أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - تهافت المقال: مقالة محمد علي السلمي أنموذجاً















المزيد.....


تهافت المقال: مقالة محمد علي السلمي أنموذجاً


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 18 - 20:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه المقالة هي بمثابة رد على مقالتي السيد محمد علي السلمي "تعاليم لم يأت بها أحد قبل محمد...":
المقالة الأولى
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=193467
المقالة الثانية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=193655
في الحقيقة كنت مررت من قبل على المقالة الأولى للكاتب إلا أني لم أقرأها لأن عنوانها بدا تقليدياً للغاية ولأني علمت مسبقاً أن الكاتب لم يأت بشيء جديد، بل كل ما فعله هو أنه كرر نفس الكلام الموجود في الكتب الصفراء بطريقة تكرارية وببغائية ومقتضبة لا تتضمن حججاً أو دلائل مقنعة، بل يبدو وكأنه كان يحاول أن يكتب خطاباً دينياً من تلك الخطابات التي يتميز بها الشيوخ الأشاوس وهم يلقون خطبهم ومواعظهم على منابر مساجدهم. وعندما رأيت تصميم الكاتب وإصراره على أن يوصل كلمته بعد نشره مقالة ثانية لا تختلف عن سابقتها، أحببت أن أطلع على هذه القنبلة التي ألقاها على أرضية الموقع، إلا أني شعرت بعد الانتهاء من قراءة المقالتين أن الكاتب يظن أن كل من في الموقع غرباء عن الموضوع ولا يعرفون عنه شيئاً، فجاء طرحه مختصراً وسريعاً يفتقر إلى المناقشة المنطقية، ومبتسراً يفتقر إلى حس المناقشة والحجة.... لا أريد أطيل الحديث عن المقالتين في المقدمة وسأدخل لب الموضوع مباشرةً، والحكم النهائي سيكون للقراء الأفاضل.
يبدأ الكاتب في مقدمة مقالته الأولى (( (إن الإسلام لم يأت بجديد) هكذا كانت كلمات البابا التي ذكرها على لسان إمبراطور بيزنطي في خطابه الشهير الذي أثار ردود فعل واسعة ....فهل كان البابا أو الإمبراطور البيزنطي محقا في كلماته هذه أم أنه كان مخطئا عن عمد أو عن جهل بالإسلام؟....الحق أن الأمر يتطلب بحثا علميا دقيقا لتكون النتائج دقيقة .
سأحاول في هذه السلسلة من المقالات أن أضع أمامكم مجموعة من التعاليم والقيم التي كان للإسلام ولنبي الإسلام السبق فيها)) [انتهى]
لا يعنيني ما قاله البابا أو ما كان قصده، فأنا أنظر إلى نفسي على أني لا أتبع أي ديانة أو عقيدة، كما أني أؤمن بأن الإنسان إذا كان يمتلك منظومة فكرية أو عقائدية قوية ومتماسكة، فإنه لن يخاف من شيء، ولن يهزه كلام المغرضين... أما عندما يدافع الإنسان عن فكره بقوة السلاح والترهيب والسباب، فأنا أعتقد شخصياً بأن ذلك الفكر مفلس وبال وإلاّ لما خاف عليه من غيره...
ولكن ما شدني هنا هو قول الكاتب أنه سيحاول أن يقدم بحثاً علمياً دقيقاً لتكون نتائجه دقيقة.. عن أية أبحاث علمية يتكلم الكاتب: هل سيضع الإسلام تحت الميكروسكوب ويفحصه؟ أم أنه سيجري تصويراً بالأشعة المقطعية عليه؟ فالأجدر أن يقول أن بحثه سيكون تاريخياً وأنه سيحاول تقديم نتائج تاريخية أقرب إلى الموضوعية. إلا أننا عندما ننتهي من قراءة هذين المقالين نكتشف أن نتائجه لم تكن علمية دقيقة _كما ادعى_ ولا تاريخية موضوعية، فلنتابع معه مقالته خطوة بخطوة حتى نكون منصفين معه على الأقل.
