|
الساسة العراقيون يرمون بشباكهم عبر -الفيس بوك- لصيد الناخبين
حسين الحسيني
شاعر وكاتب سياسي من العراق
(Husssein Al Husseini)
الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 12:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تماشياً مع الحرب التنافسية الشديدة التي تشهدها شركات الاتصالات و الانترنت، و تنافس المواقع فيما بينها لتقديم خدماتها و منتجاتها التي تبغي من ورائها الربح المادي من خلال زيادة عدد المستخدمين و المتصفحين الذين ينقادون إليها يوماً بعد آخر استجابة منهم لمغريات تلك الشركات و ابتكاراتها لموضةٍ تغازل حاجات الإنسان و تحفز لديه حب التواصل و التطلع و الكشف و البحث عما هو جديد. راح الفنانون و الشعراء و المثقفون و البسطاء و من مختلف الشرائح، يشاركون بتلك المواقع و خاصة الاجتماعية منها و ينشرون صورهم و ينتقون بعض الجمل التي تحاول في كثير من الأحيان أن تكون شاعرية أو رومانسية في أسلوبها، لغرض لصقها كعناوين بارزة على رأس صفحاتهم الخاصة لجذب أنظار المعجبين و المعجبات. و كان لموقع "الفيس بوك" الاجتماعي شهرته الأوسع في هذا الجانب، و كل هذا جميل و يحقق بوابة جديدة من بوابات التواصل و الاتصال و يعد بمثابة الموقع الشخصي الذي يمكن من خلاله متابعة النشاطات و اللقاءات و ما إلى ذلك.
إسقاطات نفسية لكن الملفت في الأمر هو انقضاض الساسة العراقيين على موقع "الفيس بوك" مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية لعام 2010 المزمع إجراؤها بعد نحو شهرين، بطريقة تلفت النظر و تعكس الأسلوب المتبع في إدارة الدولة العراقية الجديدة و الأبعاد الشخصية و الإسقاطات النفسية لرجال السلطة أو بطانتهم. ليس بعيب أن يروّج الساسة عن برامجهم الانتخابية و لا بمحظور عليهم أن ينشروا صورهم و سيرتهم الذاتية أو لقاءاتهم أو "منجزاتهم"، و لا أن يكثـفوا من حملتهم الإعلامية قبيل فترة الانتخابات، لأن جميع تلك الأمور تعد من التصرفات المشروعة للمسؤول و السياسي و لا غبار على ذلك. لكن الطريقة و الأسلوب و النوايا المستشفة من خلال بعض الأعمال التي توحي بالتدليس و الضحك على الذقون و الاستغفال هي التي تخطف الفكرة و تلقي بها في حاضنات الشك، لتفـقّس عن رؤى تكاد تكون متشائمة تجاه الطبقة السياسية التي أفرزتها "العملية السياسية" الجارية في العراق. "ربما هي علاقة صداقة تستمر لمدة شهرين أو ثلاثة، فأين كانت دعوات الصداقة لهؤلاء الساسة طيلة فترة حكمهم التي استمرت نحو أربعة أعوام؟" عبارة قالها أحدهم، بعد تلقيه لعدد لا بأس به من دعوات الصداقة التي ألقت بها أمواج الانترنت على شواطئ بريده الالكتروني من قبل الوزراء و النواب و الرؤساء و زعماء الكتل السياسية. في حين أصابت الصدمة شخصاً آخر في بادئ الأمر و لم يستطع التوازن، مما جعله يتخيل الكذبة و يصدقها، فراح يصف علاقته بأحد الوزراء بأنها علاقة سنين من "النضال" و أن من يريد أن يتوسط لوظيفة أو إيفاد أو إرساء عطاء مناقصة لعقد مقاولة، فما عليه إلا الاتصال به كونه الأقرب لذلك الوزير و من كان يريد التأكد، فعليه أن يزور الصفحة الخاصة به على "الفيس بوك"، ليرى كلمات ذلك الوزير بحقه! هناك صفحات خاصة للسياسيين و الزعماء و الوزراء و المسؤولين العرب و الأجانب إلا أنها صفحات لا تتميز عن الصفحات الأخرى إلا بأسماء أصحابها الوظيفية أو شهرتهم، غير أن للأمر صورة أخرى لدى الساسة العراقيين، فترى التخبط و الارتباك و التسابق بطريقة لا تتناسب مع حجم المسؤولية و الواجهة المؤتمن عليها ذلك المسؤول من خلال توجيهه الدعوات المجانية لكسب الناخب العراقي عبر نافدة "الفيس بوك" على الرغم من أن البعض من هؤلاء الأشخاص يقبل تلك الدعوات من باب التندر، ليكون "صديق" هذا الوزير و ذلك الرئيس و ليس من الواضح هل سيمنح أحدهم صوته لهؤلاء "الساسة الأصدقاء" أم يعمل على حذف الجميع من قائمته الانتخابية؟! الأمر الملفت أن هناك شخصيات ناشطة في مجموعة "فيسبوكية" هدفها التحريض لغرض مقاطعة الانتخابات إلا أنها لا تتورع في إضافة هذا الوزير أو قبول دعوته خلال هذه الفترة المخملية التي يكون فيها المواطن مدللاً و مجاملاً لحد التذلل من قبل الساسة العراقيين.
