أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الداكري علي - الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بين عهدين















المزيد.....



الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بين عهدين


الداكري علي

الحوار المتمدن-العدد: 2868 - 2009 / 12 / 25 - 01:04
المحور: حقوق الانسان
    


من الطبيعي جدا أن يعرف كائن اجتماعي متاخم للسياسي بحجم ومستوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على امتداد ثلاثة عقود من التواجد النضالي تحولات كمية ونوعية تغري بالكتابة وتستثير شهية المواكبة النقدية . وعندما نقول ذلك لا نقصد في سياق هذه الورقة أكثر من استنطاق طبيعة الحياة التنظيمية والداخلية للإطار وجعلها تبوح بالمستور من جهة , ومن جهة أخرى قياس مدى انعكاس ذلك على موقع الجمعية ونشاطاتها والصورة التي يكونها المتتبعون عنها. علما أن مجرد تجاوز المراحل السابقة _ مرحلة العراقيل والمضايقات والقمع_ واستمرار الجمعية يعد نجاحا حسب
شهادة الأستاذ عبد القادر العلمي رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان .




وبالرجوع إلى مقررات الجمعية وشهادات بعض المناضلين وبعض شذرات من التجربة الذاتية المتواضعة نجد أن الجمعية عاشت إلى حدود نهاية القرن الماضي فترة يجمع الكثير من المتتبعين على أنها فترة المجد بامتياز في سياق مرحلة ذات ملامح متناقضة : فمن ناحية كانت البلاد على موعد مع مد مخزني وقمعي سافر بلغ حد منع الجمعية من عقد مؤتمرها الوطني الثاني واعتقال العشرات من قيادييها ومحاكمتهم سنة 1984/1983. ومن ناحية ثانية عاشت الجمعية حياة داخلية منذ أواخر الثمانينيات مطبوعة بالتساكن والتعايش بين أكثر من مكون في ظل هيمنة نسبية لمناضلي يسار الإتحاد
الإشتراكي الذين سيعرفون لاحقا بحزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي . وقد اتخذ هذا التعايش منذئذ شكل التوافق في كل شيء تقريبا . علما أن التوافق كصيغة تدبيرية هو في جوهره إجراء أو ترتيب سياسي يقتضي ضمن أشياء أخرى توفر إرادة سياسية لهذه المكونات على اختيار هذا الأسلوب دون غيره لكونه يسمح أولا بتمثيلية نسبية لكل الأطراف مهما كان حجمها التنظيمي، ولأنه – وهذا هو الأهم- ينطوي على إشارة حسن نية من قبل الطرف المهيمن من خلال تنازله طواعية واقتناعا عن إكسير النزوع الهيمني الفظ . وقد حصل ذلك في ظروف وطنية بالغة التعقيد سياسيا من شأنها أن تغري أي تيار مهيمن في أي حقل من حقول العمل الجماهيري باستعراض قوته إزاء السلطة السياسية غير أن النضج انتصر على العاطفة لدرجة وجدنا معها هذا التيار السياسي ومن أعلى الهرم القيادي يصرح غير ما مرة بعدم تبعية الجمعية له ولم تكن هذه الخرجات السياسو- إعلامية من باب التكتيك والمناورة بقدر ما كانت تترجم سلوكا واقعيا مضمونه تدبير جمعوي مستقل بمنهجية تشاركية. فلم نسمع عن إقصاء ممنهج ضد تيار معين أو تهديد آخر بتفجير المؤتمر أو الانسحاب منه . ومن استدعاءات هذه المنهجية استقرار العمل بلجنة الترشيحات إلى حدود المؤتمر الوطني السابع حيث ظلت علاقة المكونات السياسية مستتبة على قاعدة محاصصة منصفة نسبيا مستندة إلى حد أدنى من التوافق فيما يخص تدبير الاختلاف إن على صعيد القضايا الفكرية أو التنظيمية .






