محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2877 - 2010 / 1 / 3 - 21:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مرعلي البشريه زمن كان الصراع الديني هو الملمح الأساسي للحياة وكان بسببه يلحق الدمار بشعوب وحضارات لا حصر لها... فاندثرت الديانات البابلية والفرعونية واليونانية والرومانية والاسكندنافية.. فضلا عما حدث من خراب لحضارات العالم القديم ( أمريكا و أستراليا).. أو لسكان القارة الأفريقية السوداء.. لقد كان المسلمون يحاربون المسيحيين واليهود والهندوس بالأضافة للفروع الأخرى من الإسلام وكل من يختلف معهم...كذلك المسيحيين الكاثوليك كانو يحاربون البروتستنت والانجيليين والمسلمين والهندوس وكل من يشير البابا في روما بوجوب تصفيته .
التاريخ ينبئنا أن هناك حروبا دينية استغرقت مائة عام وأن هناك شعوبا تم احتلالها وتدمير هويتها وترويضها لتقبل عقيدة مخالفة .. وحتي تاريخنا هذا لا تنسي أوروبا قسوة العثمانيين وما فعلوه بشعوبها.
الحروب الدينية (صليبية أو اسلامية ) تركت ندوبا لا تمحى بين سكان الهند وجنوب شرق آسيا وأفريقيا السوداء ..حتي بين أصحاب الديانة الواحدة لا ينسي أقباط مصر ما فعله معهم أتباع كنيسة روما من مجازر أدت الي شهادة مليون مصرى قبطي في عام اتخذوه بعد ذلك بداية للتقويم القبطي ..مسلمو الشام والعراق لايستطيعون تجاوز ما حدث لهم علي يد تيمورلنك وهولاكو التتارى من قتل وإغتصاب وتدمير لمدنهم رغم كونهما مسلمان ..والهنود لا يتسامحون مع الأمبراطورية الأسلامية المغولية التي هتكت عرضهم و دمرت ممالكهم واستولت علي كنوزهم باسم الأسلام ..أو مع الأمبراطورية البريطانية التي حاولت تبشيرهم بالمسيحية الإنجيلية.
والآن بعد أن عاش البشر في قرية إليكترونية صغيرة تربطها الانترنيت والأقمار الصناعية ووكالات الأنباء وتبادل السلع والافكار والفلسفات وبعد أن أصبحت الأديان نفسها محط تساؤل ودراسة ونقد هل لا زالت النزعات الدينية هي الوقود المحرك لصراعاتهم .
في العالم 22 ديانة رئيسية اذا اعتبرنا أن اعتناق 150 ألف شخص لعقيدة معينة يجعل منها دينا رئيسيا ..المسيحيه هي الدين الأكثر انتشارا بين الناس حيث يعتنقها ملياران موزعين بين 42 فرع أوسعها الكاثوليكية التي يدين بها مليارا من سكان هذا الكوكب المليار المسيحي الآخر يشمل الادفنتيست والبروتوستنت والإنجليين وأعداد محدودة من المسيحيين الشرقيين الأقباط والكلدان والأشوريين ...الأسلام هو الدين التالي للمسيحية من حيث العدد إذ تجاوز معتنقيه الألف وثلاثمائة مليون انسان منهم 940 مليون مسلم سني والباقي موزعون بين التيارات الشيعية المختلفة والدروز والطائفة الاسماعيلية و الطوائف الصوفية والقرآنيون المحدثون وآخرون ..الهندوسية هي الديانه الثالثة من حيث العدد ففي العالم 900 مليون هندوسي في صراع دائم مع جيرانهم المسلمين ولا زالوا يتنازعون حول منطقة كشمير علي خلفية دينية .
الديانة الرابعة من حيث العدد يتبعها 850 مليون بشرى..لا نستطيع أن نقول أنها دين بمعني أن أتباعها لا يؤمنون بالأديان جميعها , فهم ما بين طبيعي أو علماني أو ملحد أو بدون دين ... ثم تأتي البوذية 360مليون و أتباع كونفوشيوس 225 مليون والديانات البدائية الطوطمية 150 مليون والافريقية (دياسبوريك )95 مليون ثم السيخ 23 مليون واليهودية 14 مليون والبهائية 6 مليون .
