|
أيضا منظر الملتحين وأصحاب - الدشاديش- القصيرة يجرح ذوقنا وهويتنا فهل نمنعهم؟
نادية عيلبوني
الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 13:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لنحاول ولو لمجرد التمرين على فكرة التعددية والتسامح وقبول الاختلاف وقبول الآخر واحترامه ،أن نتحدث بصراحة ، أو على الأقل أن نحّول ما نهمس به لبعضنا البعض إلى حديث علني ، لعل وعسى أن يقودنا هذا إلى مجتمع صحي ينحى باتجاه التعافي. لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندنا لمجرد الإعلان عن مسابقة لملكة جمال فلسطين. ولقد سمعنا بهذه المناسبة آراء الكثيرين التي جاء أغلبها على صورة وعظ وإرشاد وخطابات وفتاوي ما أنزل بها الله من سلطان. ونستطيع القول أن ما قدم حتى الآن تجاوز الرأي ليصل إلى حاوية الشتائم والتهديدات التي وإن عبرت عن شيء ، فإنها تعبر أصدق تعبير عن هلع الفلسطيني من فكرة الحرية وتجسيداتها الاجتماعية، أو حتى رعبه من قبول أبسط مظاهرها ونتائجها . ونستطيع القول ونتيجة لكل الجدل والحوارات التي تمنطقت بالشرف والدين ولبست معطف الوطنية المرقع ، أن ما سمعناه حتى الآن هو بمثابة استفتاء غير مباشر عن مدى صدقية الفلسطينيين في تطلعلهم نحو الحرية. والحرية ، هذه الكلمة السحرية التي نتشدق به على صفحات مواقعنا وجرائدنا ليلا نهارا مطالبين بانتزاعها من المحتل،ومتباكين على ضياعها، لا يمكن أن تقبل التجزئة أو القسمة. إذ لا يمكنني الادعاء بأحقيتي في المطالبة بحرية الوطن ، وأنا اضطهد أهلي وأخوتي .كما لا يمكنني أن أكافح من أجل أن يتوقف المحتل عن جلدي في الوقت الذي أحمل فيه سوطي ليلا ونهارا لأجلد به أبناء شعبي. كما لا يمكننا أن نندد بسياسة مصادرة الأراضي واعتبارها غير شرعية ، في الوقت الذي نقوم فيه بمصادرة والتهام حقوق بعضنا بعضا تحت حجج وذرائع شتى. كما لا يمكننا الادعاء بعدم أحقية إسرائيل في إقامة الجدران والحواجز ، في الوقت الذي نضع فيه ألف حاجز وجدار داخل وأمام عقول بعضنا بعضا ، ونقيم فيه جدرانا حديدية وإسمنتية لمنع المجتمع الفلسطيني من التعبير عن نفسه في مجتمعه بحرية تامة. وإذا كان من حق أصحاب الرأي المتشدد أن يفرضوا آرائهم إلى حد تحويلها لتصبح قانونا نافذا ، فإن العدل الذي تفترضه الحرية ، سيعطي المخالفين بالرأي الحق ذاته، لا لقول رأيهم فحسب ، بل أيضا لفرضه، وجعله قانونا نافذا. إلا أن لا هذا ولا ذاك يمكن أن يكون صحيحا، فالإدلاء بالرأي هو حق للجميع في المجتمع دون استثناء. وهذا الحق يأتي وفقا لشرعة حقوق الإنسان، والتي ساهم بعض الحقوقيين العرب في صياغتها،والتي نطالب العالم ليلا نهارا بتطبيقها . ولنا أن نذكر الجميع، أن حقوق الأفراد والجماعات في الشرعة الدولية لها الأولوية على ما عداها ، حتى أنها تتقدم على حقوق وحرية الأوطان. ولكن إلى أي مدى يمكننا أن نمتحن قدرتنا في تحمل الرأي المختلف في المجتمع الفلسطيني؟ و كيف سيتقبل المتشددون عندنا الرأي القائل أن ظاهرة أصحاب اللحى ، وخصوصا تلك المحناة، إلى جانب ظاهرة "الدشاديش" القصيرة، مضاف إليها ظاهرة النساء اللواتي يضعن البرقع على وجوههن،ولا تظهر منه سوى عيونهن، هي من الظواهر المنفّرة والبشعة والغريبة على المجتمع الفلسطيني وعلى عاداته وتقاليده ،وطالب استنادا إلى رأيه هذا بمنعها لأنها تهين هويتنا الوطنية،ولا تتلائم مع ثقافتنا وفلكلورنا الفلسطيني الذي يعتمد بالأساس على الحطة والعقال بالنسبة للرجل وعلى لبس الثوب الفلسطيني ذو الألوان الزهية، بالنسبة للمرأة. ماذا لو وقف أحدهم مطالبا بمنع هذه الظواهر بقوة القانون، وادعى في مطالبته تلك أن هذا اللباس يهين هويتنا الفلسطينية في الصميم كونه يجعلنا نتشبه بالمجتمعات المتخلفة الخارجة للتو من رحم كهوف وجبال تورا بورا في أفغانستان؟ هل يحق لأحد المطالبة بقانون يمنع هؤلاء من ارتداء تلك الملابس بدعوى انها هجينة على تراثنا ولأنها تجعلنا نبدو كمجتمعات إرهابية ورعوية وهمجية؟ ستقوم ولن تقعد الدنيا عندنا، لو حدث هذا بلا أدنى شك.ومن حق من يعترضون على رأي كهذا أن يدافعوا عن وجهة نظرهم. لا جدل في هذا. وهذا كله يعني أنه ليس من حق أصحاب الرأي أن يجعلوا من أنفسهم قضاة على المجتمع. وليس من حقهم أن يفرضوا آرائهم على الجميع ،ولا يعني التعلل بالوطن والقضية الوطنية ، أو العادات والتقاليد والشرع أن بإمكان كل من هب ودب الاعتداء على الحريات الاجتماعية والشخصية ومصادرتها مهما كانت وجاهة الحجج والمبررات. لا أحد منا بإمكانه الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة ، الحقيقة المطلقة لا يمكن إدراكها أو الوصول إليها لأنها شأن إلهي ،لا علاقة للبشر به. وبما أنها شأن إلهي ، فإن هذا يعني أن من حق أي أحد أن يفسر المطلق والإلهي بالطريقة التي تعجبه أو تلائمه، شرط أن لا يفرض تفسيراته تلك على الجميع لتتحول إلى قانون ثابت لا يمكن منعه أو معارضته. وبما لسنا آلهة ، وبما أننا بشر قد نصيب وقد نخطأ ، فإن هذا يعني أن نعرف حدودنا ولا نتجاوزها . فإلى الذين لا يعجبهم وجود مسابقة لملكة جمال فلسطين، نقول ، لا تشتركوا فيها ، وامنعوا نسائكم إذا كن من بين الجميلات من المساهمة فيها ، ولكن بالمقابل عليكم أن تحترموا إرادة من يعجبه هذا ويريده .عليكم احترام آراء وإرادة كل من يجدها ظاهرة صحية وحضارية وإنسانية ويريد المساهمة بها ورؤيتها.وإذا شعرتم بالحرج أو الألم ، أو الخجل من رؤية الجميلات أثناء عرض المسابقة ، فما عليكم إلا أن تستعملوا جهاز التحكم لرؤية قناة المنار أو قنوات حركة حماس ، أو أية فضائية أفغانية وطالبانية أخرى تتوائم مع ما تعتبرونه مناسبا لقناعاتكم الوطنية والدينية والاجتماعية. وبهذا تعفوننا وتعفون المختلفين معكم في الرأي ، من دروسكم "العظيمة" عن الشرف والأخلاق والوطنية وغيرها من دروس مدارس الكتاتيب القديمة التي حفظناها عن ظهر قلب، وبهذا أيضا، تكونون قد مارستم قناعاتكم ومفاهيمكم على أنفسكم بحرية دون ضغط أو إكراه ،ودون أن تعكروا – وهو الأهم- علينا وعلى الآخرين مزاجهم ورغبتهم في رؤية الجمال والجميلات. صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا
#نادية_عيلبوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا حق مشروع لنسائنا ملكة جمال لفلسطين ما الذي يمنع؟
-
-كل الحق- على الرئيس عباس!!؟؟
-
اللعب بقضايا الاندماج في النمسا
-
المتوكل طه والدفاع عن ثقافة الاستبداد - نعم الثقافة العربية
...
-
وقع القاص زياد خداش بورتريه لجديد الأدب الفلسطيني
-
فيينا أم فينستان ؟
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|