أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علي شايع - لعبة التحرير















المزيد.....

لعبة التحرير


علي شايع

الحوار المتمدن-العدد: 871 - 2004 / 6 / 21 - 08:16
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


كما أكثر الهولنديين تعلقا بالرياضيات والدقة الحسابية،كتب ذات يوم سبينوزا كتابا قياما يربط عبر صفحاته بين الرياضيات والأخلاق،وجاء كتابه الهام(الاخلاق مؤيدة بالدليل الهندسي).كأسعد لحظات سبينوزا في البحث عن الحقيقة بهندسة أخلاقية احتكم اليها العالم طويلا ،ودرستها المحافل الفلسفية منذ مئات السنيين،أذكرها في هذه ا للحظة و اجد لها من الأصداء الاجتماعية مساند عدة كمقارنة سياسية في واقع هولندا هذا اليوم تحديدا، فبينما يحتفل الهولنديين بذكرى التحرير من الاحتلال النازي ،يعسكر 1200 جندي هولندي يحملون صفة المحتل في العراق.ولقراءة سبينوزا وفق هذه الرؤية التاريخية مثلما وضع هو التوراة ومصداقها في كفة البراهين والتراكمات التاريخية للإثبات والتحقق من قدسية الكتاب،سنقرأ تواجد الجند في ادعاء التحرير هذا.
ظلّ الجند سعداء طيلة أربعة اشهر من السلام والأمن لم يتعرض لهم من احد حيث يعسكرون في مدينة السماوة جنوب العراق، تجاورهم القوات الأسبانية التي كانت ذات يوم محتلة لأراضيهم المنخفضة. غير إن السلام هو أكثر من غياب الحرب كما يقول سبينوزا،وستغيب الأخلاق او توضع بموازاة الرياضيات لتفحص بالدليل الهندسي مجددا ما ان تقتل تلك القوات أحد العراقيين بعد تسعة اشهر من تواجدها على الأرض العراقية، فتكتب صحف هولندا عن انتهاكات لجنود هولنديين تعاطوا الرشوة والممنوعات في العراق، حد اشتعال البرلمان الهولندي كعادة أهل هذا البلد الآمن في نقل نقاشات البرلمان على الهواء عبر محطة التلفزة الحكومية،فكل نجاح حصيلة التشاور، هكذا تقول الحكمة الهولندية،وهكذا حصدت السياسة والاقتصاد ثمار هذا التعاطي الاجتماعي المميز في مجتمع المؤسسات والنقابات المتصل بالسلطة حد إخضاعها في كثير من الأحيان.أكثر من 25 محطة إذاعية وعشر محطات تلفزيونية ما خلا المحطات المساهمة مع دول أخرى وأكثر من 300 مطبوع يومي لبلد تعداد سكانه يكاد يكون أكثر البلدان الأوربية قربا بتعداد سكان العراق؛ 16,150,511نسمة حسب تعداد السنة الماضية. ولكن ما أقسى ان تقارن بلد مثل هولندا بالعراق الذي سقطت حكومته دون ان تعمل تعدادا رسميا للسكان، ولأكثر من عقدين، تخللتهما الحروب والهجرات والمقابر الجماعية وإبادات السجون. الأمر مختلف بالقطع في هولندا ومغاير في ذاكرة ذلك الجندي الذي صادفته على مشارف الديوانية جنوب العراق، لم يكن الوقت لحظتها كافيا لأذكره بكل هذا، غير انه سيفتقد هولندا بعمق. هناك بإمكان أي موظف حكومي الإطلاع اليومي على تعداد سكان هولندا عبر شاشة كمبيوتره اليدوي.
ذات يوم هولندي لمحت سيارة إسعاف الحيوانات! بلونها الأخضر المتميز تقف عند بوابة محل هائل في مدينتنا الصغيرة يبيع الحيوانات المنزلية والطيور،ادخل هذا المحل صحبة أطفال تملئهم الدهشة لرؤيا عجائب حوض الأسماك والحيوانات بألوانها الغريبة،كان المسعف يحمل نعشا صغيرا مدد فيه احد الطيور النافقة،وأعطى البائع أورقا لشهادة الوفاة من اجل ان يسقط رقم هذا الطائر. بألم سأقول: أين هذا ومأزق الحكومة العراقية في معرفة عدد السيارات في البلد،هذا ما لا يدور في خلد الجندي الهولندي و هو يرى مدينتي تحتفظ الى الآن بسيارات الفولكا الروسية المتهالكة التي وصلت البلد قبل أكثر من ثلاثين عاما،وسيستنكر- مثلما نشرت الصحف هنا- زحام الطرق العراقية ليس الإ ،ولسوف ادرك حرصه الوطني وهو يتعقب سيارة مستوردة للتو لينتزع منها علامة ورقم سيارة الأجرة الهولندي،لتبقى تسير كما المئات من آلاف السيارات العراقية بلا رقم او لوحة تعريف!.الغريب ان هذا الجندي سيتناسى نقاشات البرلمان الهولندي عن ضرورة ترقيم الدراجات الهوائية في هولندا .ربما سيتابع أخبار النقاشات في البرلمان عبر القارات ،و سيفتقد متعة ركوب دراجته كما يواظب أي هولندي، في بلد تجاوز تعداد الدراجات فيه عدد سكانه حسب إحصاءات رسمية. لكن لا طرق معبدة بلون إسفلت برتقالي خصيصا للدراجات في مدينة السماوة ، ولا إشارات ضوئية خاصة بها،ولا طرق صغيرة تمر عبر الحقول تربط المحافظة بالأخرى بمحاذاة الطرق السريعة، ولا خرائط للمسافرين بالدراجات الهوائية لكل أوربا،ولا خرائط للمدن أصلا لأن الطاغية اعدم في نهاية الثمانينيات السائح البريطاني بازوف لأنه وضع خرائط بخط يده لأماكن أتضح انها ممنوعة كحال كل ارض العراق، فكيف سيمتلك شخص من أهل السماوة خارطة لمدينته بعد هذا.
