|
مجرد أسئلة ، الفلسطيني وحقوق الإنسان
نادية عيلبوني
الحوار المتمدن-العدد: 2861 - 2009 / 12 / 17 - 07:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ماذا لو تعارضت شرعة حقوق الإنسان مع عاداتنا وتقاليدنا ومع الشريعة الإسلامية؟ هل نقبلها أم نرفضها ؟ وإذا رفضناها فهل يجوز لنا أن نكف عن مطالبة العالم بالتدخل لمحاسبة إسرائيل جراء جرائمها التي ارتكبتها وترتكبها ضد حقوق الإنسان الفلسطيني؟ هل نستطيع أن نكون انتقائيون، كأن نقف ونقول مثلا أننا نأخذ من هذه القوانين، ما يتوافق مع شريعتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ونترك ما هو متعارض معها؟ وفي الحالة هذه ،ألا يتعارض هذا الانتقاء ، من الوجهة القانونية، مع اعتراف الفلسطينيين بشرعة حقوق الإنسان؟ قد يقول قائل: نعم هذا يجوز ،فهناك الكثير من بنود الإعلام ما لا يتوافق مع ثقافتنا وديننا، وقد يقول البعض الآخر: لا ، فإما أن نقبل تلك القوانين كرزمة كاملة أو نرفضها جملة وتفصيلا. ودعنا نطرح أسئلة على من يريد أن ننتهج أسلوب الانتقاء في تعامله مع هذه الحقوق ، وأيضا أسئلة على من يريدون تطبيق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكافة بنودها. دعنا بداية نتماهى وجهة نظر الفريق الأول بما هو أكثرية ، والذي يفضل أن يكون انتقائيا حرصا منه على احترام الشريعة والعادات والتقاليد ،ولنسأل تلك الأسئلة التي يفترضها منطق الانتقاء ذاته علينا ، ألا يعني إعطاء أنفسنا الحق في الانتقاء، أن من حق الآخرين ،كما من حق الدول الأخرى ، أيضا أن تنتقي ما يناسبها وما لا يناسبها من تلك القوانين؟ ألا تعطي مبرراتنا تلك الحق أيضا لإسرائيل لتجد المبررات التي تستطيع على أساسها خرق حقوق الإنسان الفلسطيني؟كأن تقول مثلا أنها إنما تقتل الفلسطينيين دفاعا عن نفسها ووجودها وأنها تفعل هذا بناء على تراثها وتقاليدها وقيمها الدينية؟ ودعنا أيضا نناقش أصحاب الرأي الذي يريدنا أن نقبل القوانين الدولية كلها كحزمة واحدة ، مبررا رأيه بهذا هو بالمصلحة الفلسطينية التي تقتضي منا تفويت الفرصة على إسرائيل وانتقائيتها في تطبيق هذه الحقوق،و دعنا ا نرى ما الذي يمكن أن يسفر عنه تطبيق بعض البنود وخاصة تلك التي تحمل حساسية خاصة. المادة 16 من الإعلان ،وفي الفقرة الأولى تقول : "للرجل والمرأة ، متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه ، وعند انحلاله". كما تتحدث المادة 18 :" أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق تغيير ديانته وعقيدته وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ...إلخ." ودعنا نقوم بتفكيك المادة 16بالفقرة الأولى منها ، والتي تتحدث عن حق الرجل والمرأة في الزواج دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة الدين ، وتفسير هذه المادة يعني أن من حق المسلمة أن تتزوج من غير دينها ، كما من حق المختلفون دينيا الزواج من المسلمات،ألا يتعارض مثل هذه النص مع قانون الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية في المناطق الفلسطينية؟.وكيف بالإمكان تجاوز هذه العقدة ؟ وهل هناك مثلا مشروعا فلسطينيا لإضافة مؤسسة زواج مدنية لتتيح للمختلفين دينا الزواج على أساسه؟ هل نحن جاهزون لتقبل مثل هذا التغيير الذي تفرضه الشرعة الأممية لحقوق الإنسان؟ وكيف لنا أن نقدر ردود الفعل الفلسطينية إذا ما دعت مجموعة ، أو هيئة ، أو فرد ، لإقامة مؤسسة كهذه؟ لنترك هذه النقطة جانبا، ولنأخذ ما نصت عليه المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تؤكد على حرية العقيدة وحرية الضمير وحرية تغيير المعتقد ، فهل المجتمع الفلسطيني أيضا على استعداد لتقبل فكرة تغيير المسلم لدينه واحترام رغبة وحق الفرد إذا ما أقدم على مثل هذا التغيير؟هل المجتمع الفلسطيني قادر على الاعتراف بحق الفرد في أن يكون ملحدا؟ هل يمكن أن نتقبل حرية الملحد في التعبير عن رأيه وإلحاده ، وعدم إيمانه بأية ديانة ،وفقا لشرعة حقوق الإنسان التي تجيز له هذا الحق؟ ألا يتناقض هذا الأمر مع أعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا؟ ألا يتناقض حق التعبير هذا في تلك المسائل مع الشريعة الإسلامية المعمول بها في محاكمنا، والتي لا نجيز الإلحاد ، ولا تجيز للمسلم تغيير ديانته ؟فكيف لنا أن نحل المسألة إذن ؟ ولعل القول أننا نستطيع الاجتهاد لتأويل بعض البنود الواردة في هذا الإعلان ، مثلما اجتهد بعضنا في تأويل الآيات والسور القرآنية ،هو من الأمور الغير ممكنة بالنسبة لقوانين حقوق الإنسان بالذات، ومثل هذا الاجتهاد سيكون مغلقا أمامنا لأن المادة ثلاثين تقول بوضوح العبارة :" أن ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة ،أو جماعة، أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم هذه الحقوق والحريات الواردة فيه". في الحقيقة ،ليس في جعبتي أية ، إجابات جاهزة على مثل تلك الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي تطرح نفسها تلقائيا لدى قراءة نص حقوق الإنسان وقراءة القوانين المعمول بها عندنا. ولكن ما أعرفه أن شرعة حقوق الإنسان تحتاج لتنفيذها وإقرارها إلى قوانين مدنية، في حين أن القانون الأساسي الفلسطيني يؤكد على أن "مبادىء الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي للتشريع" فالمرجعية عندنا بالنسبة للقوانين هي مرجعية دينية بعمومها، بينما تعتمد قوانين حقوق الإنسان على مرجعية بشرية بشكل مطلق ،ففي ديباجة الإعلان عن حقوق الإنسان في الفقرة الأولى تأكيد على هذه المرجعية البشرية في القول:" لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم...." في الواقع ، وكما ذكرت بداية ، ليست لدي أية إجابات حول هذا الموضوع، وليس لي أي باع في القوانين والتشريعات وكيفية اعتمادها ، ما لدي هو أسئلة فقط . أسئلة أطرحها من باب الفضول للمزيد من المعرفة لواقعنا الفلسطيني ، أريد فقط أن عرف إلى أي حد يستطيع مجتمعنا الفلسطيني احتمال عناد الكثير من الأسئلة التي عادة ما يتم تجاهلها.
صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا
#نادية_عيلبوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيضا منظر الملتحين وأصحاب - الدشاديش- القصيرة يجرح ذوقنا وهو
...
-
هذا حق مشروع لنسائنا ملكة جمال لفلسطين ما الذي يمنع؟
-
-كل الحق- على الرئيس عباس!!؟؟
-
اللعب بقضايا الاندماج في النمسا
-
المتوكل طه والدفاع عن ثقافة الاستبداد - نعم الثقافة العربية
...
-
وقع القاص زياد خداش بورتريه لجديد الأدب الفلسطيني
-
فيينا أم فينستان ؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|