بمقتضى هذاالمناخ المستقر وتأسيسا عليه وجدت الجمعية نفسها أمام متطلب بناء عناصر الكينونة والهوية فطورت وجددت المرتكزات من مباديء وأهداف وقوانين. وظهرت لأول مرة دلائل العمل لصالح المنخرطين والمناضلين. وشرع في التكوين المنظم عبر الجامعات الفصلية- الموضوعاتية وإنجاز التقارير السنوية مع ما يستتبع ذلك من احترام المواعيد التنظيمية أفقيا وعموديا .




وبروح بطولية جماعية تم التأسيس النضالي والتأصيل القانوني للوقفة الاحتجاجية . وقد لعب مناضلو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي عامة وقطاع المحاماة خاصة دورا هاما في تحصيل وتحصين المكتسبات فكانوا في مقدمة المضحين والمتطوعين للدفاع عن المعتقلين أيا كانت مشاربهم السياسية والفكرية وذلك سواء بصفتهم المهنية أو الحقوقية أو الحزبية . وفي ذات الفترة أصبحت الجمعية أكثر جرأة في طرح القضايا وكانت في ذلك مبادرة كنشر لائحة الجلادين والمسئولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمغرب ما بعد الاستقلال السياسي الموسوم بسنوات الجمر والرصاص.





وفي خضم هذه الصحوة التي استنهضت الهمم وحركت المياه الحقوقية الراكدة بدأت الجمعية تقطف بعض الثمار من قبيل انضمامها كعضو فاعل للعديد من المنظمات الحقوقية العربية والإفريقية والدولية مما فرض على الدولة المغربية رغم عميق الحقد على الجمعية الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة بموجب المرسوم رقم 405.00.2الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ : 15-5-2000 .




خلاصة القول: أن الجمعية حققت على امتداد التسعينيات نتائج باهرة أو لنقل معادلة صعبة تمثلت في التوليف بين التأسيس الفكري والنضالي و الإشعاعي والتنظيمي من جهة والمحافظة على التوازنات الداخلية بين مكوناتها من جهة أخرى .ثم بين التضحيات المبذ ولة من ناحية والنتائج المحصل عليها من ناحية ثانية . كل ذلك وغيره مما لا يسع مجال التفصيل فيه، ما كان ليتم لولا تشبع الفصيل المهيمن نظرية وممارسة بالروح الوحدوية في التدبير والعمل ومن خلالها بالبعد الديمقراطي التشاركي كخيار مفكر فيه ومقتنع به بما فيه الكفاية بعيدا عن الحسابات الضيقة والاحتياط المبالغ فيه.


فما هي يا ترى ملامح المرحلة الجديدة التي بدأ ت تتبلور زمنيا مع مطلع الألفية الثالثة على كافة مناحي الفعل الحقوقي بالجمعية ؟


إن المتتبع لسيروة نمو وتطور هذا الإطار الحقوقي منذ المؤتمر الوطني السادس سيدرك أن هذه المرحلة عبرت عن ذاتها في صيغتين متناقضتين هما الاستمرار والمغايرة . ومن العلامات الفارقة لهذا التحول إحكام فصيل النهج الديمقراطي سيطرته العددية التصاعدية على الأجهزة التقريرية والتنفيذية للجمعية كما أن الملمح الداخلي الأكثر سطوعا هو انفراط عقد التوافق بين التيارات السياسية التي تخترق جسدها لينتقل الأمر من تراض وتعايش إلى نوع من التوتر والإحتراب الإعلامي والتنظيمي الذي يزداد حدة كلما اقترب موعد مؤتمر من المؤتمرات .


