1/7/2002
اطل علينا قبل حوالي اسبوعين عدد من الاخوان في بيان قدم لنفسه مبررات تاريخية واطراً ذاتية ليطل الي الحقوق السياسية والمدنية للطائفة الشيعية في العراق. بالرغم من ان الموقعين علي البيان افادوا بانهم يريدون ان لا يكون العمل السياسي علي اساس طائفي وهذا كلام مسؤول وله وقع في نفوس الكثيرين وخاصة في الظرف الحالي. انما مجريات البيان وتسميته ومطالبه لا تؤكد ذلك بل تعارضه بمختلف التفاصيل والاتجاهات، ولسنا بحاجة الي ان نثبت هذة الفقرة او تلك لنؤكد ما ذهبنا اليه، فالبيان واضح ويعبر عن مضامينه واراء وتوجهات موقعيه بدقة ومن حق الاخوة ان يعبروا عن ارائهم, او بالاحري ردود فعلهم ازاء ممارسات النظام الحاكم في العراق وممارساته العبثية في النسيج الاجتماعي العراقي الراسخ, مما هدد بذلك روح السلام الاجتماعي بين العراقيين واثاردواعي الكراهية وحب الانتقام.. الا انه وفي المقابل جاء البيان المذكور من حيث عنوانه وتوقيته ومضامينه ليعبث ايضا في جروح العراق النازفة، التي كم تحتاج الي ضمادات وعلاج لا الي شفرات حادة لتعميقها وتقطيعها او اعطاء المبررات لمن يريدها نازفة ابدا.
وكما قلت، ليس بودي تشريح البيان او تفصيله الا ان هناك بعض التساؤلات المتداولة بين العراقيين علي الاقل في محيط تواجدي، نود طرحها قبل ان نذهب الي الربط بين الديمقراطية وحرية الأختيار والمواطنة في البيان المطروح وهي هدف المقال اصلا ممن يطالب الموقعون عن البيان الشيعي باستعادة حقوقهم المهضومة؟ هل من السلطة؟ التي لا هم لها الا الاستمرار علي حساب كل التكوينات العراقية كافة، ام من طائفة السنة التي يربط البيان وبشكل متعسف بينها وبين السلطة الحاكمة وهو في واقع الحال دعم للسلطة وليس اضعافاً لها في هذه المرحلة بالذات، ولا ادري لماذا يعطي بعض الاخوة الشيعة طوق النجاة لصدام حسين وهو ينازع، كما فعل بعض منهم في انتفاضة عام 91 حينما تغلب الجانب الطائفي علي الجانب الوطني، الامر الذي خلق حالة من الذعر ليس بين العراقيين فحسب انما في دول المنطقة ودول العالم ذات المصالح الكثيرة في منطقتنا، وبالتالي اجهضت الانتفاضة وكثير من نواياها الطيبة، وهكذا جاء البيا ن ليعيد تجسيد تلك المخاوف الدولية والاقليمية الساعية لضمان مصالحها في الحفاظ علي العراق ككيان متعايش بسلام. وكم كان البيان ذا وقع واهمية لو جاء جزء من بيان عراقي شامل يمثل الجميع.
يشكو البيان من (الحملات الاعلامية العنيفة الموجهة ضد الشيعة العراقيين لتحطيمهم نفسيا.. مقابل تثقيف طائفي لابناء السنة بخطورة الحالة الشيعية..) وانا اتساءل عن ادوات ونوع التثقيف الطائفي لأبناء السنة و ما هي الأحزاب والحركات السياسية السنية التي تمارس هذا التثقيف؟ واتمني لو يجيبني احد لأني اجهل ذلك حقا.. مقابل ذلك عشرات التنظيمات والحركات الشيعية الواضحة الاهداف والمعالم والشعارات وهي تمارس حالة التثقيف الطائفي بكل مستلزمات بنائه كوعي. وبنظرة بسيطة الي خارطة الحركات السياسية الشيعية تؤكد ما ذهبنا اليه. ليس دفاعا عن السلطة الحاكمة في العراق حينما نقول انها لم تتعرض للشيعة لكونهم ينتسبون الي المذهب الشيعي ويمارسون طقوسهم كما يذهب البيان انما واجهتهم حينما شكلوا خطرا علي سلطانها لربطهم العمل السياسي بالانتماء الطائفي0 ومن هذا المنطلق يعتقد موقعو البيان الذين لا يزيد عددهم عن 130 بانهم يمثلون الملايين من شيعة العراق. كما ان السلطة الحاكمة حينما قامت بتصفية رموز دينية واجتماعية وعسكرية وسياسية من السنة، ليس لكونهم سنة وانما لمحاولاتهم اطاحة النظام والاستيلاء علي سلطتة. وعليه فان البيان مع الاسف يحمل نزعة من التهديد و الوعيد ليس ضد السلطة الحاكمة فحسب بل ضد السنة الذين ادخلوا الي عالم صدام عنوة وصار بعضهم يراهم من خلال هذا الجلاد، الذي، بالمناسبة لا يخدم او يعمل لصالح السنة فحسب انما النسبة العالية هم من الاخوة الشيعة، ونظرة بسيطة الي القواعد الحزبية والكوادرالحزبية المتقدمة في العراق او الي الجوقة الأعلامية او الهتافين والشعراء يؤكد لنا ذلك.
