طلال الناير
الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 19 - 20:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سويسرا, ليست فقط بلد الساعات الدقيقة والأجبان الفاخرة والمأوى الأمين لرأس المال, بل هي أيضاً بلد الدكتور فيكتور فرانكشتاين خالق أشهر المسوخ في التاريخ. كتبت الأديبة الإنجليزية ماري شيللي واحدة من أشهر الروايات في التاريخ وهي (فرانكنشتاين) لتروي فيها مأساة فيكتور الطبيب السويسري والذي في العام 1797م بدأت حكايته برؤيته لأحبائه يتخطفهم الموت واحداً تلو الآخر بدءً من كلبه برونو وصولاً لوالدته التي ماتت بإحدى الأمراض المستعصية, فيكتور الذي تحدى إرادة الإله وكشف سر الخلق الدفين ولم يستمع لنصيحة أستاذه البروفيسور وودمان الذي قال له: (المعرفة ليست شراً, بل ما يفعله الإنسان).
وبفضوله القاتل خلق فيكتور وحشاً سُميَ مجازاً بفرانكنشتاين. فكيف يا سادتي يكون للمسوخ أسماً؟ قام بتدمير ذاك الوحش بتدمير حياة خالقه وحياة سكان مدينة أنشلغولت الألمانية التي فرَّ إليها فيكتور بغرض الإختباء هارباً من مسقط رأسه في فينيا السويسرية, دمَّر الوحش حياة الجميع لأنه يبحث عن (الانتماء).
في الأيام الماضيات كان (الحياد السويسري) الذي كان مقياساً عالمياً محل جدل لم ينتهِ حتى الآن وذلك بعد نجاح حزب الشعب السويسري اليميني المتطرف في كسب جولة في حربه على الأجانب والأقليات المتواجدة في سويسرا وجدد فوز الأغلبية البسيطة (57%) بحظر بناء المآذن. الجدل حول الوجود الإسلامي في بلاد المهجر وعلاقة المسلمين بالمجتمعات الغربية. كالعادة, إنساق الأغلبية عاطفياً في تيار الإدانة لـ(57%) دون معرفة الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية التي دفعتهم لتحمل عقبات وصم سويسرا المحايدة بتهمة معاداة الأجانب ولها في النمسا موعظة حسنة وهي رأت تبعات صعود حزب (التحالف من أجل مستقبل النمسا) بزعامة يورغ هايدر والعزلة التي فرضت على البلاد بسبب ذلك في العام 2005م.
فهم البعض القرار السويسري بمنع بناء المساجد ولكن القرار كان بشأن حظر بناء المآذن, وبداية التصعيد كان من جماعة المسلمين في حي فانغن قرب مدينة أولتنغي الصناعية والتي صدَّق مجلسها لهم ببناء مسجد بدون مئذنة لأن المدينة صناعية وكود البناء بها يمنع إنشاء مباني عالية, وقد شكل إصرار مسلمو حي فانغن استفزازاً لليمين المتطرف والذي قام بإشعال جذوة الجدل حول الحفاظ على هوية سويسرا من المد الإسلامي المتطرف والتحذير من أحداث مماثلة لأحداث 11 مارس في مدريد وتخويف السويسريين من أن تشهد بلادهم انفجارات مماثلة لما حدث في 14 يوليو في لندن والتي قام بها أبناء الجيل الثالث من مسلمي بريطانيا, إنهم شباب عاشوا في ثقافة البوب والانفتاح ولم يأتوا من الخارج كمنفذي هجمات 11 سبتمبر!!!
اشتغلت الأزمة لتخرج من شوارع حي فانغن متعملقة لتشمل العالم أجمع, وهنا وقع البعض تقريعاً في كامل سويسرا دون الإلتفات للـ(43%) الذين رفضوا القرار ودافعوا عن الأربعمائة ألف مسلم المتواجدين في بلاد الساعات الفاخرة وكـ(العادة) تم وصم سويسرا بالكفر والإلحاد المبين. انساق البعض عاطفياً وراء نظرية المؤامرة ولم يمعنوا في الهواجس والمخاوف التي دفعت بأكثر من نصف مواطني سويسرا لاتخاد مثل هكذا قرار.