إن التحول المذكور لم يكن حاصل الانتقاء الطبيعي كما قد يرى البعض بقدر ما استند في وجوده إلى روزنامة من العوامل الذاتية والموضوعية المرتبطة بطرفي المعادلة السياسية الرئيسية نبسطها على النحو التالي :


* توظيف الطرف المهيمن لماكينة التجييش توظيفا متدرجا بلغ سرعته القصوى قبل، أثناء وبعد المؤتمر الثامن للجمعية أبريل 2007


* الإقصاء المنهجي وتقزيم حضور بقية الأطراف بدء بمكاتب الفروع مرورا بالمكاتب الجهوية وانتهاء باللجنة الإدارية والمكتب المركزي كنتيجة حتمية للعامل السابق.


* ارتكاز العاملين السالفين بدورهما إلى العامل الجوهري المتمثل في وجود إرادة سياسية أي ضوء أخضر من أعلى لبسط الهيمنة والاستفراد تحت تأثير الوقع الساحر الذي خلفه الحصول على المشروعية القانونية بعد طول تهميش وحصار والرغبة الجامحة بالتالي في الظهور بمظهر المخاطب الأساسي باسم العائلة اليسارية الراديكالية في العلاقة بالسلطة السياسية بالبلد .


* مراوحة وضع الأطراف الأخرى بين التشرذ م والاختلاف في ترتيب الأولويات بالنسبة للبعض، وبين الخروج العسير من فترة المقاطعة، والدخول في مرحلة تأمل نقدي استشرافي بالنسبة للبعض الآخر. مع ما رافق ذلك بالطبع من تراخ وانتظارية قبل تدشين الاقتراب الملموس من تيارات اليسار المعتدل الذي قام طوال هذه الفترة بمراجعات جريئة وشجاعة للكثير من اليقينيا ت السبعينية في اتجاه واقعية بنفحة اشتراكية .




* استثمار فصيل النهج الديمقراطي لتموقعه الجديد كمسوق لفكر المقاطعة بعدما هجره حزب الطليعة وتأثير ذلك على إنتعاش الإنخراط والإستقطاب بصفوفه.


كل هذه العوامل والاعتبارات مجتمعة مهدت السبيل ليس فقط لالتقاط اللحظة المواتية هنا والآن- أكثر من أي وقت مضى- للانقضاض على الجمعية بل لذلك وأيضا لممارسة نوع من الانتقام التأديبي في حق حليف الأمس عقابا له على تغيير اتجاه تحالفاته السياسية على النحو المشار إليه أعلاه .الأمر الذي يفسر المضي بمنطق الإقصاء إلى أبعد حدود اللارجعة ومأسسته عبر احتضان ما يسمى بالاقتراع السري بديلا عن لجنة الترشيحات غداة المؤتمر الوطني الثامن الذي كرس رفاق عبد الحميد أمين معطى ولاعبا أساسيا بالجمعية.


ولما كانت السلطة – حتى الإعتبارية منها – مولدة بالضرورة لغريزة حب دوام النعم الفائضة عنها فإن الرفاق لم يقفوا عند هذا الحد من محاولات تثبيت الأمر الواقع ، بل تعدوه إلى تفصيل القوانين الداخلية على مقاس ما يوافق الطموح إياه : فصار الراغب في الانتماء إلى الجمعية لا يحتاج أكثر من تزكية أي منخرط حتى وإن سبقه للإ نخراط بيوم واحد رغم الإنزلاقات السلبية المحتملة لهذا الإجراء . وأصبح بإمكان الأجانب وفق آخر تعديل/ اجتهاد أن ينخرطوا بالجمعية تحت إشراف المكتب المركزي رغم أن الإطار اسمه" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" وبات ممكنا تشكيل"مجموعة دعم الجمعية" بأي منطقة يرى الجهاز التنفيذي ضرورة لإحداثها . وباتت الباشوية إطارا جغرافيا وإداريا مرجعيا لتأسيس اللجان التحضيرية وبعدها مكاتب الفروع عوض الدائرة القضائية وتم نحت صيغة لاحتضان ما يعرف بأصدقاء الجمعية. وخصص ملتقى وطني للطلبة المنخرطين...... وفي قلب جميع هذه التنويعات التنظيمية وغيرها توجد لمسات استقطابية حزبوقراطية غالبة تأويلا وممارسة على كونها استجابة موضوعية لمتطلب إنعاش البعد الجماهيري للجمعية مع تسجيل تضخم واضح في حضور المكتب المركزي على حساب بقية الأجهزة لاسيما المكاتب الجهوية التي لا تعدو كونها في الوقت الراهن قناطر تنظيمية لازمة للمرور من المحلي إلى الوطني.


