشخصية يمارسونها حسب ما جاء في تشريعاتهم . كانت حضارة تتسع للجميع.
إذن كيف حدث هذا الخلل في العلاقة الإسلامية المسيحية.
لنبدأ بأنفسنا كمسلمين
. نحن اليوم نعيش في أحط مستوى حضاري .سمته الفقر والجهل والتخلف , وتقديس البشر والحجر مشركين بالله مبتعدين عن كتابه ونحسب أنفسنا من الموحدين .إلى جانب الضعف الاقتصادي والعسكري والمشاكل الاجتماعية الكبيرة .
هذا الوضع جعل المسلمين فريسة لنهشهم من كل مكان وخلق فيهم حالة التطرف والعداء ما بين بعض التطرفين المسلمين والمسيحيين ,وما بين المسلمين والمسلمين.
الى جانب وجود حكومات استبدادية تعتمد سياسة القهر والتذليل على شعوبها , مع تدخلات خارجية وحروب لا معنى لها قامت ومازالت في العراق وأفغانستان, تقودها السياسية الغربية المتكبرة التي وصفها المتطرفون بالهجمة الصليبية على العالم الإسلامي بدون حق ,غايتها أي التدخلات في الدرجة الأولى حماية إسرائيل الدولة المحتلة .
هذا الى جانب الوضع المأساوي في فلسطين المحتلة وخاصة على الشعب الفلسطيني في غزة.وأخيراً جدار العزل الفولاذي الذي بنته حكومة مبارك بناءً على أوامر إسرائيلية وأمريكية .
كل ما ذُكر أفرز منظمات إسلامية متطرفة وحركات إسلامية سياسية تسعى جاهدة لتأجيج النزاع الديني الإسلامي المسيحي والطائفي بين المسلمين للتسلط على السلطة ,تحت شعار إقامة الخلافة الإسلامية على أرض المسلمين.وأرض المسلمين ,هي الأرض التي يمثل المسلمون فيها الأغلبية السكانية. حيث سيطبقون الشريعة( الحدود ).وسيطالبون أهل الكتاب بدفع الجزية.و سيبنون مجتمعات اللا حرية , واللا ديمقراطية ,واللا مواطنة و لا تآخي فيها بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت ديانتهم وقومياتهم.مجتمعات يتم فيها الإكراه في كل شيء.
للدول الغربية نصيب أيضاً بإثارة النزعات الدينية بين الديانات,والنزعات الطائفية بين المسلمين .وهذا ما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي ,فلم نسمع من قبل أن مسيحياً قتل أو اضطهد من أجل دينه.لكن الفتنة التي أحدثتها هذه القوى,أدت لحدوث قتل الكل للكل.
المسيحيون العرب اليوم
مع كل أسف ما نراه من مواقف بعض المسيحيين العرب اليوم ,وكأنهم صاروا حملة الإصلاح للدين الإسلامي ,بدون دراية أو علم . بحيث زادت حدة النقد لنبي الإسلام ,وكتاب الإسلام حتى وصلت الى حد التشنيع والتكذيب . وهذا ما نقرأه من على صفحات المواقع الالكترونية ,وبعض الفضائيات الموتورة الممولة من جهات غايتها نشر الفتنة والأحقاد.
يستغلون بعضهم الحوادث التي كلنا نعرف من يقف ورائها ,ليثيروا في العالم زوبعة ضخمة مستغلين حقد الإعلام الغربي على الإسلام وليفرغوا ما في قلوبهم من بغض لأخوانهم في الأرض والوطن.يتخذون من مواقف بعض الحكومات العربية التي تمنع بناء أو ترميم الكنائس ,كحكومة مبارك ,وبعض دول الخليج ,لشن حرب على المسلمين بأنهم معادون للمسيحيين العرب , والواقع أن مليار ونصف مسلم ماعدا المتطرفين لا حول ولا قوة لهم في ظل أنظمة استبدادية فرضت عليهم سياسة القهر.
الى الأخوة المسيحيين والأخوة المسلمين العرب
كلنا من أدم وحواء ,أخوة في الإنسانية ,نعيش على هذه الأرض زواراً لوقت قصير جداً.
رب العالمين خاطب الناس من خلال أنبيائه على اختلاف تدينهم وألوانهم طالباً منهم أن يحولوا خلافاتهم واختلافهم الى تسابق في فعل الخيرات.الله عز وجل سيحاسبنا جميعاً على أعمالنا لقوله عز وجل
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
نعم ليختبرنا أينا أحسن عملاً ,لم يقل أيكم أحسن صلاة وصياماً.لم يطلب منا محاسبة الناس على معتقداتهم ,ترك هذا الأمر له وحده.
صدقوني إن الإرهاب والتطرف لم يكن يوماً إسلامياً فقط ,بل يهودياً, ومسيحياً وإسلامياً.إنه عمل الشيطان الذي زين لهؤلاء الناس إرهابهم وترويعهم للناس المسالمين الآمنين.
الإرهاب والتطرف المنفذ من قبل الإسلاميين ,هو مخطط وموجه من قبل قوى محلية وخارجية .هو فكر متعصب وهابي وصهيوني .إذا لم نعِ خطورته ,ونقاومه بالفكر الإصلاحي القويم أينما كان, سيقضي عليناً جميعاً.سيولد الكره والحقد ما بين الأخوة لدرجة عمى البصيرة والبصر.
أخوتي المسيحيون العرب. أرجوكم لا تتدخلوا وتكتبوا في إصلاح المسلمين ,اتركوا هذه المهمة للمصلحين المتنورين الإسلاميين .عليكم بإصلاح المسيحيين ,هم أيضاً ضحية التراث الغث ,هم أيضاً ضحية التأثيرات الخارجية .تدخلكم يضركم ,ويقوي التطرف ويأخذ مواقفكم ذريعة لمحاربة العلمانية والمصلحين,وقد يجر عليكم وعلى أبناكم مالا يحمد عقباه.
في الختام ....لنفترض أن المسلمين العرب هم من ألد أعدائكم. أرجوكم مع ذلك طبقوا قول المسيح عليه السلام.
أحبوا أعدائكم وأحسنوا الى من يبغضكم ,وصلوا لأجل بعضكم
وإلى المسلمين العرب لنفترض أنكم تأثرتم بفكر الإرهاب ,وكفرتم أخوانكم المسيحيين , وصاروا أعداء لكم ألم تقرأوا قول الله تعالى
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم
وفي الختام سأذكركم بآية قرآنية نسخت كل السيوف العالم.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
#زهير_قوطرش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