أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 3














المزيد.....

أسير العبارة (رواية)- 3


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2867 - 2009 / 12 / 24 - 12:27
المحور: الادب والفن
    


درجت "أماندا" على زيارتي أثناء العمل في الأوقات التي أحمل خلالها جهاز الكومبيوتر المحمول إلى المكتب لإستغلال الساعات الهادئة في أغراض تتعلق بالبحث الأكاديمي وأشياء أخرى. كانت تقول إنها تشعر بالضجر من غير عمل تمارسه، وقد حرمتها الحديث عبر غرف الدردشة في موقع "ياهو" إلى أصدقاء وصديقات وراء البحار، بينما يمتد دوام عملي إلى أكثر من نصف اليوم عادة، وهي محقة في هذا تماما، بيد أني كنت أدفعها دائما إلى البحث عن عمل أومواصلة الدراسة دون جدوى.
منذ أن رآها "جيري" للمرة الأولى، ما انفك يسألني عنها على فترات، وهي حين تراه عبر الشاشة عند باب المكتب الخارجي، أوعندما تتناهى إليها حركة المفتاح رقم 14 على القفل في الدقائق التي تكون فيها غرفة التهوية ساكنة، كانت لسبب ما تنطوي على نفسها لائذة إلى هدوء غريب.
في الواقع، "جيري" لم يجلس إليها سوى مرة واحدة، عدا ذلك كان يحييها على طريقته الدمثة، قبل أن يدلف إلى دورة المياه ويخرج إلى حيث أتى في صمت، لكنه في تلك المرة برهن عن خبرته كحارس حقيقي، عندما تابع أسئلته الاستطلاعية على نحو جعل "أماندا" تنظر إليَّ بتوسل، إلى أن سألني في ذلك اليوم إن كان لدى فتاتي أخت أكبر عمرا أم لا؟.
لسبب ما بدا لي في تلك اللحظة، وأنا أتطلع إلى حياء وامض أطل من وراء نظارتيه الطبيتين، مثل كهل قدم للتو من إحدى قرى شرق النيل في السودان، طارحا عند حافة اليأس بين قوم مجهولين مسألة على درجة عالية من الخطورة، ومثل ذلك السؤال لا يطرح في مثل تلك المدينة عادة.

قلت:

"لا"
"لا عليك"
"لماذا تسأل، يا جيري"؟.
"لا شيء".
في الحق، كان لدى "أماندا" أكثر من شقيقة كبرى. أغلبهن كن مرتبطات. لا جمال يتبقى طويلا في هذا العالم من غير طارق. لكني لا أذكر الآن سوى شقيقتها الصغرى "سمانتا". كانت دون العشرين وجمالها من ذلك النوع الذي يصيب الناس عادة بشيء من الحزن. لها صديق آسيوي بعينين مبتسمتين وسحنة قاتمة. "العاهرة"، قالت "أماندا" بعد أن لحقت بي في ذلك المساء. قبلها كنا نسير نحو الشقة بخفة عاشقين. فجأة أفلتت يدها من يدي وعبرت الشارع مسرعة نحو "سمانتا". لم أكن أعلم وقتها أنهما شقيقتان.
رأيتهما على ضوء مصابيح الشارع الكابية، وهما تتحدثان كصديقتين، وغير بعيد لاح الآسيوي في هيئته النحيلة غارقا في معطف واسع جعله في تلك العتمة أقرب ما يكون إلى خيال المآتة لو لا أنه كان يحشر يديه داخل جيبيه. "سمانتا، شقيقتي، تلتقط الرجال من الشارع مقابل مبلغ من المال"، قالت "أماندا" كما لو أنها كانت تقرر أمرا عاديا.
كان الأمر بالنسبة لي في تلك اللحظة أشبه بوقع الصاعقة في مدارات استوائية بعيدة ونائية تماما.
ما إن يغادر "جيري"، متجها من جديد إلى موقف السيارات أسفل الأرض، حيث يغالب تلوثا وعتمة كئيبة وضجيج مراوح وشفاطات هواء ضخمة وذكرى رحيل والدته قبل عام، حتى تهجم "أماندا" على الأسطوانات الغنائية المتراكمة ل"ليليان"، وتبدأ في نسخ بعض أجزائها على جهاز الكومبيوتر، أسألها وقد عاد إليها وجهها الأليف:
- "ما الذي تفعلينه بأغاني الريف القديمة"؟.
-"لا تنسى أنني نشأت مع والدي في الريف".
-"لكنك تدمنين "فيفتي سينت" و"ماريو" وما لا يعلمه من قبيلة "الهيب هوب" سوى الله".
-"يا إلهي، إنها " ليلة السبت في مدينة صغيرة"، أحب هذه الأغنية، فقط استمع، وليم"؟.
هكذا، تتحكم البدايات في مساراتنا أحيانا، وحتى بعد أن عرفت اسمي الحقيقي ثلاثيا، ظلت لا تناديني في أكثر اللحظات حميمية، وإلى النهاية، سوى بذلك الإسم:
وليم.




#عبدالحميد_البرنس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسير العبارة (رواية)-4
- أسير العبارة (رواية)- 5
- أسير العبارة (رواية)- 6
- أسير العبارة (رواية)- 7
- أسير العبارة (رواية)- 8
- أسير العبارة (رواية)- 9
- أسير العبارة (رواية)- 10
- أسير العبارة (رواية)- 11
- أسير العبارة (رواية)- 12
- أسير العبارة (رواية)- 13
- أسير العبارة (رواية)- 1
- مرثية للطيب صالح
- إني لأجد ريح نهلة
- وداع في صباح باهت بعيد
- ملف داخل كومبيوتر محمول
- لغة
- نصّان
- زاوية لرجل وحيد في بناية


المزيد.....




- أعلان الموسم 2… موعد عرض مسلسل المتوحش الموسم 2 الحلقة 37 عل ...
- من كام السنادي؟؟ توقعات تنسيق الدبلومات الفنية 2025 للالتحاق ...
- الغاوون:قصيدة (نصف آخر) الشاعر عادل التوني.مصر.
- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الغاوون:قصيدة (جحود ) الشاعرمدحت سبيع.مصر.
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 3