تجربة حياة المسلمين في دول الغرب جديرة بالدراسة والبحث خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر أو موقعة نيويورك كما يسميها أيمن الظواهري. قام الإسلام السلفي بتقسيم العالم ببساطة مخلة إلى (دار إسلام ودار كفر), ومع التاريخ الدموي المشترك بين الإسلام والمسيحية والمتمثل في حروب الإبادة التي كان يسميها الإسلام بـ(الفتوحات الجهادية) والتي تقابلها من ناحية الوحشية الحروب الصليبية، خلق جدار عزل بين أكبر ديانتين في الأرض, وزاد من ارتفاع هذا الجدار الاستعمار الأوروبي لدول (دار الإسلام(. الأختراق الأكبر في تلك العلاقة الشائكة تمثل في هجرة المسلمين من بلادهم إلى أوروبا وأمريكا وأوستراليا, فأصبح المسلمين من أهل البلاد وأبنائهم مواطنين يتمتعون بكل الحقوق والتي يفترض نظرياً أن يقوموا بالمقابل بواجباتهم تجاه الدولة التي منحتهم المواطنة, ولكن لم يحصل ذلك للأسف.
احتجز بعض المسلمين أنفسهم في وسواس (التمييز العنصري) لدرجة أن البعض منهم لا يتقن لغة البلد التي يعيش, ويموت بها فيعيش منعزلاً في المجتمع. صنع بعض المسلمين (جيتو إسلامي) في المدن التي يعيشون بها واختاروا طواعية أن ينعزلوا عن مجتمعات يرون أنها مجتمعات الكفر والفسوق والإنحلال ثم من بعد ذلك يصرخون بأنهم يعانون من التمييز على أساس الدين والعرق!!!
مهاجرون مسلمون قرروا تأسيس بلدة إسلامية في شرق الولايات المتحدة الأمريكية واسمها (Islamville) وذلك حتى ينشأ فيها أبناءهم على قيم الإسلام الحق, بعيداً عن المجتمع الأمريكي المتحلل من الأخلاق, يفعلون ذلك في أمريكا نفسها التي قاتلوا وأبائهم من قبلهم للوصول إليها. مسلمو المهجر لا يزال يدورون في حلقة مفرغة وعاجزون عن فك رموز معادلة الموازنة بين القوانين العلمانية للبلاد التي يعيشون فيها وبين متعقداتهم الدينية, وإذا وسعنا (زووم الرؤية) سنجد أس المشكلة هي المسلم وارتباكه بشأن انتمائه المزودج للـ(الإسلام ووطن المهجر). أحد الأئمة في أوستراليا منع أطفال المسلمين من ترديد النشيد الوطني للبلاد لأنه (مخالف للإسلام), إمام آخر في بلاد الأوستورال قال بأن الإسلام يحلل في تعاليمه ضرب المرأة في حال عصيانها لبعلها ومن قال بغير ذلك فهو كافر, وإن كان المجتمع الأوسترالي!!!
نشرت قناة الحياة لسان حال أقباط مصر في المهجر فيديو يظهر فيه إمام مسجد لشبونة (الكبير) غاضباً مشدوداً وقال في سياق هجومه على سيد القمني ما معناه: (جهادنا ضد سيد القمني لهو جزء من جهادنا على الغرب الكافر الملحد (يقول هذا وهو في قلب أروبا والتي لا يرى فيها إلا هدفاً يستحق التدمير وقلعة من قلاع الكفر التي تنتظر سيل المد الإسلامي الجارف ليقتلعها من جذورها. بهذه العقليات الاستئصالية تحول بعض المسلمين إلى وكلاء لحروب الإسلام السلفي والجماعات الجهادية التي تؤمن بكفر المجتمعات الغربية (التي يعيشون على خيراتها), فتسلل بين براحات حرية التعبير والتدين ذوي اللحى الطويلة والنساء المنقبات والأئمة الذين يحملون في أيديهم السيوف لقطع رؤوس الزناة العصاة. هذه الممارسات المتطرفة جعلت حتى المجتمعات التي نشأ فيها الإسلام - السعودية مثالاً - تشن حملة تطهير لمثل هذه الجماعات فما بالك بأروبا التي لا تزال تحاول التعايش مع الوافد الجديد عليها.