أما على المستوى العملي والإشعاعي أي على مستوى التراكمات الفكرية والميدانية فالأمانة تقتضي أن نسجل منذ البداية أنه المجال الذي تحققت فيه الاستمرارية مع بعض التميز في هذه النقطة أو تلك على اعتبار أن معظم المرتكزات الكبرى للاشتغال كان قد شرع فيها على عهد تجربة عبد الرحمان بن عمرو . وهنا لابد من الإشارة إلى التطور اللافت في عددا لفروع الذي ناهز التسعين( 90 ) وبلوغ المنخرطين عتبة العشرة آلاف( 10000) حسب الإحصائيات والتصريحات الرسمية للجمعية ، إلى جانب البروز الواضح للتحرك الميداني عبر الوقفات الإحتجاجية


بالإضافة إلى تحمل الجمعية مسؤولية المتابعة النقدية لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة كما لعبت دورا تأطيريا في خلق وتنشيط تنسيقيات مناهضة الغلاء وتردي الخدمات الاجتماعية وحافظت على استقلالية أوضح في العلاقة مع السلطة عموما والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بخاصة وتم اجتراح آليات تنظيمية وقانونية لتوطين الكوطا النسائية والشبيبية وجرى تكريس المخيمات والملتقيات الوطنية الفئوية ......إلخ.


هذه الأوراش إذن بشقيها التنظيمي والعملي منها ما تم إبداعه كما قلت ومنها ما تم الاكتفاء بتطويره وتشذيبه بما يتوافق والتحولات الداخلية وتغيرات المحيط العام .وحتى تكتمل الصورة وتتضح أكثر نرى من المفيد إسقاط شيء من التقييم على التجربة في شكل ملاحظات واستنتاجات مركزة:


* إن الميسم الملازم لعناصر هذه التجربة هو الكم حتى وإن اتخذت في بعض التفاصيل شكل النوع ( عدد الفروع – عدد المنخرطين – الفئات ) على أن هذا التوجه لا يعدم ما يبرره من منظور مرامي وأهداف ما يمكن نعته بجمهرة الجمعية( من الجماهيرية) من قبل الفصيل المهيمن .


* استنزاف مفرط لأسلوب الوقفة الاحتجاجية جراء استدعائه محليا جهويا ووطنيا، بصيغة المفرد أو الجمع (التنسيق) للاحتفاء أو الاحتجاج ، في مناسبات وطنية أو دولية لدرجة الاستهلاك والتمييع أحيانا مما يتطلب إجراء مراجعات تقييمية حول حدود وممكنات توظيف هذا الشكل النضالي في المستقبل .


* إن معظم ما ذكر إنما تم تنزيله بطرق وأساليب لم تكن في معظمها محل توافق أو إجماع كافة الأطراف العاملة مما أفقد بعض المنجزات على أهميتها صفة الأشياء المرضي عنها مادامت مررت بوحي من عقلية الهيمنة والإستقواء العددي وهنا تصبح المحاججة بعدم معارضة الأقلية بالصيغ التقنية المعتادة غير ذي جدوى ومصداقية أمام الطابع الحاسم للتصويت بديلا عن الحوار المنفتح و الهادئء .