وبالتالي فان من غير الحكمة مع هذا الكم الهائل من الديانات والمذاهب أن يتصور أحدهم أنه ودينه فقط من يمتلك مفاتيح الحقيقة المطلقة دونا عن باقي الأديان , متهما اياها بالكذب و الإدعاء والنفاق والبهتان والإفك والضلال مرددا ما تعلمه من رجال دين الكتل الرئيسية الثلاث (الكاثوليكية والأسلام السني والهندوسية المطعمة بالبوذية ) التي يدين بها نصف سكان الأرض ..كهنة الديانات الثلاث لا يكلون من دعوة مؤمنيهم بالتمسك بمظاهر وطقوس ديانتهم والي مصارعة باقي العباد الآخرين , رغم أن أسباب هذا الصراع إنتهت منذ عصر التنوير والنهضة الأوروبية عندما أعلن فلاسفتها أنه قد آن الأوان لأن تلزم الأديان معابدها وكنائسها وجوامعها ..وتترك تسيير أمور البشرللعلم والفلسفة والفنون والقانون المدني .
العضو الذى ينتمي الي الفروع الطلبانية للإسلام او لتلك الموضات التبشيرية الأمريكية أو لحماس والأخوان المسلمين أوللوهابية المستخدمة لأموال البترول في التبشير هل يعرف حجم تنظيمه الحقيقي بين سكان هذا الكوكب !! وأن طائفته هذه محدودة التأثير لاحول لها ولاقوة وأنها في أفضل أحوالها لن تصل أبدا لأعداد البوذيين أو أتباع كونفوشيوس أوالسيخ أو اليهود أو حتي البهائيين..!! وأن هناك ملايين من البشر الذين لهم أفكارهم وتوجهاتهم واجبة الأحترام أذا أراد أن يشارك في عالم القرن الحادى والعشرين .!!
بقاء الأديان بهذا التنوع حتي يومنا هذا وتأثيرها الذى لازال متزايدا علي المجاميع العريضة من المؤمنين يعود لأسباب خارج منظومة الأديان نفسها ..أهم هذه العوامل تدور حول أسباب اقتصادية وهو أمر واضح من حجم الإنفاق الذى يصاحب الأعياد الدينية الرئيسية( الكريسماس ورأس السنة وعيد الأضحي وبداية السنة البوذية وأعياد الهندوس المرتبطة بالحج لنهر السند ) كذلك من مقدار الأموال التي تتدفق علي المعابد ورجال الدين والتي تجعلهم يعيشون في رفاهية يحسدهم عليها حتي مريديهم .. وما ينفق علي طقوس العبادة من ملابس وأطعمة ومشروبات وإنتقالات وخدمات...إنها صناعة واسعة يعيش علي خيرها الالآف وينفق عليها بطيب خاطر المليارات التي تزداد مع كل تطور للحياة كما يحدث الآن من إستخدام شبكات التلفزيون والتلفونات في تقديم خدمات دينية يسيل لعائدها لعاب العديد من النساء والرجال الذين تفرغوا للوعظ والأرشاد.
العامل الآخر هو دعم السلطة السياسية وإستخدامها للدين ورجاله لتحقيق أهدافها, أبرز مستخدمي سلاح الدين لترويض الجماهير في العصر الحديث كان معظمهم فاشست (هتلر و موسيليني و من شرقنا السادات وصدام حسين وقد يضاف لهم بوش الإبن) .
وهكذا فالأديان بعمومها تعيش تحت حماية رجال السياسة ورجال الأقتصاد وتنمو وتزدهر بفضلهم .
ضحالة التعليم و انخفاض مستوى استخدام المنطق والفكر الفلسفي في مقابل أداء الطقوس وإتباع تعليمات الكهنة سبب آخريجعل من الدين حلا سهلا لا يحتاج لجهد لتبرير وفهم وتسيير الحياة اليومية لدى الأتباع .. وهو البوابة الواسعة لإنتشار الخرافة وتأثير كائنات غير مرئية .. والتنبؤ بالغيب والرضي بالقهر والإستسلام لتحكم الآخرين والصبر على المكاره وضعف المقاومة والثورة ضد الظالمين ماداموا مدعومين برضا رجال الدين .
