|
القلعة الفولاذية السوداء تتحرك
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2859 - 2009 / 12 / 15 - 19:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وصلني عن طريق البريد الالكتروني رساله من الحوار المتمدن تعليقا علي المقال المنشور بالعدد 2849 من الحوارالمتمدن بتاريخ 5 ديسمبر بعنوان "الكورال الحكومي و الدكتور البرادعي "عباره عن سطر واحد مكتوب فيه " ما هي أكثر الانجازات التي أثرت في البلاد" ومطلوب الرد علي عنوان حاولت الارسال عليه عده مرات ولكني فشلت لذلك أرى مشاركة الاخوة الزملاء ومنهم صاحب السؤال. Sasa [email protected] الانجازات الحكومية خلال نصف قرن علي الرغم من أن هناك إنجازات يومية يقوم بها البشر العاديين في مصر الا أن أجهزة الحكومة عن طريق مقصود أوغير مقصود تحولها الي معاناة غير محتملة.. في بعض الاحيان إنشاءات عديدة تمت و ساهم فيها آلاف المهندسين و المخططين و العمال الفنين ولكن عندما يبدأ تشغيلها وصيانتها تتحول الي كابوس مثل مترو الانفاق أوالسكة الحديد أو محطات تنقية مياه الصرف الصحي أو الكبارى العلوية أو المدن الجديدة أوشبكات المياه والتليفونات والمحمول فضلا عن توشكي ومشروعات الرى الكبرى ...هذا علي المستوى المادى ولن أذكر بالطبع الحرائق والحوادث التي تسبب فيها الاهمال وعدم تطبيق تعليمات الامن. أما التعليم والصحة فرغم ملايين الجنيهات التي تنفق عليهما فلقد وصل المستوى المقدم للخدمة الي أدني درجه بسبب الاهمال وسعي العاملين خلف الاعمال الخاصة الاكثر جدوى ماديا.. الرى والصرف المغطى تحول بعدم التخطيط الي رى بمياه الصرف الصحي دون أى وازع من ضمير أو إحساس بالذنب . التليفزيون الرسمي والجرائد القومية أصبحت نشرات دعايه وتهليل لإنجازات وهمية علي جميع المستويات..ونتيجة لمقاطعتها أًصبح الدش والقنوات المشفرة هي الوسيلة الشائعة بين المصريين حتي أفقرهم ...السياحة الخارجية خصوصا للأراضى المقدسه إبتلعت كل ما تقدمه السياحة الداخلية من إيرادات ...السينما والمسرح فقدا دورهما التربوى والإمتاعي لدى أغلب الرواد وقاطعهما كل من يحترم نفسه الكرة التي كان الاهلي يحقق الانجازات فيها واحدة بعد الاخرى تكاتف عليه حسن شحاته وإتحاد الكرة لتدميره حتي هرب مدربه وخسر الاتحاد كل المسابقات الافريقية والعربية والعالمية التى شارك فيها علي المستوى القومي او مستوى الاندية . ولا أريد أن أتكلم عن إنجازات الديموقراطية أو حقوق الانسان فهي في الأغلب شكلية و للتصدير وليست للإستهلاك المحلي . يبقي الإنجاز الوحيد الذى تتقنه الحكومات المتعاقبة منذ 1952 وحتي الان وهو حماية القيادة... الصناعة التي تفوق فيها المصرى علي كل الشعوب . صناعة تأمين القيادة السياسية و حماية الرئيس حققت إنجازات مذهلة خلال نصف قرن تم فيه تطوير أساليبها وأدواتها وخططها بحيث حل مكان العربة المكشوفة التي كان يقف في وسطها الرئيس عبد الناصر تحيط به الحشود من كل جانب لا يمنعها عنه الا أربعه جنود يجلسون علي الرفارف والمؤخرة ..بقلعه فولاذيه تتحرك بسرعه رهيبة في شوارع القاهرة المخلية الا من صفوف الجنود الناظرين للخارج وظهرهم للشارع مع عشرات القادة الآكابر من مختلف الرتب يسلم كل منهم الآخر مهمة التأمين بعد أن يمر الموكب من قطاعه . التخطيط لأمن التشريفة –كما يطلقون عليها –مع التدريب علي استخدام الاجهزة الحديثة جاءت كلها صناعه أمريكية بالغه التطور تهديها الي حلفائها ..وإن كان أبرعهم في تناولها و إستخدامها كان الحليف المصرى ..فالموكب تتقدمه مدرعة ضخمة كاشفة للألغام والمفرقعات ..يأتي خلفها مفرزة تأمين التحرك التي تتأكد من صلاحية المسار للحركة ..ثم القلعة الفولاذية السوداء المكونه من ست أوثمان عربات متشابهة و مضادة للرصاص تسير بنفس السرعة والاتجاه بتدريب مذهل لسائقيها بحيث تبدو للمشاهد مع سرعتها الفائقة كما لو كانت كتله سوداء واحدة منطلقة .. بداخل عربة منها غير معروف ترتيبها أو مكانها في القول يجلس سيادة الرئيس محجوبا بزجاج غامق وسرعة لا تسمح بالتأمل... القول بأجمعه محمي بكتائب إنذار هجوم الطيران والصواريخ المستعدة للتعامل مع أدني اختراق أمني ..