أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الستار العاني - ضوءلايخبو














المزيد.....

ضوءلايخبو


عبد الستار العاني

الحوار المتمدن-العدد: 2882 - 2010 / 1 / 8 - 19:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا أدري لماذا وجدت نفسي فجأة اقف أمام ركام من سنوات علاها الغبار وانا اربّت فوق ظهورها ان تفتح لي دفاترها لأقرأ بعضا مما خطته ذاكرتها والتي ستظل شاهدا يؤكد الحقيقة بكل ما فيها من صدق ونقاء لأولئك الذين نذروا انفسهم لهذا الوطن وقدموا دماءهم رخيصة على مذبح حريته واستقلاله الأ ان البعض حين يصابون بعمى التجني وحين يصفعون شمس الحقيقة في وضح النهار لا يرونها الا ظلالا قاتمة تعمي ابصارهم .

كان ذلك صبيحة يوم من ايام آب من عام 1958 الا انه لم يكن لهابا كما قالوا يومها كانت بغداد قد تلفعت برداء شمس صباح جميل حين راحت نسائم دجلة تداعب جدائلها التي نشرتها وهي ترفل في سماء الأمل والفرح الكبيرين لأعياد انتصار الجمهورية على النظام الملكي ، يوم لا ينسى في حياتي ولا يصدّق لأنني سأقابل فيه زعيم الثورة عبد الكريم قاسم فقد كلفت قبلها ان ارافق وفدا رياضيا من نادي بردى السوري لحظتها احسست ان قلبي سيقفز من صدري وهو يجتاز البوابة الرئيسية لوزارة الدفاع .

وحين دخولنا الى قاعة ديوان مجلس الوزراء استقبلنا المرحوم وصفي طاهر وبعد الترحيب بأعضاء الوفد راح يتحدث عن الثورة وما رافقها من اخطار الا انه قطع حديثه فجأة وهو يعدّل من هيئته قائلا:

-الزعيم ....

وقف الجميع ودخل الزعيم عبد الكريم قاسم وراح يصافح اعضاء الوفد طالبا اليهم الجلوس بعد ان اخذ مكانه في نهاية طاولة خشبية طويلة احسست بفرحة اضافية حين اكتشفت ان مكاني سيكون الى يساره قريبا جدا منه راح يحدثنا بصوت خفيض شخصية كنت اقرأ على محياها الوداعة والجدية منديله الأخضر المخطط يعلو ملامسا فمه بين الحين والاخر كلما انتابته سعلة خفيفة حدثنا عن المحاولات التي سبقت ثورة تموز وقد اورد اكثر من مثال على ذلك منها انهم الغموا مدفع دبابه كانت ستشارك في استعراض عسكري في قاعدة الحبانية وقد اتفق الثوار ان الدبابه حين مرورها من امام منصة التحيه تطلق النار الا انهم اكتشفوا في الدقائق الأخيرة ان المرحوم نوري السعيد لم يكن بين الموجودين قال : عندما عدلّنا الأمر واوعزنا الى آمر الدبابة ان يتوقف عن التفيذ كانت دقائق اطول من سنين لم نكن ندري لحظتها هل وصل الأمر الى آمر الدبابة ام لا ..؟

لحظتها وضعنا ارواحنا فوق اكفنا حين انشدت العيون الى حركة المدفع الا ان المدفع عاد مبتسما الى وضعه رحنا وتنفسنا الصعداء.

اما المحاولة الثانية فقد كانت يوم طلب الى الوية من الجيش العراقي ومنها اللواء التاسع عشر واللواء العشرين ان يتوجهوا الى الحدود السورية لضرب سوريا الا ان الضباط الأحرار اقسموا ان القطعات ستغير وجهتها الى بغداد للقيام بالثورة لكنهم فوجئوا ببرقية عاجلة ان المهمة قد الغيت راحوا بعدها وجردوا القطعات من عتاد الخط الأول كما اسماه الزعيم لحظتها وهكذا كان حظ المحاولة الثانية الفشل ايضا.

ثم عاد الزعيم مواصلا حديثه:

- لكننا وفقنا والحمد لله بالمحاولة الأخيرة فكانت ثورة تموز المباركة والتي هي ثورتكم وثورة العرب جميعا وان سوريا تظل عزيزة علينا وهي جزء منا لا يمكن ان نتخلى عنها.

هكذا راحت تلك الشخصية البسيطة تتحدث بلغة وحديث كان ينثال مثل رذاذ عطر وقد ضمّخ الآخرين ، الحديث قارب النصف ساعة نهض واقفا بعد ان استأذن الجميع ان لديه اجتماعا ثم دعانا لتناول الغداء معه وحين غادرنا توقفت قليلا متطلعا بفضول إلى مكتبه كان بسيطا جدا احتلت وسطه طاولة حديدية رمادية اللون على جانبها سلة من اسلاك مشبّكة وعلى مقدمة المكتب حافظة دبابيس وعلبة سكائر (بلاك اند وايت) لكن شيئا لفت نظري ولن انساه فقد وضعت صينيتان في منتصف المكتب غطت احداهما الأخرى غير ان حزمة من اوراق(الكرفس) قد تدلت من جانب الصينية فماذا كان غداء الزعيم ...؟

كانوا يجلبون اليه الطعام من ساحة الميدان وتلك حقيقة عرفتها من ابن شقيقته الذي كانت تربطني به علاقة شخصية حيث كنا متقاربين في السن وقد دامت علاقتي به لفترة طويلة.

كان للزعيم عبد الكريم قاسم شقيقة وهي ام لثلاثة اولاد وبنت واحدة كان صديقي طارق طالب اعدادية ، العائلة تعيش في محلة المهديه وتسكن في بيت قديم في زقاق يتوسط دارين يتكىء كل منهما على الاخر سنوات طويلة تركت اثارها بندوب وخطوط تبعثرت فوق وجوه واجهات الجدران وقد بدت مثل وجوه تآكلها الجذام.
صباح يوم حين كنت جالسا مع طارق في المقهى نهض فجأة وحين سألته اجابني : خالي ...

كانت سيارة عسكرية قد توقفت غير بعيد عن المقهى عند اول الزقاق ترجل منها الزعيم عبد الكريم قاسم ، المرافق انتحى جانبا والحارس فتح باب السيارة اما السائق فلم يغادرها ، دخل الزعيم عبد الكريم الى زقاق مترب وبعد حوال عشر دقائق عاد طارق ثانية بوجه محتقن تعلوه الأنفعاله وهو يلعن سألته: لماذا ...؟
قال : اللعنه هل يصلح هذا ان يكون زعيما للبلاد

- لماذا..؟
- لقد سألته اختي ان يبتاع لها حذاء فقد تهرأ حذاؤها المدرسي اجابها ويقصد خاله الزعيم :لقد تقاسمت راتبي مع والدتك فانتظري الى الشهر القادم .

هذا هو الزعيم عبد الكريم قاسم وتلك حقيقة شاهدتها وسمعتها فهل سنتوخى الأنصاف وصولا الى الحقيقة وامام انفسنا في الأقل ، وكم سنظل بحاجة الى مثل هكذا نموذج والذي سيظل خالدا في ذاكرة التاريخ، فليرحمنا الله...قبل ان يرحم موتانا.



#عبد_الستار_العاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظتان
- مداهمة
- افول الفنار
- ايتها النجمة
- ثرثرة
- اوتار....تحتضر
- الاسطورة ....
- كلا......لن يبقى....
- قصة قصيرة-الاغتيال


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الستار العاني - ضوءلايخبو