حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 871 - 2004 / 6 / 21 - 08:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بعدما صارت إجابات الأهل ثم الأساتذة غير مقنعة,توجهت صوب الكتب. خلال فترة المراهقة والشباب الأول بحثت عن كتاب المعرفة,طويلا وبلا جدوى.بعد سنين لدى قراءتي كتاب الرمل لبورخيس, أدركت أن بحثي لم يكن مجرد حركة صبيانية, والآن أعيد قراءة "الإنسان يبحث عن المعنى لفرا نكل" يمكنني الزعم مع الحد الأدنى من الادعاء: أنني بلا أعداء, من جانبي على الأقل. موقف المعارض للأب وكافة رموزه غير مستقر, إما ينكص إلى الخبرات السابقة وما يتخللها من الامتثالية أو يرتقي إلى المصالحة ورؤية جانبي الوجود, الألم والفرح. صار أبوي عجائز, وتجاوزت منتصف العمر,لا ارغب بتكرار ما رفضته ضمنا وصراحة من ممارساتهما في علاقتي بالأجيال اللاحقة, وبنفس الوقت أحاول معالجة سوء الفهم حسب خبراتي الجديدة. بالتزامن حصل نفس الشيء في علاقتي بالسلطة, أدرك خطورة التطرف في الموقف المعارض, كما أرفض الاستبداد من قبل أصحاب القرار,كونه يحرم الفرد من إبداعيته الخاصة. القيم والآراء الشخصية يشكلان الحماية الأخيرة لاحترام الذات,وهما بنفس الوقت ضريبة الحرية الداخلية التي تمنح الوجود البشري معناه العميق. لعودة الروح إلى أجزاء الشخصية المفككة,لا بد من المصالحة والسلام,مرة يصار إلى إنكار العناصر والتفصيلات فنسقط في التعميم, وأخرى ترفض الحالة الكلية فينخفض الوجود إلى إجراءات يومية مكررة وتفتقد البهجة. تبخيس الذات في إهمال المستوى المباشر للعيش والذي هو دائما حلقة الوصل الأساسية في الوجود المكتمل للأنا والآخر.يكون الآخر مكونا أساسيا للأنا,ليس بعدا ولا جزءا,كما أنه ليس الهدف والغاية.
الوجود المؤقت مشكلة معرفية, ومشكلة شخصية لمن لا يتصورون ذلك,الموجود الملقى في العالم_انتظار الموت_العدم,كلمات تعكس خبرات الداخل المبهمة فقط. الكلام يقارب المعنى بالضبط, هو باب يصلح للدخول كما يصلح للخروج, وتلك مشكلة الأدب والفكر في المستوى العمومي, إذ تنفصل الخبرات عن القيم وينفصل الفكر والكلام عن التجارب والخبرات, وتتولد معاناة من نوع آخر, إهمال الفرح كقيمة أولى وأساسية في الوجود.
الفرح منبع الطاقة النفسية ,في نقصانه نلامس الخطر, وفي غيابه تتحقق الكارثة. يغيب الفرح في الحالات القصوى,في المرض الصريح,حتى الأفعال البيولوجية والغريزية تكف عن تغذية الحياة النفسية للفرد,التي تضمر بدورها في عملية نكوص, تترك هذا الموجود البائس فريسة للاغتراب العقلي والاجتماعي. الفرح يتحقق في الامتلاء العاطفي,في العشق والفن, عدا ذلك صراع يستهلك الطاقة الفردية المحدودة,مع غياب مصادر التعويض.
أصلب على عادة
ربما تكن هي نفسها قد نسيتها
هكذا بمجانية
لا أعرف ما الذي يحدث
أمامي |ورائي. فوقي|تحتي. بيتي|ذاكرتي
أحيانا أتحسس الوهم
وأحيانا أتلاشى
ذاتي أتيقن
أني غير موجود
قبو ل المعاناة بمستوياتها المختلفة واعتبارها إحدى معطيات الحياة الدائمة.
