|
أنا بالصوت الملآن ضد الحجاب
ياسين رفاعية
الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 15:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أين المرأة العربية اليوم منها في الامس؟ المرأة العربية في الأمس القريب والبعيد كانت تتحدى الكبار والصغار. ليلى الاخيلية تحدّت أحد أبطش الحكام العرب في عصور الاسلام الاولى الا وهو الحجاج الذي زرع الرعب في قلوب أهل العراق عندما صاح بهم: إنني أرى رؤوساً حان قطافها. وقس على ذلك نساء مجاهدات مقاتلات ومشاركات في الحروب، منهن مثلاً الخنساء. حتى عائشة زوج النبي كانت مقاتلة. أما اليوم فأين المرأة العربية؟ العالم يتقدم ونحن نتأخر على هذا الصعيد. المرأة خطوة الى الأمام وعشر الى الوراء، مكبلة بالتقاليد، مهانة، تذهب ضحية جرائم الشرف، والقانون يساعد في ذلك. إن جريمة الشرف أقسى أنواع الجرائم، ومع ذلك لا يحاسب القاتل على ما صنعت يداه الا ببضعة شهور سجن وهو يتفاخر أمام قاضي المحكمة: "إصبع عايبة وقطعناها". جريمة الشرف تدل على انحطاط وتراجع حتى عن القيم الدينية، حيث منع الاسلام وأد المولودة وهي طفلة وأعطاها حقوقها وهي كبيرة. لكن هذه الحقوق أصبحت ناقصة جداً هذه الايام. أنا بالصوت الملآن، ضد حجاب المرأة، وليعطني أي شيخ نصاً صريحاً في القرآن يدعو المرأة الى الحجاب. لنتناقش بحرية، لا بالتهديد، كما حصل معي قبل فترة، اذ هددني شيخ مسؤول بالمحاكمة والسجن، لأنني عرضت بموضوعية ان الحجاب ليس محكوماً بنص صريح في الاسلام. أذكر في هذه المناسبة من التراث العربي المنشور في أكثر من مصدر، أن المرأة العربية كانت تعتز بجمالها وتظهره على الملأ فتجد في مخطوط أبي الحسن علي بن محمد المعافري المالقي ان نساء من كرام الأُسر يذكر اسماءهن ويُطري جمالهن رجال مرموقون في المجتمع: فأبو هريرة يقول - وكذلك أنس بن مالك - إنه لم ير أحداً أجمل من عائشة بنت طلحة. ولم تكن المرأة تكتفي بالانشراح والاعتداد بجمالها في قرارة نفسها، بل كانت تعلن ذلك. فإنه عندما علّق أنس بن مالك على جمال عائشة بنت طليمة ردّت عليه قائلة: "والله لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة الباردة". أنظر الى هذا التشبيه البديع في حرارة المرأة في عز البرد. وفي مناسبة أخرى قال لها أنس بن مالك: إن أناساً بالباب يريدون أن يدخلوا اليها لينظروا الى حسنها. فما كان منها الا أن عاتبته لأنه لم يُخبرها بالامر قبل ذلك لترتدي من الثياب ما يلائم المقام. يروى أن عواطف الحب والفخر التي يكنها الرجال لزوجاتهم نجدها كذلك مذكورة بصراحة. فمصعب بن الزبير اصطحب الشعبي الى منزله ليريه جمال زوجته عائشة بنت طلحة (وردت في هذا المخطوط ثلاث مرات). وفي احدى الروايات يقول الشعبي إنه لم يرَ زوجاً أجمل من مصعب وعائشة وانهما أجمل الخلق. وفي حكاية أخرى نقرأ أن عائشة بنت طلحة، وبعد زواجها من مصعب، جلست تستمع مع نساء من قريش الى عزة المدينية وهي تغني بعض أبيات يصف الشاعر فيها محبوبته بأن فمها "لذيذ المُقبَّل والمُبتسم"، ثم يضيف أن هذا ليس الا "ظناً" منه إذ هو لم يذقه، ويظهر أن مصعباً كان واقفاً في الدهليز فلما سمع هذه الابيات صاح قائلاً: "بارك الله عليك يا عزّة، لكننا والله قد ذقناه فوجدناه كما ذكرت". بالاضافة الى ذلك كانت نساء ذلك العصر يسعين الى الصلح والسلام بين القبائل والأسر والعشائر إذ "كن يقمن بدور الوساطة بين رجال ونساء الأسر الرفيعة ويؤتمنّ على الكثير من اسرارهم: فنحن نقرأ مثلاً ان عزة المدينية المذكورة سابقاً كانت من أعقل النساء، وإن جمال الجارية هوى وإتقانها لتلاوة القرآن الكريم وانشاد الاشعار بلغ من الحسين بن علي مبلغاً جعله يبكي من شدة الانفعال أدى به الى عتقها" ص46. وكانت المرأة العربية ايضاً ذواقة للشعر وناقذة أين منها نقاد اليوم. فسكينة بنت الحسين يمكن اعتبارها أول ناقذة أدبية اذ كانت عندما يزورها الشعراء لا تخلي سبيلهن من دون أن تصرّح لهم برأيها في شعرهم وحتى في أخلاقهم. وعندما خطب ابان بن سعيد عائشة بنت طلحة، وعلمت أنه اختار ان يعيش في