ما يعرفه السماوي؛ خرائط من حزن الجبهات لحدود لا يعبرها الا الفار من الخدمة،ويعرفها الروائي العراقي محمد خضير يوم كتب "طريق الهارب" ووصف تضاريس تلك الأرض الصحراوية، لهاربين يرتدون الأحذية بالمقلوب لإيهام المتعقبين من شرطة الحدود.
الجندي الهولندي سيقارن الوهدات هذه التي اسماها ياقوت الحموي في معجمه بالسماوة لأنها أرض مستوية لا حجر فيها،حيث التصحر الشاسع والمسافات الباذخة كثاني محافظات العراق،و بما يكبر مساحة هولندا ب10160 كلم²،سيقارنها ذلك الجندي معتزا بخضرة كل شبر من أرضه وسيحار بالذي تبقى من زيادة وأرقام،حتى اخبره ان كل متر منها سقته الأعناق الطويلة دما عبيطا في هجمات الصحراء عليهم.وسيتذكر أرضه المنخفضة البعيدة، حيث أعيش الآن تحت مستوى سطح البحر،مثلما يرتفع منسوب مياه بحيرة ساوة عن مستوى ارض مدينة السماوة، مكان يعسكر ذلك الجندي الذي ظهرت صورته هذا اليوم محتفلا بتحرير بلاده في بلد يسكنه كمحتل.
ولكم أسعدتني كلمات ضابط كبير بينهم: نحن شركاء في السلام،وندافع عن العراق الآن دفاعنا عن هولندا.وأسعدني -رغم مشاعر الردة تجاه البروبوغندا- ما رأيته في برنامج تلفزيوني من حملات لتنظيف المدينة يسهم فيها هذا المحتل،بعكس ما رأيته بعيني أيام كنت في العراق من عجيب الإهمال لأدنى شروط اللياقة والنظافة عند بعض الجنود الأمريكيين وهم يلقون من سيارات الهمر المسرعة القناني والفضلات الى الطريق العام!.
كان الجنود يهزجون فرحين،وكان العلم الهولندي يرفرف كسعفة في أغنية(نخل السماوة يكًول طرّتني سمره).
العلم يخفق وتختلط المشاعر اليّ بين ان انتمي له وبين ان استنكره، محتلا ،يذكرني بعلم البعث بلونيه الأبيض والأحمر. اطرد هذه الفكرة بما تبقى من لون ثالث فيه ليذكرني بالأزرق في العلم الجديد الموءود.
الى وقت قريب وانا أقف قبالة العلم الهولندي بوحشة المقارنة تلك،والمؤالفة التي أرجو، غير ان أي هولندي آخر لن تزعجه ألوان العلم الفرنسي في راية بلده المقدسة،وانها لمقدسة فعلا فلا يكاد بيت يخلو من هذه القماشة المبجلة حيث ترفرف فوق الأسطح في اية مناسبة وطنية، وكل محب وطني يعد مكانا خاصا في الواجهة المنزلية لينتصب فيها هذا الرفيف بفرح دامع يشترك فيه كل سكان هولندا تقريبا، متمايلين في ملاعب الكرة كما لو ان موج بحر الشمال قد أصبح برتقاليا!.. يتمايلون طربا مع النشيد الوطني.
قبل تسع سنوات سألت معلمة اللغة الهولندية عن عبارة يتضمنها هذا النشيد :(تحية الى ملك أسبانيا!)،فأخبرتني ضاحكة ان ما اسمعه هو من مجتزأ ملحمة شعرية كتبت أيام الاحتلال الأسباني قبل مئات السنيين. فاحزن الان بعد ان كتبت شخصيا مقالا اعتراضيا على ألوان العلم العراقي التي اختارها ضابط السلك الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس في القاهرة وأهداها للشريف حسين لتصبح علما للثورة العربية، ولا زالت ترفرف في علم فلسطين وحزب البعث.ثمة ما تدركه المعلمة الوديعة، ولا يدركني من طمأنينتها الهولندية للتأريخ والحاضر، وما لا يفسره الجندي الهولندي وهو يرى الوحل في طرقات السماوة،لإنها وبما هي عليه أغنى بباطن أرضها من معادن و مخزون،ولأنه سيفزع ايما فزع وهو يسمع ان سيارات تنقية المياه المتجولة والمهداة من اليابان أصبحت تبيع مياه الشرب على الأهالي،وسيتجاهل شكوى أي مواطن عراقي،بينما أتحدث معه بروح مواطنتي وإياه، فيحيلني للكتابة الى البرلمان الهولندي، الذي سيشكل لجنة خبراء في ظرف يومين من إقرار لجنة المدينة بمصداق شكواي، لترفع القضية الى الملكة، وتعود الى البرلمان ثم الوزير المختص ليقترح تغيير القانون ان وجب الأمر!.
وكنت سأكتب لوزير الدفاع الهولندي،غير اني سأنتظر ريثما يعود من زيارته للعراق حاملا معه جثة أول قتيل هولندي على أرض العراق.
لكني لن أجد ما أقول وانا أرى على التلفاز من يقترح مسابقة للشطرنج عبر الانترنت من هنا مع جنود المعسكر،حيث سينقل الجندي بيدقه في اللعبة ليمضي الى واجبه اليومي،ويعود لينقل بيدقا آخرا،تختلط فيه الحركة بالانفعال العسكري لواقع يومه الحربي. الجندي يفكر.. إذن فهو لازال هولنديا، هكذا بكل سهولة، ام هو قول سبينوزا ؛ " اذ ما وقعت واقعة كبرى،لا تبك، ولا تضحك، ولكن فكر!".وأكررها ضاحكا من صور التلفاز الهولندي لجنود يحتفلون في العراق بذكرى تحرير هولندا،سبقتها صور تعذيب لعراقيين سجناء.