يبدأ الكاتب مقالته الأولى بحجة أن الإسلام قضى على التفرقة العنصرية، ويأتي بشاهد من التاريخ عندما وقف النبي على جبل عرفة معلناً دعوته على الملأ ((القضاء على التفرقة العنصرية: هاهو النبي العربي الأمي صلى الله عليه وسلم يرتقي أعلى مكان على ظهر ناقته القصواء ....فتشخص إليه أبصار جموع المحتشدين بعرفة حيث الموقف العظيم الذي تتنزل فيه الرحمة والسكينة والمغفرة من الرب العلي سبحانه.....ها هو يعلن أمامهم الإعلان العالمي الأول من نوعه للمساواة بين بني البشر داخل إطار الإسلام العظيم أيا كان عرقهم أو لونهم أو جنسهم أو وطنهم أو لغتهم .....الجميع أخوة في الله الواحد الأحد ،الجميع ينحدر من أصل واحد ذلك هو أدم أبو البشر عليه السلام.......(((أيها الناس ، إن ربكم واحد وان أباكم واحد كلكم لأدم وأدم من تراب ، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت؟..اللهم اشهد)))....أي عظمة هذه وأي نداء هذا ،إنه نداء المساواة)) [انتهى]
ويخلط الكاتب هنا بين الأمور، ثم يدخل عباس بدباس، ويتأول من عنده، ويقول أنه الإعلان العالمي الأول من نوعه عن المساواة بين الناس. إلا أن هذه الحادثة التاريخية هي حادثة محددة ومقصورة على المسلمين فقط، وكلمة "أخوة" التي وردت هنا تعني الأخوة في الإسلام، ولم يكن يقصد بها كافة السلالة البشرية كما يتوهم الكاتب أو كما يحلو له. فعندما شخصت الأبصار نحو محمد، هل يعني الكاتب أنه كان عند عرفة غير المسلمين؟ كالمجوس أو الهندوس أو...؟
والدليل على أن هذا الكلام موجه إلى المسلمين فقط هي عبارتي "إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم" أي تقوى الله، وهو مفهوم محوري في الدين الإسلامي، إذ أنه يعتبر أن النصارى واليهود هم من المشركين، ولا يتقون الله، كما أن المجوس من عبدة النار، أما الهندوس وباقي العرب غير المسلمين، فهم وثنيون وعبدة أصنام.
ثم يتابع الكاتب ويقول في نفس الفقرة ((وهاهي كتب السنة الشريفة تحفظ لنا رواية عظيمة عن هذه القيمة العظمى (((عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، ساببت رجلا أمه أعجمية ، وقلت له : يا ابن السوداء ، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي :أعيرته بأمه؟؟..انك امرؤ فيك جاهلية)) [انتهى]
وبالرجوع إلى كتب التراث وكتب الأحاديث و[السنة] نلاحظ النزعة الانتقائية لدى الكاتب، فهو لا يكتب إلا ما يحلو له، أو يخدم أغراضه وأهدافه الخاصة، حيث أنه جاء بالحديث لإثبات فكرة عرجاء، ثم نحته وحفر فيه حتى فصله على مقاسه. أما وبإمكاننا العودة إلى كتاب سنن أبو داؤود ونرى أن الحديث ورد على الشكل التالي ((قال أبو ذر: إني كنت قد ساببت رجلاً وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله، فقال: يا أبا ذر، إنك امرؤٌ فيك جاهلية. قال: إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه، ولا تعذبوا خلق الله. [سنن أبو داؤود، كتاب الآداب، 5157]
ولندقق معاً في عبارة ((إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه)) والحديث هنا عن الأعجمي المسلم الذي عيره أبو ذر بأمه، والمفروض أنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، إلا أن الرسول لم يميز هنا بين العرب والأعاجم، وبذلك نرى أن العرب مفضلين على [إخوتهم] الأعاجم، سواءً بالتقوى أو من دونها.
ثم ما هي الحكمة من أن يكون العرب مفضلين على إخوانهم، ثم يبيعوهم إذا لم يلائموهم، وهذا اعتراف مباشر وصريح بأن الإسلام لم يلغ التفرقة العنصرية، بل إن الأعاجم كانوا عبيداً أرقاء عند المسلمين، وإلا لما قال ((بيعوهم))، فمن ذاك الذي يبيع أخاه إذا لم يلائمه؟!!!.