صديق الرئيس "صديق الرئيس" كانت ميزة يتباهى بها من قام بأعمال "بطولية أو تعبوية" ترضي الأسياد سابقاً، لتسبغ عليه تلك الصفة و يحقق مقبولية لدى "النظام السابق" تترتب على أثرها امتيازات وظيفية و مادية. لكن الأمر مختلف أيضاً مع "سياسيو العراق الجديد" الذين عكسوا الآية و تسابقوا بتقديم دعوات "صداقة فيسبوكية" و ربما حملات ميدانية تسبق الانتخابات و هذه ميزة تحسب لهم في حالة دوام الصداقة و صدقها، لكن الأمر لا يعدو أن يكون هواء في شبك و لا يبدو أن الناخب ستترتب لديه امتيازات مادية أو وظيفية من تلك الصداقة و ربما الأمر نفسه بالنسبة للوزير أو المسؤول الذي من الوارد جداً أن لا يحظى باحترام هذا الناخب لكي يمنحه صوته بعد "دعوة الصداقة الفيسبوكية" الخالية حتى من حرارة السلام و لا تحمل لأي دلالات ضيافة أصيلة تعبق منها نكهة و سخونة قهوة عربية أو "استكان" شاي عراقي مُهيّل !
بطانة فاسدة بعض السياسيين الأجانب و ربما العرب يستقطعون فترة نصف ساعة أو ساعة أو أكثر من كل يوم أو أيام بعينها للإجابة و التواصل المباشر مع الأصدقاء و المعجبين عبر نافذة "الفيس بوك" أو يفوضون من يدير لهم هذا الموقع و يكون محترفاً في الغالب و على دراية تامة بأبعاد شخصية ذلك المسؤول و توجهاته السياسية و أن يمتلك لناصية الدبلوماسية و اللغة الأنيقة. أما بالنسبة للسياسي العراقي الذي يعمل وفق مبدأ (حار و مكسِّب و بلاش) فالأمر على نقيض، حيث من السهولة جداً أن تكتشف أن صفحته الخاصة على "الفيس بوك" يديرها موظف "من الدرجة التاسعة أو العاشرة" لا يحترف أي شيء سوى توجيه الدعوات أو قبول الإضافات و كتابة عبارات التحية التي غالباً ما تكون باردة، و هذه من أكثر السلبيات التي تؤكد فشل المسؤول العراقي في اختيار موظفيه و ربما بمثل تلك التصرفات و الردود سيفقد ذلك السياسي المسكين عدد كبير من الأصوات بعد أن ظن بأن رقم قائمة الأصدقاء ارتفع إلى آلاف الأشخاص، لكنه يتجاهل تماماً بأن هؤلاء الأصدقاء هم أصدقاء "مشترَكون" بينه و بين غرمائه السياسيين الآخرين في نفس الوقت و على نفس النافذة المسماة "الفيس بوك" !! و دأب المتصدون لمسؤولية الحملات الانتخابية الحالية على خدمة الجهات السياسية التي يعملون لصالحها، لكن عدم تمتعهم بالحنكة السياسية و جهلهم بفن الجذب و التسويق، يوقعهم في مطب التكرار و الإسفاف و الترويج المباشر الذي غالباً ما يكون تأثيره سلبياً بصورة واضحة و جلية و يولّد نفور الناخب، مرة لكون ذلك السياسي غير مرغوب به، و مرة أخرى لاختياره بطانة فاسدة و جاهلة تؤثر على سمعته و هذه كارثة الساسة قديماً و حديثاً. و تمتاز صفحات بعض المسؤولين العراقيين بوجود رقابة صارمة و تحذيرات من لصق أي رابط لموقع أو جهة معينة، على اعتبار أن ذلك يعد دعاية لتلك الجهة، في الوقت الذي لا يتوانى هذا السياسي من لصق سيرته الذاتية و أخباره على واجهات الصفحات الخاصة لأصدقائه، و هنا تبرز فكرة الازدواجية في التعامل و بالتأكيد ستولد نفوراً داخليا عند "الصديق الفيسي". و في المقابل هناك ما يشير إلى العكس من ذلك، حيث الفوضى و الضوضاء في صفحات "الفيس بوك" لمسؤولين آخرين يفتقرون إلى الإدارة و التنظيم.