خلف القلعة الفولاذية المتحركة تأتي مفرزه تأمين المؤخرة ثم أعداد غفيرة من عربات المسؤلين والمشاركين في الموكب في احتفالية صاخبة سعيدة بنجاح خطة التأمين سكان القاهرة إعتادوا علي طقوس التأمين هذه فهم عندما يسمعون صفارات أوناش المرورفي منتصف الليل فمعني ذلك أن هناك تشريفة في منتصف النهار التالي وأن علي كل منهم أن يسرع بنقل عربته بعيدا عن مسار الزيارة المرتقبه والا نقلت الي الشوارع الجانبية في مكان لن يعرفه بسهوله ...كذلك تعطيل المرور لساعات وغلق المنافذ الجانبية لم يعد يستفز المتعطلين منتظرين مرور الموكب حتي لو كان هناك مسافر أو مريض أو مؤدى لإمتحان ..وقوف رجال الامن فوق أسطح المنازل المحيطة بالمسارلم يعد يلفت النظر وعلاجه إغلاق الشبابيك لحين إنتهاء الاحتفالية ...لقد أصبح كل هذا ظواهر طبيعيه لاسلوب حياة تم تطويره بنجاح خلال نصف قرن كانت استراتيجية القيادة فيها أن الاولوية دائما للأمن الخاص بالقيادة وتأمين ممثل السلطة سيادة الرئيس والمحيطون به . استراتيجية أولوية الأمن هذه إنعكست أيضا علي جميع مناحي الحياة ..فجميع العاملين بالدولة لابد من التأكد من رضاء الأمن عنهم ...أما القيادات من مدير عام فما فوق فان الامر أكثر صعوبة إذ لابد من موافقة الرقابه الإداريه والأمن العام والأمن الخاص للمؤسسة وأمن الدولة ..إلخ وفي بعض الاحيان تتدخل المخابرات ورئاسة الجمهورية. الوعاظ بالمساجد ..اساتذة الجامعة ..الصحفيون.. العاملون بالاذاعة والتليفزيون ..كلهم يخضعون لتأمين أجهزة مختصة .. بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى بما في ذلك الكفاءة والصلاحية للوظيفة ..وهكذا حقق النظام إنجازا غير مسبوق لقد إعتاد المصرى علي هذا الشذوذ وإعتبره مسلمة من مسلمات الحياة تكلفة الأمن والتأمين الحقيقية مجهولة ..فميزانية هذه الجهات ومصادر تمويلها غير خاضعة لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات أو مجلس الشعب وان كانت طبقا للشائعات تتجاوز ميزانية التعليم والصحة مجتمعتان تحمل الشعب لعبء غير محدد أو محدود وغير مراقب إنجاز آخر يصعب تحقيقه خصوصا مع شيوع أفكار الليبرالية وحقوق الانسان بعد مرور عقد كامل من القرن الحادى والعشرين انعكاس استراتيجية أولوية الأمن علي سلوك الأفراد إنجاز قضي علي كل ما تبقي من صفات ايجابية لعدد كبير من المتورطين ..سواء كانوا شركاء في العملية التأمينية التي يراقب فيها كل جهاز أخوه جهاز المراقبة الآخر ..أو كانوا من المضارين بسحب عرباتهم في منتصف الليل أوضياع وقتهم في الشوارع المغلقة فجأة أوتم وقف ترقيتهم لأسباب لا يعرفها الا أرباب الرقابة الأدارية أو تم حذف مشاهد من أفلامهم وبرامجهم ومقالاتهم وللأسف فان حصيلة هذه الاستراتيجية بالنسبة لهذه النقطة قد يطول نقاشها هذا هو الانجاز الوحيد الحقيقي للأنظمة المتعاقبة علي الحكم منذ 1955 أرجو أن أكون قد أجبت علي سؤال السيد/ة القارئ/ة ولكن يبقي سؤال لسيادته هو حضرتك حتعمل ايه بإجابة سؤالك هذا.
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لوحات الجد حسن و غضب الله
-
الكورال الحكومي و الدكتور البرادعي
-
آسف..قضية التطور يمكن ان يلحقها ضرر
-
صعود وسقوط القوميه العربيه
-
اللي يعوزه البيت يحرم علي فريق الكره
-
خسارة ... فريق السجَادين لن تفهموا أبدا
-
مسلسل رمضانى
-
بمرور الزمان هل يشعر قاضى ( الدولة الاسلامية ) بالأمان !
-
حديث لصحفى مبتدئ مع خبير صرف صحى
-
حفريات سلوكية من زمن البداية
-
الى الصديق - سليمان ينى - الذى سألنى ببراءة - إنت لسة ما حجت
...
-
الى حفيدتى التى لم توجد بعد- ماعت -
-
الرسالة الثانية لحفيدتى التى لم توجد بعد - ماعت -
-
حفيدتى التى لم توجد بعد - ماعت -
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|