العمل على إيجاد معنى للمعاناة ,من خلال تحويلها إلى خبرات شخصية من جهة, وعرضها كأحداث سياسية واجتماعية وثقافية,قد تكون جزءا من المشهد الثقافي, وبالتالي حصانة لعدم تكرارها, أو طريقة للاستشفاء الذاتي. السلوكيات والأفكار الصبيانية,عائق دائم أمام تحويل المعاناة إلى خبرات ومعارف جديدة, هكذا قرأت فرا نكل وعدت معه إلى المربع الأول. فمن يخاطبنا نحن!!!
نحن: الفئة المنقرضة أو التي هي في طور الانقراض,في الثمانينات والتسعينات كانت متواجدة في جميع البلاد العربية (مؤسساتها المختلفة من المدرسة إلى السجن) ملا محها المشتركة إضافة للحساسية المرهفة في العقلانية والهامشية والفقر,من ملامحها البارزة كذلك عدم الإنجاب في حالة الزواج النادر بدوره,أفراد مقطوعين فعليا في هذه البلاد الكئيبة. وهنا أتحدث عن تجربتي وخبرتي كممثل فعلي لهذا الصنف الآيل للانقراض. وتجنبا لسوء الفهم الملازم لنا,الفكرة البسيطة التي أعرضها هنا: السلوك الفردي أو الاجتماعي يتعزز بالاهتمام(بعناه الواسع المعاقبة أو المكافأة),ويزول أو ينحسر بالإهمال, حتى المعاقبة هي شكل من التعزيز,تعزيز سلبي, يستمد السلوك تغذيته العكسية من خلالها, وهذا الأمر يمكن ملاحظته دوما.
هذا الصنف هو البديل الواقعي للإرهاب, جذرهما المشترك في الاكتئاب المضمر أو المقنع ومناخهما الملائم في المجتمعات المغلقة, وأنظمة الحكم الشمولية. توحدهما الحاجة الملحة والدائمة لواقع (أو محاولات خلقه) يتطابق مع المثال الذهني.
الإرهابي أو المتطرف عموما يباشر وبإصرار حتى النهاية,في النضال أو الجهاد لتغيير مجتمعه إلى الصورة التي يراها, والمنعزل يلجأ إلى الكتب والمعرفة وبإصرار لا يقل عن نقيضه, حتى يصل إلى الانفصال الكامل عن مجتمعه. كل الأيديولوجيات في العالم العربي تساهم في تصنيع النموذج الأول, ومعها وسائل الإعلام والمؤسسات المختلفة, وهي تسعى لأحد احتمالين فقط: توظيفه أو قتله, بعد وصوله للمرتبة العليا,الاستعداد التام للموت لأجل الفكرة, على العكس من نقيضه الذي أهمل تماما في هذا العقد حتى أوشك على الانقراض.
"لا يضر وقد ينفع" هذا التصور الغبي الذي يحمله الآخرون عني منذ ربع قرن. الاستثناءات نادرة بالفعل لكنها موجودة دوما.
لا أريد أن أكون سيدا أو مسودا. السادة والعبيد وجها عملة واحدة, وبنسيج واحد. وقعت في الخطأ الثاني هم يريدون تغيير العالم ونحن نريد تغيير النفس باستمرار. السعي لإحراز إعجاب الآخر عائق دائم لا ينفصل عن عزو الفشل إلى الظروف والنجاح إلى التميز والجهد الذاتي. يبدو أن الموضوعية حلم.
بشكل دوري كانت ثقتي بخيار الحياة تضعف, وقدرتي على المصالحة تزداد صعوبة. وبعد مرور وقت أدرك أن أي حدث وحتى الأشياء السيئة له أدوار مهمة وإن لم أنتبه لذلك. التبجح وتلميع الصورة من نفايات الماضي المتكررة.
العلاقة بيننا وبين التيارات السياسية المختلفة هي الإهمال المتبادل, نحن لا نكترث بالسلطات والطبقات والمراتب. نحن أفراد ولسنا جماعة. يتجنبنا الآخرون ويحافظون على مسافة بيننا ومن ينجح منا ينسب زورا إلى التيارات السياسية. نحن لا نفصل بين الفكر والممارسة, نعيش كما نفكر ونكتب بالضبط, نحن على وشك الانقراض.
لكتابتنا خصوصية دائمة, عندما تصنف الرداءة نحن خارجها وكذلك الجودة, لأن من يريد الدخول إلى عوالمنا يحتاج للصبر والنفس الطويل والجرأة قبل كل شئ.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