|
الدين البهائي وأديان آخرى-(2)
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 02:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وفي كتاباته الموجّهه إلى المنتمين إلى الحضارةالغرّبيّة المسيّحيّة، دافع حضرة عبد البهاء عن الإسلام والنبّي محمد(ص). وقد دحض بشكل خاص التُهم التي يوجهها القادة المسيحيّون تقليدياً ضد الإسلام مثل الفكرة أن الإسلام متسم بالحرب وأنه انتشر بالسيف وأن الإسلام حطَّ من شأن النساء.16 وفي دفاعه عن الإسلام ،لفت نظر المسيحيين إلى أن السيد المسيح قد ذّكر في القرآن باحترام وإجلال عظيم: أود الآن أن ألفت انتباهكم إلى نقطة في غاية الأهمية.إن الشعوب الإسلامية كافة تعتبر القرآن الكريم هو كلام الله، وأن يسوع المسيح جاء إلى هذا العالم بواسطة أنفاس روح القدس المُحيية، وأن السيدة مريم والدته، كانت مقدّسة وطاهرة. وفي القرآن الكريم سورة كاملة مخصصة لقصة السيد المسيح...وبالاختصار،لايوجد في الانجيل مديح وإطراء للسيد المسيح يماثل ماجاء في القرآن الكريم.17 وعلاوة على ذلك، أشار حضرة عبد البهاء إلى أن محمد (ص) ذاته عامل المسيحيين بكثير من اللطف والاعتبار وكانت هذه هي السياسة المُتّبعة في بداية الإسلام.وقد نشأت فيما بعد الكراهيّة بين بعض معتنقي الإسلام والمسيحية:
أن حضرة محمد لم يحارب النّصارى بل كثيراً ماشملهم برعايته ومنحهم كامل الحرية، وكانت في نجران طائفة من المسيحيين فقال حضرة محمد إني خصم لكل من يعتدي على حقوق هؤلاء وعليه اُقيم الدّعوى أمام الله. وصرّح في أوامره بأن أرواح النّصارى واليهود وأموالهم في حماية الله، فلو كان الزوج مسلماً والزوجة مسيحيّة لايجوز أن يمنعها عن الذهاب إلى الكنيسة أو يرغمها على التحجُّب،وإذا ماتت وجب عليه أن يسلّم جثمانها إلى القسّيس، وإذا أراد المسيحيون بناء كنيسة فعلى المسلمين إعانتهم.18 وفضلاً عن ذلك ،صرح عبد البهاء أن الحضارة التي يفتخر بها الأوربيون ويتبجّحون بها على غيرهم من شعوب العالم قد نشأت بفضل الإسلام، ويؤكد أن الدوافع والأفكار التي جاءت بالنهضة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر في اوروبا انبثقت من جذور العالم الإسلامي. وقد وصلت إلى اوروبا نتيجة التفاعل فيما بين المسيحيين والمسلميين في الأندلس (أسبانيا والبرتغال) كما حملها الصليبيون إلى اوروبا بعد تفاعلهم مع العالم الإسلامي لمدة 200 سنة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وكانت جميع طوائف اوروبا تكتسب الفضائل ومبادئ المدنيّة من المسلمين القاطنين في ممالك الأندلس في عصور الإسلام الأولى، ولو أمعن النظر في الكتب التاريخية لاّتضح أن أكبر جانب من تمدن أوروبا مقتبس من الإسلام،حيثُ قام علماؤها بجمع كل كتب حكماء المسلمين وعلمائهم وفضلائهم شيئاً فشيئاً، وأخذوا يطالعونها في المعاهد والجامعات العلمية ويناقشونها بكمال الدقة مطبّقين ماكان مفيداً منها...وأن أكثر القوانين السارية والأصول المعمول بها في كل ممالك أوروبا وربما جميع مسائلها فمقتبسة من الكتب الفقهية الإسلامية وفتاوى علماءها... وخلاصة القول إنه منذ سنة تسعين وأربعمائة للهجرة حتّى سنة ثلاث وتسعين وستمائة للهجرة كان ملوك اوروبا وقوّادها ووجهاؤها يتردّدون بلا انقطاع على برّية الشّام ومصر، فلمّا عادوا جميعهم نهائياً، نقلوا إلى اوروبّا ماشاهدوه طوال مئتي سنة ونيّف من السّياسة والمدنيّة والمعارف والمدارس والمكاتب وعادات الممالك الإسلامية المستحسنة ورسومها وكان ذلك بداية تمدّن أوروبّا.19 وقد أكّد