أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - مناورة العقل الدينى .















المزيد.....

مناورة العقل الدينى .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 21:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أفكارنا ليست وليدة عملية ذهنية محضة صرفة بواسطة العقل ..بل العقل هو وسيلة لصياغة وتمنطق الأفكار التى نريدها والتى نحتاجها .
أى أننا تحت إلحاح رغباتنا وإحتياجاتنا وحالتنا النفسية نسوق العقل وندفعه للخوض فى غمار أفكار محددة محاولا أن يمنطقها ويصيغها ويجعل لها قبول وحضور .

نحن أيضا لا نفكر فى أى أمور ليس لها أى مردود نفسى وإحتياجى داخلنا ..ولا نخوض فى أمور لا تشكل أى تأثير إيجابى اوسلبى فى داخلنا .
فمثلا لا يهمنا إنفجار نجم فى مجرتنا أو مجرة بعيدة عنا ولن نخوض فى البحث عن سبب هذا ,ولن يزعجنا هذا الأمر لنجعل العقل يخوض فى البحث عن سبب إنهيار هذا النجم ..ولكن فى المقابل سيزعجنا بشدة سقوط حجر من أعلى بناية فوق رؤوسنا وسنبحث هنا إن كان سقوطه جاء عمداً أو سهواً .

وبالمثل يكون خوضنا فى غمار البحث عن فكرة الإله تسير بهذا المنحى ..فلو لم توجد حالة نفسية قلقة ومضطربة , ما شغلنا ذهننا فى محاولة إيجاد فكرة تبث الطمأنينة للنفس الملتاعة القلقة , فلو لم يكن هناك خوف وقلق وحالة نفسية غير مستقرة , ما فكرنا لحظة واحدة فى قضية السببية والبعرة والبعير .

الإيمان هو عبارة عن تطويع العقل للوصول لأفكار تعطى حالة نفسية مستقرة ..الإيمان هو حل العقل البدئى للوصول لحالة من الإستقرار النفسى .
المؤمنون يمارسون قضية التبرير لمعتقداتهم بأسر العقل وتطويعه ليقدم بعض الأفكار تساق فى الحفاظ على توازن وإستقرار حالة نفسية يراد لها أن تظل هكذا .

إذن فرغباتنا وإحتاجاتنا النفسية العميقة هى التى تسوق وتدفع العقل لوضع أفكار تلبى هذا الحاجات لتتحول الأفكار إلى عقيدة نجد فيها مرجعينا النفسية لنجتر منها عند الإحتياج .
يمارس العقل دور البحث عن وسائل منطقية ولو حتى كانت واهية لتثبيت الحالة النفسية التى نستأنسها .

لا يمارس العقل المهمة المنوط بها بشكل تقليدى وساذج بل يمارس تقنيات ذهنية معقدة ومركبة هدفها النهائى هو ترسيخ الحالة السيكولوجية التى نبتغيها وهو ما سنشير إليه لاحقا .
من خلال تأملاتى فى المنظومة الدينية وأطروحاتها وجدت أن تضاريس النفسية المؤمنة شديدة الوضوح ..وأن كل ما تطرحه وتفكرفيه بل وما تناور به هو من أجل غاية واحدة ومحددة وهو الوصول لحالة من الإستقرار النفسى المنشود , بالطبع لا يهمنا هنا إن كان هذا الإستقرار النفسى وهما أو خيالا أو حقيقة ..ولكن كل ما يشغلنا هو أن الإيمان ليس أكثر من حالة نفسية ومزاجية خاصة يبحث الإنسان الوصول إليها ليصل إلى تصوره الخاص عن الإستقرار والتوازن النفسى .
فالعقل لا يقدم تفسيرالإيمان إلا أنه يحاول أن يتحرك فى دوائر تهدف الوصول إلى عتبات الحالة السيكولوجية المبتغاة .

سنجد أن هناك طرق غير تقليدية يمارسها العقل لمحاولة تثبيت الإيمان الذى لا يوجد ما يثبته سوى المناورة والإلتفاف بغية بث الأمان فى ذهنية تأمل فى أن تتعلق بقشة تطفو بها على أفكار واهية هشة لا يكون لها أى وجود سوى رغبة إنسان بائس معرفيا فى التمسك والتشبث بها والوصول لعتبات حالة نفسية ومزاجية محددة .

المؤمن يجد إرتياحية خاصة فى اللجوء لمنظومته الدينية كونها تشكل له درجة من الأمان والإحتياج النفسى لعبور كل الظلم والقسوة والجهل فى الحياة .
وكما ذكرنا سابقا أن النفس المحتاجة لهكذا وضعية تسوق العقل لوضع ترتيبات ذهنية تكرس حالة الإستسلام والإستكانة للفكرة ..ولكن العقل قد يواجه إشكاليات فى بلع وهضم كل الحمولة المحملة بالسذاجة والخرافة والتى تفتقد لدليل مادى وحسى يؤكدها .
هنا العقل يقوم بتأثير من النفس التى تهتز ثوابتها بإبتكار وسائل دفاعية تجعل الأفكار تبقى على حالها ..ومن هذه الإبداعات حيلة المناورة .

فعلى سبيل المثال نجد المؤمن يتحصن بمعتقداته وخرافاته وغيبياته فى حالات كثيرة أمام تهميش وتحقيرمعتقدات وخرافات الأخرين ..فهو هنا يخلق حالة منطقية وعقلانية مؤقتة يواجه يها أطروحات الأخر الغيبية والخرافية ليخرج منها بقناعة محددة وهى فساد فكر الأخرين إذن تكون أفكارى وخرافاتى هى المقبولة .

