|
قوننة الإسلام عن الهوى
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2865 - 2009 / 12 / 22 - 07:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إذا كان من الصعب فصل الإسلام كمؤسسة دينية عن السلطة كمنظومة حكم ، نظراً للمنافع المتبادلة التي يقرها أزلام الفريقين ، فإنه ليس من الصعب قوننة الإسلام ، أي إعادة فهمه بعيداً عن فهم السلطة له ، والذي لا يتعدى تشييد دور العبادة وتلقين الفقهاء بما سيقال أو ينبغي قوله ، عقب كل أزمة تحيق بالسلطة غير الديمقراطية والتي غالباً ما تتوكأ على عكازة الدين المتوفر لديها ، لتبرير سياساتها الداخلية ، وإضفاء صبغة الشرعية عليها . كما أنه ليس من الصعب قوننة الإسلام بمعنى قرأته قراءة علمية وموضوعية ، تحاذي المستجدات والمعطيات والوقائع ، حتى لو تعارضت مع رزمة الفتاوى والتفسيرات التي يصر الإسلاميون على صوابيتها وجدواها في حياة المجتمع والأفراد ، لطالما أنها صادرة عن فقهاء الشريعة ، لكونهم الأقدر في فهم النصوص وتفسيرها ، رغم التباعد والتنافر القائم بين الإسلاميين الذين يضعون أنفسهم في خانة المعارضة السياسية لمنظومة الحكم ، وبين الفقهاء والأئمة المنضوين تحت عباءة السلطة ، دون أن يستطيعوا شق غبارها . والقوننة في هذا السياق لا تعني أيضاً العصرنة ، فالأخيرة كثيراً ما جرى فهمها على أنها الوجه الآخر للعلمانية ، في ظل استحالة القبول بالعلمانية أو التعاطي معها كفكرة تقبل الجدل أو النقاش ، لكن القوننة تعني التنظيم والتحييد المكمل لمفهوم الخصخصة الإسلامية ، التي لا تعني هي الأخرى التحريف أو التلاعب بالنصوص واستبدالها بنصوص أخرى . فالفهم الحاصل حتى الآن لمعنى الخصخصة ، أنها تشرع الأبواب واسعاً أمام تحريف الإسلام والعبث بالنصوص المقدسة وتشويه السيرة النبوية ، على غرار ما حدث للمسيحية ، سواء قبل وبعد مجمع نيقة المقدوني عام 325 م ، الذي حدد الأسس النهائية للإيمان المسيحي ، أو أبان عصر الإصلاح الديني عام 1517 على يد القس الألماني مارتن لوثر ، فإن الفهم المسبق للقوننة لن يتعدى الفهم الرجعي ، بمعنى الخصخصة لجمهور المسلمين على اختلاف مستوياتهم العلمية ، وكل ما يدعو إلى انعتاق العقل من إسار العادات الموروثة اجتماعياً لا دينياً ، هو من قبيل التحريف والتزوير ، هذا عدا عن الدعوة إلى إصلاحه أو محاولة ترميمه نفسياً واجتماعياً ، دون التفكير ، ولو للحظة واحدة ، باقتلاعه من قاعدة أفكاره . ما يميز القوننة عن الخصخصة والعصرنة في هذا الحيز ، نزوعها الحيوي نحو المجموع ، فهي تخاطب العقل الجمعي بلغة العصر والأرقام ، لا بلغة الأماني الحالمة باللحاق في ركب التقدم والاستغراق في وصف جنة الفردوس . لم تعد الأوهام وحدها تسيطر على عقول المسلمين ، بل أصبحت الأهواء السياسية والنزوات الاجتماعية تتنازعهم وتتقاذفهم بلغتها وسياقاتها التقليدية المشحونة بمشاعر الغضب والهيجان والتجييش لقضايا ثانوية ، فيما يشبه الظاهرة الصوتية التي ينعدم عنها العقل الحقيقي أو المؤثر . فهل من الممكن قوننة الإسلام ، أي تنظيمه في إطار الفعل ، وليس رد الفعل وبنفس أداوته الأولية ؟ هذا ما يستدعي تجريده من كل الأهواء ، وإن كان تجريده متعذراً على مستوى المجموع فليس من الصعب تجريده على مستوى الأفراد . فلم يعد مجدياً الرهان على العلمانية وحدها ، وأهواء الاستبداد السلطوي تتزواج مع أهواء الاستبداد الديني ، الذي يلقي بظلاله الكثيفة على خيارات الشعوب المسلمة ، الرازحة تحت وطأة تحالف الدين والسلطة واستغلالهما لها ، دون أن يتركا لها فسحة من الزمن للنظر ، مجرد النظر ، لا التفكير فيما حولها . إن الرهان الحقيقي ليس على فض التحالف القائم بين السلطة والدين منذ عهد الخلافة الراشدة حتى اليوم ، بل على تنظيم العلاقة بينهما في إطار مؤسساتي ، رغم شيوع الاستبداد الذي يحول دون عمل المؤسسات ، ولكن في الحد الأدنى ، وصولاً إلى الفصل التام إن أمكن ، وبغير ذلك ستبقى العصرنة ، مقولة تتناقلها الألسن دون أن تعمل بها ، كما هو حالنا اليوم ، الذي لا يخفى على أحد .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديكتاتور 24 (الغرور)
-
إصلاح العقل في الإسلام
-
الديكتاتور 23 (مغامرات الوريث)
-
هل الإرهاب ديدن الإسلام ؟
-
الديكتاتور 22 ( مومس الوريث )
-
الإصلاح وإشكالية الإسلام
-
الديكتاتور 21 ( التوريث )
-
الحوار المتمدن .. ورحلة البحث عن الحوار
-
الديكتاتور 20 ( النجل )
-
الإسلام والغرب : الترهيب المتبادل
-
الديكتاتور 19 ( الإعدام )
-
الديكتاتور 18 ( النفي )
-
الديكتاتور 17 ( فرمانات)
-
أهلة التطرف الإسلامي
-
الديكتاتور 16 ( الشاهد )
-
مأسسة الطائفية في سورية
-
شيوخ الإرهاب في دمشق
-
الديكتاتور 15 ( الحِداد )
-
الديكتاتور 14 ( الانقلاب )
-
الديكتاتور 13 (صحوة الزعيم)
المزيد.....
-
نصر الله: عملية طوفان الأقصى ساهمت في تخفيف الاحتقان المذهبي
...
-
المسلمون الشيعة يحيون ذكرى عاشوراء في مرقد الامام الحسين في
...
-
الشرطة الإسرائيلية تقمع احتجاج اليهود المتشددين ضد التجنيد ا
...
-
اشتباكات بين الشرطة واليهود المتشددين بعد اعتزام الجيش الإسر
...
-
الإفتاء المصرية: لو صليت الفجر على الساعة 11 ظهرا فصلاتك صحي
...
-
صدامات بين الشرطة الإسرائيلية ويهود من الحريديم
-
صدامات بين قوات الأمن الإسرائيلية ويهود من الحريديم بسبب الت
...
-
-حرب الشاشات تندلع في القاهرة-.. بعد واقعة شارع فيصل شاشات ع
...
-
أول خلاف لنائب ترامب؟ وصف بريطانيا بأنها دولة إسلامية نووية
...
-
الشرطة العمانية تعلن مقتل 3 من منفذي الهجوم المسلح على المسج
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|