التثقيف الطائفي
يشكو البيان (من ان الشيعة تهمة... ويكفي ان تولد من أبويين شيعين لتواجه الاضطهاد..) وهذا الامر فيه كثير من المبالغة ويعزز حالة المظلومية التي ينادي بها بعضهم ويمثلها الموقعون الي حد بعيد، وهي معاناة تستمد قوة استمرارها من احاسيس ومشاعر متناقضة لا تسببها السلطات الحاكمة فحسب بل يدخل في معظمها اطر وسياقات عديدة لسنا بصدد طرحها الآن. الا ان كل ما نتمناه ان يزول ذلك الشعور او الاحساس بتعزيز الثقة بالنفس وأنصاف الذات، فالشيعي عنصر مبدع من عناصر بناء العراق وحضارته، مثلما هو مدافع مستميت عن امنه وحدوده وكل من يتصور من العراقيين بان له الفضل علي من سواه فهو لا يعيش حالة الوهم والمرض والحقد ضد نفسه وضد محيطه. اما ربط تسلم (المناصب المهمة والحساسة...) بكل التداعيات التي ذكرناها سابقا ففيه تجني علي الطائفة نفسها وغمط لدورها ودور العظماء من رجالها، ولن نذهب بعيداً فالكثير من الموقعين علي البيان ذوي رتب عالية في الجيش ووزراء واساتذة محترمون وابناء رؤساء وزراء، ولا ادري ما المعني بالمناصب المهمة والحساسة، هل هي رئاسة الدولة ؟ ومن اعترض علي ذلك في عراق المستقبل؟ أما من استولوا علي سدة الرئاسة عبر زناجير الدبابات لسنا بصدد نقاش امرهم. نحن مع رئيس او قائد لا يأتي باسم طائفة او فئة، انما يأتي ليقول انا عراقي ولكل العراقيين والعراق ككل بلدي واهله اهلي. وللاشارة ان صدام حسين وفي اسوأ حالاته من القمع والارهاب وسفك دماء العراقيين بلا تمييز، لم يقل يوما انني امثل السنة او احكم باسمهم، بل يتكلم باسم العراق ويذهب ابعد من ذلك نحو الكلام باسم الامة. وحقيقة الامر ان محاولة البيان تجسيد الهوية الطائفية علي حساب الهوية الوطنية محاولة لا تخدم أبناء الطائفة ولاتساهم في رفع المظلومية.. كما انها لا تضعف نظام صدام بل قد تمده بعمر مضاف.
البيان كحالة الكتابات الاخري كرر الخلط بين القومي والطائفي الي حد التماهي فنجد مثلا ان الموقعين علي البيان منهم عرب و اكراد وتركمان وإيرانيون، وحاول البيان في ذلك اذابة الانتماء القومي بالطائفي وهو سعيد بذلك. ولكنه في الوقت ذاته استكثر ذلك علي السنة العرب وكأنما السنة في العراق هم عرب فقط وليس هناك سنة أكراد وسنة تركمان وسنة إيرانيون ايضا وكلهم داخل نطاق العراق فهذه الصيغة التي تبناها البيان، كما تبنتها الطروحات المماثلة محاولة بائسة لتكريس روح الغالبية التي كررها البيان عشرات المرات عبر المجيء بالقوميات الاخري غير العربية، مع اعتزازنا بمكانة واهمية التكوينات العراقية، وزجها ضمن الطائفة لتوسيع نطاقها، مقابل محاولات عديدة لتضييق ذلك بل تحريمه علي الطائفة السنية.
هنالك تساؤل قد لا يكون الأخير يتوجب تحديده ما دام البيان ذهب الي مداه في صراحته وهذه له وليست عليه فالصراحة قوة مهما كانت ونحن نحترمها.. وعليه فالاقلية السنية كما يسميها البيان ــ علما بان العراق في اسوأ حالاته السياسية ترفع عن الاحصاء الطائفي ــ حافظوا علي العراق بكيانه القائم جغرافيا وسياسيا، اما الغالبية كما يسميها البيان تريد ان تجزئ العراق تحت مبررات و مسميات مختلفة لكي يحقق البعض احلامه او اوهامه في حكم هذه البلدة او تلك وهذا امر مثير للاستغراب حقا مثلما هو مثير للشفقة..
