|
العلمانية كبدعة إسلامية عربية!
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 09:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما تجد نفسك غارقا في تفاصيل السياسي، وتحركك دوافع ذات بعد الراهن فيه وبتفاصيله المؤلمة، له القول الفصل، وتترك استشراف المستقبل للمنظرين وللمثقفين صغارا كانوا أم كبارا، ويصيبنا نحن الغرقى، ضيق أفق كبير بحيث نصل إلى درجة لا نميز بين الآني والمستقبلي، بين الاستراتيجي والتكتيكي، بين الموقف السياسي والموقف النظري، سواء كان هذا الموقف" محصن معرفيا" أو" مهلهل أيديولوجيا" المعرفي عندنا هو الذي يدعي أنه يقيم مسافة بين العلم والأيديولوجيا بوصفها" شبهة ومرذولة بالآن معا" على الرغم من أن الثقافة الغربية، لازالت بغالبية مثقفيها وعلماءها، تخاف من هذا الحكم المبرم، بل إنها منذ زمن لم تعد هذه الثقافة معنية بهذه الثنائية" معرفة- أيديولوجيا" وآخر المحاولات التي أرادت القطع مع هذا الأمر، هي الشبهة الأيديولوجية العميقة التي أضفاها ميشيل فوكو على الخطاب الطبي. من هنا نجد أن علمانيي اللحظة" يتصدرون واجهة العلم، لا واجهة العصرنة ورفع شأن الحرية، حيث سقطت هذه المفردة من قاموس مجاهدي العلمانية، كما سقطت عبارة" فساد نظم الحكم" لم نقل هنا أن ملفوظة الديمقراطية، قد تم تسفيلها لدرجة الهذيان العلمانوي، والإسلام السياسي يتقاسم المنطقة المشبوهة والتي يمكن لنا تكثيفها بالتالي" الحرية الفردية محتجزة باسم الدين هنا، والحرية العامة محتجزة باسم أولوية العلمانية هناك" ويخوض الطرفان معركة، والنظم الفاسدة القامعة، تتفرج وتارة تدعم هذا الطرف وتقدم له التسهيلات وتارة تدعم ذاك الطرف، واللعبة مستمرة، وقضية الحرية تتراجع عند النسق الثقافي العربي. الم يكن تشاوشيسكو رمزا قويا للعلمانية، وقبله ستالين، وهتلر؟ تراجع قضية الحرية، لا تجده بقلة المنظرين والمثقفين العرب الكبار منهم والصغار، بقدر ما تجده في التفصيل السياسي، هنا تجد الحرج الأيديولوجي والقيمي والأخلاقي. تضرب رأسك في جدار، أيمكن لثقافة تريد العصرنة، أن تسقط من أقانيمها" قضية الحرية؟ ممن نريد العلمنة؟ من مجتمع هو أصلا لم يرق بعد لهذه التسمية؟ أم من أنظمة بناها الفساد قبل أن تبنيه وتعيد إنتاجه. الإسلاميون رفعوا شعار معاداة العلمانية، وبذلك خلقوا كوكبة من العلمانيين الجدد، والأنظمة تريد إزاحة قضية الحرية عن النقاش العام، وهل مسموح النقاش العام بقضية الحريات العامة والفردية في بلداننا؟ وأصبحت العلمانية مفردة متواجدة في الخطاب الإسلامي، كمفردة أولى مرذولة، وتتهم بها بعضا من أنظمة المنطقة، والتي تتحالف معها في إسقاط قضية الحرية، من الفضاء العام، وساعدها في ذلك شرطة العلمانية العربية. أبدا لم تكن العلمانية أو العصرنة في أي زمان ومكان، إلا ملحقة بقضية الحرية، وليس العكس، كما نشاهد اليوم، حيث أصبح الحديث عن الحرية بوصفها، حرية تفصيلية، تختص بهذه الجزئية أو تلك من حقل الحريات الفردية. نحن هنا أسقطنا مفردة الديمقراطية، لأن العلمانيين باتت تصيبهم حساسية خاصة من هذا المفهوم. وقضية الديمقراطية بوجهها الرئيسي "هي إدارة الحرية ليس إلا. الحقل الدلالي السلطوي في المنطقة العربية" يحتمل كل ما له علاقة بالمعركة القائمة زيفا بين العلمانيين والإسلاميين، لكنه أبدا لا يحتمل دخول الحرية كقضية قيمية قبل أن تكون سياسية، في حقل تداولها هذا. الحرية في هذا الزمن العربي المتنازع على واجهته الآن" إسلاميي اللحظة ومرافقيهم من العلمانيين" يجب أن تتحول إلى قيمة مطلقة، رغم أن هذه الدعوة، فيها من الزيف الكثير ولكن، يجب جعل قضية الحرية هاجسا يوميا ولحظيا، بالتالي تصبح التفصيل السياسي الأكثر حضورا في الحقل العام. هذه المعركة العلمانوية الإسلاموية، تخفي ثنائية عربية مزمنة" الحرية- السلطة" لاوجود لهذه الثنائية في