|
نصر حامد أبو زيد والوعظ الديني و-البرلمان-
عبدالله آل تويه
الحوار المتمدن-العدد: 2863 - 2009 / 12 / 20 - 15:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعليقاً على حادثة طرد المفكر المصري الكبير من الكويت
الديمقراطية هي ما يختاره الشعب. هذا مبدأ ديمقراطي أساسي واضح ومبدئي جدا. وعندما يختار الشعب الإسرائيلي السفاحين أمثال شارون وليفني وألمرت ونتينياهو فإن هذا إجراء ديمقراطي لأنهم جاؤوا إلى الحكومة برغبة الشعب أو على الأقل برغبة الأغلبية المقترعة. كل ما يفعله أولئك السفاحون بعد انتخابهم بكل تأكيد عمل ليس فقط ضد الديمقراطية بل ضد البشرية جمعاء. هؤلاء السفاحون دائما واثقون من أنهم سيصلون إلى سدة الحكم لأن قاعدتهم الانتخابية كبيرة ومتطرفة هي الأخرى. وإذن هل من الممكن أن نجبر أحدا على انتخاب المعتدلين إذا كان هو أساسا ذا تفكير أصولي؟ العمل الديمقراطي يمنح المتطرفين والمعتدلين والأسوياء نفس الفرص، فما بالك في دولة دينية عنصرية هي إسرائيل؟! المتطرفون في كل مكان وفي البلاد العربية أيضا لو وصلوا إلى سدة الحكم فسيدمرون ويقمعون ويقتلون وسيرتكبون أشنع الجرائم.
هنا كل الخطر الذي يتهددنا جميعا في البلاد العربية والإسلامية: أن يصل الظلاميون على ركاب الإجراء الديمقراطي إلى سدة الحكم. ولأننا أساسا لا نعيش في دول ديمقراطية فقد صرنا في مرحلة منعطف تاريخي تجعل كل هذه الشعوب تثق فقط في توجهات الإسلاميين. وهذا طبيعي بالنسبة إلى أمة هزمت في كل الحروب من عام 1948م على الأقل وحتى اللحظة، وشهدت فشل الشيوعية والأنظمة العسكرية. الإسلاميون هم الملاذ الأخير لهذه الشعوب. والإسلاميون قادرون على كسح أي حزب في البلاد العربية والوصول إلى سدة الحكم لو أتيح لهم ذلك في ظل انتخابات ديمقراطية حقيقية ونزيهة، لكنهم قد لا يصلون إلى السلطة لأنهم هم أيضا مثل باقي الأطياف الأخرى ضحايا السلطة الأكبر التي تتحكم في كل شيء. ولكن لا بأس من أن يكون الإسلاميون حاضرين هنا أو هناك مع السلطة الأكبر طالما أنهم أكثر الأدوات نجاعة في السيطرة والتلاعب بالأطياف الأخرى وفرض إرادة السلطة الأكبر في نهاية المطاف.
هنا مكمن الخطورة: أن تكون هناك كتل دينية تدخل الانتخابات بوصفها أحزابا، لأنها ستعيدنا قرونا وقرونا إلى الوراء. لأن الحجة الدامغة النابعة من المبدأ الديمقراطي نفسه أن الديمقراطية هي ما يختاره الشعب. الأنجع بالنسبة للأمة العربية البائسة جدا جدا أن لا تكون هناك أحزاب دينية أساسا بل أحزاب ذات أجندات وطنية وديمقراطية مدنية لا تقوم على أي أساس ديني لأن الدين سيكون الضحية التي يتم إعدامها وارتكاب كل الفظاعات باسمها. لكن تخطي هذه الأزمة مستحيل تقريبا في البلاد العربية، والسبب في ذلك ليس الإسلاميون بل السلطة العربية التي تسيطر على الجميع وتتحالف مع الإسلاميين وتكون ضدهم حسب الظروف والمعطيات التي تمر بها. واقع الأمر أن أكبر خطر يتهددنا بفعل الغياب الحقيقي للديمقراطية والحرية المزيد من القمع والدكتاتورية والفساد التي تؤدي إلى فقدان الأمل في الأنظمة السياسية وفي التغيير فلا يبقى أمامنا إلا أن نكون تحت تخدير الأفيون الوعظي والتطرف الديني الذي يجيش الجماهير ويسيطر عليها إلى حد تجهيلها وسحقها وجرها في اتجاه الظلامية والتطرف إلا من رحم ربي.