تعليقي على هذا الحديث جاء لأن السيد الكاتب أورده، ونعلم جميعاً أن هنا مئات الأحاديث التي تثبت وجهة نظرنا. لذلك أقول للصديق محمد السلمي: إذا أنت أتيت بحديث واحد، فنحن نأتيك بمئات، وأحيله إلى كتابات الأخ سردار أحمد، فهناك عشرات الدلائل على هذا الكلام.
أما الحديث الآخر الذي جاء به الكاتب فيقول ((ثم قال عليه السلام: إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم. ويبدو أن من سبه كان من العبيد العجم السود لذلك لقنه الرسول عليه السلام درساً في المساواة والرحمة والرأفة)) [انتهى]
وأريد بهذه المناسبة أن أورد بعض الآيات من القرآن والحديث توضح نظرة الإسلام إلى الغير:
{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة،7]. من منا لا يعرف ما المقصود "بالمغضوب عليهم والضالين".
{يا أيها الذين آمنوا إن المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة، 28] وإذا نظرنا في معنى كلمة "المشركون" هنا، فالمقصود بهم ((جميع الكفار من أهل الكتاب)) [ابن كثير، الثعالبي، القرطبي] وهذه تفرقة بين الديانات الرئيسية الثلاثة إذ جاء وصف أتباع ديانتين [سماويتين] في القرآن بأنهم نجس.
ويقول الطبري في تفسيره للآية ((ما المشركون إلا رجس خنزير أو كلب))
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عند يد وهم صاغرون} [التوبة، 29]
{فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} [التوبة، 5]
{لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم} [المائدة17، 72]
{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد} [المائدة 73]
{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة 60]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة 6]
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة 30]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة 51]
قال رسول الله: لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم احدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه. [صحيح مسلم، كتاب السلام، 2167] هل في هذا الكلام أي احترام أو أية رحمة للديانات ]السماوية] الأخرى؟... ، وركزّت على لفظة سماويتين التي تعني أنها جميعها نزلت من السماء باعتراف المسلمين أنفسهم، أي من المفروض أنها جاءت من المصدر نفسه، وبذلك فهي لا تختلف عن الإسلام من حيث مكانتها وصدقها.
قال رسول الله: لا يقتل مسلم بكافر [سنن ابن ماجه،كتاب الديات، 2659]
وكلمة كافر أو كفار هنا هي كلمة مطاطة جداً، فإذا أردنا استنباط المعنى الإسلامي بالتحديد للكلمة، فالإسلام يعد كل ما هو خارج إطاره كافراً ومشركاً، ويمكننا ملاحظة أن لفظة كفار وردت كثيراً على ألسنة علماء المسلمين وهم يكفرون أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى.
ثم يتابع الكاتب ((إن هذه المساواة لم تكن دروسا نظرية ليس لها تطبيق في الواقع العملي ....بل إن التاريخ شاهد كيف تآخى بلال الحبشي مع صهيب الرومى وكذلك سلمان الفارسي وأبو بكر العربي...وصدق الله العظيم {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم انه عزيز حكيم}. )) [انتهى]
ولتفادي الإطالة في هذا البند ليتذكر الكاتب قول الرسول ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)). أو ما روي أيضاً أن عمر بن الخطاب سمع النبي يقول: لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلا أترك فيها إلا مسلماً. [فهرس أبو داؤود، 3030]
هل حقاً إن الإسلام أول من ألغى التفرقة العنصرية، ولم يميز بين الناس، لنقرأ ما قاله يسوع ((تعالوا إلي يا جميع الرازحين والمتعبين تحت أثقالكم وأنا أريحكم، احملوا نيري وتعلموا مني تجدوا الراحة لنفوسكم)) [العهد الجديد، متى، 28]
*****************************
ننتقل إلى البند الثاني في مقالة السيد محمد السلمي، إذ يتحدث فيه عن الخاصية العالمية للإسلام، وكعادته يورد أحاديث من دون ذكر المصادر التي استقاها منها. فيقول ((عالمية الدعوة : وهذه الخصيصة من خصائص الإسلام ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية المساواة بين جميع البشر ....إذ أن أي دعوة لا يمكنها أن تكون عالمية إلا بقبول جميع الأعراق والأجناس والألوان والشعوب وعدم التفريق بينها....)) [انتهى]
في الواقع هذه حجة مردودٌ عليها، ويمكننا ملاحظة ذلك في عملية تشكل الإيديولوجيات وتطورها وانتشارها، فالتجربة التي تلاقي نجاحاً في بلد ما قد لا تنجح في بلد آخر بسبب اختلاف الأعراف والعادات والتقاليد، وهذا هو السبب الرئيسي في سقوط مختلف أشكال العقائد والأفكار والمذاهب أثناء انتشارها خارج مجتمعها الأصلي. وقد تنتشر بعض العقائد خارج موطنها لتترسخ في مناطق أخرى إلا أنها تمسخ مع الزمن وتتحول إلى أفكار عرجاء وجامدة.