هذا الأمر تتلمسه بسهولة فى إمتلاك الكثير من المؤمنين معلومات ما سواء أكانت متماسكة أو سطحية عن معتقدات الأخر, ليخرج فى النهاية أن الجميع فاسد فكريا وعقائديا إذن فمعتقدى يكون صالحا .

لا أنكر أن فى نقد بعض المؤمنين للمنظومات الدينية الأخرى تستند فى كثير من الأحيان على نقد منطقى واعى , وقد يصل فى مرحلة عند بعض المتقدمين ثقافيا إلى نقد علمى جيد يرتكز على علوم مثل الميثولوجيا والأنثربولوجى والتاريخ , ولكن المأساة الملهاة تكمن فى أنه لايمد النظرة المنطقية والعقلانية والعلمية على منظومته الدينية ..فهو يستخدم العلم والمنطق لنقد معتقد الأخر حتى يولد حالة نفسية بأن الجميع قد فسدوا , ويبقى إيمانى هو الصالح الذى لا تشوبه شائبة .

نستطيع أن نذكر العشرات من الأمثلة التى يتناولها أصحاب الأديان لبعضهم البعض ..فترى المسلم يسخر من العبادات الوثنية كعبادة البقر عند الهندوس وعبادة التماثيل كرمز لحلول الألهة , أوتقديس الصور والأيقونات عند المسيحيين ,يكون نقده صحيحا ولكنه ينسى أو يتناسى ,أنه يقدس الحجر الأسود ,ويقبله .
المسيحى ينتقد الإسلام هو الأخر فى أنه يسرد قصة العجل الطائر فى الفضاء والذى يعرف بالبراق ويبين المنتقدين إستحالة وجود مثل هكذا كائن يستطيع أن يسبح فى هذا الفضاء اللانهائى , بالفعل تكون وجهة نظرهم صحيحة ولكنهم نسوا أو تناسوا أيصا أن النبي إيليا كان يصعد إلى السماء عن طريق سلالم والملائكة تصعد أمامه .

مثال أخر نراه بشكل متداول فى المنتديات العربية وهى التى يخوض فيها المؤمنون بالنقد والتشكيك فى نظرية التطور , فتجد حرص كل مؤمن أن يخوض فى هذا الأمر .
بالطبع ليس هنا مجالنا فى الدفاع عن نظرية التطور التى تؤكد نفسها بألاف الأدلة والبراهين , ولكن ماذا يعنى نقد نظرية التطور والسخرية منها ..معناها الوحيد أنها تعطى للمؤمن راحة فى قبوله نظرية الخلق الطينية الأسطورية .
فالمؤمن إذا كان يمتلك درجة ما من الثقافة العلمية فهو يخوض فى الحلقات المفقودة فى التطور, والتى لم يعثر على أحفوريات لها أو يعتمد على بعض الأطروحات عن الخلق الذكى ...ولكن هو لا يحاول أن يكمل نفس المنظور العقلى العلمى فى تمديده على نظرية الخلق الطينية .
أى أنه يستخدم العقل لمحاولة تسخيف فكرة التطور لتعطى له حالة من الإرتياح لقبول نظرية الخلق الأسطورية .

لذلك نجد أن المؤمن يستطيع أن يتعامل مع العقل والمنطق والعلم فى تفنيده لأفكار ومعتقدات الأخرين , ولكنه ما أن يقترب من معتقداته وغيبياته فهو يرمي العقل والمنطق والعلم عند أقرب صندوق قمامة .

لم يسأل أى دينى نفسه ..هل معنى أن يكون دين الأخر خاطئا ومشوها ويعج بالخرافة والغيبات ..هل يجعل معتقدى وخرافاتى وغيبياتى صحيحة بالضرورة .؟
لم يسأل أى مؤمن نفسه ..هل لو كانت نظرية التطور خاطئة وعبثية ..هل بالضرورة تكون نظرية الخلق الطينية صحيحة ومنطقية وعلمية.؟

فى الحقيقة لن يسأل أى مؤمن نفسه هذا السؤال المنطقى !!..لسبب بسيط .
أن أليات العقل تم إستخدامها لغرض وهدف محدد , وهو الوصول إلى عتبات حالة إيمانية محددة مطلوبة وتسكين النفس المضطربة داخل أسوارها ..فهنا يناور العقل فى الطعن والتشكيك فى معتقدات الأخرين ليصل إلى نتيجة يأملها فى أن الجميع فاسد ,ويبقى معتقدى هو الصحيح فى هذا العالم .
صحيح هو يقفز على منطقية فكرة أنه إذا كان الكل فاسد فليس بالضرورة أن تكون غيبياتى وخرافاتى هى الصحيحة ..فليس هذا بغريب على أليات عقل تم تحفيزه لقبول نقد حمولة الأخرين الغيبية والخرافية ..وتخديره فى الوقت ذاته بقبول حمولة مشابهة لخرافات وغيبيات ساكنة فى الداخل .

إن عملية نقد الأديان من أصحاب الأديان أى النقد الدينى الدينى , ماهى إلا مناورة عقلية يحاول بها الذهن إيجاد حالة من الإرتيحاية للحالة الإيمانية السائدة والمأمولة .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة العبيد .
- العروسة والمسدس


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - مناورة العقل الدينى .