|
الوحدة الإسلامية كما يرآها الشيخ المنتظري
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2877 - 2010 / 1 / 3 - 06:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
3 الوحدة الإسلامية في فكر الشيخ المنتظري هي عبارة عن منظومة قيم ونواظم في العيش المشترك وفي الشعور الطبيعي بوحدة الجنس البشري ، وفي هذا ينطلق الأستاذ الشيخ من وحي الفطرة التي جسدها الكتاب المجيد بالقول التالي : - وكذلك جعلناكم أمة واحدة - ، ومفهوم الجعل هو مفهوم حركي ويعني القابلية على التغيير والتطور من حالة إلى أخرى فقد كانت الأمة عبارة عن مجموعات متناقضة متحاربة صيرها أو جعلها الإسلام تعيش الوحدة الإنسانية في الوعي وفي الواقع ، وطبعاً يعتبر الشيخ الأستاذ التفاوت في الخلق الطبيعي للشعوب وللقبائل ، هو الوحدة من منظور التعددية إذ لا تتم الوحدة من غير تناقض أو إختلاف وهذا على صعيد الفكر ، وفي هذا الأطار يقدم الشيخ الأستاذ عدداً من الأمثلة عن الأتجاهات الوحدوية أو الأفكار الوحدوية ، التي أصبحت معروفة في العالم وربما مارست تأثيراً ملموساً في السياسية والإقتصاد والثقافة العالمية ، فالبشرية سوف تتذكر الشيخ المنتظري كرائد في مجال دعم التوجهات الوحدوية في المنطقة وفي العالم ، وهذا التذكر يأخذ صفة الواقع بما قدمه من أفكار وممارسات في هذا الإتجاه في مختلف لحظات حياته ، فحين عاش الأستاذ الشيخ منفياً في أقليم كردستان الإيراني ، قام على الفور بمعالجة الإختلالات التي تصنعها قوى الدولة من تفتييت للنسيج الإجتماعي الوحدوي عبر الضرب على وتر الطائفية ، ومما يُحسب له إنه عالج تلك الإختلالات عبر ترسيخ مفهوم الوحدة بإطار التعددية الفكرية ، من خلال تلاحمه الوجداني والشعوري والعملي مع شعب كردستان ، وسعيه لمساعدته إياهم لرفع الظلم و الممارسات القمعية عنهم من قبل حكومة ذلك الزمان ، كما لم تفته لحظة تلاحم حين بدء يؤدي صلواته معهم فيداوم على حضور الجمعة والجماعة معهم ، بل وفي جميع المناسبات الإجتماعية لأهالي تلك المنطقة ، لقد قدمت ممارساته و أفكاره تلك حوافز موضوعية واقعية لتطوير العجلة الوحدوية بين الشعوب والمذاهب الإيرانية ، ولايغرب عن البال في هذا المجال ما قدمه الأستاذ الشيخ من أفكار وتعاليم أثرت بشكل مباشر ومنهجي على أفكار وتوجهات مراجع الدين آنئذاك ، فهو من دفع بالبروجردي المرجع الراحل كي يعمل على فكرة - التقريب بين المذاهب - التي عمل بها محمد تقي القمي من خلال لقاءاته وحواراته وجلسات العمل التي كان يعقدها مع الشيخ شلتوت رحمه الله ، مما أدى إلى إصدار الفتوى الشهيرة من الشيخ شلتوت - بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية - ، ولا يفوتنا التنويه هاهنا للحديث الذي أدلى به - أولفر وود - الكاتب المتخصص في مجال اللاهوت قوله : إن مدى أهمية أفكار الشيخ الإيراني منتظري في دعم مشروع الوحدة بين المسلمين السنة والشيعة ليحتذى به من قبل جهات نافذة في إيرلندا عبر الدعوة للتسامح بين البروتستانتية والكاثوليك - ، لهذا نقول بان افكار الأستاذ الشيخ قد حظيت بأهمية دولية خاصة في مجال تعميم مفهوم العمل الوحدوي الشعبي . كما لا يفوتنا الذكر من القول بان الأفكار الوحدوية لدى الشيخ المنتظري لا تنفصل في وعيها وفي بعدها القيمي كما نعتقد عن دعوة الإسلام للوحدة في في مفهوم الخلق وفي مفهوم التعايش نجد ذلك جلياً في محتوى المنشور التالي - وأعتصموا بحبل الله جميعاً - ، الذي حقق