|
الديموقراطية التركية امام مفترق الطرق
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 18 - 18:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من يتابع ما يجري على الساحة السياسية التركية هذه الايام ،و هويعلم انه امتداد لما جرى في فترات مختلفة من تاريخ هذا البلد ، و عندما يتمعن في السياسات المتبعة من قبل هذه المؤسسات المختلفة و المستندة على الديموقراطية الخاصة بهم دون غيرهم و الفلسفة المعتمدة في ادارة الحكم و النظام المتعدد الاوجه و النظرة للقضايا الداخلية و الخارجية، لا يستغرب فيما اقدمت عليه هذه الجمهورية العلمانية الاسلامية الديموقراطية القومية في غلق حزب ديموقراطي اختاره الشعب و له نواب منتخبين في البرلمان التركي، و بحكم محكمة سياسية عليا ، قبل ان تكون قانونية و مستندة على بنود الدستور المختلف عليها من قبل جميع الفئات مستغلة اياها في قراراتها الجائرة، و هذا الفعل ليس بسابقةكما نعلم و ليس باول حزب يُغلق ، و ليست المواقف المتخذة من قبل القضاء ببداية او سابقة لمواقف سياسية التي تعبر عنها بقضاء و محكمة و التي تضع علامات استفهام كبرى على استقلاليتها، و خصوصا ان كان الامر يتعلق بحل حزب سياسي هو السابع عشر من نوعه في هذا القرار و الامر القضائي النادر الصادر في العالم ، و تعيش العالم في عصر الديموقراطية و الحرية والانفتاح على البعض و ضمان حقوق الانسان. هنا يتدخل الصراع السياسي في امر القضاء و من الباب الخلفي و الذي اثر دوما على الوضع العام في تركيا من قبل كما هو اليوم ، حيث يتبنى الحزب الحاكم و هو واضح المعالم و الاهداف و المضمون للجميع، الانفتاح و التعايش السلمي و يتبع خطة في مبادرة صعبة جدا في خضم ما تعيشها تركيا في مرحلتها المتنقلة و التزام البرلمان التركي بالحوار و التشاور حولها ، و هذا ما لاقى الصعوبات و العقبات المختلفة منذ اول الامر من قبل الجهات العديدة سوى كانت حزبية ام مؤسسات الدولة العسكرية المعروفة التاريخ و الصفات من حيث انهائها و فضها للمشاكل و القضايا الساخنة السابقة بتدخلها المباشر عن طريق الانقلابات المتكررة و العمليات السرية. الا ان اليوم في ظل سيطرة حزب العدالة و التنمية باغلبية ساحقة على مرتكزات الدولة و الظروف العالمية المغايرة و ضغوطات الدول الكبرى و انكشاف المؤسسة العسكرية في محاولاتها للتخطيط عما كانت تنوي عملها من عاداتها السابقة و تعرت خطتها و اتخذت اجرائات حاسمة ضدها من قبل السلطة المدنية، فقد اقفلت الابواب امام تحركاتها و احكمت في اغلاقها . فلم يجد المتعصبين و المصلحيين غير فجوة المحكمة الكبرى في النظام التركي لاستغلالها في خطوتهم المنتظرة و في ظل تعثر التعديلات المرتقبة التي من الواجب اجرائها في الدستور التركي كي توائم العصر و المستجدات و الحياة الديموقراطية الحقيقية، و كان بالامكان اتباع طرق سلمية اخرى من قبل الدولة في حل المشاكل و ما يمكن ان يؤخذ عليه في سلوك الاحزاب ، و لكن القضاء و ما فرض عليه لم يابه بما يجري على الساحة التركية في قراره النهائي ، لا بل يمكن ان يكون تصرفه و ما فعله ان يحسب على من كان يشجعه و بدافع قوي ممن يريدون وأد هذه الخطة و البرامج المتبعة من بداياتها لكي لا تشهد النور خوفا من الاهداف العنصرية التي مضى عليها الزمن و لم تعد صالحة للاستعمال و العمل، و بعدما حاولت المحكمة سد الطريق امام الحزب الحاكم و اجباره للتراجع عما يقدم عليه الا ان العواقب الوخيمة التي تاكدت من حصولها لو اقدمت على اي قرار اجبرتها على العودة عن نواياها و اوقفتها من اتخاذ القرارات القاطعة ضده، و لذلك احكمت بما تحفظ ماء و جهها دون ان تمس بشكل مباشر بمكانة الحزب الحاكم و لم تضر بما سائر عليه الحزب الحاكم ، و لذلك اتجهت الى طريق اخر كما نشاهد اليوم. اما اليوم، فان الحزب الشعب الديموقراطي ليس كالحزب الحاكم من حيث الثقل و المكانة و مناطق الارتكاز و العلاقات ، و ان كان له الدور القوي في حل النزاعات و هو في طور متقدم و له وجهات نظر تخدم الخطة المتبعة في الانفتاح الا ان الجهة المعارضة استغلته في ايقاف ما اقدم عليه الحزب الحاكم في تركيا ولو كان مؤقتا، و لذلك يمكن ان يُقرا هذا القرار بشكل واضح و معلوم على ان الدافع ورائه هو اجهاض الخطة المطروحة قبل و اكثر من ادانة الحزب الشعب الديموقراطي بذاته ، و لكن المقصود اصلا ايضا هو القاء ضربة قاضمة الى الحزب الحاكم بشكل غير مباشر ، وفي المقابل هذا ما يمكن ان يفيده ايضا في الانتخابات