|
القضية الكردية في تركيا
زهدي الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 00:04
المحور:
القضية الكردية
بعد ظهور أردوغان وحزبه منذ عام 2002 على المسرح السياسي التركي، تغيرت صورة الخارطة السياسية في هذا البلد الملئ بالتناقضات والمشاكل السياسية والاقتصادية والفساد الاداري وهيمنة العسكر وبروز التعصب القومي الشوفيني. لقد تمكن أردوغان من قيادة حزبه العدالة والتنمية (الإسلامي) وسط هذه الحزمة المتشابكة من التعقيدات ببراعة تدل على أنه قد وضع اليد على جذور تلك التعقيدات التي إن استمرت، فلا شك أنها ستؤدي إلى هلاك هذا البلد وتمزيق وحدته التي تحرسها حراب أصحاب الخوذات الحديدية التي لا زالت تعمل بعقلية الثلاثينات والأربعينات، تلك العقلية التي تلغي الآخر وتعتبر السلطة حكرا لفئة معينة لا يمكن تقاسمها أو ممارستها من قبل جهة أخرى مهما كانت نسبة نتائج الانتخابات النيابية التي تفوز بها بقرار من الشعب، وذلك باسم الحفاظ على الدستور العلماني الذي يؤكد على فصل الدين عن الدولة. صحيح أن العلمانية وفصل الدين عن الدولة موضوعة حضارية تتماشى مع روح العصر، إذ أنها تؤكد على مشاركة الجميع على قاعدة تكافؤ الفرص وحق المواطنين في الاختيار الحر لممثليهم إذا ما أريد بناء وطن ديمقراطي تعددي، تحترم فيه حقوق الانسان ويسود فيه القانون وينعم شعبه بالحرية. بيد أن نظرة الجنرالات الأتراك إلى محتوى هذه الموضوعة تختلف اختلافا كليا عن النظرة الحضارية للمجتمع المدني التي تحتويها دساتير الأمم الراقية. إنها تتماشى مع شعار التعصب القومي "تركيا للأتراك" أو "سعيد من يتكلم اللغة التركية" الخ.. هذا إلى جانب إنكار وجود قومية كردية أو أقليات مثل العرب والأرمن واليونانيين وغيرهم. إن تحول الحركة القومية الكردية في تركيا إلى قوة منظمة تمارس المقاومة منذ منتصف الثمانينات، قد هزت حكم الجنرالات وزادت من حدة حزمة التعقيدات المتشابكة آنفة الذكر و من خراب الاقتصاد التركي المنهار أساسا. واعتقد الحكام أن فوهة البندقية كفيلة بحل المشكلة الكردية، دون أن يأخذوا درسا من القضية الكردية في جارتهم العراق. واعتقدوا خطئا أنهم بالقائهم القبض على عبد الله اوجلان، قد أنهوا المشكلة. ولم يتمكن حزب اربخان الاسلامي المتطرف من وضع اليد على المشاكل الحقيقية التي يعانيها الشعب التركي، بل أراد أن يكافح ايديولوجية التعصب التركي بايديولوجية اسلامية أشد تعصبا، الأمر الذي أدى بالجنرالات الاطاحة به في العام 1997 بسهولة، رغم حصوله على الأغلبية المطلقة في الانتخابات. وها هو أردوغان يتصدر سدة الحكم للمرة الثانية بأكثرية مطلقة، متحديا ليس حزب الشعب الجمهوري الذي يقوده ديميز بايكال، وريث مصطفى كمال أتاتورك فحسب، بل حزب الحركة القومية المتطرف والجنرالات أيضا. إن طاقم الجنرالات وحزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر السلطة ملكه بالطابو والحركة القومية المتطرفة، حارسة الفكر القومي المتطرف، كل هؤلاء لا يمكنهم هضم واستيعاب الخارطة السياسية الجديدة التي يريد أن يرسمها أردوغان. وهكذا يبحثون عن الحجج المصطنعة المقنعة التي تعطيهم الحق للإطاحة به، بيد أن أردوغان يعرف جيدا مع من يتصارع. استنكر التطرف الاسلامي وصرح أنه رأى بأم عينيه في السجن ماذا يعني الارهاب باسم الدين وأكد أنه سيسير على أرث أتاتورك في فصل