اشرف خلف
الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 19:02
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
سلسلة دروس من النضال الجماهيري
الدرس الثاني: عمال بقايا الفحم , انتفاضة الجياع و ادوار أطراف الصراع
تعيش مدينة جرادة هذه الأيام على صفيح ساخن يغلبه من جهة نضالات و انتفاضات و عصيان عمال بقايا الفحم ضد الجوع و من جهة أخرى هستيريا القمع الذي قام بإنزال مكثف وبكل التلاوين والعتاد , والتجول ليل نهار في أزقة الأحياء الشعبية لاعتقال العمال و ترهيب عائلاتهم وحماية مصالح الإقطاع وكبار الملاكين.
فكيف اندلعت هذه الأحداث؟ ما هي الأطراف التي أدت إلى اندلاعها؟ وما هي مواقف بقية الأطراف المرتبطة بشكل أو بآخر بقضية هؤلاء العمال؟
في هذا المقال سنحاول مطارحة هذه الأسئلة بالجرأة والموضوعية التي تقتضيها مع التأكيد على أن المجال لا يسمح بالإحاطة بكل جوانب الموضوع خصوصا فيما يتعلق بهم هؤلاء العمال؟ كيف ظهروا؟ موقعهم الطبقي وعلاقة هذا الموقع ببقية المواقع الأخرى في التشكيلة الطبقية للمجتمع على المستوى المحلي. ونحيل القراء في هذا الصدد إلى مقال مفصل للرفيقة لينة حمدان " جرادة المنجمية : بقايا الإقطاع ينهب، يشرد ويقتل" بينما نلتزم في هذه الورقة بالإطار الذي حددناه سلفا فيما يتعلق بالمستجدات التي تعرفها هذه القضية وأبعاد شظايا انفجارها الاجتماعي.
بدأت الأحداث بإضراب عن العمل مع المرابطة في مواقع استخراج الفحم من قبل عمال بقايا الفحم أو أبار الساندريات ,مطالب هؤلاء كانت الرفع من قيمة بيع كميات الفحم المستخرج للأباطرة_للتذكير لا يصل سعر بيع الفحم المستخرج حتى إلى عشر القيمة التي يبيعها الإقطاعي الذي يشتريه منهم_ و هو مطلب لا يعني سوى الرفع من قيمة الأجر الذي يتقاضاه العمال مقابل قوة عملهم في استخراج كميات الفحم وان كانت علاقة الإنتاج المميزة لهدا النمط في الإنتاج اقرب إلى النظام العبودي منه إلى نظام الأجر/الرأسمالي
وأمام تعنت الأباطرة و ملاكي رخص الاستغلال و تسويق الفحم في الاستجابة لمطلبهم بحكم امتياز موقعهم الطبقي و إصرارهم على رفض شراء الفحم حتى تخفيض سعره أي حصة العمال من قيمة قوة عملهم و بحكم تردي الواقع الاجتماعي لهؤلاء العمال_الفقر ,الجوع,غلاء المعيشة,غياب فرص بديلة للعيش.._تطورت معركتهم لتاخد أبعادا أخرى وقفات, احتجاجات امام العمالة, مسيرات شعبية...لهدا الوضع وبالنظر لتزامن هده الحركة مع زيارة الملك الى المنطقة الشرقية ستتفنن عبقرية سلطات الدولة محليا وعلى رأسهم عامل الإقليم على نسج سيناريوهين منسجمين في وقاحتهم و همجيتهم مع وقاحة و همجية القائمين عليها
السيناريو الأول وراءه عامل الإقليم ,حزب الاستقلال“ منسق ما سمي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية رئيس جمعية إسعاف راهنو به على محاولة إظهار امن و استقرار الوضع الاجتماعي المحلي خلال هده الفترة“ زيارة الملك للجهة مهما كانت النتائج و طبعا كانت هده الأخيرة كارثية :أشعلت الحرب الطبقية بالمدينة جزت بالعشرات من الأطفال و الشباب و الشيوخ في السجون و تعذيبهم بشكل همجي, ترهيب و ترغيب العائلات .فكيف تم دلك؟؟