الديمقراطية والطائفية
ان الدفع نحو رسم حدود الانتماء الطائفي كطريق للأنتماء الوطني لا يحد من هيمنة السلطة بل يكرسها و يشكل في الوقت ذاته خطرا اشد وطأة علي الممارسات الديمقراطية التي يعتبر توفرها في مجتمع متعدد الاعراق والطوائف ضرورة لأنعاش روح المواطنة التي لا يمكنها ان تتعافي في ظل التنازع علي المكونات الثقافية الفرعية لإحلالها محل مكونات الحضارة الوطنية الكلية، التي تنمو في أجوائها روح المواطنة والإحساس بالانتماء. ومن طرف أخر ان السعي نحو تحريض روح الغلبة والهيمنة لا يقود بأي شكل من الاشكال نحو بناء الذهنية الديمقراطية التي بدونها لا يتم ممارسة الديمقراطية كواقع حياة. وقد اثبتت التجارب السياسية وباشكالها المتعددة في بريطانيا وامريكا وفرنسا انها تستمد شرعيتها من تكويناتها الاجتماعية كافة وسيادة المواطنة لا من قوة العرق او الطائفة... وهذا يقودنا الي القول بانه ليس هناك ديمقراطية كردية او عربية او مسيحية او اسلامية، شيعية او سنية،الد يمقراطية بجميع اشكالها تضع حرية الاختيار السياسي فوق كل الاعتبارات العرقية والطائفية وتهيئ الصيغ لإنجاحها.
واستكمالا للصورة اعلاه فان حرية الاختيار السياسي التي تعتمد علي تحريض الدوافع الاثنيه والطائفيه او الفرعيه عموما، ليس بامكانها ان تساهم في بناء الوطنية او المواطنة انما تحاصرهما وتمنعهما من حالة التلاقح مع الآخر. فالمواطنة التي تقوم علي الاختيار السياسي الحر مسؤولية سياسية جماعية في تنظيم ادارة الحياة وارادتها، مثلما هي تنظيم للتنافس وترتيب لأولويات الاختلاف. ونجد من المفيد في هذا السياق ان نفرق بين الوطنية والمواطنة، حيث ان الوطنية انتماء المرء الي بلد او دولة ما وغالبا ما يتم الخلط بينها وبين الجنسية، اما المواطنة فهي تمنح حق المشاركة في ادارة حياة المجتمع بشكل مباشر او غير مباشر. كما أن الوطنية تستلزم الانتظام والتضامن في اداء الواجبات التي تمثل ثوابت وطنية، اما المواطنة فهي تقوم علي منح الحقوق وحماية المصالح وتعزيز حالة الانتماء. وهكذا فمن الد أعداء الديمقراطية هو الهوس بالهوية القومية او الطائفية او الدينية واعتبارهما كيانا راسخا لا يعترف بالأخر ويحاول ان يذيب الافراد في كيان او رمز مادي او معنوي يمثل جوهر هوية الطائفة او القومية. وللحفاظ علي روح المواطنه وأمن وسلام الوطن و المواطن في عراق المستقبل، نري ان يكون هناك ثلاثة آليات رئيسة تمنح الديمقراطية روحها العملية. الوسائل الدستورية التي تعتمد الحقوق الأساسية في تحديد الوطنية والمواطنة. الاحكام القانونية التي تفض الاشتباك بين الحقوق الاساسية والمصالح الفئوية. طبيعة الانتخابات الحرة التي تصون التمثيل وتجسد المواطنة عبر حرية الأختيار السياسي علي ان لا يمارس فيها حرية التجزؤ
ضمان تطبيق ممارسة الحقوق
الديمقراطية في النهاية ليست سلطة الاغلبية علي حساب الاقلية انما هي ضمان تطبيق ممارسة الحقوق الأساسية، لهذا لا ديمقراطية مع زعيم او حزب أو طائفة متفردة، انما هي استجابة للقوي المجتمعية التي تحد من حرارة اندفاعها برودة القواعد القانونية. ولا نعني بذلك اننا ننأي بعيدا عن التنوع فالحرية لا معني لها ان لم تنتعش في مجتمع متنوع ومتعدد قائم علي الاعتراف بالآخر، وهي الي جانب الديمقراطية تعلمنا كيف نعيش معا رغم اختلافاتنا. كما تعلمنا ايضا أن التفريط بالوحدة في عالم يسعي نحو التكتل ضرب من العبث في مستقبل الأوطان، كما ان التفريط بالتنوع ضرب من تغليب الحياة علي الموت.
المجتمع العراقي بكل مكوناته الحضارية والاجتماعية سيظل عصياً علي الاختزال الطائفي الذي لا يلبي مستلزمات الهوية للوطن أو المواطن ولا يفتح نوافذ المستقبل علي آفاق الحرية التي نسعي لها ونتمناها، بعد أن حولها النظام الحاكم في العراق من عالم فسيح واسع يحقق ارادة الانسان ويطلق قواه المبدعه، الي مجرد اتقاء لشر التسلط والعنف والاعتقال العشوائي. نأمل أن يجسد بيان هذا الاعلان حرصه الفعلي علي عدم ربط الطائفي بالسياسي. لكي نري العالم بمنظار أوسع خاصة ان معظم الموقعين علي البيان عاشوا في الغرب وتمتعوا بممارساته الديمقراطية وحمايته للحريات الأساسية.