|
الإصلاح في سورية ولعبة الكشتبان
جميل جابر
الحوار المتمدن-العدد: 869 - 2004 / 6 / 19 - 05:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
صديقي الحمصي أبو فارس يساوره حلم قديم و غريب، يحلم أن تصله رسالة بريدية إلى عنوان بيته. أبو فارس له أقرباء في دمشق وأصدقاء أعزاء في حلب وكانت أحياناً تصله رسائل معنونة باسمه ولكن إلى بقالية (أبو أحمد) التي تبعد مئة متراً عن بيته. كثير من الرسائل والطرود البريدية ضاعت في الطريق. يقول أبو فارس إن المشكلة تكمن في عدم وجود نظام ترقيمي للشوارع والبيوت فأنت لا تستطيع أن تدل أحداً إلى بيتك دون أن تقول للزائر بدقة كيف يجده. يجب أن تقول له (شارع حماه، قرب محطة البنزين بجوار مطعم السعادة) وحالته مثل حالات جميع السوريين الذين يستعيضون عن هذا النقص بأنظمة وحلول خاصة بهم وكما يقول المثل( النقص يعلم الاختراع).يرفض أبو فارس مقولة( إن سبب هذا التخلف هو أننا عرب) ويوضح أن في تونس مثلا نظام ترقيمي وفي العراق أيضاً وحتى في الخرطوم يعمل هذا النظام بدون خلل.رغم مضي السنين الطويلة وكبر السن لم يفقد الأمل أن يتحقق يوماً حلمه، لا بل زاد حين علم من فترة وجيزة أن فريقاً من الخبراء الفرنسيين قدموا دراسة هامة إلى الحكومة السورية حول الإصلاح الإداري.هل تعلم يا أستاذ يقول أبو فارس أن الفرنسيين هم من أدخل التنظيم الرقمي للأبنية في بروسيا (ألمانيا لاحقاً) أثناء حملة نابليون بونابرت حيث كانوا يتقدمون على الألمان في الإدارة وغيرها، وهل تعلم أن شركة العطور الألمانية المعروفة 4711 في مدينة كولونيا، أعطيت هذا الرقم من قبل الفرنسيين للبناء الذي تقطر فيه العطور.ويبدي أبو فارس تفاؤله لأن أولويات الحكومة هي الإصلاح الإداري والاقتصادي وليس السياسي ولو كانت المشكلة سياسية لما تفاءل أبو فارس. في سوريا الجميع يتحدث عن الإصلاح ومنذ مدة ليست بقصيرة. وتقوم المؤسسات الدعائية وجهاز الحزب بترويج سياسة النظام ومشروعه الإصلاحي.وكما جاء في الإنجيل(في البدء كانت (الكلمة)، انطلق الجميع من (كلمة) الرئيس والمعروفة بخطاب القسم عام 2000 والذي أعلن فيه عن نيته في الإصلاح.وقد علقت المعارضة كما يبدوا أهمية عليه فكان أساساًً لمطالبة البعض بإصلاحات ديمقراطية.ولا يفاجئنا أنه وحتى بعد دمشق).ع سنوات من فترة حكمه نجد من المثقفين من يرى في الكلمة( برنامج عمل للحكومة، لا بد من وضعه موضع التنفيذ من خلال...)(د.كامل عمران مدرس في جامعة دمشق).أربع سنوات مرت دون أن تشكل خطوة فعلية إلى الأمام، لم يلمس المواطن تحسن في ظروف حياته وينوبه القلق بالنظر إلى المستقبل وخصوصاً إذا سحب المواطن محصلة السنوات الأربعة الماضية على السنوات القادمة التي تعني استمرار معدلات الفقر والبطالة وانسداد الآفاق. في سؤال لصحيفة القبس الكويتية للسيد الرئيس: أين وصل الإصلاح السياسي والاقتصادي داخل سوريا؟ قال الرئيس:..(.إن القاعدة الأولى هي القوانين بالدرجة الأولى وأنت بحاجه إلى سنوات لترى النتائج الإصلاحية بشكل عام، وأهم نقطه أننا بصدد أقامة البنوك الخاصة). وبغض النظر عما إذا كانت أهم نقطة أم لا فإنه بعد أربع سنوات من العهد الجديد مازال تجار سورية يسيرون تحولاتهم المالية وحتى هذه اللحظة عن طريق البنوك اللبنانية.الأهم من كل هذا أن المواطن لا يعلم شيئاً عما يطبخ له في أروقة القصر فلا برامج معروفة و محددة بزمن ولا مشاريع لها بداية ونهاية وذات دلالة. كل ما في الأمر شعارات كبيرة بدون مضامين . وعند الإنسان السوري سيان أن يذهب إلى قارئة الفنجان سائلاً عما يخبئه له المستقبل أم أن يقرأ مقولات حكومة العطري.