القاموس المتدوال في هذه المعركة المزيفة. الخصوصية الفرنسية، يجب ألا تكون مثالا لنا في جانب واحد منها، لأن الحرية كقضية أساس هي التي فصلت الدين عن الدولة، وليس العلمانية هي من أتت بالحرية، والدليل أن بلدان التنوير، تعلمنت في ظل الحرية أو بالتساوق معها، لأن الحرية كانت وحدها القيمة المطلقة في المعركة التنويرية، ولم تكن العلمانية. لم يبقى من تاريخ نضال الباريسيين إلا العلمانية! وهذا ما يريده الإسلاميون أيضا. على العلمانيين أن يعيدوا الاعتبار ومن أجل انتصار علمانيتهم لقضية الحرية كقيمة أولى. بدون الحرية لا يوجد علمانية، ولكن يمكن للعلمانية أن توجد بغياب الحرية، وهذا أمر أخطر ما فيه أنه يعيد إنتاج ثنائية القمع والفساد في العالم العربي. إن الشرط الجهادي للعلمانية يقتضي فصل الدين عن الدولة، ويرفض مأسسة الدين في أي دولة، ورفض المأسسة هذا نابع من شرط سلطوي عميق، لأن المأسسة تفصل بين" القائد وبين دار الفتوى" وهذا أمر غير مسموح به في العالم العربي، والسبب أنه يرفض أصلا مأسسة الدولة، وهذا الرفض للمأسسة هو رفضا للحرية، وما تقتضيه من مشاركة وجودية وتاريخية للكائن الفرد في مصيره. إن معركة العلمانية في مجتمعاتنا هي فضاء انبثق بعد انهيار السوفييت، لكي يطوي قضية الحرية، ويضعها في جيب داخلي لثنائية القمع والفساد. ولنلاحظ أن ثلاثة الآن يتقاسمون العداء للحرية" سلطات وإسلامويين وعلمانويين. وأخذوا الآن بندا كان التيار القومي قد أفلس في الحديث عنه، وهو الخصوصية القومية والثقافية، وهذه نقطة تقاطع أخرى بين السلطة والإسلاميين، ولكن العلمانيين لا يرون أن لمجتمعاتنا هذه الخصوصية، ولكن فقط في قضية تشددهم العلماني، وليس في قضية الديمقراطية. بل هنالك منهم من يرى أن هذه المجتمعات لا تصلح للديمقراطية حتى تتعلمن، بقرار سلطوي عربي. لهذا سقطت قضية الحرية الآن. مشكلتنا مع النظم والإسلاميين ليست العلمانية بل هي الحرية، لأن العصرنة أو العلمنة هي طية ظاهرة في الحقل الدلالي لقضية الحرية. لو نظرنا إلى البلدان الإسلامية غير العربية، لوجدنا أن الديمقراطية تتقدم ومشكلة العلمانية هي جزء أصيل من قضية الحرية والديمقراطية، التي تتقدم في هذه البلدان، ولا تتقدم عندنا وإن تقدمت فهي تتقدم ببطء شديد، ونسخ لا تجذب كثيرا. الحرية ما بعد السلطة القائمة، التي تحتجزها، وليس بمرافقتها علمانيا.... وإذا كان خوف مشايخ العلمنية العربية محدثة النعمة، من أن تأتي الديمقراطية بالإسلاميين، فهذه من مصلحتهم، عندها يكون لنضالهم العلماني معنى، وكما قال عادل إمام في فيلمه طيور الظلام مخاطبا صديقه الإسلاموي" أنتم موجودون بالفساد" في حديثه عن ثنائية الفساد السياسي والإرهاب السياسي. ونحن نقول العلمانيون موجودون بالإسلامويين، والسلطة العربية طية محمية من الإشارات بمعناها الفلسفي العميق.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق وفلسطين...رجل منهك وإمرأة ضائعة.
-
ساركوزي وطني فرنسي- زيارة متخيلة لفرع فلسطين!
-
لماذا يعتقل الصحفي معن عاقل؟
-
الحوار المتمدن قضية حرية.
-
حول المآذن السويسرية مرة أخرى.
-
البيان الوزاري لحكومة الشيخ سعد الحريري.
-
منع المآذن في سويسرا وقوننة التواجد الإسلامي.
-
العرب ليسوا غائبين.
-
تعميقا للحوار بخصوص مسودة قانون الأحوال الشخصية.
-
مرة أخرى قانون مدني سوري للأحوال الشخصية.
-
الحلف الإيراني- السوري أسبابه داخلية 2-2
-
الحلف السوري- الإيراني، أسبابه داخلية.
-
حكومة وحدة وطنية، يعني وصاية الرئيس الأسد.
-
دمشق لازالت تنتظر.
-
التنظير لا يغير بالتفاصيل.
-
هيثم المالح والشراكة مع غيان أقصد ساركوزي.
-
نصف الكأس السوري الملآن
-
العلاقة السعودية- السورية
-
على إخوان سورية أن يفرملوا.
-
الأساسي-علاقة السلطة بالمجتمع السوري-
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|