إنتشار التعليم الدينى ( مسيحى , مسلم , يهودى , بوذى , هندوسى ) أخرج كوادر دينية كل محصلتها العلمية دراسة الكتب المقدسة وتعليمات الأقدمين ..مع ما يدره هذا التعليم – خصوصا فى البلاد المتخلفة – من رزق على صاحبه , أصبح من العوامل المساعدة على ترسيخ وجود الأديان .
الأديان بصورتها الحالية وبتنويعاتها غير المحدودة واقع يصعب تجاهله أو التهوين من حجم تاثيره .. وبالدعم – غير المنتظر تبديله قريبا – من السياسة والاقتصاد والتعليم يصبح المصدر الأساسى لمجموع القيم البشرية وسلوك الأفراد قادم عبر المعبد والكاهن والتراث المحفوظ للأقدمين .. وهو أمر محير , فكل دين أو فرع من دين أو ملة أو تنويع على ملة , تدعى أنها هى التى تمتلك كامل الحقيقة ويعتقد أتباعها أنهم على صواب وأن الآخرين إذا ما تمعنوا فى أسس ديانتهم فسوف يتحولون لها .. وهم لا يكفون عن الدعاية لمعتقداتهم فى بعض الأحيان تتحول هذه الدعاية إلى عدوان وتدمير كما حدث للأبراج الأمريكية وفى أحيان أخرى يتحول إلى سجون ومعتقلات وتعذيب كما حدث فى جوانتانامو ومع ذلك فالتدمير والمعتقلات لم يغيرا من الأمر شيئا لقد بقى كل على حاله يدين بما دان به الآباء والأمهات ويحرص على نقل قناعاته للأبناء والبنات فى تتابع ميئوس من توقفه إلا بصدفة أو إغراء .
وهذا حتى لا يصل العالم إلى حافة الجنون العقائدى , لا يوجد إلا فرصة وحيدة متاحة أمام البشر .. أن يتفقوا على أن إحترام الآخر وعقيدته هو إحترام ذاتى لنفسه وعقيدته .. وأن العودة بالدين إلى المعبد والقلب هو الأفضل للدين والمتدين وأن محاولة إقناع الآخر ( سلما أو قهرا ) بترك دينه والتحول لدين آخر محض خيال وأن تدنيس وتلطيخ رموز الأديان حتى لو كانت بقرة تسعى بأمان بين معتنقى ديانتها هو لعب أطفال مراهقين لن يجلب إلا تحفز الآخر لتدنيس رموز من بدأ .
المخرج الوحيد لأزمة التطرف الدينى هو إتباع ما كتبه عقلاء القوم من قبل فى وثائق حقوق الانسان وإحترام جميع العقائد كبيرها الكاثوليكى وحتى صغيرها الطوطمى .. ولكن .. هل يقتنع تجار السلاح بهذا المنطق بعد أن راجت صناعتهم بسبب إفتراض مواجهة مستمرة ودائمة بين أتباع الديانات الكبرى ..!! ثم ان الأتباع الأكثر قوة إقتصاديا وعسكريا , ما الذى يدفعهم للتنازل عن الاستسلام الكامل للآخرين وسيادة قيمهم وأسلوب حياتهم عبر العالم ..!! هذا هو المنطق الذى بدأ به الرئيس ريجان وطوره الرئيس بوش الأصغر بعد أحداث سبتمبر , لقد كان مدفوعا بالقوة الساحقة التى يمتلكها , يأمل أن يفرض منطقه ويملى إرادته على سكان كهوف أفغانستان وباكستان .. ولكن ماذا فعل غير تكرار أحلام القوى دائما عبر تاريخ البشرية العريض بفرض إلاهه وتدمير الآلهة الأخرى .. الأمر الذى لم ينجح أبدا .. ولن ينجح فى ظل ظروف الانسان اليوم , بدليل أنه لازال هناك عشرات بل مئات الأديان والعقائد تجاهد فى سبيل إستمرار البقاء .
إنسان العصر الحديث الذى تقدم تكنولوجيا وإمتلك وسائل لم يحلم بها أى من الأجداد , لم يتطور بعد فلسفيا وعقائديا .. ولازال أسير ديانات سادت منذ آلاف السنين , تحد من تقدمه نحو المستقبل الذى يتحكم فيه بمقدراته وكونه .. الطريق لازال طويلا ولكنه مفهوم على الأقل لــ 850 مليون بشرى غير ملتزمين بقيود الأجداد من أبناء الديانة الرابعة .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