* سقوط الجمعية في تناقض صارخ يتجاور فيه بشكل غير مفهوم سعي خارجي حثيث لتنمية العضوية وتفعيل قوي لمبدأ الجماهيرية من جهة ،ومن جهة أخرى اشتغال دؤوب لتقزيم حضور الأطراف المشكلة للأقلية بشتى أساليب التهميش والإقصاء مما يقوي الانطباع بأن هذا الطرف ماض في سياسة الإستفراد راكبا صهوة الغرور غير مبال بمصلحة الجمعية التي تماهت مع مصلحة الأداة الحزبية .


* الانقلاب على كثير من المميزات الإيجابية للمرحلة السابقة من توافق وتدبير ديمقراطي للاختلاف ولو في حدوده الدنيا تحت ضغط تلك الأنا الحزبية ذاتها و التي لم تكن إلا لترسم القطيعة بين المكونين وتمحو المسافة الفاصلة بين الرئيسي والثانوي من الاختلاف لا التناقض .


* تقلص هامش استقلالية الإطار مقابل إلحاقية متنامية طردا مع تقوي نفوذ التيار المهيمن وقد تجلى ذلك في ظهور نوع من التحيز لصالح الفروع التي تحسب على هذا الفصيل والتغطية الإعلامية لأنشطتها ومستوى المؤازرة لضحاياها ناهيك عن بعض المواقف والتصريحات المنفلتة بهذه الدرجة أو تلك من عقال الحقوقي.


* تواري عدد لا بأس به من المناضلين النوعيين عن الأنظار بالجمعية احتجاجا على ما آلت إليه أوضاع الجمعية من ممارسات إقصائية تزامنت و بدء الحديث بداخلها عن" الإنسان غير المناسب في المكان غير المناسب" مما أدى إلى تقلص في عدد القوى الفكرية المنتجة وتلك في نظري خسارة كبرى من الصعب معالجتها بقرار إداري وإرادي في آن.

وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه مناضلو ومناضلات الجمعية ومعهم عموم المتتبعين أن يبادر هذا الطرف إلى توفير مقدمات مناخ سيكولوجي موات لإنجاح المؤتمر المقبل عبر إشارات واضحة أو مشفرة في هذا الاتجاه،اختارت القيادة الحالية أو لنقل على وجه الدقة بعض الأسماء المحسوبة عليها السير في الاتجاه المعاكس لمنطق الوحدة والمصلحة العليا للإطار من خلال إطلاق العنان لتصريحات مستفزة تسعى إلى إطلاق رصاصة الرحمة على أي محاولة لإذابة الجليد بين الطرفين كما يتضح من خلال مضمون الاستجواب الذي نشرته " التضامن" مع الرفيق عبد السلام العسال في عدد 144/2009 على أساس أن مثل هذا التقارب في حال حصوله سوف يكون على حساب مواقعها الحالية إذا جاز اعتبارها أسماء خارج العيار الثقيل من الدائرة القيادية الضيقة للفصيل المذكور.


..إن هذا التصريح- وهذا ينبغي أن نقوله جهارا نهارا– تنتفي عنه صفة كونه رأيا شخصيا حرا ولاهـو حتى من قبيل الموقف المعزول بقدر ما يدخل في إطار مخطط مدروس ومبرمج قوامه كيفية تدبير هذه الفترة التي تفصلنا عن المؤتمر( حوالي 3أشهر ) والتي يختبر فيها الرفاق سرعتهم النهائية على طريقة أبطال المسافات الطويلة .ومن ثم فالمواقف التي عبر عنها المستجوب _ بفتح الواو _ ستظل في نظرنا وإلى أن يصدر ما ينفيها هي عينها مواقف الفصيل المهيمن برمته.


