|
عربستان : الأقليم العربي العراقي الجذور والهوى . وحق تقرير المصير ...!
حبيب محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2861 - 2009 / 12 / 17 - 17:58
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
الأحواز ، المحمرة ، عبدان ، الحويزة ، الخفاجية ، البسيتين ، الصالحية ، الحميدية ، الخزعلية ، الفلاحية ، مسجد سليمان ، دسبول ، خور عبدالله ، شوشتر ، السوس ، العميدية ، الاحجار السبع ....
هذه المدن العربية العريقة والكبيرة بتاريخها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها ومكوناتها الأجتماعية والدينية واللغوية وبجغرافيتها وبأنهارها وتضاريسها وطقسها وثرواتها . هي جزء غالي وثمين ، مغتصب ومقتطع من الجسد العربي العراقي الجذور والأرتباط من رحم واحد أحد .
يعود الأرتباط الرحمي لهذا الأقليم المغتصب والمقتطع والمحتل الى حاضنته الولادة ( بلاد الرافدين ) الى العهد البابلي القديم . فالتاريخ يشهد بتحرير هذا الأقليم ( أقليم الأحواز ) على يد الملك البابلي حمورابي بعد حرب ضروس ضد الدولة العيلامية المسيطرة على هذا الاقليم أنذاك . وشأن هذا الاقليم ، كشأن باقي الأقاليم لبلاد الرافدين . كان مسرحاً لتنازع الأمبراطوريات القديمة و الحديثة التي تبغي التسيد على العالم . سيما منها الامبراطوريات الغابرة . سواء منها تلك التي ظهرت في بلاد الرافدين ( البابلية والأشورية و السومرية ) أو تلك التي ظهرت في بلاد فارس ( العيلاميين ، الأخمينيين ، السلجوقيين ، الساسانيين ) . فتارة يخضع هذا الأقليم الذي كان و بأمتياز أمتداد طبيعي لبلاد الرافدين ، لهذه الامبرطورية المتنازعة أو تلك . شأنه في ذلك شأن بقية الأقاليم والمدن الواقعة في بلاد الرافدين . حتى أن الأسكندر المقدوني ( الأسكندر الكبير ) حين أحتل العراق في الألف الثالث ق.م . ضم أقليم الأحواز الى نفوذه ، كتحصيل حاصل بعد أستحواذه على شط العرب بضفتيه .
وبعد واقعة ( القادسية ) الشهيرة . والتي أنهت الحكم الساساني الفارسي في العراق . تمكن المسلمون وبقيادة ( أبي موسى الأشعري ) من أستعادة الأقليم ثانية الى حاضنته الأم العراق العظيم . وبقى الأقليم ( عربستان ) جزءًا لم يتجزء من العراق . طيلة الخلافة الراشدية و الأموية والعباسية . وحتى بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية على يد المغول . ضمت الاحواز ( عربستان ) حالها حال بقيت المدن العراقية الى نفوذ المحتل المغولي .
وقد أنبثقت أول أمارة عربية مستقلة في هذا الأقليم على يد أبناء قبائله وعشائره أنفسهم . مطلع القرن الخامس عشر الميلادي بزعامة الأمير محمد بن فلاح . و تمكنت هذه الأمارة العربية الناشئة في الأقليم من الصمود والبقاء زهاء ثلاث قرون متواصلة . رغم تكالب أطماع الفرس من جهة والعثمانيين من جهة أخرى . ورغم سقوط الأمارة العربية تلك على يد الحاكم الفارسي ( أسماعيل الصفوي ) . ألا أن مقاومة القبائل العربية في الأقليم أجبرت أسماعيل الصفوي الحاكم الفارسي . على منح العشائر العربية جزء من السلطات المحلية . وأستمر تنازع الفرس والعثمانيين على الأقليم ، لغاية أبرام أتفاقية ( أرضوم الاولى ) في مطلع القرن التاسع عشر . وبموجب تلك الاتفاقية قسم الأقليم الى منطقتي نفوذ . أحداهما خاضع للفرس والأخر للعثمانيين . وفي آواسط نفس القرن عادت الدولتيين المتنازعتين على مقدرات الاقليم وأبرمتا أتفاقية ( أرضوم الثانية ) وبموجبها تنازل العثمانييون عن نفوذهم الكامل للاقليم ولحساب الفرس . ضمن تقسيمات أستعمارية جديدة بينهما . وأضطر الفرس مجدداً الى التراخي من جراء أشتعال المقاومة المحلية للأقليم . اى منح سلطات محدودة لأبناء قبائله .
ومنذ عام 1897 ، ذلك العام الذي شهد وصول الامير العربي الشهير ( خزعل بن جابر الكعبي ) الى عرش الأقليم على أثر أغتيال شقيقه ( الامير مزعل بن جابر الكعبي ) دشن التاريخ الحديث للأقليم العربي هذا بتمتعه بأستقلال شبه كامل عن أطماع الدولتين المتصارعتين على زعامة المنطقة الفرس والعثمانين . بفضل السياسية البرغماتية التي أنتهجها الأمير والشيخ خزعل نفسه . إذ تقرب الامير من البريطانين وعقد تحالفاً أمنياً معهم . بهدف تأمين أستقلال أمارته من أطماع الدولتين المتنازعتين على الأمارة .
