|
جدار مصر الخانق لغزة والحق الذي يراد به باطل
محمود عبد الرحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 18:12
المحور:
القضية الفلسطينية
بقدر ما تفهمت مشاعر الغضب والمرارة التى تلمستها في تصريحات قيادات حماس ومواطني غزة ازاء جار عربي يقدم نفسه كشقيق اكبر، ثم يشرع في بناء جدار فولاذي فاصل وخانق على الحدود،بقدرما شعرت بالاستياء من الخطاب الرسمي المصري الذي يخلط الاوراق ويبرر تصرف غير اخلاقي ، يبدو في رؤيته الاعمق سياسيا واستراتيجيا ضد مصر، وليس في مصلحتها بأي حال من الأحوال، علاوة على كونه لا يحظى بالقبول الشعبي. وما حملة التبريرالرسمي التي انطلقت في القاهرة ،و الحديث عن"حق مصر في حماية حدودها بالطريقة التي تراها" ،الا حق يراد به باطل ،وتغطية على الجريمة الاساسية ،وأصل المشكلة ، اعنى الحصار الجائر المتواصل لقرابة ثلاث سنوات على مليون ونصف المليون من البشر ،والذي يتهرب الجميع من الاقتراب منه ، بل ويتواطئون علي استمراره، بما في ذلك الدول العربية التى تعهدت قبل عامين في اجتماع رسمي بالجامعة العربية على الكسر الفوري له،لكن سرعان ما تراجعت، بعدما جاءها التحذير الامريكي ،وابقت الامر رهنا بيد "اسرائيل" ومزاجها ومصالحها وشروطها الظالمة ، او بمصالحة يراد فرضها على اسس تصب في صالح الكيان. ويؤسفني كمصري ان ارى مصر مبارك تتنصل من مسئولياتها ورعايتها للقضية الفلسطينية، وتشارك في تنفيذ المخططات الامريكية الصهيونية لاسقاط خيار المقاومة ،وسد الرئة الوحيدة التي تسمح للفلسطينين في غزة بالصمود ، ويؤسفني اكثر ان تقوم مصر مبارك في ذكرى العدوان الصهيوني على غزة بمكافأة المعتدي وتتنكر للمعُتدى عليه ،ومثلما اقام الكيان الصهيوني "الجدار الفاصل" داخل اراضي الضفة الغربية تقوم مصر نيابة عنه ببناء" الجدار الخانق" لغزة ،او بالاحرى بالتعاون معه ومع الشيطان الاكبر الامريكي ،وحليف الشر الفرنسي الذي صار هو الآخر يلعب - مؤخرا - ادوارا قذرة في المنطقة بشكل علني منذ وصول ساركوزي للسلطة ،وتقديم نفسه كتابع جديد للامبراطورية الامريكية، وبديلا لبريطانيا بلير. واود ان الفت نظر هؤلاء المسئولين الذين تتعالى اصواتهم بتصريحات هزيلة وساذجة تنتقص من قيمة هذا البلد العربي الكبير انهم يتصرفون بدون فهم لمصلحة مصر ،بل يعملون ضدها قصدا او جهلا ،فدور مصر ومكانتها الاقليمية مستمد من مواقفها القومية ودعمها للقضايا العربية وفي القلب منها القضية الفلسطينية ،وكذلك من تصديها لقوى الهيمنة الاستعمارية والصهيونية وليس التماهي معها او الخضوع لاملاءاتها والتخلي عن الالتزامات القومية ،والمشاركة في الضغط المزدوج على قوى المقاومة الفلسطينية لاسقاط هذا الخيار المشرف ، في مقابل الدعم الواسع لخيار التفاوض العبثي والاستسلام والتسليم للعدو الذي يراد فرضه وتعميمه على طول الخارطة العربية. ثم انه من الغباء السياسي والاستراتيجي الحديث بان أمن مصر الوطني يقف عند حدود صحراء سيناء، وينتهي عند الحدود مع غزة ، فمن لديه حد أدنى من الادراك لبديهيات الاستراتجية يعرف ما يسمى ب" المجال الحيوي" الذي كلما امتد وتوسع كلما زادت مساحة نفوذك وقلت التهديدات والمخاطر التى تواجهك ، وهذه النظرية ليست بالطرح الجديد ، فمصر سواء في العصر الفرعوني او حتى في عصر محمد على او جمال عبد الناصر اعتبرت ان حدودها الآمنة تصل الى بلاد الشام وتمتد الى القارة الافريقية خاصة على ساحل البحر الاحمر. واذا ما اعتبرنا الامبراطورية الامريكية هي النموذج المحتذى للنظام المصري ،فكان عليه ان يتعلم منها وينظر الى تحركاتها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ،وتدخلاتها في افغانستان والعراق لاعتبارات استراتجية بعيدة وليست قاصرة ،رغم بعد المسافات. ثم من قال ان الخطر على مصر يأتي من الفلسطينين ، اليس هذا حرفا للبوصلة ،وتضليلا مكشوفا يشتت الانظار عن العدو الحقيقي الذي كان ولايزال الكيان الصهيوني والراعي لعدوانه ،ليس فقط علي الفلسطينيين ،وانما على كل الامة العربية. ولمصلحة