أما الإصلاح الذي أعلن كهدف للعهد الجديد فهو بطبيعته عمل مركب ومعقد قد يكون مؤلماً كما في روسيا وقد يكون ناجحاً كما في الصين أو فاشلاً حسب المصالح ووجهات النظر، ورغم تعدد الآراء وتنوعها حول الموضوع فأنه تبقى مفاهيم مشتركة وثابتة منها تأثيرالأصلاح العميق على حياة الناس ومستوى دخلهم، وحريتهم ومستقبلهم. بحكم وجودي في الغرب ولعلاقتي المهنية بتنفيذ مشاريع.أرغب من خلال هذا المقال وبالاعتماد على مراجع حديثة المساهمة في تحديد مفهوم المشروع بعد أن شدتني النقاشات حول مشروع الإصلاح فما هو المشروع وكيف نحكم عليه ؟ هناك الكثير من الأعمال اليومية التي تقوم بها الدولة يومياً لا ترقى إلى صفة المشروع وهي ليس لها طابع المشروع ألتغييري وهي ليست كبيرة ولا مميزة وتأخذ شكل قرارات يومية أو دورية.أما المشروع فهو يعني الوصول إلى أهداف واضحة المعالم ويجري إقرارها على ضوء معايير محددة من مستوى عالي. ما هو مفهوم المشروع ؟ إنه التخطيط لهدف واضح قابل للتوجيه وقابل للقياس. يرتبط المشروع بفترة زمنية لها بداية ولها نهاية لكل مشروع وحدانية فهو يجري في ظروف محددة وشروط خاصة به. المشروع الإصلاحي هو إجراءات مركبة ومعقدة متداخلة مع بعض ويتطلب تحقيقها استخدام طرق وأدوات فنية ورغم ارتباط المشروع الإصلاحي بمجال أو حقل محدد فأنه يتداخل ضمنياً بحقول أخرى غالباً ما يكون المشروع محفوفاً بالمخاطر يرتبط مفهوم المشروع بوجود هيكل تنظيمي مستقل وخاص به. هناك ظروف تعطي المشروع قيمة سياسية عالية يتعلق تحقيق المشروع بوجود موارد وخبرة معرفية محددة إدارة عملية مشروع الإصلاح:
الإصلاح عملية محددة تمر بعدة مراحل:1- مرحلة التخطيط 2-مرحلة التنظيم 3- مرحلة التنفيذ 4- الرقابة يظهر في الإصلاح تلازم البعد الإنساني (بواسطة الإنسان ومن أجله) مع البعد الفني-التكنولوجي حيث يجري استخدام أنظمة اجتماعية-فنية أي توظيف راشد للإنسان محترف الخبرة والأنظمة الفنية، وجوهر الإصلاح هو تنفيذ المهام بدقة وهذا يتطلب تعاون إدارة المشروع مع فريق العمل (الخبراء).ومن أجل ضمان التطبيق الناجح للمشروع يجب تحديد أولاً المطلوب والتوقعات والآمال التي يعقدها أصحاب المشروع والتي يجب أن يحققها المشروع ومن أجل تجنب النزاعات في المشروع هناك مجموعة من الباحثين والمؤسسات يرون حاجة إدارة المشروع إلى الأمور التالية: 1- الصياغة الواضحة لهدف المشروع 2--تخطيط على شكل مراحل: التنظيم، التنفيذ، ومراقبة تنفيذ المهام 3-تحضير فريق العمل وقيادته 4-تخطيط ومراقبة الموارد الفنية والبشرية، الخبرات والميزانية. 5-أدوات التوجيه اعتماد المقارنة الدائمة بين ما تم إنجازه والوصول للهدف. 6-التعرف المبكر علىالمخاطر وتأثيرها على المسار وتقييم محترف للنتائج وتطوير بدائل.
يبدأ المشروع: بالفكرة ثم التثبيت الخطي للأهداف والمهام بدقة (الخطة المباشرة ) ولكن هناك من يهمل إعطاء هذه المسألة الاهتمام اللازم وهناك من يرى بذلك مسألة بيروقراطية معيقة ولكن الوضوح والتحضير في فترة مبكرة يجنب الفوضى والحيرة لاحقاً.وهناك قاعدة تقول: كما يبدأ المشروع ينتهي أيضاً.. فكرة المشروع: يمكن نشوء فكرة الإصلاح بناء على رغبة من صاحب الفكرة، أو بسبب المشاكل الضاغطة مثل تقادم الهياكل أو الاستخدام السيء للمصادر الفنية والبشرية وتفترض فكرة المشروع وجود الوعي السابق بأن استمرار الحالة الراهنة سوف توصل إلى أوضاع أكثر سوءاً وفكرة المشروع هو شيء محدد وتظهر الحلول الممكنة من خلال تحليل واقعي لا سباب الوضع القائم (الاقتصادي مثلا) ويمكن طرح أسئلة تقريبية: لماذا يجري العمل بالطريقة الراهنة وما هي فاعلية النظام القائم ؟ ما هي جوانب القوة والضعف في الوضع الراهن؟وهل هناك مسئول عن العجز الحالي؟ ما هي الأضرار الناتجة بالنسبة للمواطن والدولة؟ إن نقاش هذه الأفكار الأولية سيظهر هل من الممكن تحقيق المهام والنتائج المطلوبة من خلال هذا النظام أم لا؟ وسيظهر أيضاً أنه لا يمكن إضافة مهام المشروع إلى المهام اليومية التي تحل من خلال الهيكل التنظيمي الحالي وإنما من الضروري وجود هيكل تنظيمي خاص بالمشروع. الطريق طويل بين الفكرة والمشروع.بعد طرح الفكرة يجب اتخاذ قرارات حول قابلية التنفيذ وتحديد إدارة التنفيذ ومن الضروري هنا عرضه على المؤسسات والرأي العام وإجراء مناقشة واقعية للمشروع أو مدى منافسته لإجراءات حكومية موجودة أصلا.إن اتخاذ القرارات الباكرة قبل البدء بتنفيذ المشروع ووضع الدراسات لتحديد الشروط والتهيئة للانطلاق الموفق.