الذين منعوا عالم القرآنيات الكبير نصر حامد أبو زيد من دخول الكويت هم هؤلاء. نتيجة الإجراء الديمقراطي أوصلت الإسلاميين إلى مجلس الأمة الكويتي لكنها تسببت في أعمال غير ديمقراطية بالمرة ومنها هذا الفعل الشنيع بشتى المقاييس بمنع أبو زيد من دخول الكويت وطرده من المطار مباشرة إلى القاهرة التي جاء منها منعه حتى من أن يتجاوز الجهة المقابلة من طابور الجوازات ليسلم على من وجه إليه الدعوة، بل وارتكبت في حقه وقاحة ما بعدها وقاحة حيث طلب منه في المطار أن يدفع تذكرة العودة وأن يعود على متن خطوط جوية أخرى غير تلك التي جاء على متنها!
الذي حدث نسرده على لسان أبو زيد في لقائه بجريدة الوطن الكويتية تعليقا على الحادثة: "الوطن: ماذا حدث بالضبط؟ أبو زيد: أرسل إليّ د.أحمد البغدادي والشباب معه دعوة لزيارة الكويت وإلقاء محاضرتين فيها، وعندما وصلت إلى مطار الشيخ سعد على الخطوط الوطنية، وذهبت إلى موظفة الجوازات فوجئت بأحد العاملين في المطار يرحب بي بحرارة ويدعوني إلى الجلوس قائلا: اتفضل استريح.. جلست وإذا بهذا الشاب يقول لي: عفوا يا دكتور اعتبرني مثل ابنك، أنت ستعود إلى القاهرة على طائرة الساعة العاشرة، فسألته: لماذا؟ فقال: أنت ممنوع من دخول الكويت، هذه تعليمات عُليا. فاتصلت بالأخ طالب المولى (عضو مركز تنوير) وأبلغته بالخبر ففوجئ هو الآخر بالقرار، وحكى لي أن نواباً إسلاميين في مجلس الأمة عملوا «دوشة» حول دخولي وطالبوا بمنعي من دخول الكويت، وهددوا بسحب الثقة من الوزير المسؤول، ثم كلمني بعد ذلك د.أحمد البغدادي معتذراً عما حدث فقلت له: «ولايهمك.. هذه بلاد نحن لا نمتلكها».
أما حيثيات حادثة الطرد فتعود إلى أن "نوابا إسلاميين بمجلس الأمة ]شنوا[ هجوما على أبو زيد مستنكرين دعوته، حيث استنكر النائب الدكتور وليد الطبطبائي استضافة أبو زيد، واتهم الجمعية الثقافية بممارسة الاستفزاز المتعمد للمجتمع الكويتي المسلم، بحيث تركوا كل المفكرين والعلماء الكويتيين والعرب والمسلمين" (العربية نت).
اتضحت الصورة الآن تماما، فالإسلاميون الذين يصلون إلى مستوى يستطيعون من خلاله فرض أجنداتهم الفكرية عبر السياسة لا يترددون في تنفيذ أفكارهم الرجعية مهما كانت. كيف يمكن تصور عضو "برلمان" يطالب بمنع مثقف من دخول دولة جاء مدعوا إليها من مثقفيها ومثقفاتها لا لسبب إلا لأنه يختلف مع فكره هذا إذا كان قد قرأ شيئا أصلا من كتاباته. ثم تقوم الحكومة بتنفيذ طلب هذا النائب وبأقبح الصور والأشكال: الطرد بشكل حاط بالكرامة ولا يليق بأي إنسان ناهيك عن عالم مثل أبو زيد؟! هذه مهزلة وليست ممارسة لعمل سياسي ناضج.
أبو زيد مدرك طبعا أن ما حدث كان صدمة فانتازية كبيرة ومدهشة. وسبب هذه الفانتازيا كلها أن الوعظ الديني يظل يردد أن أبو زيد مرتد وكافر. إن مسألة الخلاف بين أبو زيد والإسلاميين ليست حول ما يقول بل حول ما يفهمونه هم مما يقول. المشكلة الأساس هي في الفهم. وطالما كانت المشكلة في الفهم فهي مستعصية جدا خصوصا عندما يصر الإسلاميون على عدم الفهم. الصورة هنا واضحة تماما: فهي صدى متأجج لحادثة تكفير أبو زيد في عام 1995 في مصر. ولأن عدم الفهم يقود إلى التشويه والابتسار والاستسهال -إلى حد الصفاقة - حكم على أبو زيد بالردة ومنعت كتبه في الجامعة التي كان مدرسا فيها! بل وحكم بما ليس أخلاقيا بل متخلفا ورجعيا: التفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس على أساس عدم جواز زواج مرتد بمسلمة! لكن هنا مع أبو زيد في الكويت ديسمبر 2009 لا بد من المرور بمعظم المحطات سريعا تقديرا لهذا العالم المجدد والمجتهد الذي لم يفهم مضيفوه أنهم يرتكبون خطأ جسيما جدا في حقه يدمر بعض "إنجازات تطور" عملهم "البرلماني" الذي تجلى أخيرا ولأول مرة في مساءلة رئيس الوزراء الذي ينتمي إلى العائلة الحاكمة. على نواب مجلس الأمة الكويتي أن يصححوا الخطيئة في حق أبو زيد وأن يعتذروا إليه ويثبتوا أن هناك ممارسة لعمل سياسي حقيقي يرفض التطرف والمهازل.