إن خطورة هذه التصريحات تتأتى من اعتبارين أساسيين:


الأول : السياق الذي ظهرت فيه كلحظة دقيقة جدا من حياة الجمعية المتمثل في التحضير للمؤتمر الوطني الثامن للجمعية وهو ظرف حاول الرفيق العسال ومن معه أن يستثمروه مبكرا وبطريقة استباقية من أجل تخويف المنخرطين والمحايدين منهم على الخصوص من مناضلي حزب الطليعة بل وتأليبهم صراحة ضدهم من خلال سك بطاقة تقنية لهم تتأرجح بين العجز والكذب شرقا إلى الأنانية وحب الخلود في القيادة غربا وكأن هؤلاء لا يعرفون من أي طينة وعيار هم المناضلون المستهدفون بهذا الاستجواب الذي يذكرنا بما قام به أحد الصحافيين مع الجمعية في برنامج"حـــــــوار" .


الثاني : استغلال جريدة التضامن ركحا لاستعراض هذه الشطحات البهلوانية وهو أمر مؤلم للغاية لأن هذا المنبر الإعلامي هو أولا وقبل كل شيء منبر حقوقي شكلا ومضمونا وهو ثانيا منبر لكل مناضلي ومناضلات الجمعية من الديمقراطيين والتقدميين وهو ثالثــــا منبرساهم في ميلاده وتطويره وتنشيطه أذكى وأ نبل مناضلي هذا التيار أيام كان الرفيق العسال مايزال يحبو في أبجديات العمــل السياسي والحقوقي، لتتاح له اليوم فرصة استغلاله ببشاعة كي يفجر كل هذاا لبركان من الحقد والكراهية تجاه نشطاء حقوقيين له معهم بقوة الواقع والبداهة من القواسم المشتركة ما يفوق نقاط الإختلاف بكثير كاشفا بذلك من حيث يدري أو لا يدري عن الطابع الميكروسكوبي لخلاياه الديمقراطية .


وحتى لو سايرنا الرفيق وافترضنا جدلا أن ثمة ممارسات متحفظ عليها من قبل مناضلي هذا التيار ، وأن بعضهم خانه أدبه و راح يتهجم على بعض الرموز القيادية لفصيله على الأنترنيت كما ذكر ، فإن هذا ليس مبررا يبعث من خلاله فإن هذا ليس مبررا لبعث أنفاس حرب داحس والغبراء مادام الأمر في الأول والآخر مجرد اختلاف فلا موقعه كعضو المكتب المركزي – بهذه الصفة تم تقديمه- ولا قيم ومباديء حقوق الإنسان نفسها ، ولا الآداب العامة المستهجنة للمز والشماتة والغيبـة تسمـح للرفــيق بمثل هذه التصريحات الجريئة حد الوقاحة والتي جمعت كل مناضلي هذا التوجه في سلة واحدة في تعميم مستنكر، دون أدنى اعتبار للبعض منهم على الأقل وكأنه مصر على أن يرسخ في الأذهان أن هؤلاء مخلوقات شيطانية وسط غـفـير من الملائكة . وإني لأعبر عن عميق اندهاشي من قدرة الرفيق على الاجتماع وجها لوجه مع ممثلي هؤلاء في حظيرة اللجنة الإدارية والمكتب المركزي من جديد !!!!!


وفي سياق متصل تحدث الرفيق عن" الريع السياسي " رابطا إياه بميل هؤلاء للمحافظة على المواقع السابقة بالجمعية دون مقابل من الجهد والعمل ، معرجا على أن العمل وسط الجمعية أصبح مكلفا من الناحية المادية والمعنوية (هكذا!).