بعد تطور معركة العمال وإصرار أباطرة الفحم على عدم شراء منتوج العمال سيعقد لقاء ممثلين السلطة المحلية و المنتخبة و “المجتمع المدني“ مع ممثلي العمال يتم بموجبه الالتزام باستقدام شاري جديد لفحم العمال و بالثمن الذي يريده العمال 100 درهم للكيس وهو دور أعطي لعناصر منتمية لحزب الاستقلال , وطبعا سيصدق العمال هده الكذبة لان الجوع و اليأس سيعيق حركة الفكر و العقل و المنطق لديهم من تحليل سياق هدا العرض و خلفياته و إنتاج الموقف السليم منه , و سيشرع العمال في نقل فحمهم إلى هؤلاء التجار الجدد على أمل أن تبقى مستحقاتهم المالية فور إنهاء عملية نقل الفحم , لكن الوقت الذي كان العمال ينتظرون تسوية حقوقهم المالية _كانت الزيارة قد انتهت_ سيفاجئون بان تلك العملية كانت تمثيلية لتضليل العمال و النصب والاحتيال عليهم أيضا و لان الضغط يولد الانفجار و كما أبدع الشاعر محمود درويش : حداري من جوعي ومن غضبي # فان جعت آكل لحم مغتصبي . كان رد فعل هؤلاء الكادحين أقوى و أشرس و اعنف , بدا باعتصام أمام العمالة و في وسط الطريق الرئيسية بمدخل المدينة , انتظروا من خلاله جوابا على حقوقهم .فكان كالعادة خطاب الكذب و التضليل من جهة السلطة المحلية و كانت النتيجة الانتفاضة الجماهيرية و الغضب العارم الآلاف من الجماهير الشعبية تجوب شوارع المدينة صارخة ضد الجوع و الفقر و ضد التضليل
ليبدأ السيناريو الثاني من سيناريوهات تعاطي سلطات الدولة مع قضية العمال في هده الأحداث
لقد حضرت كل تلاوين القمع و بشكل كثيف .لكن عملية التدخل القمعي لم تتم إلا بعد اقتحام المنتفضين للمحلا ت التجارية لأحد الإقطاعيين مالكي رخص استغلال الفحم ممن يمتصون دمائهم ليتضح في آخر المطاف أن أجهزة القمع كانت موجهة مسبقا لجعل انتفاضة الجياع تبدو أمام ساكنة جرادة مجرد فوضى و شغب يقوده منحرفون ضد الجميع لإخفاء حقيقة و مضمون هده الانتفاضة الموجه أصلا ضد الجوع و النصب و التضليل و إظهاره بطابع الفوضى التي لا تميز بين الحليف و العدو .كل دلك لعزل احتجاجات العمال عن وسطهم الشعبي و منع تجدرها وسط الجماهير بخلق انطباع الرفض لدى الساكنة بان الأمر يتعلق بقضية عادلة تستحق التضامن بقدر ما يتعلق بفوضى .لكن اتضح أيضا من نفس السيناريو الوقح و الهمجي و البليد دلك التحالف المتين بين أجهزة الدولة و إقطاعيو المدينة حيث عبرت آلة القمع في همجية تدخلها و دمويته على ولائها المطلق و خدمتها الجليلة لمصاصي دماء أبناء المدينة .و سيتواصل هدا الأسلوب الهمجي إلى حدود الساعة بحملات اعتقال واسعة و تعذيب المعتقلين و ترهيب العائلات و محاصرة الأحياء الشعبية و مطاردة أبناء الشعب في الغابات المجاورة
أما القوى السياسية و القيادات النقابية بالمدينة فقد ابتلعت الطعم كاملا ,مرددة في نقاشات المقاهي و دردشات الهوامش و بشكل ببغائي تصور أجهزة القمع بان هده الاحدات سوى فوضى و شغب يجب أن يدان و يرفض منها الأحزاب المسماة (القوى الوطنية) سخرت منابرها الإعلامية لعرض الأحداث من هده الزاوية و بشكل تطمس من خلاله الحقائق كما هي في الواقع تحت وابل من القذف و الكذب و الأضاليل .أما بقية تشكيلة ما يسمى ب(القطب اليساري ) فقد اجتمعت بعد تردد كبير لكن ليس لصياغة برنامج نضالي تدعيمي لحركة العمال و معتقليهم .بل انحسرت مواقفها في حدود المطالبة بالتحقيق فيما جرى و هو موقف اعتدنا عليه منها في كل المجازر التي ترتكبها أجهزة القمع في حق الكادحين محليا و وطنيا و موقعه طبعا ليس سوى التواطؤ و المباركة
اشرف خلف
28/12/2009
#اشرف_خلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