|
أين نحن من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان..!
دهام حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 00:24
المحور:
حقوق الانسان
يعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م، وثيقة تاريخية هامة، وإنجازا كبيرا على صعيد حقوق الإنسان، فقد جاء الإعلان إقرارا بكرامة الإنسان، واعترافا بحقوقه في المساواة والعدالة، والحياة الحرة الكريمة؛ وقد أشارت الجمعية العامة إلى كافة البلدان على أهمية نشر الإعلان وتوزيعه وإدراجه كبرنامج تثقيفي في المدارس والمعاهد التدريسية، وكل هذا جاء ابتغاء لعالم يتمتع فيه الفرد بكافة حقوقه، في إطار من الأمن والعيش الكريم بعيدا عن الخوف وذلّ الحاجة...وكم تذكّرنا المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بقول الخليفة عمر بن الخطاب وهو يزجر أحد المنتهكين بعدوانيته إزاء حقوق إنسان آخر: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).. قارنوا قول الخليفة هذا بالمادة الأولى من الإعلان العالمي والتي نصّها: (يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء) فليت الإسلام السياسي اليوم، أن يقتدي بقول عمر، ويأخذ في البال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويضنّ بالتالي بأرواح البشر، لا أن يفجع الناس بمشاهد مروعة تقشعرّ لها الأبدان، ثم تشير المادة الثانية من الإعلان، على سواسية بني البشر، دون أي تمييز في العرق أو الدين أو اللون أو الجنس أو الرأي.. ثم تأتي المواد التالية، فتكمل شروط صون كرامة الفرد، وحقوقه، وتوفير الأمن، ومنع الاسترقاق، أو استعباد أي فرد، وعدم تعرض أي إنسان للتعذيب أو الحط من كرامته…
إن مثل هذه الحقوق التي يتضمنها الإعلان العالمي، نفتقدها - للأسف - في عالمنا العربي، حتى أصبحنا نسمع هنا وهناك بوفاة إنسان ما تحت التعذيب، دون أن تكفل له التشريعات اللازمة باعتباره الشخصية القانونية كما يصرح بذلك الإعلان نفسه، الحماية اللازمة، ليدفع عن نفسه مثل هذا الأذى، ويلجأ إلى القانون لحمايته بالتالي، أو إلى القضاء لينصفه، كما يقر بذلك الإعلان في مواده الثامنة والتاسعة والعاشرة.. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن للفرد الكثير من الحقوق، ويجنبه كثيرا من التعديات والتجاوزات… فالمتهم بريء حتى تثبت انتهاكه لحقوق الآخرين وبالتالي إدانته، والحكم يأتي بعد أن يمثل الفرد أمام قضاء نزيه يوفر له الضمانات للدفاع عن نفسه…
إن الإعلان يجيز للفرد حرية التنقل، ومغادرة بلاده، والبحث عن ملاذ آمن في بلد آخر هربا من الملاحقة والاضطهاد، ومن حقه بالتالي التمتع بجنسية بلد ما، فلا يحق لأية جهة أن تنتزع منه الجنسية تعسفا… كما إن الإعلان يبيح للفرد حق التملك، ويمنع بالتالي تجريده تعسفا من ملكه، فضلا عن هذا وذاك فالإعلان يعطي للفرد حق الانضمام إلى أية جمعية أو تنظيم، أهلي مدني، أو سياسي بمطلق الحرية والرغبة دون قسر أو إرغام..
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يرى ضرورة إيجاد فرص العمل للفرد بأجر عادل ومجز، وحمايته من البطالة، بغية تأمين نمط من العيش بعيدا عن العوز والفاقة، وتوفير ما يلزم لإتاحة الفرص في التعليم… وقد حذّر البيان في ختام مواده جميع المعنيين بذريعة أي تأويل، من النزوع إلى هدم الحقوق والحريات الواردة في الإعلان… -2- إذا ما انطلق واحدنا من الواقع العربي، وهو يستعرض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فسوف يجد نفسه، أمام واقع آخر، واقع مغاير، أمام مفارقة كبيرة، بين المبتغى في الإعلان والواقع العربي المعيش، حتى يخيّل لواحدنا أن الإعلان يرصد واقعا مثاليا يبتكره خيال الإنسان لا عقله؛ فما زالت النظم العربية بعيدة عن التعايش مع مبادئ أساسية في حياة البشر والدول، كالحرية والمساواة وإرساء أسس العدالة، لأن الشرط الأول الذي تقتضيه هذه المبادئ هو عدم حصر السلطة في حزب ما مثلا، أو حكرها من قبل جهة واحدة، لكن أنظمتنا العربية- كما قلنا- بعيدة عن هكذا مناخات من الديمقراطية..فلطالما السلطة الحاكمة هي التي ترعى القوانين، فكثيرا ما تقوم بصياغتها من جديد، وتأويلها وتفسيرها بما يضمن لها التحكم والسيطرة والاستمرارية، وبالتالي نسف تلك الحقوق والمبادئ التي يشهّرها الإعلان...