المقبلة من حيث حجم اصواته و مريديه ايضا . ان ردود الافعال القوية التي اقدمت عليها الشعب الكوردي في تركيا لهو دليل واضح على مدى شعبية الحزب الشعب الديموقراطي و انبثاقه من ارادة الشعب. و هذا ما يمكن ان ينعكس بشكل سلبي على السلطة التركية وعلى مصداقية المحكمة العليا ايضا و النظام التركي بشكل عام عدا ما تضرر منه خارجيا و ما شاهدناها من المواقف الواضحة القوية من جميع الجهات ، و ما تلقاها من ردود الافعال العالمية و ما برزت من الشكوك في نوايا تركيا بكافة مؤسساتها في ترسيخ الديموقراطية الحقيقية ، و تنفيذ الشروط المطلوبة من الاتحاد الاوربي و مدى ابعادها عن الانضمام اليه . ان ما يهم الشعب الكوردي في تركيا هو مقدار مصداقية السلطة في اتخاذ الخطوات اللازمة التي تتحدث عنها من حيث الانفتاح و الديموقراطية و ضمان حقوق الانسان و المواطنة الحقيقية و الحقوق العامة، و موقفها تجاه هذه القضية ، و هذا ما سيعلن و يكشف عما تضمنه من النيات و مدى اصرارها على الاراء و الخطابات التي تعلنها،و توجهاتها في الخطة بكاملها ستظهر من مواقفها الضرورية و تعاملها كحزب حاكم و سلطة في الوقت الذي تدعي التعايش السلمي و ضمان حقوق الاخر. ان هذه الايام ستظهرو تكشف للعالم مدى جدية تركيا في الالتزام بالمباديء الاساسية للعصر الجديد و الاقتراب مما يتمتع به اوربا و العالم المتقدم من الجوانب كافة كي تفرض ما تؤمن به من السلم و الامان على الجميع، على العكس من ذلك ستبتعد خطوات و تتراجع في نظر العالم و ستضر بنفسها قبل الاخرين، و الجماهير التي تؤيد حزب الشعب الديموقراطي ستنضم الى اي حزب اخر يؤسسه المعنيين و يقف داعما له و ان كان باسم اخر ، لا بل ستزداد شعبيته و يستفيد و يتكامل و يقوى ثقله و يتقدم خطوات شعبيا و انتمائا و ستزداد عاطفة الجميع معه و سيسجل موقفا تاريخيا حاسما لتحقيق اهداف الشعب الداعمة له،و لم يبق في هذا القرار غير النقاط السلبية المسجلة على النظام الحكم القضائي و الدولة بكاملها و ما يفق وراء الخطوات الخاطئة المتكررة و سيبقى الشك على سلوك الدولة التركية بجميع مؤسساتها باقية و لن تزول لحين اتخاذ الخطوات الصحيحة بهذا الاتجاه . و شاهدنا ما ابدوه المتعاطفون مع هذا الحزب حتى خارج حدود الدولة التركية لهو دليل على نجاح هذا الحزب في كسب ود الجميع بمواقفه المعتدلة، و هذا دليل على خطا السياسة القضائية التركية المتداخلة مع السياسة العامة للدولة بعيدا عن الحيادية المطلوبة للقضاء ، و هذا ما يسجل نقطة ضعف عليه امام العالم و ما يرنوه المجتمع الدولي من ارساء العدالة و المساواة و الاستقلالية . لذلك، على الدولة التركية و القائمين على سياساتها العامة ان يختاروا بين الانعزال و البقاء على حالهم كما هم عليه لحد اليوم او دامة ما اقدموا عليه من ترسيخ الديموقراطية الحقيقية و ضمان حقوق الجميع او العودة الى المربع الاول و الاسترضاء بحكم العسكر و اوامره و متطلباته و الوقوف مكتوف اليدين دون حراك امامه، و هذا ما يضر بالدولة التركية بذاتها قبل غيرها، و تبقى بذاتها مترنحة و تسير نحو الفوضى و تكون تحت رحمة القضاء و القدر بعيدا عن المستجدات العالمية و حسناتها.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحوار منبر لليسار الواقعي ايضا
-
استئصال البعث بمحو فلسفته ومضمونه و اثاره و ليس باشخاصه
-
الجهات السياسية بين الواقع و التغيير المطلوب
-
المعارضة البديلة للحكومة الاصيلة
-
من يستهدف الصحفيين في العراق ؟
-
النظر الى قضية الحوثيين بعيون انسانية بحتة
-
اعيد السؤال، لماذا أُرجيء التعداد العام لسكان العراق ؟!
-
ماطبقت في اليابان و المانيا لا يمكن تكرارها في العراق
-
لماذا الانتقائية في مقارنة فدرالية العراق مع دول العالم
-
كيفية التعامل مع عقلية الاخر لتطبيق مادة 140 الدستورية
-
ضرورة تجسيد التعددية الحزبية في العراق ولكن!
-
هل تثبت تركيا مصداقية سياستها الجديدة للجميع
-
المركزية لا تحل المشاكل الكبرى بل تعيد التاريخ الماساوي للعر
...
-
من يمنع اقرار قانون الانتخابات العراقية
-
لازالت عقلية الواسطي منغمصة في عهد ذي القرنين
-
هل بامكان احدما اعادة البعث الى الساحة السياسية العراقية
-
فلسفة التعليم في العراق بحاجة الى الاصلاحات و التغيير
-
تكمن الخطورة في تصادم استراتيجيات الاطراف العراقية
-
كيف تُحل القضايا الشائكة العالقة في العراق
-
هل بعد الاحد و الاربعاء يوم دامي اخر
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|