حضرة شوقي أفندي(حفيد حضرة عبدالبهاء،الابن الأرشد لحضرة بهاءالله حامل الرسالة البهائية) وهو ثاني من خلف حضرة بهاءالله في قيادة الدين البهائي على حقيقة الإسلام، وأكد بشكل خاص حقيقة أنه عن طريق التعاليم البهائيّة، أعلنت الملكة ماريا ملكة رومانيا ، وهى ملكة مسيحية أوروبية، ومن سلالة الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا، حقيقة الإسلام جهاراً. وقد قدّم هذا على أنه بُرهان يوجب اعتبار الدّين البهائي صديقاً حقيقياً للإسلام وداعماً له. وبهذا الصدد كتب حضرة شوقي أفندي: وأما بالنسبة لمحمد رسول الله(ص)، فيجب ألاّ يفكر أحد من أتباعه الذين يقرأون هذه الصفحات، ولو لدقيقة، أن الإسلام أو نبيّه أو كتابه... أو أياً من تعاليمه الأصيله، تعرّضت أو ستتعرّض وبأي شكل من الاشكال، وبأي درجة مهما كانت طفيفة ،لأي استخفاف أو عدم تقدير...إن الإجلال والإحترام الذي عبّر عنه حضرة بهاءالله في كتاب الإيقان تجاه محمد(ص)...والحجج التي قدّمها حضرة عبدالبهاء بقوّة وجرأة وعلانية في الكنائس وكنيس (ليهود) ليثبت أحقية الرسول العربي ، وأخيراً وليس آخراً شهادة ملكة رومانيا الخطيّة، وهى التي ولدت في الدين المسيحي الإنجيلي ، وبالرغم من أن التحالف الوثيق بين حكوماتها والكنيسة الأرثوذكسية اليونانيّة، وهو الدين الرسمي للدولة التي تبنّتها، تلك الشهادة التي خطتها نتيجة دراستها لخطب حضرة عبدالبهاء العامة، والتي أعلنت فيها اعترافها بنبوة محمد(ص)-كل ذلك يظهر بوضوح لاشك فيه الموقف الحقيقي للدين البهائي تجاه الدين الذي نشأ في ربوعه.20 أكد حضرة شوقي أفندي على اصرار حضرة عبد البهاء على أنه ماكان للحضارة الغربية الحديثة أن تقوم لولا تأثير وانتشار الأفكار من العالم الإسلامي: إن مايسمّى بالحضارة المسيحية والتي كان عصر النهضة الأوروبية من أبرز معالمها، انبعثت في جوهرها من جذور وأسس إسلامية. فعندما كانت أوروبا في العصور الوسطى غارقة في ظلمات البربرية،كان العرب، وقد تجدّدوا وتحوّلوا نتيجة الروح التي أطلقها دين محمد(ص)، منهمكين في تأسيس حضارة من النوع الذي لم يشهده معاصروهم المسيحيون من قبل. وبنهاية المطاف دخلت الحضارة إلى الغرب بواسطة العرب. وعن طريقهم وجدت الفلسفة والعلوم والثقافة التي طوّرها اليونانيون القدماء طريقها إلى أوروبا. وكان العرب أقدر المترجمين واللغويين في عصرهم، وبفضلهم أصبحت كتابات مفكرين معروفين من أمثال سقراط ، أفلاطون وأرسطو بمتناول يد الغربيين. من غير الانصاف بتاتاً أن يُنسب ازدهار الثقافة الاوروبية خلال فترة النهضة إلى تأثير المسيحية. لقد حدث ذلك (الازدهار) نتيجة القوى التي أطلقها الدور المحمدي.21 وبشكل مماثل يوجد في كتابات حضرة بهاءالله تمجيد عظيم للسيد المسيح: إعلم بأن الابن حين الّذي أسلم الرّوح قد بكت الأشياء كلها، ولكن بإنفاقه روحه قد استعدّ كل شيء كما تشهد وترى في الخلائق أجمعين. كل حكيم ظهرت منه الحكمة وكلّ عالم فصّلت منه العلوم وكلّ صانع ظهرت منه الصّنايع وكل سلطان ظهرت منه القدرة كلّها من تأييد روحه المتعالى المتصرّف المنير ، ونشهد بأنه حين الذي أتى في العالم تجلّى على الممكنات، وبه طهّر كا أبرص عن داء الجهل والعمى وبرء كل سقيم عن سقم الغفلة والهوى وفتحت عين كل عمىٍ وتزكّت كل نفس من لدن مقتدر قدير.22 كذلك مجّد حضرة عبدالبهاء السيد المسيح، وفي خطبة ألقاها في الولايات المتحدة قال: كان السيد المسيح شمس الحقيقة التي أشرقت من الأفق الإلهية المسيحية، تُدرّب وتصون وتؤيّد العقول والأرواح والنفوس