في 15 أكتوبر 2009م كتب دانيال بايبس مقالاً يعلق فيه على كتاب (المافيا الإسلامية) وكان المقال بعنوان: )كشف الأعمال الخفية لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية), وقد كتب فيه عن دور الحرب بالوكالة التي يقوم بها المجلس الإسلامي نيابة عن الجماعات الوهابية السلفية المتطرفة في الخليج. قام بتحرير الكتاب ديفيد كابتز وبول سبيري وكذلك بالاعتماد على جهود كرس كابتز الذي قضى 6 أشهر كباحث مقيم في المركز الرئيسي للمجلس, ناجحاً في الحصول على وثائق تشمل 12000 صفحة و300 ساعة تصوير تلفزيوني.
الكتاب كبير جداً وبه الكثير من المعلومات لذا قام دانيال بايبس بالتركيز في مقاله حول جزئية بعض الإدعاءات الكاذبة للمجلس الإسلامي:
الإدعاء الأول
قام إبراهيم هوبر مدير تصريحات بالمجلس بالإدعاء بأن عدد أعضاء المجلس يقارب الـ(50000) عضواً. الحقيقة الموثقة في مذكرة داخلية مؤرخة بحزيران 2007 أن عدد الأعضاء هو 5133, أي عشر ما ادعاه هوبر.
الأدعاء الثاني
إن التنظيم التحتي للمجلس يعتمد مادياً على أعضائه. الحقيقة أن المجلس استلم 33000 دولار كرسوم اشتراك و1071000 دولار كتبرعات. أي بعبارة أخرى أن دخل المجلس من رسوم الاشتراك لا يتجاوز 3%.
الإدعاء الثالث
إن المجلس لا يستلم أي دعم من فرق أو حكومات أجنبية. الحقيقة كما يكشفها الكتاب أعلاه أن 60% من دخل المجلس يأتي من ما يقارب 24 متبرعاً يعيش معظمهم خارج الولايات المتحدة. حصراً: تبرع حاكم دبي بمبلغ 978000 دولار في عام 2002م مقابل الحصول على فائدة تحكم في مباني المجلس الواقعة في حي نيو جرسي, هدية بمقدار 500000 دولار من الأمير السعودي الوليد بن طلال و112000 دولار من الأمير عبد الله بن مساعد في عام 2007م, ما لا يقل عن 300000 دولار من منظمة المؤتمر الإسلامي التي يوجد مقرها في السعودية, 250000 دولار من بنك التنمية الإسلامي, وما لا يقل عن 17000 دولار من الدائرة الأمريكية لمنظمة الإعانة الإسلامية السعودية التي توجد أيضاً في السعودية.
الإدعاء الرابع
إن المجلس هو جمعية محلية مستقلة لحقوق الإنسان, مشابهة للحركة الوطنية لتقدم المواطنين الملونين. الحقيقة: أن المجلس في محاولاته المستميتة للحصول على دعم مادي عرض خدماته التجارية لشركات أجنبية. تبين ذلك بعد فشل شركة موانئ دبي في شراء 6 موانئ أمريكية لأسباب أمنية. على ضوء ذلك سافر رئيس المجلس إلى دبي عارضاً خدماته مصرحاً لرجال الأعمال:
"لا تفكروا بتبرعاتكم لنا وكأنها صدقة. لكن من جوهر الربح المستقبلي. الـ(50) مليون اليوم سترد لكم ببلايين الدولارات في خمسين سنة".