كما أن الحقيقة التي أغفلها الكاتب هي أن أي ديانة أو عقيدة أو إيديولوجيا يعمل أصحابها _بل يستميت_ في أن يجعلوها عالمية، ولجميع الناس، حتى المسيحية التي قال الكاتب عنها الكاتب أن نبيها لم ينزل إلا إلى بني إسرائيل. وإلا فما هو مبرر أن يرتحل ويسافر مبشروها إلى أقاصي الأرض، وأن يصابوا بمختلف أنواع الإصابات والأمراض القاتلة. بينما إذا قارناهم بالدعاة الإسلاميين فإننا نراهم حولنا هنا يدعون بيننا، أليس الأفضل لهم أن يحذوا حذو تلامذة المسيح وأن يسافروا ويدعوا في الأماكن النائية والقصية بدل أن ينشروا الدعوة بين المسلمين وهم جالسين في قصورهم ويتنقلون بأفخر أنواع المركبات!ّ.
أما تحليل الكاتب لمقولة المسيح فهو برأيي تحليل سطحي وسخيف ولا يجدر التعليق عليه. وبنفس الحصر والتحديد الذي لفقه الكاتب للآية، سأذكر آيات لا تنفي صفة العالمية عن الدعوة الإسلامية.
{كنتم خير أمة أخرجت للناس} {آل عمران، 110}
{وهو فضلكم على العالمين} [الأعراف، 140]
{ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} [سورة الشورى، 10]
وكل هذه الآيات تشير أن هناك أمم كثيرة، وأن الأمة الإسلامية هي إحدى الأمم الكثيرة [التي فضلها الله على باقي الأمم!!]... وكيف يمكن أن تكون أي دعوة عالمية إذا كانت تفرق بين العجمي والعربي والأبيض والأسود، أو حتى بين أمة وأخرى وإن كان بالتقوى؟.
وبالمناسبة طالما أن الكاتب قد جاء على ذكر الفاتحة في مقالته ((ومما يؤكد عالمية الدعوة الإسلامية أن أول سورة في القرءان سورة الفاتحة فيها قوله تعالى(الحمد لله رب العالمين)) [انتهى] فأود أن أنوه أن الفاتحة ليست من أصل القرآن، بل هي مضافة إليه، وهي تأتي أولاً في القرآن بسبب أهميتها الكبيرة في صلاة المسلمين. وبافتراض أن القرآن هو الكلام المنزل من الله، فمن المحال أن تكون الفاتحة هي كلام الله، لأنه من غير المعقول أن يقول الله عن نفسه "الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين" فهذا كلام محمد نفسه يحمد الله ويثني عليه ويصفه على أنه رب العالمين، وكل نبي يزعم أن إلهه هو رب جميع الناس.
*****************************
في مقالته الثانية يتحفنا الكاتب بالمزيد من حججه وإثباتاته الواهية، عن أمور جاء بها الإسلام ولم يأت أحد بها قبله، ويبدأ فاتحة المقال بدعوة للانضمام إلى الإسلام ((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)) [انتهى]. هل يحاول الكاتب هنا أن يكون داعية ويدعونا للدخول إلى الإسلام؟!!! أقول: اذهب أيها الكاتب إلى مجاهل أفريقيا والأمازون، وإلى صحارى سيبيريا وادع هناك، فنحن نعرف الإسلام جيداً، ونعرف خلفياته وتعاليمه.