من "الفيس بوك" إلى الصحافة نزول بعض الوزراء و النواب من عروشهم العاجية إلى بعض المواقع المعروفة بحياديتها و مهنيتها العالية، يمنح انطباعا حضارياً و بعداً مضافاً لشرح وجهات النظر و السياسات عبر تلك المنابر الإعلامية، كما يعطي إيحاء للقارئ و المثقف و الإنسان البسيط بأن بعض السياسيين بدأ يدرك حجم المسؤولية و ضرورة دعم الإعلام المستقل من خلال كتابة مقال أو تخصيص مقابلة لهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك و يفسر غالباً على أنه دعم معنوي يعبر عن جزء من الشعور بالمسؤولية تجاه ضرورة عدم تسييس الإعلام و دعم المؤسسات المستقلة و تشجيعها. و في الوقت نفسه تأمل تلك المؤسسات الإعلامية المستقلة أن تستمر تلك العلاقة الحضارية طيلة فترة الأربعة أعوام المقبلة و أن لا تقتصر على الفترة التي تسبق الانتخابات بقليل!! لكن بعض المسؤولين و السياسيين الآخرين يبدو أنهم قد استطابوا أن يلقوا بأنفسهم إلى أماكن الشبهة و الغيبة و الجدل، حيث ماكنات الإعلام الصدئة بأسلوبها التعبوي المباشر السمج الذي لن ينتج سوى بضاعة رديئة لا يمكن لها الارتقاء بواقع الإعلام و لا السياسة و لا مصلحة العراق و لا حتى كسب أصوات الناخبين الذي بدأوا منذ فترة ليست بالقليلة يفرزون الغث من السمين و يؤشرون بإصبع الريبة تجاه الصفقات المشبوهة و البائسة التي تعمل على إنتاج زيٍّ موحّد، قد يكون بلونٍ "زيتوني" أو "أزرق" أو "إطلاق لحية" أو "بارتداء كوفية أو عمامة أو شروال".
الاستغفال و ردّة الفعل و إذا ما سأل سائل لماذا يتولد الشعور بالكراهية و الاشمئزاز لدى الناخب العراقي و المواطن بشكل عام، تجاه السياسيين العراقيين؟ فأن الجواب سيشير بأصبع الاتهام إلى السياسيين وأسلوبهم في التحايل والإمعان باستغفال المواطن و الضحك عليه بطريقة عمدية و تلك الأمور ستكون من أهم أسباب ردود الفعل القاسية تجاه أولئك السياسيين و تؤدي بالضرورة إلى تجريد سيف الانتقام من غمده ضدهم، لرسم لوحة مضافة في (غالري) العنف الأحمر و الأسود، و العنف الأبيض الذي سيكون عبر قلمي مثلاً !!!
*رئيس تحرير "اتجاهات حرة" 5-1-2010 - بلجيكا Hussein Al Husseini [email protected] www.itjahathurra.com
#حسين_الحسيني (هاشتاغ)
Husssein_Al_Husseini#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هيَ بِوَطنٍ أزْرَق
-
فوق أشلاء الثلاثاء تبدأ الجولة الأخيرة من المنازلة الانتخابي
...
-
أصابع تتمرّد على علب الحبر البنفسجي
-
عماد العبادي يموت قرب مقرات حكومة المنطقة الخضراء.. فَلْتسخر
...
-
مِنَصّات البلوار*
-
قصيدة فيسبوكية
-
ضِدّ أو مَع البَعث، شعارات طائفيةٌ مُبطّنة لخوض معركة الانتخ
...
-
مكامن الفتنة الطائفية مازالت مُتّقِدَة تحت رماد إستقرار كاذب
...
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|