أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - داء النبوة














المزيد.....

داء النبوة


ابراهيم هيبة

الحوار المتمدن-العدد: 2862 - 2009 / 12 / 18 - 02:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لا ينعم مجتمع بشري بالسكينة والاستقرار إلا بقدر ما يفتقر إلى الأنبياء؛ في كل مرة تفتح فيها جريدة أو تشغل تلفازا، إلا ويطل عليك وجه آدمي كله رغبة وحماس في أن يعطيك دروسا فيما يجب وما لا يجب. إنه مهووس بفكرة ما، وهذا يكفي لكي ينغّص على الآخرين حياتهم. من خلال علاقاتي بالبشر، لم يسبق لي، ولو لمرة واحدة، أن التقيت إنسانا بدون ميول نبوية. كل فرد، أكان بقالا أم فيلسوفا، يزعم بأنه يمتلك تصورات واضحة عما يمكن أن يعنيه الخير أو الشر؛ وما إن تجلس إلى أحدهم حتى يعطيك الانطباع بأنه نبي مقموع، وبأن الآخرين مصابون بلعنة الحرمان من وصفاته حول السعادة الدنيوية أو الخلاص الأخروي. إنه يعتقد بأنه لمجرد كونه ثرثارا يجب الآخرين أن يسيروا خلفه.
مند موسى ونحن نرزح تحت عبئ النبوة. بدأت السخافة بعشر وصايا بسيطة لتتحول على مدى قرون من الزمن إلى أنساق ميتافيزيقية جبارة لا يوازيها في كثرتها الفاحشة إلا حالات فشلها الذريع في إيجاد حل لمشاكل الوضع الإنساني. من أين يأتي داء النبوة هذا؟ إنه يأتي من داء عميق: داء القيادة- الكل يريد أن يكون وصيّا على الكل.. ويأتي أيضا من التقدير المفرط للذات: كل واحد منا يتوهم بأن وجوده في هذا العالم ترتيب الهي أو ضرورة تاريخية، وبأنه ما جيء به إلى هذه الدنيا إلا رحمة بالعالمين. الإنسان لا يتحمل حياته الخاصة، لذلك يتملص منها بالتدخل في شؤون الآخرين. وبهذا نجعل من كل اجتماع بشري جحيما لا يطاق: كل واحد ينتظر دوره في أن يقترح شيئا أو يُصنّف شخصا. ماذا أقول، إن المرء يدفع الثمن غاليا عندما يرفض العيش في الصحراء.
من أين يأتي هذا الاكتساح من لدن الأنبياء لمجتمعاتنا؟ إنه يأتي من رفضنا لمحدودية الحياة- أي كونها لا تستطيع أن تعطي أكثر مما تملك- وقد يأتي أيضا من رغبتنا في بناء الفردوس هنا و الآن، أو من تعطش بعضنا للمجد واحتلال مركز الأشياء. الإنسان الذي يحترم نفسه، لا يتجاوز أبدا الحدود المشكِّلة لحياته الخاصة، لِمَ عليه أن يهتم لوضع الآخرين وهو لديه ما يكفي من العدم والعبث. إن النبل بمعناه العميق لا يوجد إلا عندما يتموضع المرء على هامش الوجود. والحق أنه لو كانت للإنسان صورة واضحة عن لا جدوى وجوده، وعرف بأن العالم يسير دائما نحو الأفضل عندما يحجم هو عن الانخراط فيه، لكانت الجنة قد تحققت على هذه الأرض.
في مقابل كل نبي يوجد نبي مضاد. لكل واحد طروحاته التي هي على النقيض التام من طروحات الآخر؛ هذا يبشر بالإنجيل وذاك بالقرآن وآخر بنهاية التاريخ، واللائحة تكاد لا تنتهي. كيف لرجل يتمتع بالتبصر ورجاحة العقل أن يعثر على ضالته في هذا الزخم من "الحقائق" التي يبشر بها الأنبياء؟ بمجرد ما تختار واحد منهم تثبت، على نحو لاشك فيه، انك لم تستوعب حقيقة ما يجري حولك. لا يأتي نبي إلى هذا العالم إلا وتزداد الأمور سوءا، ولا يغادره إلا بعد أن يثقل كاهله بالمزيد من الرموز والتعاليم، ويحقنه بجرعة أخرى من البؤس والمعاناة. تركة الأنبياء؟ حروب مقدسة، طوائف متناحرة، محاكم تفتيش، أشباه قضايا، أحقاد، وضغائن مضمرة- إنهم، باختصار، يتركون خلفهم- ويا لسخرية الأقدار- كل شروط الجحيم.
نحن لا ننفك نسير وراد هذا النبي أوذاك؛ والسبب في ذلك يعود إلى أنه قد مات فينا أشد ما يميزنا: الارتياب والقدرة على التهكم. والحق أنه لولا عمى القطيع وتعلقه المرضي بأكذوبة الخلاص لما قامت لنبي قائمة. مراجعة خفيفة للتاريخ البشري، بما فيه من السخافات السوداء والهزليات الدامية، تبين للمرء بأن كل رغبة في لعب دور المنقذ رغبة شاذة وتصرف غير ناضج للعقل.



#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأونطولوجيا الطبيعية


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم هيبة - داء النبوة