|
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي ( 4 )
فيصل البيطار
الحوار المتمدن-العدد: 2871 - 2009 / 12 / 28 - 10:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفقه ايضا يصول ويجول في :
- الآيات الغامضه .
دون أن يستقر على موقف واحد كالعاده، الضحيه هو من يتبعهم من المسلمين، إذ يبقون في حيره من أمرهم، أي إتجاه يسلكون وأي فقه يتبعون ليكسبوا رضى الله ولا يحيدوا عن تعاليمه . في مكه، يقدم الله لنا مثلا على نعمه من الخمرة، التي أفاء ظلها على عباده حيث يقول ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) ، السكر هنا تعني الخمر والى جانبها ما تنتجه تلك الثمرات من تمر وخل وعنب وزبيب وهو الرزق الحسن، وآخر آيه نزلت في الخمر تلك التي تقول ( ... إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ... )، أهل السنه يعتبرون هذه الآيه قد نسخت ما قبلها من آيات الخمر وهي التي وضعت حدا لشربها وحرّمته، لكن للتاريخ رأي مغاير تماما ولا يقبل بهذا التفسير، فبعد نزول هذه الآيه، ظلت الناس على عهدها في شرب الخمر، إن في زمن محمد أو في زمن خليفته الأول، وحتى شطر من خلافة إبن الخطاب، عمر هذا تميز عن باقي الصحابه بإمتلاكه فهما خاصا للمحمديات القرآنيه والحكواتيه، كان له تميزه في صلح الحديبيه ثم في توزيع الغنائم وفي المؤلفه قلوبهم وقطع يد السارق وصلاة التراويح وغيرها، وها هو يقدم هنا في قضية الخمرة فهما جديدا محكوما بنزواته لا بالنص القرآني ولا بأحاديث نبيه وبعد أن استشرى شربها ليس في أنحاء عاصمته فقط، بل وفي كافة أرجاء دولته، ما اجبر بعض من اصحابه واللاحقين من الفقهاء للهروله خلفه وهو الذي كاد أن يكون نبيا على حد زعمهم لو أن وحي الله لم ينزل على محمد، وهو الذي جاءت بعض الآيات مصداقا لأقواله المعارضه لمحمد، معتبرين الخمرة محرما دينيا بينما لم تكن كذلك حتى ذلك الحين، اراد عمر ان يمنع الخمره ويضع حدا ( عقوبه ) لها ليتماشى هذا المنع مع صبغه دينيه من وحيه، كانت فتوى إبن أبي طالب جاهزه وكانت الحل الأمثل له : الذي يشرب الخمره يفتري، وحد الإفتراء ثمانون جلده . بدأ بإبنه فقتله تحت الجلد، السؤال هنا : ماذا لو شرب المرء خمرته ولم يفتري على أحد، مقفلا باب داره عليه، لا يلقي أحد من الناس، أو شربها في منتجع وحيد مع صاحبته يلهوان ثم ينامان ويصحيان دون إفتراء .... ؟ ولكن ما إن انقضى زمن عمر بمؤامرة وجهاء المدينه وكبار الصحابه على قتله، حتى عادت حليمه لعادتها القديمه . جمع من الصحابه كانوا يقولون بحلية الخمر ورفضوا تحريمها، مثلا : عمرو بن معد كرب الأمير الشاعر الفارس محتجا بآية ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) وعثمان بن مظعون الرجل العاقل وعلى رواية، كان هو ايضا يحتج بنفس الآية للدلالة على حليتها . لكن أهم ما في الأمر أن صاحب الرساله نفسه كان مغرما بها، عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله ( من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسرا فردا ) أي لايخلط الأشربه ... ما يعملش كوكتيل ، .. أورده مسلم، وعن إبن عباس : ( جاءنا رسول الله ورديفه أسامه فسقيناه من هذا النبيذ ... فشرب منه وقال أحسنتم، هكذا فاصنعوا ) .. مسند أحمد، أما تلك التي أوصى محمد أتباعه بأن يأخذوا نصف دينهم عنها .. عائشه قالت : ( كنت إذا اشتد نبيذ النبي جعلت فيه زبيبا يلتقط حموضته ) أورده البيهقي في سننه، والأحاديث تترى في حلية الخمر وشرب محمد للنبيذ، التابعي الجليل وأمام التفسير الضحاك بن مزاحم كان يبيح شرب النبيذ،وكذا الفقيه التابعي إبراهيم النخعي . وفي المعاجم وبالإستدلال من أقوال الصحابه أن النبيذ مسكر .
