مروى شلبي
الحوار المتمدن-العدد: 872 - 2004 / 6 / 22 - 07:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
من خلال متابعاتي للتحضيرات التي سبقت انعقاد القمة العربية الاخيرة في تونس , وتصريحات القادة العرب , استوقفتني عدة امور لعل اهمها العناوين التي كانت على جدول اعمال القادة والمسؤولون العرب , عناوين الاصلاح والتجديد والبناء والديمقراطية وحقوق المراة العربية , واشتداد الخلافات وظهور الانقسمات في الجسم العربي حيال تحديد الموقف من هذه العناوين , وغياب أي قراءة مشتركة للواقع العربي , فانفردت كل دولة عربية على حدى في قر ائتها وإعلان موقفها بناء على أسبابها ومعطياتها الخاصة , الأمر الذي جعل من هذه القمة موضع تندر لدي الشعوب العربية التي فقدت أصلا ثقتها بحكامها .
القادة العرب يتعاملون مع التحديات الراهنة ومع المخاطر الكبيرة التي يواجهونها بمنطق غامض لم يعد بالإمكان تسويقه في أي مكان , وهو يعلمون جيدا أن إدارة الرئيس الأمريكي بوش أغلقت كافة الأبواب وبدأت تتصرف بمنحى تسلطي غير آبهة بالنتائج , وهي تسعى إلى إحداث تغييرات في العديد من الأنظمة العربية ملبية بذلك مطالب إسرائيلية محددة حول هذا البلد أو ذاك .
في هذا السياق ارغب أن القي الضوء على نقطتين محددتين تتعلقان بتونس البلد الذي استضاف القمة الأخيرة , وجرى بين اورقة قاعاته الفخمة حوارات حارة بين المسؤولون العرب لم تصل الى حد تقديم اجوبة على العديد من الاسئلة التي مازالت تقلق ملايين الشعوب العربية .
رغبتي في الحديث عن تونس تنطلق من كوني امرأة متزوجة من تونسي منذ سنين طويلة , أستطيع القول أنى اعرف هذا البلد جيدا , ولي فيه أصدقاء عديدون من مختلف الشرائح الاجتماعية والمهنية , وربما يكتشف القارئ أننى وأنا أتحدث عن تونس أبدو وكأني أتحدث عن جميع الدول العربية وافى هذا من غرابة لان الواقع العربي يتشابه بمعطياته الأساسية .
النقطة الأولى تتعلق بالانتخابات الرئاسية في تونس والمزمع إجراؤها في بداية شهر نوفمبر المقبل ,ومايلفت الاتنباه هنا هو غياب كافة المؤشرات والمظاهر التي تصاحب عادة الحملات الانتخابية الرئاسية في العالم الحر الذي يتمتع باجواء من الحرية والديمقراطية والشفافية التي يدعي النظام التونسي انه ينتمي لها , فلاوجود لأي من المرشحين , ولا برامج انتخابية , ونحن على أبواب الانتخابات فلاوجود إلا لمرشح وحيد هو الرئيس الحالي زين العابدين بن علي , ولاصوت إلا صوت الحزب الديمقراطي الحاكم الذي يتزعمه رئيس البلاد .
إني أتساءل هنا , كيف يمكن للمواطن التونسي أن يمارس حقه الطبيعي والديمقراطي الحر في انتخاب رئيس للبلاد وهو لا يجد أمامه سوى اسم واحد وحزب واحد ؟
أليس من الديمقراطية والشفافية أن نتيح الفرصة لكافة الأحزاب والقوى التونسية أن تشارك الحزب الحاكم في خوض غمار التنافس في هذه الانتخابات ؟
وهل يستقيم أمر الديمقراطية في أن يكون رئيس البلاد هو ذاته رئيس الحزب الحاكم ؟
أظن أن الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية مازالت غريبة عن المجتمعات العربية, مما يجعل من مقولات الإلغاء , إلغاء الآخر على المستوى الفردي وعلى المستوى الجمعي هي المفاهيم السائدة , ليس على مستوى السلطات فقط بل وحتى على المستوى المجتمعي أيضا, فجميع السلطات العربية وضعت التعددية الديمقراطية في موقع الترف, فمنعت التعددية وان سمحت بها شكليا , وبما أن المعارضة ممنوعة في إطار القوانين التي تسنها هذه الأنظمة , فالتآمر يصبح الشكل الوحيد للعمل السياسي , والعنف لغة الإقناع الوحيدة .
النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها هي غياب حرية الصحافة في تونس والقيود التي توضع على الإعلاميين والرقابة على الكلمة .
يمكن القول هنا إن التضييق على الصحافة والإعلام وتشريع القرارات ووضع القيود العديدة أمام حرية الصحافة بات مظهرا عاما في جميع الدول العربية .
في تونس ما تزال السلطات تمارس انتهاكا لحرية الصحافة ومازالت الرقابة على الكلمة تشكل سيفا مسلطا على رقاب الصحافيين , فكيف يمكن أن تكون الصحافة سلطة الرقابة الشعبية على مؤسسات المجتمع , وكيف يمكن للصحافة من أن تؤدي دورها في النقد ونشر الاخبار والمعلومات , وكيف لها أن تسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في ظل غياب للديمقراطية والتضييق على الصحافة , وكيف لبلد مثل تونس أن يستضيف المرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات المزمع عقده في شهر نوفمبر عام 2005 وهي مازالت على هذا الحال .
فقد أدت أساليب القمع والكبت والتهميش التي تعرض لها الصحفيون في العديد من الدول العربية إلى تفتيت إمكانياتهم وطاقاتهم الإبداعية الخلاقة , ونرى العديد منهم قد تفوق في أدائه ومنح الفرصة المناسبة في أجواء من الحرية والدعم والتشجيع , وأنا شخصيا اعرف العديد من الصحافيين والإعلاميين التوانسة الذين أبدعوا في عملهم بعد أن غادروا تونس, وبعضهم حقق انتشارا في الفضائيات العربية .
إنني أدعو إلى ضرورة تعديل التشريعات المتعلقة بحرية الصحافة في تونس , وتطوير الممارسات لتتوافق مع ضمان حرية الكلمة وحرية التعبير دون أي ضغوط او اكراه , وهذا امر اظن انه يحتاج الى مساندة شعبية نشطة وواسعة من الراي العام في تونس دفاعا عن الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الصحافة .
مروى شلبي
مغاربية مقيمة في سويسرا
#مروى_شلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