على ضوء التقديم السابق تستحضرني مقولات حول مشروع الإصلاح في سورية.الأولى من الأستاذ ميشيل كيلو الذي أعلمنا من برنامج الجزيرة أن الإصلاح فشل، ولم يقل أي مشروع يقصد ومتى بدأ وأي فريق نفذه؟ الخطاب ليس مشروعاً، إنه ليس أكثر من إعلان رغبات. والمقولة الثانية هي للأستاذ عماد شعبان:( لماذا يحكم البعض على الإصلاح قبل أن ينتهي؟) وليته كأحد المقربين يعلم الناس متى وماذا ينتهي؟ والثالثة من حديث للدكتور إلياس نجم وهو يتحدث عن حاجة سورية إلى إصلاحيين ذوي خبرة (...أنا أعتقد أن المسألة خطيرة جداً في هذا الأمر ونحن تكلمنا في الإصلاح ولم نقم به حتى الآن). بعض أسباب الفشل: هناك طريقتين أكيدتين لقتل المشروع الإصلاحي: الأول هو الأهداف الغير واضحة والعائمة والتي يجري تغييرها من داخل المشروع باستمرار، والثاني استبدال قيادة المشروع عدة مرات. في هذه الحالة يبقى النجاح هو حصولنا على قيمة تجريبية من الناحية العملية يذكر الخبير الاقتصادي سمير عيطة أن وزير التخطيط والصناعة السابق والمكلف بصياغة الرؤيا السورية حتى عام 2020 يجري تحجيم فريق عمله وهو ما زال ممنوعاً من مغادرة البلد. المراقبة العامة للمشروع: لا يوجد مشروع سكوني وإنما هو عملية ديناميكية يتفاعل مع مجالات أخرى، والمشروع الجيد هو ذو النتائج الجيدة والتي يمكن قياسها باستمرار في الواقع وعلى ضوئها نستطيع تحديد نقطة الوصول. الجوهري في المراقبة هو تبادل المعلومات الضرورية واللازمة لمراقبة مسار المشروع وهو يتطلب وجود مؤسسات الرقابة النشطة والرأي العام الحيوي. تعقيباً عما تقدم يؤسفني أن أقول لصديقي أبو فارس أن مسألة الإصلاح لم تتعدى حتى الآن مرحلة الفكرة ونقاشها ولم تصل مرحلة الصياغة كمشروع وما زالت الدراسات ناقصة ومسألة التشخيص الأولي مفقودة ومن الصعب الحكم على النجاح أو الفشل إذا لم ننهي مرحلة التخطيط ونبدأ بالتنفيذ،والحقيقة أن أصحاب القرار في وضع مريح جداً يستعرضون نماذج الإصلاح في العالم من ماليزيا إلى سنغافورة والصين يفضلون هذا وذاك مثل تفضيلهم لأنواع سيارتهم الخاصة.أما عن الزمن فلا تسألني يا صديقي أبو فارس فهذه مسألة بعلم الله.
جميل جابر- ألمانيا
#جميل_جابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-كنا نعتمد فلسفة القوة-.. وزير خارجية العراق يقارن توجه البل
...
-
-كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية-، ضابط من القوات النووية
...
-
حادث مروّع في ليتوانيا.. طائرة تصطدم بمنزل وتؤدي إلى مقتل شخ
...
-
فيتامين مهم يساعد في تخفيف أعراض الانسداد الرئوي المزمن
-
منظمة دنماركية تحذر: الذخائر غير المنفجرة ستهدد سكان غزة حتى
...
-
دفنا تحت الركام.. لحظات مروعة لانهيار مقلع رخام في تركيا (في
...
-
-إكسير ذهبي- لمحاربة ارتفاع الكوليسترول وأمراض القلب
-
روبوت بري روسي ينجح في تدمير موقع أوكراني (فيديو)
-
علامات تحذيرية على قدميك قد تكشف مشاكل صحية غير مرئية
-
-بلومبرغ- تكشف فحوى العقوبات الأوروبية الجديدة ضد روسيا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|