يتحدث الكاتب في بنده الثالث عن الرحمة بالحيوان، والأجدر به أن يقول "الرأفة"، وكأنه نسي حديث الكلب الأسود والعقور والحية والعقرب والغراب والفويسقة [الفأرة] وحديث الذبح. فيقول ((رحمة الحيوان : هل سمعت أو قرأت ذات يوم عن أشهر كلب في العالم ، وعن أشهر قطة في العالم؟ .....هل سمعت عن كلب كان سببا في دخول الجنة ؟؟ وهل سمعت عن قطة كانت سببا في عذاب واحد من بني البشر؟؟........ اقرأ واستمتع وتعلم)) [انتهى]. ثم يذكر حديث الكلب العطشان، والهرة التي كانت سبباً في دخول امرأة النار.
وما قول الكاتب في الأحاديث التالية:
قال رسول الله: خمسٌ قتلهم حلال في الحرم: الحية، والعقرب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور. [فهرس ابن داؤود، كتاب المناسك، 1847]
قال رسول الله: خمسٌ لا جناح في قتلهن علي من قتلهن في الحلّ والحرم: العقرب، والفأرة، والغراب، والحدأة، والكلب العقور. [فهرس أبو داؤود، كتاب المناسك، 1846]
قال أبو ذر: قال رسول الله: يقطع صلاة الرجل الحمار والكلب الأسود والمرأة. فقلت: ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟ فقال: الكلب الأسود شيطان. [فهرس أبو داؤود، كتاب الصلاة، 702]
قال رسول الله: اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب. [فهرس ابن داؤود، كتاب الصلاة، 921]
وهذه حجة ضد الكاتب لأنه جاء بحديثين يتناولان حادثتين محددتين. أما هذه الأحاديث فهي أحاديث [أمرية] كما قال الكاتب في إحدى ردوده، وسيلتزم بها المسلمون في جميع الأوقات. وهناك الكثير والكثير غيرها من الأحاديث والروايات التي تصف أبشع طرق قتل الحيوانات.
ثم يتابع الكاتب بإتحافنا بآرائه وتخرصاته الفذة إذ يقول ((أن كثيرا من الناس يظن أن دور رجل الدين هو تعليم الطقوس والشعائر وترك قلوب الناس خاوية يملؤها الشيطان وهذا ظن مجانب للصواب)) [انتهى]
وماذا عن كل تلك الفتاوى التكفيرية من قبل رجال الدين التي تصدر بحق المفكرين الأحرار وحاملي القلم، وماذا بشأن الدور الذي يلعبه رجال الدين في ترسيخ وتثبيت النزاعات والصراعات الدينية والطائفية، ولنا في البلدان العربية خير دليل على ذلك، وهل اطلع يوماً على كتابات ابن تيمية وابن قيم الجوزية والشيخ محمد الغزالي وغيرهم من سدنة الظلام.
أما بشأن مسألة أن الإسلام هو أول من جاء بهذه القيمة، فأقول: هذا كلام غير صحيح وغير دقيق، فالرأفة بالحيوانات واحترام الطبيعة هي ميزة موجودة عند كافة الديانات القديمة، وخير دليل على ذلك: البوذية والهندوسية...
*****************************
أما القيمة الأخيرة التي أراد الكاتب إتحافنا بها فهي تحرير العبيد، وهو يذكر في هذا البند أحاديث إخبارية تنقل حوادث مفردة ومحددة في التاريخ، فيقول ((العبيد على سدة الحكم: عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : كنت أضرب غلاما لي بالسوط ، فسمعت صوتا من خلفي ((اعلم أبا مسعود)) فلم أفهم الصوت من الغضب ، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول ((اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام )) فقلت يا رسول الله :(هو حر لوجه الله تعالى) ..قال :((أما لو لم تفعل لللفحتك النار أو لمستك النار)) [انتهى]
أقول هنا وأكرر أن هذا الحديث هو حديث إخباري ولم يكن قاعدة عامة مطلقاً كما قال ((لذلك كانت القاعدة التي وضعها عليه السلام ((من ضرب عبده فكفارته أن يعتقه)) [انتهى]
أما بعد ذلك فيعيد الكاتب ويكرر ما سبق أن قاله في مقالته الأولى، من دون أن يضيف أي شيء جديد أو مفيد يمكن الرد عليه. وسأذكر هنا بعض الأحاديث التي تعارض الطرح الذي ساقه الكاتب:
{ وما ملكت إيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا} [النساء 36]
{والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور 32]
{عبداً مملوكاً} [النحل 75]
وهذه الآيات تشير وتعترف بشكل صريح إلى أن الرق والعبودية كانت مشرعة في القرآن.