إن التجاوزات القائمة من قبل النظم العربية لا يمكن حصرها في مجال ما، فما زال تعذيب المعتقل الأمر المنكر والفظيع ممارسا من قبل غالبية السلطات العربية الحاكمة، ويشهد على ذلك ضحايا التعذيب حتى الموت، فضلا عن الاعتقال الكيفي، وزج العشرات في أقبية السجون دونما محاكمة، أو على أحسن تقدير محاكمة صورية، كما أن الحجز على حرية الفرد، ومنعه من السفر، وسحب جواز سفره.من الممارسات الاعتيادية، وأيضا محظور على مختلف الأحزاب والتنظيمات حق التظاهر السلمي، ولو كان في سبيل مسألة قومية أو وطنية، فالشعب هنا ليس مصدر السلطات، بل محكوم هو بإسار سلطة جائرة تحكم عنوة، فلا تسمح السلطات بالتعددية على صعيد الأحزاب والتنظيمات، وبالتالي لا تعددية في الآراء، كحق التعبير خلال حشد جماهيري، أو تجمع سلمي، أو حتى على صعيد نشر الصحف. فضلا عن حالات أخرى عديدة...
إن الإنسان هو ركن الحياة الأول دون منازع في الكون، وهو دائما ينزع إلى الكمال، وإن سعي الأمم المتحضرة للرقي بالإنسان إلى هذا الكمال المنشود، من خلال تمتعه بتلك الحقوق التي يفردها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أمر محمود له ما يبرره، فإذا كان تحقيق هذه المبادئ عصي على التطبيق في بعض العوالم، منها العالم العربي، ولطالما أن تحقيق ذلك لا يدخل في خانة الاستحالة، فإذن ينبغي علينا أن نسعى ونناضل في سبيل تحقيق تلك المبادئ، وبمجرد السير في هذا الطريق، هو مناضلة وإيمان بتلك المبادئ، فلا بدّ إذن من مواصلة النضال حتى يتحرر الإنسان من وطأة الظلم والطغيان، وليشهد حالة مريحة، تترجم فيها كثير من تلك المثل التي ضحّى من أجلها الإنسان منذ الأزل إلى حقائق واقعية، ليستمتع الفرد بنعم الحياة الكثيرة، وفي مقدمتها حريته الوافرة، وحياته الكريمة الآمنة، وكرامته المصونة.. ولقد كرّمنا بني آدم... فهل هذا ترف الحياة، أم ضرورة أولية.؟وهل توفير ذلك يستعصي على النظم ..!؟ سؤال لن تستجيب له النظم الشمولية، لكن يبقى هذا مضمار النضال السياسي لكل المناضلين.. دهام حسن
#دهام_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبنان: انتخاب ممثلي الشعب أم اختيار الأباطرة..!؟ (نموذج البر
...
-
محنتي والحياة والأصدقاء..!
-
الديماغوجية في السياسة وفي الممارسة الحزبية..!
-
السياسات الاقتصادية للدول.. الاقتصاد الحر..!
-
الحركة السياسية الكوردية في سوريا...والمخاض العسير...!
-
مقومات السيادة الوطنية..!
-
رواد النهضة العرب.. ومسألة الحريات..!
-
نظرة نقدية في ليبرالية السوق..!
-
ظاهرة التوفيقية في الحركات السياسية العربية..!
-
نظرة في القيم عند العرب .. والموروث الفارسي..!
-
من تاريخ الصحافة والاعلام
-
اسس ومبادئ لنظام عادل ومجتمع حر ..!
-
تجليات المجتمع المدني التاريخية..!
-
الحركة السياسية الكوردية في سوريا إلى أين..؟
-
الحركة الشيوعية في سوريا إلى أين.!؟
-
سلطة البرجوازية الصغيرة ..ومنطق التاريخ..!
-
عرض تاريخي للدساتير في سوريا..!
-
صباح الخير سيدتي
-
صحوة الخمرة
-
الحركة السياسية الكردية في الميزان..!
المزيد.....
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام شخص -تعزيرا- وتكشف ما أُدين ب
...
-
حماس تطالب الصليب الأحمر بتكثيف متابعة أوضاع الأسرى الفلسطين
...
-
مكتب إعلام الأسرى التابع لحماس: الأسرى المحررون تعرضوا لتعذي
...
-
شبكة حقوقية تدعو لتحقيق العدالة لضحايا مجزرة حماة 1982
-
جيش الاحتلال يعتقل صيادا لبنانيا عند نقطة رأس الناقورة.. ويع
...
-
السعودية.. إعدام مقيم أدين بجريمة مخدرات
-
الجزيرة ترصد أوضاع مدارس الطوارئ بمخيمات النازحين في السودان
...
-
حملات اعتقال وترحيل للمهاجرين غير النظاميين من أميركا
-
وصول عدد من الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى القاهرة (فيديو)
...
-
جدل واسع في إسرائيل بعد مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|