على صعيد الممارسة وفي التطبيق إنجازات هائلة إذا إخذناها في سياقها التاريخي العام ، فما كان ليؤلف بين المختلفين لولا روح التسامح وروح الجعل التي صيرت هذا الكائن المتحرك إنساناً يعيش في الشعور وفي الوعي روح التلاحم لتحقيق نوع من التوازن مع الغير ومع الذات ، وطبعاً هذا الكلام لا يجب تعميمه على نحو ما بعد الفترة المحمدية التي أنتابها الكثير من الوهن والخمول نتيجة لغلبة السياسي على الديني ، وهذه إشكالية سنفرد لها بحثاً ما ان أُتيح لنا فيها الوقت والمجال ، . وفي هذا المجال يعني مجال الكلام عن الوحدة تبدو مؤلفات الشيخ المنتظري خير شاهد على ما شهدته المنطقة من أعمال وحراك وحدوي غير مسبوق من دعوته لتأسيس مقر للوحدة ودعوته لمؤتمر يُعقد سنوياً في ذكرى ولادة الرسول محمد - ص - كل سنة سماه بل أطلق عليه أسبوع الوحدة ، مما أوجد لأفكاره تلك رواجاً غير مسبوق تجد صداه في ترجمات عديدة ولغات كثيرة ، كما أشارت إلى ذلك مؤوسسات النشر الأجنبية بإعتباره الشخصية التأريخية الرائدة في تحديد سمة النظرة العالمية للوحدة في إطارها الإنساني العام ، و لا تخرج ملاحظات علماء الإجتماع القائلة : - بأن القرن العشرين هو عصر الوحدة بين الشعوب في العالم - ، ولكن ما سر هذه الملاحظات ؟ ، السبب يكمن كما نظن بأن الوحدة : هي أداة معرفة وتقريب عظيمة ونظرة إنسانية علمية أصيلة ، تكشف عن قوانين الوجود وعن قوانين التطور الأجتماعي ، وبانها أي الوحدة قد أشارت إلى الطريقة الواقعية الوحيدة لأنقاذ الناس من التفاوت الطبقي والإجتماعي والقومي والطائفي العنصري - ، ولو أختبرنا نظرية الشيخ المنتظري في الوحدة ، فاننا سنقف أمام حقيقة موضوعية تهدف إلى تحقيق فهم لمعنى الوجود الإنساني كما نتصوره في المؤوسسة الإجتماعية والإقتصادية والفلسفية والتأريخية 1 - ، ومن يتتبع آراءه في هذا الإتجاه يثبت له صحة التصور الذي كان يعتمده في المنهج المقارن للواقع التغييري . ومن يتابع قوانين التطور والجدل التاريخي والعلمي لحركة الإسلام وعوامل النهوض والضعف فيه ، يلاحظ حجم وطبيعة ومدى صحة مفهوم الوحدة في صنع الحدث ونجاحه أو أخفاقه ، أن هذه الحقيقة تكشف عن صدق التنبؤ الذي أعتمده قدوة الفقهاء حول ماهية الأنتصار الواقعي والحتمي للانسان على قوى الأستبداد والظلم ، والإنتصار لا يتم من دون وحدة حقيقية وليست شعاراتيه كما يقول ، ، فنظام الحرية والإستقلال لا يمكن أن يحل بديلاً عن الرأسمالية أو البرجوازية والدكتاتورية من دون تحقيق الوحدة ، أن الدراسة المنهجية المقارنة لواقع التيارات الفكرية المعاصرة أثبتت إن : مقولة الوحدة سوف تتطور حسب القوانين الأساسية العامة في الحياة ، وإنها تمثل هيكلاً كلياً لايتجزأ ، وقد أثبت التأريخ من خلال الوحدة لجماعة الرسول محمد - ص - بان الثبات على المبدأ والصبر في مواطن الشدة عوامل حاسمة في تحقيق الإنتصار النهائي هكذا يقول الشيخ الأستاذ ، ويقول ايضاً : إن الوحدة سوف تصبح عاملاً حاسماً في تحديد التيارات والأتجاهات الفكرية في العالم ، وأن المسلمين بوحدتهم سوف يصبحون قوة سياسية لايستهان بها ، كان ذلك منه في في الوقت الذي طرح فيه مشروع الوحدة الأسلامية في بداية الثورة وجودها الفعلي ، و لم تكن قد نضجت فكرة حاكميت ولاية الفقية في إيران ولا عند عامة المسلمين ، ولكن أنصار الوحدة تجمعوا في تكتلات وتنظيمات خاصة للإعلان عن مشروع الوحدة وشرح مضامينه الكبيرة ، ولاشك أن تحديد أفق المنهج الوحدوي