إلى أن أوصلتها إلى الانسجام مع الملكوت الإلهي، وفازت بالقابليّة لنزول النعم الإلهية غير المحدودة عليها. لولا ظهور عظمته وإشراقه لظلّوا في ظلمات الجهل والبعد عن الله. ولكن بسبب بزوغ شمس الحقيقة وفيض أنوارها على عالم العقول والأرواح والنفوس، أصبحوا مشعين، وقد أنعم عليهم بحياة جديدة وأبديّة.23 وفي خطبة ألقاها حضرة عبدالبهاء عن المسيحية في باريس قال: كانت الحضارة المسيحية الأفضل والأكثر تنوراً في العالم. وكانت التعاليم المسيحية مستنيرة من شمس الحقيقة الإلهية ، لذلك تعلّم أتباعها محبّة الجميع كإخوان لهم وأن لا يخافوا من شيء، ولا حتى الموت، ومحبة جيرانهم كأنفسهم، ونسيان مصالحهم الأنانية الشخصيّة ، وأن يسعوا لمصلحة وخير الإنسانية. وكان الهدف الكبير لدين المسيح جذب قلوب الناس جميعاً إلى التقرّب من الحقيقة الإلهية الساطعة.24 وقد دافع حضرة بهاءالله عن نص الإنجيل المقدّس وأي ادّعاء أنه محرّف. وتكلم أيضاً حضرة عبدالبهاء عن القوة الروحانية في الأناجيل الأربعة: كانت النبوة في أيام السيد المسيح أن الذئب والحمل سيشربون من نبع واحد وقد تحقق هذا في المسيح. النبع المذكور هو الإنجيل المقدّس الذي تدفّقت منه مياه الحياة. والذئب والحمل يرمزان إلى الأجناس المتعددة التي تعارض بعضها بعضاً، وكان تلاقيها وتعاشرها مستحيل، ولكن بعد إيمانها بالسيد المسيح توحّد أولئك الذين كانوا سابقاً ذئاباً ونعاجاً بواسطة كلمات الإنجيل.25
المراجع 16-عبدالبهاء-من مفاوضات عبدالبهاء-ص23-24(معرّب) 17-عبدالبهاء Promulgation of universal peace,P.201 معرّب بتصرّف 18 عبدالبهاء- من مفاوضات عبدالبهاء-ص22 معرّب 19-عبد البهاء-الرسالة المدنية-ص56-57 معرّب 20-شوقي أفندي-The Promised Day is Come,PP.108-109 معرّب بتصرّف 21-من رسالة كتبت بالنيابة عن حضرة شوقي أفندي بتاريخ 27نيسان/ابريل 1936 إلى أحد البهائيين-Lights of Guidance,P495 معرّب بتصرف 22-بهاءالله-منتخباتي...،رقم 36،ص52-معرّب بتصرف 23- عبدالبهاء Promulgation of universal peace, PP.270-71 معرّب بتصرف 24-عبدالبهاء-Paris Talks,PP,31-32 معرّب بتصرف 25- عبدالبهاء Promulgation of universal peace,P.200 معرّب بتصرّف
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين البهائي وأديان آخرى(مقال في مقالات).كيف يمكن أن يكون ا
...
-
الهدم البشري والبناء الإلهي
-
وحدةالله ورسله وقياماتهم ودينوناتهم للعالم
-
آدم وشجرة الحياة
-
هل اتّحاد الأديان ممكن؟ وإذا كان ممكنًا فكيف يحدث؟ ومتى يحدث
...
-
خاتم النبيين-وأبدية الرسالات الإلهية
-
سؤال- إلى كم تنقسم أخلاق النّوع الإنسانيّ ومن أين جاء هذا ال
...
-
براهين روحانية
-
يا أهل العالم إلى متى هذا الهجوع والسّبات، وإلى متى النّزاع
...
-
البهائية وقضايا إجتماعية- التطور الاخلاقي
-
البهائية وقضايا إجتماعية -ازدهار العالم الانساني
-
البهائية وقضايا إجتماعية -حقوق الانسان-المرأة والسلام
-
البهائية وقضايا إجتماعية-التعصُّب نار تحرق العالم
-
الدين العالمي
-
الدين البهائي يقف على رؤية إنسانية موحّدة وأسلوب للحياة ليست
...
-
المدنية الإلهية و النظم الإداري البهائي-النظم الإدراي و مرجع
...
-
المدنية الإلهية و النظم الإداري البهائي- ولي أمر الله شوقي أ
...
-
المدنية الإلهية و النظم الإداري البهائي -مقدمة عن النظم الاد
...
-
المدنية الإلهية و النظم الإداري البهائي
-
رؤية الدّين البهائي لعالم مُتّحد-(3/3)
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|