بالنسبة إلى أبو زيد فإن إنجازاته الفكرية والعلمية المنشورة بالعربية والإنجليزية والمترجمة إلى معظم اللغات الأوروبية واللغتين الفارسية والإندونيسية بكل تأكيد تفوق ما قدمه الإسلاميون والوعاظ على امتداد العالمين العربي والإسلامي معا ليس على الصعيد الأكاديمي والعلمي فحسب بل على صعيد إعادة الاعتبار والاحترام للإسلام بوصفه دينا روحيا وأخلاقيا عظيما، وهي المهمة التي يتغنى بها الإسلاميون ومعظمهم يعكس صوراً ظلامية عن الإسلام كهذا الذي فعلوه في حق هذا العالم الجليل.
من "الاتجاه العقلي في التفسير" (1978م)، مرورا بـ"فلسفة التأويل" (1982م) و"المرأة في خطاب الأزمة" و"الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجيا الوسطية" و"ونقد الخطاب الديني" و"مفهوم النص" (1989)، مستفيدا من معرفته الواسعة في التراث، قام أبو زيد بغربلة التراث التفسيري والتأويلي للقرآن مقدما بذلك مناهج حداثية نقدية في قراءة الفكر الإسلامي والقرآني قراءة ليست مغايرة للخطاب الإسلاموي الأحادي فحسب بل قراءة متمايزة عن مجايليه من المفكرين الحقيقيين يبثها إلينا عبر منهجية بحثية متفردة في قراءة القرآن قراءة معاصرة وحداثية تعيد إليه الاعتبار بوصفه كتابا أخلاقيا وروحيا وليس كتابا في الحكم والسياسة والعلوم كما يريد الخطاب الديني الإسلامي الاستهلاكي أن يروج. وعندما غادر أبو زيد مصر إلى هولندا في عام 1995 ظن الإسلاميون أنهم انتصروا عليه، ولكن الحقيقة هي أنهم هزموا قبل وبعد تلك الهجمة الرجعية التكفيرية التي قاموا بها في حقه وحق مفكرين بارزين آخرين في مصر وخارجها.
الحقيقة هي أن المتطرفين في بلادنا العربية هم من يسيئون إلى المعنى الديني والروحي الخلاق في القرآن وفي الإسلام. إنهم يفعلون ذلك عبر الاجترار وتحميل المعنى القرآني ما لا يحتمل والزج به في السياسة، بل ويستخدمونه كأداة لسحق المرأة وقمعها واستلاب حقوقها واسترقاقها تحت شتى الدعاوى والتأويلات البائدة المستمدة من الأعراف والتقاليد المتخلفة. وأي كتاب مقدس يمكن أن يتحول إلى مدنس إذا تم توظيفه في الحراك البشري الاجتماعي والسياسي، بل إنه يمكن أن يتحول إلى أداة عنصرية كما يحصل في إسرائيل، وبالطبع بلادنا العربية لا يمكن استثناؤها من هذه الخصلة الأخيرة، والأمثلة على ذلك ظاهرة للعيان ومدونة في سجلات المحاكم. إن ما قام ويقوم به أبو زيد وزملاؤه من العلماء الحقيقيين في مواجهة الرجعية والتخلف وسلطة القمع الدينية والسياسية أبعد من أن نختزله في هذه السطور.