الدين عن الدولة، ولكنه سيحارب الفساد ويبني الاقتصاد التركي. وهو في طريقه لحل القضية الكردية بما ينسجم مع وحدة البلد والامكانات الواقعية التي تسمح له بذلك، إذ لا يمكن غض النظر عن وجود خمسة وثلاثين رئيس بلدية وأربعة محافظين كورد و أربعة وعشرين نائبا كرديا في البرلمان التركي. كما ولا يمكن الاستهانة بالمكاسب التي تحققت حتى الآن في بلد كان التكلم فيه حتى الأمس القريب باللغة الكردية محرما. على أي حال انهم يريدون إسقاطه، سواء بتوريطه بالحرب مع إقليم كردستان العراق أو اتهامه بالتسلل إلى الحكم بجبة اسلامية متطرفة تريد الغاء العلمانية والخروج عن جادة أتاتورك الخ.. بيد أن هذا الحلم صعب التحقيق، ذلك أنهم ينبغي أن يحسبوا حساب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والرأي العام العالمي. الرجل انسان نزيه يريد أن يخدم بلده ولم يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات اعتباطا كما ويمكن التفاهم معه في حدود إمكاناته الواقعية، إذ أنه يجب أن يحسب حساب القوى المذكورة في كل خطوة يخطوها. على ضوء كل هذه التطورات ينبغي للحركة القومية الكردية في تركيا أن تتخذ مسارا سياسيا جديدا في نضالها من أجل الحصول على حقوقها القومية المشروعة. إنها يجب أن توحد صفوفها وتطرح خلافاتها الثانوية جانبا ولا تقارن مكاسبها بما حققته الحركة الكردية في العراق. وهنا ينبغي على القيادة الكردية العراقية أن تلعب دورها الإيجابي والوسيط في التقريب بين وجهات النظر الكردية – التركية بالأساليب الدبلوماسية والسلمية ولا تصب الزيت في النار بالتهديدات والتلويح بالقتال. كما وينبغي على الحكومة التركية أن تعرف بأن إشعال فتيل الحرب مسألة هينة جدا، بيد أن إطفاءها أمر في غاية الصعوبة وأنه لا قرار لمستنقع الحرب الدموي. كما وعليها أن تعلم بأن القضية الكردية في تركيا حقيقة ناصعة وملموسة لا يمكن إخفاؤها بالغربال.
#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يعلن القاتل عن جريمته؟
-
تأملات
-
حول مفهوم الديمقراطية
-
على هامش حملة المثقفين العراقيين هل هي مشكلة عدنان الظاهر فق
...
-
وداعا قحطان الهرمزي: أحد أعمدة جماعة كركوك
-
سر غياب حمه جان
-
كامل شياع ، ميدالية شرف الكلمة
-
لمصلحة من هذه الحملة ضد الكورد؟
-
دعوة مخلصة لسياسة واقعية
-
كردي فيلي يبحث عن هويته
-
إلى اليسار در
-
إبراهيم الداقوقي في ذمة الخلود
-
حذار من توريط البيشمه ركه في القتال
-
أن نكون أو لا نكون
المزيد.....
-
رغم محاولة طمس الحقائق... محققو الأمم المتحدة يؤكدون وجود -أ
...
-
قلق أممي من تدهور الوضع الإنساني في جنين نتيجة العدوان الإسر
...
-
مكتب إعلام الأسرى: الاحتلال يفرج غدا في إطار الدفعة الرابعة
...
-
الأمن السوري: اعتقال رئيس فرع الأمن السياسي السابق في درعا ع
...
-
نائب أوكراني سابق يتهم جهاز الأمن الأوكراني بإنشاء معسكر اعت
...
-
-بينهم محكومون بالمؤبد-..مكتب إعلام الأسرى يكشف أسماء الفلسط
...
-
بولندا.. اعتقال مواطنين أوكرانيين لمحاولتهما السطو على مكتب
...
-
قلق أممي من تدهور الوضع الإنساني في جنين نتيجة العدوان الإسر
...
-
الأمم المتحدة ترد بقوة على تصريحات ترامب بشأن غوانتانامو
-
كيف ينظر الداخل الإسرائيلي لعملية تبادل الأسرى مع المقاومة ا
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|