وبعد كل هذا لا يريد أهل الإسلام من الغرب أن يخاف من تغول الإسلام السلفي على مجتمعاته القائمة على الحرية, فإيطاليا منعت النقاب - وليس الحجاب - لأنه قد استخدم من قبل في تنفيذ عمليات انتحارية داخل إيطاليا, كما أنها في سياق متصل منعت إيطاليا نفسها تعليق الصلبان في المدراس لأسباب تتعلق بحرية التدين ومراعاة شعور الأقليات في المسيحية. فرنسا تمنع الطلاب في المدراس الإبتدائية والثانوية من إبراز الرموز الدينية كالصليب ونجمة داؤود والقلنسوة اليهودية, والأمر يجب أن يفهم أهل الإسلام بأنه ينطبق عليهم بما أنهم يعيشون في تراب الجمهورية الفرنسية وارتضوا بأن يصبحوا مواطنين فرنسيين, ولكن الشيخ الدكتور يوسف الأحمد لم يستوعب ذلك قال في فتوى خاصة نشرها في موقعه الإلكتروني أن موقف ساركوزي من البرقع - الذي هو أصلاً ليس أصلاً في الدين - تهجم على مقام رسول الإسلام وهو لا يقل خطورة عن الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية!!!
مواطنو سويسرا الـ(57%) يخافون من طقوس قطع الرؤوس والأيدي التي تمارس عقب صلاة الجمعة في السعودية, ولا تريد نساء زيورخ أن يجدن أنفسن يوماً في مواجهة الشرطة الدينية المسؤولة عن مواصفات ومقاييس الملابس المحتشمة كما في طهران, ولا يريد أهل أوروبا لبلادهم أن تشهد مراسم الرجم حتى الموت كالتي تقوم بها حركة الشباب الصومالية والتي في أبسط تشريعاتها تحريم الموبايل والسنيما, وكذلك تحريم مشدات الصدر للنساء!!
يطالب بعض مسلمي المهجر بحقوقهم الكاملة ولا يقومون بواجباتهم الكاملة تجاه دولهم, يتمتعون بحرية التعبد وبناء المساجد ويمنع إخوانهم الأقليات الدينية في بلدانهم نفس هذه الحقوق, فيعيش على الهامش مثلاً أقباط مصر والذين أخذت البلاد Egypt اسمها منهم وليصبحوا ضيوفاً غير مرغوب فيهم ويصبح بناؤهم للكنائس بمثابة استفزاز للمسلمين وليصبح عرض مسرحية دينية مسيحية في الإسكندرية برميل بارود ألقى على الغضب الإسلامي الذي لا يهدأ أبداً, وهو الغضب الذي يعمي بصيرة بعض أهل الإسلام فيجعلهم يأخذون موقفاً متشدداً بمنع التبشير المسيحي منعاً يصل لمرحلة التحريم, شيزوفرينا تصيب البعض لتجعلهم ينسون الحرية التي يجدونها في الدعوة للإسلام في المهجر ويحرمون منها البعض في بلدان المنشأ.
انتهز اليمين المتطرف سقطات الإسلام السلفي الموغلة في التطرف ليحذر أهل بلاد الأجبان والساعات الفخيمة من تكرار مأساة الدكتور السويسري فيكتور, يحذرون سكان زيورخ وفيينا وبازل واولتنغي من تطرف السلفي (الشيخ فرانكنشتاين) والذي لذغ من جحره أهل نيويورك ولندن ومدريد وهو لا يزال يبحث عن (انتماء) مفقود قد يدمر الجميع قبل أن يصل إليه. لقد جعلت ماري شيللي نهاية تراجيديا روايتها أن يموت خالق المسخ من الحسرة على عالمه الذي تحطم وأن ينتحر الوحش فرانكنشتاين في النيران حزناً على العالم الذي دمره بحثاً عن (الانتماء).
#طلال_الناير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