لدى الشعوب الأسلامية التي تعيش تحت ظل الحكومات الأستبدادية ، ليس عملية سهلة وميسورة بل هي عملية طويلة ومعقدة ، لأن الحكومات الدكتاتورية سوف تعمل على عرقلة الأتجاه الوحدوي بقوة مستخدمة كافة الوسائل والأمكانات السياسية والأقتصادية ضد الوحدة وأنصارها ، بالمقابل فأن طريق الوحدة ورجاله سوف يجاهدون بلا هوادة لتدعيم هذا الخط وأستقلاله ، وسوف تصبح عملية الأتحاد هي الأتجاه الأكثر تحديداً وموافقة للضمير ، وسوف ينتهي نظام الأستبداد والدكتاتورية الذي يعمق الكراهية والطائفية ويزرع كل أشكال العدوان ، أن اعداء الوحدة والمزيفين المحرفين في كل العصور طالما تحدثوا عن الشعار الظاهري الخارج عن المضمون الواقعي للوحدة ، وهذا الأتجاه العدواني غدا مجموعة عقائد تروج الأفكار لدحض مشروع الوحدة الحقيقي ، وإنهم يزعمون بأن نظرية الوحدة التي أعلنها الأستاذ المعظم لم تقدم من حيث الأساس شيئاً جديداً ، هكذا كان يروج لذلك البعض من مدرسي الحوزة في قم ، وأن مبادئ الوحدة لم تعد تتلائم والظروف الحاضرة ... الخ ولكن الحقيقة أن المفاهيم التي يروجها أصحاب الفكر الطائفي تجاه مشروع الوحدة أظهرت انها غير ملائمة تأريخياً وعلمياً ، وأن الأنسان المستقل الغير محزب نبذ كل بذور التفرقة والتعددية في الأمة الواحدة ، ووقف صامداً امام كل تيارات الأنحراف الفكري والعقيدي المناهض للوحدة ، والوحدة أثبتت كما يقول الأستاذ المعظم : بأنها الأداة السحرية الأمتن المعتمدة في مجابهة الصعاب والتحديات لأن مبادئها ليست خاضعة لتأثير أفكار عابرة ومؤقتة أو من قبيل التكتيك والمناورة السياسية ، أن الشيخ المنتظري لا ينظر للوحدة من زاوية الربح المادي ، ولذلك فما يحصل من إنجازات بفضلها يقوم على تخطيط مسبق ، وكل خطوة في نظرية الوحدة خاضعة للمناقشة والممارسة العملية الهادئة التي تنزع الغل والأفكار المغلوطة لتصحيحها بأفكار أكثر وعياً وأكثر أستجابة لمفهوم التطور الأجتماعي هكذا كان الأستاذ يُعلم تلاميذه ، ولذلك قال الشيخ المنتظري : إن الوحدة تضمن للإنسان المسلم تفوقاً في مجال العمل وتفوقاً في مجال الإيمان فالوحدة تضمن للإنسان المؤائمة بين النظرية والتطبيق ، وهو حل للإشكالية المزمنة والتي تسبب في العادة بالإنهيار والتراجع الأممي والحضاري . (1) المؤسسة الأجتماعية : - تعني مجموعة الأحكام والقوانين الثابتة التي تحدد السلوك والعلاقات الأجتماعية في المجتمع ، وقد جاء مفهوم المؤسسة في كتاب ( مبادئ علم الإجتماع ) ، وبأنها العضو أو الجهاز الذي ينجز وظائف مهمة للمجتمع ، وقد قيل عنها : بأنها وليدة الفكرة والهيكل الذي ينمو من السلوك الشعبي
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة موجزة في الفكر السياسي للآستاذ المعظم آية الله الشيخ ا
...
-
العراق بين إحتلالين
-
الشخصية الليبرالية ج1
-
عيسى المسيح وأمه مريم
-
قصص من الكتاب المجيد
-
ضياع الهوية الوطنية
-
الليبرالية الديمقراطية والسلطة
-
العراق والمرحلة المقبلة
-
الليبرالية الديمقراطية و حاجات الأمة
-
إيران والإصلاح
-
صور صداميه تعود من جديد
-
الليبرالية الديمقراطية ومفهوم الدولة
-
الإنتقال إلى الدولة
-
الليبرالية الديمقراطية هي الحل
-
التغيير و الإصلاح
-
الدين لله والوطن للجميع
-
الإسلام بالمفهوم الليبرالي
-
الأخلاق الليبرالية
-
الليبرالية الديمقراطية في الوعي التاريخي
-
المرأة في الإسلام
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|