وهو كلام أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كلام مقاهي لا يتوفر على أدنى مقومات الخطاب المسئول فبالأحرى الناضج إذ يعلم خصوم هؤلاء المناضلين قبل أصدقائهم أنهم ليسوا من هواة الخلود في قيادة الإطارات الجماهيرية بل يكفيهم فخرا أنهم كانوا وراء تأسيس أنقاها وأكثرها يسارية كالكونفدرالية الديمقراطيــة للشغل والرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لتربية الشبيبة ...دون أن يبقوا على عروشها انطلاقا من وعيهم العميق بأنها ملك ومكسب للشعب المغربي ولنا في تجربة عبد الرحمان بن عمرو واحترامه المحترم لولايتين رئاسيتين بالجمعية خير مثال على ما نقول. أما قمة السخافة فـتكمن في الجهر بتكاليف العمل وسط الجمعية اليوم ظنا من الرفيق أنه يقدم كشفا تنظيريا جديدا والحال أن الأمر يتعلق ببداهة شبعت شيخوخة وحسبي أن أقول في أمانة وتواضع أن المناضلين الطليعيين يمثلون مدرسة يحتذى بها في مجال التضحية بمعناها الشمولي الواسع وعنهم يمكن أن يسأ ل- وهو العارف المتجاهل- الوقفات والمعتقلات والمحاكم وتاريخ الجمعية القريب .



ويخيل إلي عندما أسمع مثل هذا الكلام أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم تولد إلا عندما أصبح الرفيق العسال عضوا بمكتبها المركزي حيث بات يتمتع بقدرات سوبيرمانية على التضحية والنضال مما لا يضاهيه فيها أحد من رفاق عمار والصبار وغيرهما .


تحدث الرفيق كذلك عن التدبير الديمقراطي للاختلاف وعن الاقتراع السري وبذل جهدا مضنيا لإقناع القاريء بأن الجمعية قطعت أشواطا في حسم القضايا الخلافية وبالتالي لم يعد هناك إلا ما هو متفق عليه وهو كلام لم يتعب العسال من ترديده على المسامع في كل المحطات مثلما يردد عاشق ولهان مقطعا موسيقيا رومانسيا. ولذلك فإن هذا اللغط والهرج والمرج لا مبرر موضوعيا له في نظره إلا ما كان من رغبة في ممارسة الابتزاز السياسي وتحسين المواقع معتبرا التصويت السري مكسبا ديمقراطيا لا رجعة فيه وهو يعترف أن تكريسه في المؤتمر الوطني الثامن تم باقتراح وإصرار من قبل مناضلي الطليعة رغم علمهم المسبق وفقا للمعطيات المتوفر حينئذ أنه في غير صالحهم، وهو ما تأكد بالفعل عند انتخاب الأجهزة القيادية وهنا يتضح أمران اثنان : الأول استماتة رفاق الطليعة في الدفاع عن الصيغ التنظيمية الأكثر ديمقراطية حتى وهم أقلية أي حتى وإن كا ن ذلك في غير صالحهم وهذا مظهر من مظاهر القوة الإقتراحية والحرص على مصلحة الإطار حقيقة لا إدعاء .الثاني عزم التيار المهيمن على التمسك بهذه الصيغة وإعمالها خلال المؤتمر المقبل كما تبين من تصريحات العسال والكيناني وغيرهما ليس لأنها الأكثر ديمقراطية بل لأنها في نظرهم الصيغة القادرة – قياسا على ما وقع بالمؤتمر السابق- على فرز الحجم الحقيقي لكل مكون ؟! والمحافظة على ما أسميه هذه المرة "بالريع المادي والرمزي " المراكم. ناهيك عن اللهجة التي تحدث بها الرفيق والتي تنم عن إحساس مضاعف بالغرور الناتج عن الاطمئنان إلى واقع التفوق العددي المريح على طريقة محفوظة بوكماخ الشهيرة " سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر / فاعصفي يا رياح .... "