من تضحي مصر بسمعتها وسمعة شعبها ،وتاريخها النضالي المشرف، وسجلها في دعم حركات التحرر الوطني ،والوقوف الى جانب الحق الفلسطيني بكل ما اوتيت من قوة، وتقدم على هذا التصرف المسئ الذي يخدم المصالح الصهيونية وحدها ، ولا يٌفهم الا في سياق الرغبة المحمومة في تمرير مشروع التوريث للحكم في مصربتوجهاته الانعزالية الانتهازية القاصرة الرؤية؟! لا يليق ابدا بدولة في مكانة وحجم مصر لعب هذا الدور المشين، ولا يجوز ان تتتحول صورتها من مصر العروبة ذات التضحية والمؤازرة الى مصر"الصهيوامريكية" الخانقة المتآمرة. نعم من حق مصر ان تحمي حدودها ،لكن من الاعداء وليس الاشقاء ، وكان لزاما عليها ،بدلا من ان تشيد جدارا خانقا، ان تكسر الحصار الجائر ولا تشارك في ادامته ، كان حريا بها ان تحشد العرب وكل القوى المحبة للسلام في العالم لمواجهة حرب التجويع والتشريد لاشقائنا في غزة ،ولا تساهم في الضغط على حركة المقاومة"حماس" المنتخبة ديمقراطيا ، اما بالقبول بالاعتراف بالكيان الصهيوني والاتفاقات السابقة التى تورطت فيها السلطة الفلسطينية في عهدي عرفات وعباس والتخلي عن الحكم لصالح حكومة يرضى عنها الامريكان والاسرائيلين ،او فليواجهوا المصير القاسى او بالاحرى حرب الابادة الجماعية. لقد تحملت مصر عبد الناصر وطأة حربي56 و67 من اجل مؤازرة اشقاء عرب في الجزائر او سوريا ، انطلاقا من قناعة بان الخطر واحد ،والمصير واحد ،والامن الوطني المصري جزء لا يتجزأ من الامن القومي العربي ، فلا يجوز الآن ان وبعد كل هذه التضحيات الكبرى ان نضل الطريق، ونأمن للعدو ،ونحذر الشقيق، بل ونستعديه. وعلى النظام المصري ان يفيق من غيبوبته، ويستعيد ولو الحد الادنى من دوره المفقود المرهون اولا بتحديد من هو العدو الحقيقي، والخطر المحدق بأمن مصر، ومصالحها ،والشروع - فورا- في التحرر من الارتهان لواشنطن ،واسترضائها بأي ثمن ،ولو بدعم مجاني للعدو الصهيوني.
#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين يروج فلسطينيون لمشاريع صهيونية ويُحتفى بالمطبعين؟!
-
وهم-المخُلص- والهروب من استحقاقات التغيير في مصر
-
اللاعبون بالنار ولو ذهبت مصر للجحيم
-
اعلان الدولة الفلسطينية وخطاب الوهم وربما التواطؤ العربي
-
لو فعلها عباس لاعتبرناه بطلا وغفرنا له ما تقدم!
-
حين يصير التطبيع مُبررا والرفض مُستهجنا والاختراق من الداخل
-
معركة النقاب مواجهة لشرور الاصولية
-
دراما رمضان: فقدان البريق ودوران في المربع الضيق
-
-اهرام التطبيع- واصدقاء اسرائيل في مصر
-
مسابقات رمضان: صياد رأسمالي وفريسة مخدرة بوهم الثراء
-
-الفرح- رؤية انهزامية وتوسل لواقعية مزيفة
-
-الغرباء- سؤال الهوية المهددة من الذات والاخر
-
صيف الصحراء:استدعاء ماضوي يمزج المدح بالبداوة
-
يوليو2009: عن اي ثورة نتحدث؟!
-
جوته والشربيني .. خيارا التواصل والقطيعة
-
- احكي يا شهر زاد -:اختزال الحياة في امراة حمل ورجل ذئب
-
مروة الشربيني .. خطاب الايدلوجية الدينية والتحريض الاعمى
-
-حكايات عادية- تضع المصريين أمام مرآة الذات والآخر
-
حين تذكرنا السينما ب -جدار الفصل الصهيوني- الذي نسيناه
-
-متعة اوربية- للمصريين على ايقاع -الزجاجات الفارغة-
المزيد.....
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
-
قراءة الإعلام المصري لصورة السيسي في -جيروزاليم بوست- الإسرا
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 119 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يناقشان مستقبل غزة وال
...
-
فوتشيتش يصف الاحتجاجات في صربيا بأنها محاولة لتدمير البلاد م
...
-
أنباء أولية عن سقوط قتلى في تحطم طائرة في فيلادلفيا الأمريكي
...
-
إعلام أوكراني: سماع دوي انفجارات في كييف ومقاطعتها
-
المبعوث الأمريكي الخاص: إنهاء الصراع في أوكرانيا يصب في مصلح
...
-
تاكر كارلسون: زيلينسكي باع أوكرانيا وتحول إلى خادم للغرب
-
-إم 23- تواصل زحفها شرق الكونغو الديمقراطية
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|