وبعد أستكشاف الثروة النفطية في الأقليم من قبل المستعمر البريطاني . ومع دق طبول الحرب العالميةالأولى . أندفعت بريطانيا الى تعزيز وجودها المكثف في هذا الأقليم العربي الحيوي . وبات لها تواجد عسكري فيه .
وزاد من الامور تعقيداً على الأقليم . أنتصار ثورة أكتوبر الروسية عام 1917 . إذ كانت لهذه الثورة تداعيات سلبية على مستقبل كيان هذه الأمارة العربية ! بعد أنتصار الثورة البلشفية في روسيا القيصرية بقيادة الزعيم التاريخي لينن . أستشعرت بريطانيا بخطر أمتداد الثورة ( الحمراء ) الذي قد يصل الى منابع البترول المكتشف في المنطقة حديثاً . فأعادت بريطانيا صياغة أستراتيجية تحالفاتها و وجودها في المنطقة ككل والأقليم العربي ( عربستان ) بشكل خاص .
فبعد ان كتب لها النجاح في عقد الصفقات بتوزيع الادوار على الاعبين الفاعلين في المنطقة . حكام أيران من جهة وزعامات الثورة العربية في الحجاز ( الشريف حسين وأبنه فيصل ) . فراحت تتخلى عن وعودها السابقة في منح هذه الأمارة العربية أستقلالها أو ضمها الى حاضنتها الطبيعية العراق عوض عن أيران . وراحت تغري الحكام المحليين في طهران بضم الامارة العربية الى ممتلكاتهم . بغية حصولها على تأييد مطلق من حكام طهران المحلين في مواجهة الخطر الشيوعي من حدود أيران الشمالية .
وحين أدرك متأخراً الأمير خزعل طبيعة تلك الأستراتيجية االبريطانية الجديدة في المنطقة . أقترح يائساً على البريطانيين ضم أمارته الى العراق بشكل طوعي مقابل تنصيبه ملكاً على عرش العراق بدلاً من فيصل أبن الحسين . الا أن عرضه هذا قوبل بالرفض . لتقاطعه مع التحالفات وتوزيع الادوار الجديد الذي أعتمدته بريطانيا مع حلفاءها الفاعلين والمؤثرين في أستراتيجيتها الجديدة بعد التهديدات والتحديات التي شكلتها ثورة أكتوبر المنتصرة في روسا أنذاك . حاول الأمير ( خزعل بن جابر الكعبي ) الاستنجاد بسذاجة ب ( عصبة الأمم ) أنذاك ولم تنفعه هي الاخرى ولأسباب بينة للقاصي والداني ( عصبة الامم كما هو حال توأمها هيئة الامم المتحدة اليوم للقوة خدم ) !!
لم ييأس أميرنا ( خزعل بن جابر الكعبي ) حاكم أمارتنا العربية . فراح يلعب بأخر ورقة متاحة له . إذ توجه هذه المرة الى أهله في العمق ( أو هكذا يفترض أن يكونوا ) . كانت وجهته هذه المرة الى الزعامات الدينية ومرجعيتها الشيعية في النجف في العراق . طالباً منهم المناصرة في الحفاظ على هوية الامارة عربية عراقية خالصة . من خلال القبول باقتراحه بضم الامارة الى العراق مقابل منحه عرش الحكم . وحين أبت المرجعية الأستجابة الى ذلك . طلب منها أضعف الايمان وذلك بأصدار فتوى بتكفير حاكم ايران آنذاك الشاه رضا خان والضاغط بتجاه ضم الأمارة العربية لعرشه . سيما وان الشاه رضا خان كان معروفاً بعدائه للعرب وعقيدتهم ولم تستجب . أدرك شاه أيران خطورت هذا الأمير العربي المتمرد . فسعى الى تصفيته وبالأتفاق مع البريطانيينن . تم خطفه وترحيله الى طهران وهناك قتل . وقبل أغتيال شيخنا الجليل ( خزعل بن جابر الكعبي ) وتحديداً عام 1925 أصبح أقليمنا العربي ( عربستان ) تحت حكم الأحتلال الايراني الفعلي والى يومنا هذا .