أما بعد عام 1995م -أي بعد التكفير والحسبة - فقد استمر أبو زيد في التفكير والعمل، وكان هذا إيذانا بأنه لا يزال موجودا وأن لديه ما يقوله للعالَمين الإسلامي والغربي في حقل الدراسات القرآنية والفكر الإسلامي بشكل خاص والديني بشكل عام. وبينما توقع خصومه أن تكون نهايته حسمت في محكمة القاهرة التي قبلت دعوى التكفير والتفريق والحسبة كان أبو زيد ولا يزال منخرطا في تطوير وتحديث الفكر الإسلامي عبر تواجده أستاذا جامعيا في جامعتي ليدن وأترشت في هولندا ومحاضرا ومشاركا في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في المؤتمرات والحوارات وعبر دراساته المتميزة في حقل القرآنيات ومن بينها اختصارا "المفهوم القرآني للعدل" و"القرآن في الحياة اليومية" ودراسته التدشينية لاعتلاء كرسي المفكر اليهودي الهولندي الكبير كليريڤينجا "القرآن: الله والإنسان في اتصال" في عام 2000 في جامعة ليدن، ودراسته التدشينية المفصلية في حقل الدراسات القرآنية لاعتلاء كرسي ابن رشد في جامعة أترشت للإنسانيات بهولندا "القرآن: من النص إلى الخطاب" في 2004، وكتابه "إصلاح الفكر الإسلامي: قراءة تاريخية تحليلية نقدية" (2006). إنه من الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى أن المحاضرة التدشينية الأولى لأبو زيد في هولندا أدانت في مقدمتها إسرائيل والقتل الذي تقوم به يوميا للفلسطينيين. أما المحاضرة التدشينية الثانية فقد ختمها أبو زيد بإدانة المشروع الاستعماري الأمريكي الجديد الذي سيقضي على آمال الشعوب وسيعطي هذه الأخيرة أملا واحدا في الخلاص وهو التطرف.
في كل هذه الدراسات وفي انخراطاته الحوارية في أوروبا وأمريكا والعالم الإسلامي -ممثلا في ماليزيا وإندونيسيا- استطاع أبو زيد أن يحول بوصلة الدراسات القرآنية في العالم الغربي نحو التركيز على الأبعاد الروحية والأخلاقية للرسالة القرآنية مشاركا في حوار الأديان والحضارت ليس عبر الصراخ وأحادية الرأي لكن من خلال تقديم بحوث علمية حقيقية متميزة سيحتاج العالم العربي إلى أن يدخلها في مناهجه الدراسية الإسلامية بأسرع وقت في سبيل تحديث الفكر الإسلامي وإخراجه من حالة الأزمة والانغلاق والأحادية والتطرف.
باختصار، الذي هزم في معركة تكفير أبو زيد هم الإسلاميون، لأن رهانهم كان حول التكفير والردة، وظنوا أن ظلاميتهم ستوقف أبو زيد كما فعلت لمفكرين آخرين. استطاع أبو زيد أن يخترق العالم الإسلامي في إندونيسيا وماليزيا على الأقل، وأن يقدم محاضراته هناك ويتلقى دعوات تلو أخرى في هذين البلدين اللذين تُرجم إلى لغتيهما جل كتاباته العربية والإنجليزية. وعلى الصعيد الغربي- بالإضافة إلى ما تقدم- استطاع أبو زيد – ولأول مرة في تاريخ أوروبا- أن يعيد الاعتبار والاحترام للاسم العربي للفيلسوف الأندلسي العظيم ابن رشد الذي لا يعرف في أوروبا بهذا الاسم بل باسم أڤيروس، وذلك شرطا لقبوله اعتلاء الكرسي. وقد ساهم أبو زيد مع المفكر العربي البارز محمد أركون في التحرير والإشراف والكتابة في أهم عمل قرآني معاصر ألا وهو "الموسوعة القرآنية" التي تقع في ستة مجلدات نشرتها دار بريل الهولندية العريقة التي شارك في كتابتها أكثر من 250 عالم قرآن معظمهم غربيون.
ومثلما "أشكل" على الإسلاميين والتكفيريين في مصر أن يفهموا المقصود من أن القرآن "منتج ثقافي" -كما جاء في "مفهوم النص"- سيشكل عليهم أيضاً أن يفهموا ما قاله أبو زيد في 2004 في محاضرته التدشينية السابقة الذكر في جامعة غربية من أن "القرآن كلام الله، لا خلاف حول هذا المعتقد". واقع الأمر أن الإسلاميين أو الإسلامويين يشوهون المعاني والدلالات لأغراض التكفير والتحريض على القتل وتأليب السلطة. وأي تشويه يمكن أن يطال كتابات هذا المفكر أكثر من أنهم لم يفهموا معنى أن القرآن "إلهي تنزيلا وبشريّ تأويلا"؟!، وهي عبارة قال أبو زيد عنها لو أن تلميذا من تلامذته في السنة الأولى لم يفهمها فسيعطيه صفرا. الأمر الآخر الذي لا يفقهه الإسلاميون هو أن كتابات أبو زيد ليست حول "تاريخ القرآن" بقدر ما هي حول ما يقوله القرآن أو كيف يقوله، أي أنها كتابات عن النص القرآني. ولو شئنا استخدام المنحى التحديثي والتطويري الجديد لأبو زيد علينا أن نقول إنها كتابات عن الخطاب القرآني وحوله. ببساطة لا يناقش أبو زيد ما إذا كان القرآن من عند الله أم لا. ليس هذا هو الموضوع بالمرة.