أيلة (أي العصبة) لرخص العيش فيها، ولأنه رغب في العزلة، علّقت على ذلك قائلة انه كالضب لا يضر ولا ينفع (الضب حيوان جبان يعيش في الصحراء). وهي من ناحية أخرى كانت وفيّة لزوجها مهما يكن وضعه وشكله. فنائلة بنت الفرافصة لما زُفَّت الى عثمان بن عفان وأُدخلت عليه – وكان اذا ذاك قد ناهز السبعين من العمر، وضع قلنسوته على رأسه ولكن بدا صلعه. فخاف ان يغمّها ذلك. فما كان من نائلة إلاّ ان قالت انها من نساء "أحب أزواجهن اليهن السادة الصلع". ودام زواج نائلة لعثمان سبع سنوات، فخطبها الرجال بعد موته ومنهم معاوية بن أبي سفيان، ولكنها أبت الزواج منهم جميعاً، ويقال انها اخذت حجرا ودقّت به اسنانها. ولما سئلت عن ذلك اجابت قائلة: "اني رأيت الحزن يبلي كما يبلى الثوب، واني خفت أن يبلى حزني على عثمان فيطلع مني رجل ما اطّلع عليه عثمان. وذلك ما لا يكون ابدا" ، بمعنى ان يرى جسدها كما رآه عثمان. ونقرأ في التراجم ايضاً ان هناك نساء عربيات لم يهبن الحاكم بل واجهنه بأخطائه من دون خوف منه. فنساء قمن بزيارة خلفاء وأمراء وتصرفن عندهم بكل اعتداد ورباطة جأش. فعندما زارت ليلى الاخيلية الحجاج بن يوسف الثقفي أعجب كثيراً بشعرها وبلاغتها وخاف من هجائها فما كان منه الا ان امر بها ان تؤخذ الى رجل ليقطع لسانها على جرأتها. وكان الدافع الى عمله هذا من دون شك الخوف من سلاح الكلمة الذي تملكه ليلى، فلما وصلت ليلى عند الرجل وسمعته يرسل في طلب الحجاج صاحت به قائلة: "اما سمعت ما قال؟ انما امرك ان تقطع لساني بالبر والصلة". وكان هذا من نتيجة قولها ان الحجاج أرجعها وعفا عنها وأكرمها. وهناك قصة ام سنان بنت خيثمة التي ذهبت الى معاوية لتطلب عونه على مروان بن الحكم والي المدينة وقتذاك، فحقق لها طلبها رغم كونها من شيعة علي ورغم الأشعار التي قالتها في التحريض عليه، وما كان ذلك الا لرباطة جأشها وشجاعتها وبلاغتها وتفهّمها للأحوال السياسية السائدة آنذاك، فهي ضربت على الوتر الحساس عندما لمّحت الى أطماع مروان بالخلافة – وهذا ما حققه في ما بعد – فاكتسبت معاوية الى جانبها. وكانت ترفض من يشهر بها او يشبب، كما كان يحصل في ذلك الزمان، فها هي عزة مثلاً عند طلب عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ان يزوّجوها الى كُثر قالوا: "انها امرأة بالغ لا يولّى على مثلها"، وعندما عرض الامر عليها رفضته رفضاً باتا مع انها كانت معجبة بشعره الذي قاله فيها، والسبب الذي قدمته لرفضها هذا يكشف نواحي الاعتزاز بالنفس وانها حرة الرأي ولا يستطيع احد ان يضغط عليها حتى الحاكم نفسه. فقالت: "بعدما شهّرني بين العرب وشبب بي فأكثر ذكري: ما الى هذا سبيل". لنأخذ مثلاً آخر عن الوفاء، فها هي فاطمة بنت الحسين حين توفى عنها زوجها الاول وكان ابن عمها وجاءها الخطّاب، شرطت بأنها لن تقبل الا من مَهَرها مبلغا من المال كافيا لسد ديون زوجها المتوفى. فهل هناك اروع من ذلك؟ ان الحرية التي كانت تتمتع بها المرأة لم تكن مشوبة بالاباحية. والحديث اذا تطرق الى موضوع المرأة والحب كان صريحاً خالياً من الاستهتار والابتذال. فكانت هذه المواضيع تتبوأ مكانها الطبيعي في مضمار النشاط الانساني، فلا يحذف منها شيء بدافع من التحرج، وفي الوقت ذاته لا يبالغ فيها رغبة في الاستثارة. رؤاي – دمشق - سوريا
#ياسين_رفاعية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قائد الثورة الإسلامية يؤكد أن الغرب يخلق الفوضى في سوريا..
...
-
كيف يستقبل مسيحيو الشرق أعياد الميلاد هذا العام؟
-
الشرطة الألمانية تنفي أن تكون دوافع هجوم ماغديبورغ إسلامية
-
البابا فرانسيس يدين مجددا قسوة الغارات الإسرائيلية على قطاع
...
-
نزل تردد قناة طيور الجنة الان على النايل سات والعرب سات بجود
...
-
آية الله السيستاني يرفض الإفتاء بحل -الحشد الشعبي- في العراق
...
-
بالفيديو.. تظاهرة حاشدة أمام مقر السراي الحكومي في بيروت تطا
...
-
مغردون يعلقون على التوجهات المعادية للإسلام لمنفذ هجوم ماغدب
...
-
سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|