أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هوشنك بروكا - ومات أبادير واقفاً..














المزيد.....

ومات أبادير واقفاً..


هوشنك بروكا

الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 19:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أعلم أن غياب القبطي الكبير، كبير أقباط المهجر، ومهندس حقوقهم الضائعة المضيّعة، بين مصر الإخوان ومصر مبارك، الباش مهندس عدلي أبادير، لن يكون غياباً سهلاً وعابراً، كما قد يُظن.

أعلم، كما الكل القبطي يعلم، أن غيابه سيكون فادحاً على الأمة القبطية في الداخل بخاصة والخارج بعامة، التي كرّس لها هذا الكبير كل حياته ومكانته وماله، للعبور إلى مصر علمانية، يكون فيها الدين لله ومصر للجميع؛ مصر لا تفرّق بين كنيسة وجامع، بين مسيحي ومسلم، مصر يعيش فيها أبناؤها لدنياهم، قبل أن يعيشوا لدينهم.

السمة الأبرز، التي تميزّ بها بابا الكفاح القبطي أبادير، هي أنه بدأ بتغيير نفسه قبل أن يغيّر الأقباط من حوله، ربما اقتداءً بمقولة الهندي الأكبر المهاتما غاندي: "كن أنت التغيير الذي تريده في العالم"، أو "إن أردت تغيير العالم فابدأه بنفسك".
فهو بدأ التغيير، قبطياً، من ذاته، كقبطي مصري أولاً وآخراً، فعل الكثير، بدلاً من أن يقول ويقول ويقول، كما هو عادة الكثير من "المناضلين القوّالين"، في شرقنا القوّال.

فهو لم يخلد لبحبوحته في حرير منفاه السويسري، وحرير ملايينه، كما هي عادة الكثير من النائمين في العسل شرقاً وغرباً، وإنما اختار لنفسه طريق الكفاح الأكيد، لخدمة قضيةٍ أكيدة، ألا وهي قضية مصر في قبطيته، وقبطيته في مصره.

لا أزال أتذكر عنفوان هذا القبطي الكبير في مؤتمر زيوريخ أواخر مارس 2007، حين كان يحمل مصر(ه) على أكتافه، ويحكي للمؤتمرين عن راهن "مصر الأم"، وعن قصة وقوعها الطويل، منذ سنة 1928، في فخ "الإرهاب الإخواني الوهابي"، الذي خطفها من أيدي مصرييها، وسلّمها لشيوخ "الإسلام هو الحل"..وأتذكر جيداً كيف كان يردد على أسماعنا، بثقةٍ أكيدة، مقولة الليبرالي السعودي الكبير عبدالله القصيمي، الشهيرة: "العرب ظاهرة صوتية بإمتياز".

كان أبادير، مصرياً واضحاً في قبطيته، وقبطياً أوضح في مصريته، لا يعرف اللعب بالكلام، أو اللهو بالسياسة، على طريقة القلاّبين، الذين لهم لكل مقامٍ مقال.
كان ما يقوله في السياسة، يقوله ما قبلها وما بعدها أيضاً.
ما كان يقوله في قلبه، من سياسة أو أشياء أخرى، كان يقوله بلسانه. لهذا كان يُعتبر على مستوى البعض، ب"الخارج" على الإيتيكيت السياسي، وأحياناً أخرى ب"المفاوض أو الديبلوماسي الفاشل"، الذي لا يجيد فن اللعب بالممكن من الكلام، للوصول إلى الممكن من السياسة.

