أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - بعيداً عن القطيع














المزيد.....

بعيداً عن القطيع


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 2874 - 2009 / 12 / 31 - 22:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أنا كائن وحيد بالطبيعة. و أما عندما أكون برفقة نظرائي من البشر، فإن إحساسي بالوحدة يصبح إحساسا مضاعفا. في كل مرة انخرط في حوار مع احدهم يتولد لدي الإحساس بالأسى على كوني لا أعيش في الصحراء أو كوني لا أتمتع بسكون الجمادات. حضور الآخرين لا يخلق من حولي إلا الفراغ والإحساس بالتفاهة المطلقة. هم يحبون المال ويتعلقون بالمجد ويقدسون السلطة، أنا اكره المال وأزدري المجد وأتفادى كل أشكال السلطة. لا يمكنني أبدا أن أحب المال، فتحصيل آخر فلس يتطلب حدا أدنى من العهر والتزلف. وأما بالنسبة للمجد والسلطة، فإنني لم ارغب يوما في أن أكون الرجل الأول في أي مجمع ديني أو سياسي؛ فلكي يكون المرء نبيا أو زعيما سيتطلب منه ذلك الكثير من الغرور و جنون العظمة. ولكي يحكم رجل جماعة من عشر رجال لابد له من أن يهشم رؤوس ثلاثة منهم، وأما إذا أراد أحدنا أن يقدم نفسه كقدوة حسنة أو مثال أخلاقي فلا بد من أن تكون له الجرأة على أن يبصق -من حين لآخر- في وجوه الذين من حوله.
حكم ، قيادة، إرشاد، هاكم نماذجا لبعض الكلمات التي تملأني قرفا وتقززا. باختصار لا أريد أي شيء من الكون أو من البشر، أريد فقط أن أكون وحيدا ومهمّشا؛ وإذا كانت هناك من وظيفة أكرهها على وجه الأرض فهي وظيفة أن أكون إلها.
كيف تعرف بأنك على حق؟— المعيار بسيط للغاية: عندما تتعارض شكوكك وهواجسك مع يقينيات القطيع. والحقيقة لم تكن أبدا ظاهرة جماهيرية، كما أن العوام لا يستسيغون إلا ما هو مبتذل وسطحي ورخيص. وإذا كان هناك من شيء أتحسر عليه فهو تلك الساعات التي قضيتها برفقة نظرائي من البشر؛ لو حدث أنني كنت قد كرست كل تلك الساعات للاستبطان و التأمل لكنت الآن اقرب إلى الحقيقة أكثر من أي وقت مضى.
كل واحد منا يولد بقدر من الطهارة والبراءة، لكن الخوف من الوحدة والضجر يدفعان المرء دائما إلى الارتماء في أحضان الجموع- والنتيجة هي فقدان البراءة الأصلية، مع ما يتبعه من فساد وتورط وضلال. لم يسبق لي أبدا أن التقيت بإنسان يتحمَّل عزلته؛ فالكل يفعل المستحيل للالتحاق بأي مجمع بشري ما؟ قد يكون هذا المجمع شلة من الأصدقاء، أو حزبا سياسيا، أو طائفة دينية، أو حتى عصابة إجرامية. في الواقع، على المرء ألا يكرس وقته لشيء آخر غير ذاته، فالواحد منا لا يدخل في حوار عميق مع الحقيقة إلا عندما يكون بمنأى عن صخب العالم وضجيج العوام.
لا تتراءى لي الدلالة الحقيقية للأشياء إلا عندما أكون خارج دائرة الوجود البشري. عندما أكون في جولة مسائية على شاطئ البحر، أو أتمشى بلا هدف في ارض جرداء، ابدأ في مراجعة كل القيم البشرية واحدة تلو الأخرى : كل ما هو عظيم في أعين القطيع يغدو تافها وسطحيا أمام الصمت الأبدي للصخور والحركة التلقائية للأمواج. وكلما فكرت في وضعي بين الأشياء، في تصوراتي للعالم، وفي الأحكام التي يطلقها علي الآخرون، أقول لنفسي: "فيماذا تهمني استقامة هذا العالم أو اعوجاجه؟ ولماذا يجب أن أكثرت لأراء البشر فيّ ؟ إذا كانوا ينظرون إلي كعدمي أو كمجذِّف، فما الذي ستغيره أحكامهم تلك؟ أو ليس كل شيء يأخذ مساره المحتوم؟ و هذه الشجرة الواقفة هناك مند عقود، ما الذي يمكن أن يجمعها ببني البشر وأحكامهم القيمية ؟ و هذه الصخور المتكئة هنا منذ ملايين السنين، في ماذا يمكن أن تهمها قيم المجد والنجاح والشرف؟" في الحقيقة، لا وجود للحكمة إلا بجوار الجمادات، صمتها السرمدي وموقفها اللاإكثراتي من حركة العالم يفضحان بلبلة المدن ، ويظهران ضجيج المجتمعات كضجيج مجاني ومن أجل لا شيء.



#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيف و اليقين
- لماذا الله؟
- داء النبوة
- الأونطولوجيا الطبيعية


المزيد.....




- اكتشافات مثيرة في موقع دفن المسيح تعيد كتابة الفهم التاريخي ...
- سياسات الترحيل في الولايات المتحدة تهدد المجتمعات المسيحية
- مفتي البراميل والإعدامات.. قصة أحمد حسون من الإفتاء إلى السج ...
- إسرائيل تكثف غاراتها على غزة وتقصف المسجد الإندونيسي
- استقبلها الآن بأعلى جودة .. تردد قناة طيور الجنة TOYOUR EL-J ...
- منظمة: 4 من كل 5 مهاجرين مهددين بالترحيل من أميركا مسيحيون
- جدل حول اعتقال تونسي يهودي في جربة: هل شارك في حرب غزة؟
- عيد الفطر في مدن عربية وإسلامية
- العاهل المغربي يصدر عفوا عن عبد القادر بلعيرج المدان بتهمة ق ...
- المرصد السوري يطالب بفتوى شرعية عاجلة لوقف جرائم الإبادة


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - بعيداً عن القطيع