الأمر الذي دفعه بالتبعية إلى التقليل من أهمية أي محاولة لنسف المؤتمر واستهجان منطق المقاطعة بدعوى أنه نوع من سياسة المقعد الفارغ التي تخدم من يشغله. وليسمح لي الرفيق بالتوقف قليلا هنا لأسائله بصراحة : كيف يستهجن الرفيق موقف المقاطعة داخل الجمعية ويمارسه كفصيل في الشأن السياسي ( انتخابات- دستور ) لأن الصيغة التي عبر بها عن الموقف تقترب من القناعة المبدئية منه إلى التناول التكتيكي المحدد في المكان والزمان ( الجمعية – المؤتمر) الأمر الذي يسمح لنا على سبيل السجال الفكري فقط بمساءلته ثانية : أليست مقاطعة الانتخابات تجسيد ملموس للمقعد الفارغ الذي تقتضي المسؤولية التاريخية انتزاعه من أيدي لوبيات الفساد والنهب ومخزنة المؤسسات.


وبعد فهل من الضروري أن نذكر الرفيق العسال :


@ أن مناضلي الطليعة يحترمون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على قدم المساواة مع غيرهم أو أكثر وإلا لما صمدوا أمام مختلف المحن والعراقيل المخزنية وغير المخزنية منذ التأسيس القانوني والعملي إلى اليوم ..


@ أن أوضاع الجمعية الداخلية ليست على الصورة الوردية التي حاول جاهدا إقناعنا بها. وأنه إذا لم يعد هناك كثير من القضايا الخلافية فإنه بحكم موقعه على دراية دقيقة بما يثير التحفظات لدى بقية الأطراف والتي يتمحور أغلبها حول الجانب الإجرائي من أشكال التصريف والتصرف.


@ أن طوق النجاة الوحيد الذي ظل يحفظ حياة الجمعية بعيدا عن مرامي ومقاصد أعدائها هو تعايش مكوناتها على قاعدة التوافق والتراضي ومستلزماتهما. وبالتالي فوحدة الجمعية ليست أرخص على من يحبها لدرجة الاستهتار والاستخفاف بما قد يحدث في المؤتمر المقبل من ردود أفعال حادة تجاه ماكينة الإقصاء التي يتغاضى عنها الرفيق أو بالأحرى يعتبرها من مسلمات المرحلة التنظيمية الراهنة التي يتعين القبول بها طوعا أو كرها .


@ أن مناضلي التيار المهجوم عليهم ليسوا على مستوى واحد من السلوك والقيم بل فيهم ما في سائر البشر من عيوب وأخطاء لكن في غالبيتهم تجد الوفاء للمبادئ والكرم النضالي مقرونا بدماثة الأخلاق والتضحية بلا حدود .


@ إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أصبحت سمعتها وصورتها تتعرض للمساء لة على ضوء الكثير من الممارسات والمواقف الأمر الذي قد يؤثر على مصداقيتها والمنحى التصاعدي لتطورها.


من كل ما سلف نخلص إلى إن الرفيق العسال لم يكن بالنموذج المناسب لتسويق وجهة نظر أنصار الطرف المهيمن على الجمعية في مثل هذه الظرفية الحساسة من تاريخها. فسواء صح أم لم يصح أمر المخطط المبرمج لهذه الإطلالة الشرسة والتي نلقي شأن نفيها أو تأكيدها على عاتق الأيام والأعداد القادمة من الجريدة فإن ما نستطيع الجزم به يقينا أن الرفيق أخفق في كل شيء:
في التوقيت والهدف والأسلوب. ومن حسن الحظ أن الجريدة لا يقرأها كثير من المغاربة لأن الرفيق لم يسوق فكرة أو موقفا بقدر ما سوق صورة مهزوزة لمستوى المناضل الحقوقي القيادي بالجمعية اليوم ، غير أن من أحسن حظنا كذلك أن ليس كل مناضليها- حتى بعض رفاق الرفيق- على هذا الطراز إعمالا لمبدئي النسبية والأمانة




إمضاء : الداكري علي



#الداكري_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...
- محمد المناعي: اليوم العالمي للإعاقة فرصة لتعزيز حقوق ذوي الا ...
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام 3 مصريين وتكشف عن أسمائهم وما ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الداكري علي - الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بين عهدين