شذ الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان عن باقي الفقهاء في مسألة الخمر، الإجتناب عنده لا يعني التحريم، على باب مسجد في الكوفه رأى وسمع رجلا يدلل على خمرته بالصياح : من يشتري مني زق الخمرة على مذهب أبي حنيفه بدرهمين، إحتج بائع الخمره بتحليلها بعد أن نهره أبو حنيفه، كان جواب الفقيه : وهل يحل لك مضاجعة زوجتك على باب المسجد ؟ أبو حنيفة نفسه كان يصنع الخمرة ويبيعها قبل أن يتحول الى فقيه . نص الإجتناب خاص بالفرد وهو لا يعني التحريم الجماعي وهل يعجز الله على أن يحرم الخمر بنص صريح كما حرم بنص صريح زواج المحارم والميتتة والدم ولحم الخنزير وزواج المسلمه من غير المسلم ... الخ؟ التحريم يكون بنص واضح الدلاله كما سلف أو التحريم ضمنا بإقترانه بعقوبة الحد كما مع الزنا والسرقه مثلا، وهو الأمر الذي لا ينطبق على آية إجتناب الخمر .
الإمام مالك الذي ولد وعاش في الحجاز كان معاصرا لأبي حنيفه، وصلته فتاوى الأخير في الخمر، فقال في تحريمها ما لم يقله أحد من الناس قبله وصارت أقواله فيها مضربا للمثل، لكنه كان يبيح السماع ( الغناء) ، البعض قال أن تحليله للغناء جاء متأثرا برواج الغناء وكثرة المغنيين والمغنيات في المدينه وإبداعهم في هذا الفن ، وأن تحليل أبو حنيفه للخمرة وهو الذي ولد وعاش في العراق، قد تأثر بدوره بشيوع شربها عند العراقيين من قبل الإحتلال الإسلامي للعراق وإستمراره لما بعده ( هل تأتي الفتاوى الدينيه متوافقه مع عادات الناس في البلدان المختلفه ؟ ) ، والحصيله أن الناس كانت تشرب وتسمع، قائلين : نحن نشرب على مذهب أبي حنيفه ونسمع على مذهب مالك . ومن هذا التزاوج بين الفقهين السنيين نشأ فقه جديد روج له وعاظ السلاطين من المعممين أصحاب اللحى المحنّاه، شرب خلفاء المسلمين انواع الخمور واستمتعوا بإداء المطربات ورقص الجواري من كل جنس ولون، وكانت إذا ما حضرت الصلاه، ينهض خليفة الإسلام من مجلس سكره لغير ثوبه التزاما بالفتوى ثم يتوضأ ويصلي ويعود ثانية الي مجلس لهوه، هؤلاء الذين تجب طاعتهم بكل شيئ، شذ عنهم عمر بن عبد العزيز إبان خلافته القصيره ولم يشذ عنهم الناصر صلاح الدين الأيوبي، المدمن حتى نخاع عظمه، ولقد عرفت شخصيا بعض المتدينين من الحنفيه، من الذين حجوا بيت الله الحرام ولا يقطعون فرضا ولا سُنه يشربون الخمرة بأنواعها الجديده المصنعه في اسكتلندا وهولندا، ومنهم بعض الشيوخ المعممين ولا من حرج ديني .
في الخمر قولان، ما بين محلل ومحرم، البعض من المسلمين يشربونها على مذهب أبي حنيقه والبعض يتركها على مذاهب أخرى، حال الفقه الإسلامي هكذا دائما في الكبائر والصغائر .
من الآيات الغامضه في القرآن ايضا، تلك التي تتعلق بالخلود في الجنة والنار، هل من خلود مع نعيم انهار الخمر في الجنه، بين أحضان الغلمان والغانيات، وخلود العذاب في النار ..... أم أن ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وحيدا لا يؤنس وحشته سلسلة إنبياءه، وأحسن خلقه محمد بن عبدالله ؟
الغموض في الآيات هو أحد سمات القرآن، والتضارب في التفسير وإستخلاص الأحكام الواجبة التطبيق هو النتيجه الحتميه لهذا الغموض .
يتبع ( 5 )
#فيصل_البيطار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي (3 )
-
إيران تستعجل قدرها .
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي (2)
-
بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي (1)
-
فضاءات رحبه وأمينه في - الحوار المتمدن -
-
حديث المئذنه ....
-
أضواء على الأزهر ... غير الشريف .
-
هل جاع - محمد - ومات فقيرا ؟
-
هل قتل النبي محمد إبنه وابن عمه ؟
-
قادة صغار ومهمات جسيمه . 2من2
-
قادة صغار ومهمات جسيمه . 1من2
-
ايران وما تعدنا به من تدمير .....
-
مذكرات خليل الدليمي المهزله ... 2 من 2
-
مذكرات خليل الدليمي المهزله...1 من 2
-
وانتهت رحلة حماس ...
-
لا إتفاق فلسطيني ... فما الحل ؟
-
سوريا والتزاماتها مع دول الجوار .
-
القائمه المفتوحه ... خيار الشعب العراقي .
-
سوريا ما زالت بعيده ...
-
حماس واكذوبة المصالحه الفلسطينيه .
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|