بقدر ما يمثل أبو زيد اتجاها أصيلا قائما بحد ذاته إلا أنه كذلك امتداد لمفكري عصر النهضة في العالم العربي.
الآن هنا تجعلنا كتابات أبو زيد في نفس المأزق الذي تقوم بتحليله وتمحيصه. إنه مأزق ومطب الخطاب الديني. أبو زيد هو أحد مُعرِّي ومفككي الخطاب الديني الإسلاموي بامتياز، فكتابه "نقد الخطاب الديني" (1987) كان بمثابة قراءة للخطر الذي يمكن أن يشكله الخطاب الديني عبر قراءاته التلوينية للنصوص ثم نقل هذه القراءة التلوينية إلى أرض الواقع وتطبيقها. وكأن حادثة تكفير 1995 جاءت تحقيقا لجانب من تحليلات كتاب "نقد الخطاب الديني". الأفكار القوية لا تموت. أفكار أبو زيد لم تمت ومهما فعل الإسلاميون بشأنها في جامعة القاهرة فقد خرجت إلى شوارع القاهرة. لكنها وصلت بعد عام 1995 إلى ما هو أبعد من القاهرة وجامعة القاهرة. إنها المسافة الفاصلة بين الجامعة الميتة والأستاذ الحيّ. "في الجامعة نحن لا نتعلم المعرفة" بل "كيفية الوصول إليها" -هكذا يقول أبو زيد.
وإن تمكن الخطاب الديني من السيطرة على الجامعة و"البرلمان" فإن طموحه سيزداد وشغفه للسلطة وحبه لها سيلتهبان، وهنا سيقرر أن يسيطر على الجيش ويكون يوم الواقعة. إن حلم هؤلاء النهائي والأخير هو تأسيس الدولة الدينية. إنه حلم المعتدلين والمتطرفين على السواء.
"بوصفِه خطابًا يُتيحُ القرآنُ خياراتٍ متعدِّدةً، وحلولاً مختلفةً، وبابًا مفتوحًا للفهم. الاستنتاجُ هو: أنَّ الزَّعْمَ بأنَّ أدبيَّاتِ الشَّريعةِ مُلْزِمَةٌ لكلِّ المجتمعاتِ الإسلاميَّةِ بصرفِ النَّظَرِ عن الزَّمانِ والمكانِ هو ببساطةٍ نِسْبَةُ القدسيَّةِ إلى النِتاجِ الفكريِّ البشريِّ والتَّاريخيّ. وإذا كان هذا هو الحالُ فليس ثَمَّةَ إلزامٌ لتأسيسِ دولةٍ ثيوقراطيَّةٍ تزعمُ أنَّها إسلاميَّة. إنَّ مُطالَبةً كهذه ما هي إلأّ دعوةٌ إيديولوجيَّةٌ لتأسيسِ سُلْطَةٍ ثيو-سياسيَّةٍ غيرِ مُساءلة؛ إنَّها إعادةُ بعثٍ لأشدِّ الأنظمةِ السِّياسيَّةِ شيطانيَّةً ودكتاتوريَّةً على حسابِ البُعْدِ الرّوحيِّ والأخلاقيِّ للإسلام" (أبو زيد، القرآن: من النص إلى الخطاب 2004).
في الكويت كتب أبو زيد أصلا ممنوعة بسبب الإسلاميين. الكويت كانت ولا تزال مصدر أهم الدوريات الثقافية والفكرية والعلمية والاجتماعية المكتوبة بالعربية والمترجمة إليها. حقا فإن مجلة العربي العريقة- التي دخلت معظم البيوت الخليجية- نشرت لأبي زيد دراسات ومقالات عدة بالإضافة إلى دراسات أخرى في مجلات محكمة صادرة من الكويت. إن هذه الازدواجية: مجلات كويتية تنشر لأبي زيد بينما كتبه ممنوعة أصلا! تحيل إلى الهوة السحيقة في المكان ذاته، "الحداثة" والرجعية في آن واحد. هل سيذهب الإسلاميون الآن ليحرقوا أرشيف مجلة العربي ليتخلصوا من فكر أبي زيد كله على الأقل من دولة الكويت؟؟!!
من يدري؟
#عبدالله_آل_تويه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|