وأثناء الفورة الشعبية ضد النظام الدكتاتوري الايراني السابق ( نظام الشاه المقبور ) والتي فجرت شرارة الثورة المليونية الايرانية عام 1979 . لم يقف منها عرب الاقليم المحتل . موقف المتفرج الشامت . بل كان وقوداً محركاً لها . فسجل الشعب العربي في الأراضي المحتلة في عربستان صولات وجولات . ولعب دوراً محورياً ومفصلياً يشهد له السجل المؤرشف للثورة الايرانية الشعبية . سواء من خلال أسهامات التنظيمات السياسية والجماهرية الخاصة بعرب الاقليم أو من خلال أسهامات مشتركة مع تنظيمات وأحزاب يسارية من خارج الاقليم . وجزء غير قليل من أبناء الأقليم أنظم الى صفوف تنظيمات أيرانية يسارية ثوروية من مثل حزب تودة ومنظمة مجاهدي خلق اليسارية . ساهموا بجل الانشطة النضالية الجماهيرية المليونية . سواء من خلال المواجهات المباشرة وغير المباشرة مع أجهزة النظام القمعي . أو من خلال أشتراكهم الفاعل بالأعتصامات والأضرابات التي شملت القطاع الانتاجي النفطي وشل قدراته الداعمة للنظام الشاهنشاهي الدكتاتوري . سيما وأن جل تلك المنشأت النفطية موجودة على أرض أقليمهم . ومششاركتهم الفاعلة بتك الثورة كان يحذوها الامل في الحصول على حقوقها العادلة بتقرير المصير الذي تختاره هي وبملء أرادتها . ودون أملاءات على حساب حقوقها الوطنية والقومية . تلك الحقوق التي تكفلها شرائع الأرض والسماء . بالعيش الحر الكريم ودون وصايا من أحد . ودون فروض للطاعة المكرهة وبأتباع أساليب القهر والطغيان والظم . وهذا هو واقع الحال المؤلم الذي يعيشه الشعب العربي العراقي الجذور والهوى في ربوع مدننا العربية العربستانية لليوم وللاسف .
ولابد الأشارة هنا الى أن الظروف الأقليمية والدولية اليوم متاحة أكثر من ذي قبل الى أستيعاب قضية شعبنا العربي الاحوازي العادلة في نضاله المشروع نحو التحرر وتقرير المصير . بعد أن أزيح الستار تماما عن ممارسات ونهج نظام الملالي المتسلط على رقاب الأحرار داخل أيرن . وكشف مخططات هذا النظام الذي يحاول يائساً كسر عزلته وكسر أزماته من خلال تصدير وتصريف تلك الأزمات الداخلية والخارجية الى دول الجوار الاقليمي . ومحاولة خداعه في ركب موجة المواجهة والصدام المفتعل والديكوري الصوري . مع العدو الاقليمي والدولي التقليدي في المنطقة ( أمريكا ورضيعها المدلل أسرائيل ) . الا أن كل هذه السيناريوهات المعدة سلفاً والساذجة . لم تعد تنطلي على أحد ، فالنظام الأيراني لم يعد يمتلك حلفاء كثر . وبات في عزلة خانقة تستدعي من النخب السياسية لعرب الاحواز الحبيبة وجماهيرها بتشديد نضالها وبتوحيد خطابها والخروج من دائرة الظل المدمرة والخروج الى العلن و أبتكار أدوات وسبل نضالية أكثر فاعلية وتأثير . كما يتطلب من هذه القوى أنتزاع المبادرة ومد الجسور بالمنظمات الأقليمية والدولية للتعريف بقضيتها وحشد التعاطف والتأييد لها حتى تتحق الاهداف العادلة في الانعتاق والحرية وتقرير المصير و في الأنضمام الى الحاضنة الأم أو في تأسيس كيان دولة عربية أحوازية مستقل .
#حبيب_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرس الفرات المؤجل...!
-
تعاطي حكومة بغداد مع ملف ( معسكر أشرف ) ينم عن تفريط صارخ لم
...
-
تسكن طفولتي...!
-
حزورة باليرة : من هو شارون بشتاشان ؟ وأين منه المحكمة الجنائ
...
-
(أقتباس ) للنشيد الوطني........!
-
عودة الكفاءات المغتربة : بين تسفيه نوري المالكي و مهزلة خالد
...
-
متوضأً من أغتراباتي...!
-
غجر العراق : قبل وبعد أجتياح بغداد ..!
-
الغجر : بين ماضي الأبادة و حاضر التميز العنصري !
-
حروبهم الأمبريالية وتأويلاتهم لكتبهم المدنسة..!
-
عذراً للتمنيات الطيبة : جلباب مارتن لوثر ليسَّ بمقاس أوباما.
...
-
العملة الورقية الأمريكية و حرب الأبادة الغائبة الحاضرة ..!
-
الحكومة الفسنجونية تزرع والمواطن العراقي يحصد وهم الانتخابات
...
-
البحث عن سيف علي...!!!
-
من مكارم أخلاق القطب الأوحد : المتاجرة بصحة البشر..!
-
من يستفز دمعي...!
-
إصلاح المنظمة الأممية ، صمام الأمان لعالم أكثر أمنناً وأستقر
...
-
أمطري عذاباتي ...!
-
الحكومة الكويتية و اللعب بألنار التي قد تطالها مرة أخرى..!
-
دستور بول بريمر الملغوم وقنابله الانشطارية...!
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|