قال رسول الله: ليس في رقاب العبيد صدقة إلا أن يشتروا للتجارة.
قال رسول الله: إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها _في الثالثة أو الرابعة_ بيعوها ولو بضفير. [صحيح البخاري، 2417]
وهذا غيض من فيض عزيزي الكاتب، وأحيلك هنا مرة أخرى إلى كتابات الأستاذ سردار أحمد.
ثم في ختام مقالته الثانية _وأتمنى أن تكون الأخيرة من نوعها_ أورد الكاتب اقتباساً من مستشرق غربي يقول ((يقول العلامة (لا يتنر ) _ولنلاحظ معاً لفظة علامة_ في كتابه (دين الإسلام) ص7:((إنا نرى الأغبياء من النصارى يؤاخذون الإسلام كأنه هو الذي سن الاسترقاق ، مع أن محمدا قد حض على عتق الرقاب وهذه أسمى وسيلة لإبطاله حقيقة))...)) [انتهى]
نلاحظ هنا النزعة الانتقائية المتأصلة عند الإسلامويين، إذ أنهم يقوّمون الدنيا ولا يقعدونها إذا استشهد أحد ما بجملة لمستشرق، أو أثبت فكرة استشراقية ما، لكنهم يتناولون كلام المستشرقين الذي يعجبهم ولا يناقض أطروحاتهم. ما هذه الازدواجية؟... من منا لم يسمع بالمستشرقة الألمانية الخرفة "زيغريد هونكه" وكتابها الذي أفتقد الشعوب الإسلامية والعربية صوابها "شمس العرب تسطع على الغرب" والذي ما زالوا يصمون آذاننا باقتباسات منه في كل مكان حتى الآن، حتى أنهم استقبلوها في العالم العربي استقبال الأبطال، ورحبوا بها أيما ترحيب وفي أي بلد عربي أو إسلامي حلت فيه، ولكنهم في نفس الوقت طعنوا نجيب محفوظ وقتلوا فرج فوده ومصطفى جحا وهدروا دم تسليمة نصرين والآن يضطهدون المفكرين أمثال نبيل فياض وسيد القمني وغيرهم.
ولأختم هذه المقالة ليسمح لي الأستاذ جورج فارس مشكوراً بالاقتباس من رده على مقالة السيد محمد السلمي حيث تكلم عن المساواة: ((ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع)). [غلاطية 3: 28] وهذا دليل أن المسيح كان قد ساوى بين البشر قبل محمد.
أما بشأن البند الثاني من المقالة "عالمية الدعوة" فيقول السيد المسيح ((وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. مرقس 15:16)).
وقال أيضاً ((فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. متى 28: 19-20)). وهذا دليل لا يدع أي مجال للشك بأن هذه التعاليم والقيم قد جاء بها المسيح قبل محمد بستمائة عام.
ولننظر إلى الطريقة التي انتشرت فيها تعاليم المسيح، حيث أرسل تلامذته ومبشريه إلى مختلف بقاع العالم، مواجهين أخطار الأدغال القصية والأمراض الفتاكة لينشروا كلمة المسيح.
كلمتي الأخيرة للكاتب: حبذا لو أنك استمعت إلى كلام الأخوة في ردودهم على مقالتك الأولى وتوقفت عن الكتابة، فقبل أن تتورط في المرة القادمة في الكتابة بمثل هذه المواضيع الشائكة تذكر أن غيرك يعرف الكثير ولا تفوته مثل هذه الأمور... احترامي.






#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن... إلى أين؟
- منكر ونكير: ملكان أم شيطانان ساديان؟!!
- هل علم النفس -علم-؟
- الدر المعين في معرفة أحوال الشياطين!!!؟
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الرابعة)
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثالثة)
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثانية)
- هذا هو ردي
- ما العدمية؟
- دكتور عالم أم شيخ مفتي؟!!
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الأولى)
- أوديب: بطل على مفترق طرق
- الشواش: العلم الجديد
- سيكولوجية الخضوع 2
- سيكولوجية الخضوع والطاعة (1/2)


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - تهافت المقال: مقالة محمد علي السلمي أنموذجاً