هكذا سهلاً وواضحاً، عرفته، هناك في منفاه السويسري الأبيض، مصرياً أصيلاً، عرف كيف يختصر التاريخ، إلى الأول من مصر، وهذه الأخيرة إلى الأول الحقيقي من أهلها الحقيقيين.
هكذا عرفته، قبطياً أكيداً، عرف كيف يحب مصر في قبطيته، ومصرياً أكيداً، عرف كيف يحب قبطيته في مصر(ه).
هكذا عرفته، عابراً لدين مصر الكثير، إلى دنياها الأكثر.
هكذا عرفته، مصرياً شريفاً، يغار عليها من الدخلاء، من أهل التاريخ الدخيل، والجغرافيا الدخيلة، والسماء الدخيلة، والكتاب الدخيل، والمال الدخيل، والسياسة الدخيلة، والمشيخة الدخيلة.
هكذا عرفته، أباً روحياً أكيداً للقضية القبطية، التي تختصر مصر الأولى في كونها "أماً للدنيا" مثلما هي أمٌ لكل المصريين، مسلمين ومسيحيين وبهائييين وأرمن ونوبيين.

لا شك أن الكبير أبادير، هو أكبر من أن يُختزل في "موتٍ" هو حاصل بالتأكيد؛ هو أكبر من أن يغيب وراء موتٍ حدثَ.

صحيحٌ أنه مات في مصر(ه) السويسرية التي عاشت فيه كل العمر، دون أن يعيش فيها كما أراد.
صحيحٌ أنه مات، يبكي مصرَ لا تبكيه.
صحيحٌ أنه مات، بعيداً منفياً عن مصر(ه) التي حملها على أكتافه كإسمه.
صحيحٌ أنه مات، في الثلج السويسري، بلا مصرٍ للجميع، بلا وطنٍ يكون الجميع.
صحيحٌ أنه مات، "طارئاً" على مصرٍ لفظته منذ عقودٍ كثيرة مضت، ولا تزال تمشي على قانونٍ واحدٍ، تتخذ من دين الله الواحد، ديناً للدولة.
صحيحٌ أنه مات، دون أن يسمح له "قانون الدين"، الذي هو الدولة، ليصبح رئيساً ممكناً لمصر ممكنة، كما أراد أن يكون كذلك يوماً.

ولكن الصحيح أيضاً أنه مات واقفاً كجبلٍ...هو مات واقفاً، في قبطيته الأكيدة.
مات واقفاً، عاشقاً لدنياه في دينه، عاشقاً لذاته في الآخر، عاشقاً للآخر في قبطيته، وعاشقاً لكل مصر في كله.
مات واقفاً في النبيذ؛ نبيذٌ كان على وشك العبور من زمانٍ مضى، إلى زمانٍ آتٍ؛ نبيذٌ كان على وشك الدخول في زمان جديد، وحياةٍ جديدةٍ، لسنة أخرى قادمة جديدة.

أبادير الكبير مات ولم يمت، غاب ولم يغب، رحل ولم يرحل.
أبادير الكبير، مات واقفاً، والأقباط على يديه واقفون.
أبادير الكبير، مات واقفاً كجبلٍ تماماً كما عاش قبطياً كجبلٍ.

لأبادير الكبير، تحية كبيرة، في غيابه الفادح، هناك.
لأبادير الكثير تحية كثيرة، في حضوره الواسع، ههنا.





#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل عام وأنا أكرهكَ!
- الحريري بين لبنانَين
- تركيا من الإنفتاح إلى الإنغلاق
- العلم السوري قاتلاً ومقتولاً
- القذافي فاتحاً للجنّة
- ما وراء منع المآذن
- نوبل أوباما -الشاعر-
- -فوضى- نوال السعدواي الخلاقة
- أكراد الشمال: بين فرضية الدولة والدولة المفترضة
- سوريا: تقتل العراق وتمشي في جنازته
- جلببة العلم على -سنّة- حماس
- عاشت سوريا -الضرورة-..يسقط لبنان!
- خروج أبطحي على -المخمل-
- ما لن يتغيّر في كردستان!
- كُتاب -التربية الوطنية-
- عندما يصبح الفكر -زبالة-: دفاعاً عن عقل القمني
- سلوك سوريا -الثابت-
- أمريكا المتحوّلة والمسلمون الثابتون
- صدام مات..فيما العراق بسلوكه حيٌّ يرزق
- كردستان الإنتخابات: خرافة تمثيل الأقليات


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هوشنك بروكا - ومات أبادير واقفاً..