أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسن مدن - مربى تشيخوف














المزيد.....

مربى تشيخوف


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 176 - 2002 / 6 / 30 - 09:39
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 
بين الأدباء الكلاسيكيين أعتبر تشيخوف كاتبي المفضل. فيه شيء فريد لا يوجد عند سواه من الكتاب، ومن الصعب وصف هذا الشيء ومن الصعب أكثر وصف تفرده، لكنني أظن أن الأمر يكمن في تلك البساطة المتناهية التي يكتب بها مسرحياته وقصصه، لكنها بساطة خادعة، انها تنم عن عمق قلَّ نظيره، لأنه يكتب ببساطة، بعفوية، بتلقائية لدرجة توهمك لوهلة أنك قادر على ان تكتب مثله، تقول مثله، ولكن هيهات، مبهر تشيخوف في مقدرته الفائقة على وصف العادي، الرتيب، الممل، على وصف الحياة من دون خوارق ومن دون معجزات، لكنه قادر على ان يجعل من هذا العادي أدبا جميلا، في أدبنا العربي الحديث هناك من يشبهه، انه يوسف ادريس. لم يحظ ادريس بشهرة نجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس، لكنه لا يقل أهمية عنهما، وأظنه في بعض وجوه أدبه أكثر أهمية. فيه شيء من تشيخوف، بل تكاد تحس أنه تشيخوف مصري فيه روح مصر، كما أن في أدب تشيخوف روح روسيا في القرن التاسع عشر.
لدى تيشخوف تلك المقدرة التي لا يبزه فيها احد على أن يلج إلى اعمق الأعماق في النفس الإنسانية بمنتهى البساطة، بمنتهى السلاسة دون أدنى تكلف أو افتعال أو مبالغة، وأنت تقرأه تجد نفسك ونفس من تعرف من البشر كتابا مفتوحا، وذلك ليس لأن تشيخوف يقدم نسخة من الواقع، من الحياة، وإنما لأنه يرى في السلوك العادي، اليومي للبشر ما هو وراءه، يرى بواعثه، ومن اجمل ما كتب عن تشيخوف تلك الشهادة المطولة، المعبرة التي كتبها معاصره مكسيم غوركي، وللتدليل على بساطة اسلوب تشيخوف يسرد الحكاية الواقعية التالية: فذات يوم قامت ثلاث نساء يرتدين اثوابا فاخرة بزيارة تشيخوف. وبعد ان ملأن غرفته بحفيف فساتينهن الحريرية، ورائحة عطورهن القوية، جلسن مقابله بوقار، ثم شرعن في طرح الأسئلة، متظاهرات باهتمامهن الشديد بالسياسة، فقالت إحداهن:

- عمَّ ستسفر الحرب الجارية الآن؟

أخذ تشيخوف يسعل، ثم فكر وأجاب برقة وبصوت ناعم وجدي: «على الأغلب، إلى السلم،. فردت احداهن: طبعا، لا شك ولكن من سينتصر اليونانيون أم الأتراك؟.. فرد تشيخوف فيما يشبه السخرية: أتصور ان الأقوى هو الذي سينتصر، فتنافسن على سؤاله: ومن هو برأيك الأقوى؟ فأجاب مواصلا سخريته المضمرة «أحسنهم تغذية وأكثرهم تعليما» «آه.. يا للظرافة» صاحت احداهن، وسألت أخرى، ومن تحب أكثر.. اليونانيين أم الأتراك؟ فنظر إليها تشيخوف بحنان، وأجاب بابتسامة قصيرة لطيفة: أنا أحب مربى الفواكه.. هل تحبينه أنت ايضا؟ فردت السيدة بحرارة: جدا، وقالت زميلتها: إنه طيب للغاية، ثم ما كان من النساء الثلاث إلا أن انصرفن للحديث بحيوية عن المربى، كاشفات بذلك عن اطلاع واسع ومعرفة دقيقة بالمربى وأنواعه، وكان واضحا انهن كن سعيدات لأن موضوع المربى لم يكن يتطلب جهدا عقليا، كالحرب بين تركيا واليونان، ولا يجبرهن على التظاهر بالاهتمام الجدي بمصير الأتراك واليونانيين، الشيء الذي لم يكن يخطر ببالهن قبل هذه اللحظة.. وعند الوداع ودعن تشيخوف بمرح قائلات: سنرسل لك أنواعا من المربى !

في التعليق على هذه الحادثة قال تشيخوف: «يجب أن يتكلم كل إنسان بلغته». هذا التعليق ذهبي، لأنه يكمن فيه بالذات كل سحر أدب تشيخوف، أي أن يتكلم الناس بالمفردات والتعبيرات التي تلائم البيئة التي جاءوا منها.

 


 



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسن مدن - مربى تشيخوف