#علي_شايع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادرأوا الحدود بالشبهات
- -القاسم- في التواد المشترك مع أمريكا
- قالها عكاشة ولم يسمعه من احد؟
- عرب العراق،أم عراق العرب؟!
- بئر سومري
- صحيفة مضيئة
- الانتفاضة الموسيقية !
- بيضة الديك تاتور !
- مقترح لمتحف جديد
- صورة الدكتاتور في احتفاله الأخير
- آلام المغني
- الإرهاب الحميري!
- حواس مخادعة
- قيامة أيوب
- بلاغة المثقف وبغلته
- العودة الى العراق بعد غياب 4536 يوم
- طوبى لمن يُمسك صغاركِ ويلقي بهم إلى الصخر!
- 11 نوفمبر و 11 سبتمبر !! وأعياد نستها الطفولة
- رسالة إلى بغداد
- لا ينقذ النخاس من نخاس


المزيد.....




- بايدن: كامالا هاريس -صارمة وذكية للغاية- وترامب شكرني
- باغتا المديرة بتصرف غير متوقع.. شاهد ما فعله ملثمان اخترقا س ...
- هل يُعجل الهجوم السيبراني على أجهزة اتصال حزب الله بالمواجهة ...
- لماذا ينزلق شباب من أصول مهاجرة بأوروبا نحو التطرف والإرهاب؟ ...
- دعم أوروبي ألماني لتنمية المنطقة -ج- بالضفة الغربية
- العراق: نتابع تطورات الأحداث في لبنان وأرسلنا طواقم طبية وفر ...
- دولة عربية تتحرك لدعم لبنان في أزمة تفجيرات بيجر
- خبراء يكشفون لـ RT هل يدخل حزب الله وإسرائيل مواجهة شاملة بع ...
- لوكاشينكو: أي هجوم على بيلاروس سيعني بداية الحرب العالمية ال ...
- ليبيا.. بدء أعمال تنظيف حوض ميناء درنة من مخلفات إعصار دانيا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علي شايع - لعبة التحرير